وفي تلك الآونة رمى الملك بسهم آخر من سهام نظراته إلى مكان الزحام، فكروا جميعا قافلين، مخلفين الشيخ فوق الأرض عاجزا - كما يبدو - عن أن يحرك عضوا أو مفصلا من جسمه. وما انقضت لحظة حتى ساد الهدوء والسكينة، وعادت الأمور كما كانت قبل قدوم الشيخ.
الفصل الحادي والعشرون
أنا القاتل الواهن،
وهذا الذئب يعوي كأنه يرقبني؛
بخطى خفيفة الوطء كخطى «تاركوين»
1
أسير نحو الفريسة كما تسير الأشباح.
من «ماكبث» لشكسبير
ما انقضى ربع ساعة أو ما يزيد بعد الحادث الذي روينا حتى ساد السكون التام أمام مسكن المليك، وجلس الملك لدى مدخل السرادق بين القراءة والتأمل، وكان العبد النوبي ما يزال يجلو الدرقة الضخمة، موليا ظهره باب الفسطاط. وأمام هذا المشهد - على بعد نحو مائة خطوة - وقف بعض من عامة الحراس، وجلس بعضهم الآخر أو رقدوا مستلقين فوق العشب، لا يحفلون بغير قصفهم وطربهم، ويتبعهم في صمت وسكون ذلك الشيخ لا يحس به أحد، وما فتئ في الرحبة التي تمتد بين الحراس والسرادق، ما تكاد تميزه عن حزمة من الخرق البالية.
وكان النوبي يستخدم الدرقة كالمرآة، إذ كان لوجهيها بريق وهاج تنعكس عليه المرئيات انعكاسا واضحا. ولشد ما كانت دهشته وذعره حينما رأى فيها أن الشيخ قد رفع رأسه قليلا عن الأرض حتى يرى كل ما كان يدور حواليه، وأخذ يتحرك بحذر وإحكام لا يتفقان البتة وما كان عليه من ثمل، ثم نكس رأسه في الحال، وكأنه اطمأن إلى أن أحدا لم يكن يرقبه، وشرع يزحف وما يكاد الرائي يلمس في حركته جهدا تلقائيا، كأنه يتقدم عفوا نحو الملك شيئا فشيئا، ولكنه بين الحين والحين يقف ويلبث ساكنا، كالعنكبوت يسير نحو غايته ثم تراه وكأن معين الحياة قد نضب منه؛ إذ ظن أنه بات محط النظر، فارتاب النوبي في هذا الضرب من الحركة، وتأهب من جانبه - مسرعا على قدر ما يستطيع - حتى يتدخل في اللحظة التي يمسي تدخله فيها أمرا لا مندوحة عنه.
Shafi da ba'a sani ba