180

وارتفع صوت قوي، سرعان ما أدرك أنه صوت برنجاريا، وقال: «وما هيئة هذا الرقيق النوبي الذي أتانا سفيرا في مثل هذه الرسالة من السلطان؟ أليس يا نفيل عبدا أسود الجلد، شعره مجعد كشعر الكبش، وأنفه أفطس، وشفتاه غليظتان؟ أليس كذلك يا سير هنري، يا أيها الرجل الكريم؟»

وقال صوت آخر: «ولا تنس جلالتك منه عظم الساق المنحني إلى الأمام كظباة الأحدب العربي.»

فقالت الملكة: «بل كسهم «كيوبد» إذ قد أتانا في رسالة محب عاشق. أي نفيل يا كريم النفس! إنك أبدا متأهب لأن تدخل السرور على قلوبنا نحن السيدات المسكينات، اللائي ليس لديهن إلا القليل من أسباب المرح نصرف بها ساعات الخمول؛ ينبغي أن نرى رسول الحب هذا، فلقد شهدت كثيرا من الأتراك والمغاربة، ولكني ما رأيت عبدا أسود قط.»

فقال الفارس الظريف: «إنما خلقت لأن أطيع أمر جلالتك، وإنك سوف تنيلينني الحظوة لدى سيدي إن سمحت لي أن أفعل ذلك، ودعيني أؤكد لجلالتك أنك سوف ترين رجلا يخالف ما تتوقعين.» «خير لنا هذا! هل هو أقبح مما يتصور خيالنا، وهو مع ذلك رسول الحب المصطفى من هذا السلطان الباسل المجيد!»

وقالت السيدة كالستا: «مولاتي صاحبة الجلالة، هل لي أن أتوسل إليك أن تسمحي للفارس الكريم أن يذهب وهذا الرسول رأسا إلى السيدة أديث التي ينبغي له أن يوجه إليها الخطاب؛ إننا ما كدنا ننجو من مثل هذا المزاح.»

فكررت الملكة كلمتها هازئة وقالت: «ننجو؟ أي والله، وقد تكونين مصيبة في حذرك يا كالستا؛ ليؤد هذا النوبي - كما تسمينه - رسالته أولا إلى ابنة عمنا. وفضلا عن ذلك فهو أبكم، أليس كذلك؟»

فأجاب الفارس قائلا: «أجل مولاتي الملكة.»

فقالت برنجاريا: «إنه للهو ملكي تتلهى به نساء الشرق، إذ يقوم بخدمتهن رجال يستطعن أن يقلن بحضرتهم ما شئن، وما يقدرون على رواية شيء منه. أما في معسكرنا، فالطيور في سمائها تحمل الأخبار، كما يقول أسقف سنت جود.»

فقال دي نفيل: «ذلك لأن جلالتك قد نسيت أنك تتكلمين داخل جدران من الوبر.»

وما إن قال كلمته هذه حتى خفتت الأصوات، وبعد قليل من الهمس عاد الفارس الإنجليزي ثانية إلى الأتيوبي، وأشار له أن يتبعه، ففعل، وسار به نفيل إلى سرادق ضرب على بعد من سرادق الملكة، وأعد - كما يبدو - لإيواء السيدة أديث وحاشيتها، وقد تسلمت إحدى وصيفاتها القبطيات الرسالة التي حملها هنري نفيل، وبعد بضع دقائق سيق النوبي إلى حضرة أديث، وبقي نفيل خارج الفسطاط، وأشارت السيدة إلى المملوكة التي قدمت الرجل بالانسحاب، ثم جثا الفارس البائس - وهو في هذا التنكر العجيب - على إحدى ركبتيه خاضعا خاشعا لا بوقفته فحسب، بل ومن صميم قلبه وفؤاده، ورنا ببصره نحو الأرض، وأطبق ذراعيه فوق صدره كأنه جارم يرتقب قضاءه وقدره. وكانت أديث ترتدي الرداء عينه الذي استقبله به الملك رتشارد، وحجابها الطويل الشفاف يتدلى حواليها كالظل في ليل من ليالي الصيف على أرض جميلة المنظر، والحجاب يخفي بعض جمالها ويعتم بعضه الآخر الذي لا يخفيه، وكانت تمسك بيدها مصباحا من الفضة يتقد بسائل عبق يتلألأ حين يحترق تلألؤا غير معهود.

Shafi da ba'a sani ba