الَّتِي دَمُ أَصْحَابِهَا فِي غَايَةِ النُّضْجِ الْحِجَامَةُ فِيهَا أَنْفَعُ مِنَ الْفَصْدِ بِكَثِيرٍ، فَإِنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ وَيَرِقُّ وَيَخْرُجُ إِلَى سَطْحِ الْجَسَدِ الدَّاخِلِ، فَتُخْرِجُ الْحِجَامَةُ مَا لَا يُخْرِجُهُ الْفَصْدُ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَنْفَعَ لِلصِّبْيَانِ مِنَ الْفَصْدِ، وَلِمَنْ لَا يَقْوَى عَلَى الْفَصْدِ وَقَدْ نَصَّ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْبِلَادَ الْحَارَّةَ الْحِجَامَةُ فِيهَا أَنْفَعُ وَأَفْضَلُ مِنَ الْفَصْدِ، وَتُسْتَحَبُّ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، وَبَعْدَ وَسَطِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ، فِي الرُّبُعِ الثَّالِثِ مِنْ أَرْبَاعِ الشَّهْرِ، لِأَنَّ الدَّمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ قَدْ هَاجَ وَتَبَيَّغَ، وَفِي آخِرِهِ يَكُونُ قَدْ سَكَنَ. وَأَمَّا فِي وَسَطِهِ وَبُعَيْدَهُ، فَيَكُونُ فِي نِهَايَةِ التَّزَيُّدِ.
قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ: وَيُؤْمَرُ بِاسْتِعْمَالِ الْحِجَامَةِ لَا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، لِأَنَّ الْأَخْلَاطَ لَا تَكُونُ قَدْ تَحَرَّكَتْ وَهَاجَتْ، وَلَا فِي آخِرِهِ لِأَنَّهَا تَكُونُ قَدْ نَقَصَتْ، بَلْ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ حِينَ تَكُونُ الْأَخْلَاطُ هَائِجَةً بَالِغَةً فِي تَزَايُدِهَا لِتَزَيُّدِ النُّورِ فِي جُرْمِ الْقَمَرِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ» «١» . وَفِي حَدِيثٍ: «خَيْرُ الدَّوَاءِ الْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ» . انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ ﷺ: «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ» إِشَارَةٌ إِلَى أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ، لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ رَقِيقَةٌ، وَهِيَ أَمْيَلُ إِلَى ظَاهِرِ أَبْدَانِهِمْ لِجَذْبِ الْحَرَارَةِ الْخَارِجَةِ لَهَا إِلَى سَطْحِ الْجَسَدِ، وَاجْتِمَاعِهَا فِي نَوَاحِي الْجِلْدِ، وَلِأَنَّ مَسَامَّ أَبْدَانِهِمْ وَاسِعَةٌ، وَقُوَاهُمْ مُتَخَلْخِلَةٌ، فَفِي الْفَصْدِ لَهُمْ خَطَرٌ، وَالْحِجَامَةُ تَفَرُّقٌ اتِّصَالِيٌّ إِرَادِيٌّ يَتْبَعُهُ اسْتِفْرَاغٌ كُلِّيٌّ مِنَ الْعُرُوقِ وَخَاصَّةً الْعُرُوقَ الَّتِي لَا تُفْصَدُ كَثِيرًا وَلِفَصْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَفْعٌ خَاصٌّ، فَفَصْدُ الْبَاسَلِيقِ: يَنْفَعُ مِنْ حَرَارَةِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْأَوْرَامِ الْكَائِنَةِ فِيهِمَا مِنَ الدَّمِ، وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ الرِّئَةِ، وَيَنْفَعُ مِنَ الشُّوصَةِ «٢» وَذَاتِ الْجَنْبِ وَجَمِيعِ الْأَمْرَاضِ الدَّمَوِيَّةِ الْعَارِضَةِ مِنْ أَسْفَلِ الرُّكْبَةِ إِلَى الْوَرِكِ.
وَفَصْدُ الْأَكْحَلِ: يَنْفَعُ مِنَ الِامْتِلَاءِ الْعَارِضِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ إِذَا كَانَ دَمَوِيًّا، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الدَّمُ قَدْ فَسَدَ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ.
وَفَصْدُ الْقِيفَالِ: «٣» يَنْفَعُ مِنَ الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ فِي الرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ مِنْ كَثْرَةِ الدَّمِ أو فساده.
_________
(١) أخرجه ابو نعيم في كتاب الطب النبوي بلفظ «خير ما تداويتم به الحجم والفصد» عن علي أمير المؤمنين ﵁، أما لفظ «خير ما تداويتم به الحجامة والفصد» بتأنيث الحجامة لم نعثر عليه في شيء من كتب الحديث التي اطلعنا عليها.
(٢) الشّوصة: وجع في البطن، أو هي ريح تعتقب في الأضلاع، أو ورم في حجابها من داخل، واحتلاح العرق- انظر القاموس المحيط
(٣) القيفال بالكسر: عرق في اليد يفصد- المرجع السابق
1 / 43