فقال الحكيم: «وهل هكذا يرد أعلى أمراء الفرنجة فضلا أصاب شخصه الكريم؟» وبدل من وقفته الخاشعة الذليلة، التي وقف حتى ذاك متضرعا إلى الملك، وقفة الشامخ الآمر، ثم قال: «فلتعلم إذن أني سوف أذيع في كل بلاط في أوروبا وآسيا - لكل مسلم ونصراني، ولكل فارس وسيدة، وحيثما يضرب على وتر أو يمتشق حسام، وأنى يستحب الشرف ويمقت الخزي والعار - أن الملك رتشارد جحود ضيق الفكر، وستبلغ فضيحتك هذه كل بلد لم يسمع باسمك - إن كان هناك منها ما هو كذلك!»
فأجاب رتشارد وقد أفج في خطاه نحوه غاضبا وقال: «هل هذه شروط تشرطها علي أيها الرجل؟ هل كللت من حياتك؟»
فقال الحكيم: «دق عنقي! إذن ليبخسن عملك قدرك أكثر مما تستطيع كلماتي، وإن كان لكل منها لدغ الزنبور.»
فأشاح رتشارد عنه بوجهه هائجا، وقد أطبق ساعديه، وعبر السرادق من جانب إلى آخر كما فعل من قبل، ثم صاح: «جحود ضيق الفكر؟ إذن فلتصمني بالجبن والكفر! أيها الحكيم، لقد أعطيت سؤلك، وإني وإن كان خيرا لي أن تطلب إلي جواهر تاجي، ليس لي كملك أن أنكر عليك ما أردت. خذ هذا الاسكتلندي إذن تحت حفظك، وسيسلمك إياه السجان على هذه البينة.»
ثم خط مسرعا سطرا أو سطرين وسلمهما إلى الطبيب.
ثم قال: «واستخدمه لديك عبدا رقيقا، وتصرف في أمره كيفما شئت، ولكن حذره من أن يأتي تحت بصر رتشارد. استمع إلي، فأنت رجل حكيم، إنه جاوز الجرأة بين أولئك اللائي نودع شرفنا في جميل محياهن وضعف كلمهن، كما تودعون أنتم أهل الشرق كنوزكم في صناديق من سلوك الفضة دقيقة رقيقة كخيوط الشمس.»
فاستعاد الحكيم لتوه في أسلوب خطابه ذلك الاحترام الذي بدأ به وقال: «إن خادمك يدرك كلمات مليكه. إذا تلوث البساط النفيس أشار الأحمق إلى ما يشوبه، وستره الرجل الحكيم بعباءته. لقد سمعت ما يريد مولاي، وما سمعي إلا طاعة.»
فقال الملك: «خير له أن يبقي على سلامته، وألا يظهر في حضرتي بعد هذا. هل هناك أمر آخر أستطيع أن أدخل به السرور على نفسك؟»
فقال الحكيم: «والله لقد ملأ الملك بسخائه كأسي حتى حافتها. أجل لقد كان جودك غزيرا كتلك العين التي انبثقت وسط مخيم بني إسرائيل حينما ضرب موسى بن عمران الحجر بعصاه.»
فقال الملك باسما: «أجل ولكن هذا الجود قد تطلب - كما تطلبت الصحراء - ضربة قوية فوق الصخر قبل أن يخرج ما به من كنوز، والله لوددت لو أني عرفت ما أسرك به، إذن لوهبتك طائعا كما تلفظ العين الطبيعية ماءها.»
Shafi da ba'a sani ba