183

Magungunan Annabi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Mai Buga Littafi

دار الهلال

Lambar Fassara

-

Inda aka buga

بيروت

مِنَ الْمَعْلُومِ افْتِقَارُ الْبَدَنِ فِي بَقَائِهِ إِلَى الغذاء والشراب، ولا يصير الغذاء بجملته جزآ من البدن، بل لابد أَنْ يَبْقَى مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ هَضْمٍ بَقِيَّةٌ مَا، إِذَا كَثُرَتْ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ اجْتَمَعَ مِنْهَا شَيْءٌ لَهُ كَمِّيَّةٌ وَكَيْفِيَّةٌ، فَيَضُرُّ بِكَمِّيَّتِهِ بِأَنْ يَسُدَّ وَيُثْقِلَ الْبَدَنَ، وَيُوجِبَ أَمْرَاضَ الِاحْتِبَاسِ، وَإِنِ اسْتَفْرَغَ تَأَذَّى الْبَدَنُ بِالْأَدْوِيَةِ، لِأَنَّ أَكْثَرَهَا سُمِّيَّةٌ، وَلَا تَخْلُو مِنْ إِخْرَاجِ الصَّالِحِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، وَيَضُرُّ بِكَيْفِيَّتِهِ، بِأَنْ يُسَخِّنَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بالعفن، أو يبرد بنفسسه، أَوْ يُضْعِفَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ عَنْ إِنْضَاجِهِ. وَسُدَدُ الْفَضَلَاتِ لَا مَحَالَةَ ضَارَّةٌ تُرِكَتْ، أَوِ اسْتُفْرِغَتْ، والحركة أقوى الأسباب في منع تولدها، فإنه تُسَخِّنُ الْأَعْضَاءَ، وَتُسِيلُ فَضَلَاتِهَا، فَلَا تَجْتَمِعُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ، وَتُعَوِّدُ الْبَدَنَ الْخِفَّةَ وَالنَّشَاطَ، وَتَجْعَلُهُ قَابِلًا لِلْغِذَاءِ، وَتُصَلِّبُ الْمَفَاصِلَ، وَتُقَوِّي الْأَوْتَارَ وَالرِّبَاطَاتِ، وَتُؤَمِّنُ جَمِيعَ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ وَأَكْثَرَ الْأَمْرَاضِ الْمِزَاجِيَّةِ إِذَا اسْتُعْمِلَ الْقَدْرُ الْمُعْتَدِلُ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ بَاقِي التَّدْبِيرِ صَوَابًا. وَوَقْتُ الرِّيَاضَةِ بَعْدَ انْحِدَارِ الْغِذَاءِ، وَكَمَالِ الْهَضْمِ، وَالرِّيَاضَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ الَّتِي تَحْمَرُّ فِيهَا الْبَشَرَةُ، وَتَرْبُو وَيَتَنَدَّى بِهَا الْبَدَنُ، وَأَمَّا الَّتِي يَلْزَمُهَا سَيَلَانُ الْعَرَقِ فَمُفْرِطَةٌ، وَأَيُّ عُضْوٍ كَثُرَتْ رِيَاضَتُهُ قَوِيَ، وَخُصُوصًا عَلَى نَوْعِ تِلْكَ الرِّيَاضَةِ، بَلْ كُلُّ قُوَّةٍ فَهَذَا شَأْنُهَا، فَإِنَّ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْحِفْظِ قَوِيَتْ حَافِظَتُهُ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْفِكْرِ قَوِيَتْ قُوَّتُهُ الْمُفَكِّرَةُ، وَلِكُلِّ عُضْوٍ رِيَاضَةٌ تَخُصُّهُ، فَلِلصَّدْرِ الْقِرَاءَةُ، فليبتدىء فِيهَا مِنَ الْخُفْيَةِ إِلَى الْجَهْرِ بِتَدْرِيجٍ، وَرِيَاضَةُ السَّمْعِ بِسَمْعِ الْأَصْوَاتِ، وَالْكَلَامِ بِالتَّدْرِيجِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْأَخَفِّ إِلَى الْأَثْقَلِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ اللِّسَانِ فِي الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْبَصَرِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْمَشْيِ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَأَمَّا رُكُوبُ الْخَيْلِ، وَرَمْيُ النُّشَّابِ، وَالصِّرَاعُ، وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ، فَرِيَاضَةٌ لِلْبَدَنِ كُلِّهِ، وَهِيَ قَالِعَةٌ لِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ، كَالْجُذَامِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، والقولنج.

1 / 185