15

Magungunan Annabi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Mai Buga Littafi

دار الهلال

Lambar Fassara

-

Inda aka buga

بيروت

وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ مِنَ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَطِبَّاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: لَيْسَ فِي الْبَدَنِ جُزْءٌ نَارِيٌّ بِالْفِعْلِ، وَاسْتَدَلَّوا بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ النَّارِيَّ إِمَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ نَزَلَ عَنِ الْأَثِيرِ، وَاخْتَلَطَ بِهَذِهِ الْأَجْزَاءِ الْمَائِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ تَوَلَّدَ فِيهَا وَتَكَوَّنَ، وَالْأَوَّلُ مُسْتَبْعَدٌ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّارَ بِالطَّبْعِ صَاعِدَةٌ، فَلَوْ نَزَلَتْ، لَكَانَتْ بِقَاسِرٍ مِنْ مَرْكَزِهَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ. الثَّانِي: أَنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ النَّارِيَّةَ لابدّ فِي نُزُولِهَا أَنْ تَعْبُرَ عَلَى كُرَةِ الزَّمْهَرِيرِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْبَرْدِ، وَنَحْنُ نُشَاهِدُ في هذا العالم أن النار العظيمة تنطفىء بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ، فَتِلْكَ الْأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ عِنْدَ مُرُورِهَا بِكُرَةِ الزَّمْهَرِيرِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْبَرْدِ، وَنِهَايَةِ الْعِظَمِ أَوْلَى بِالِانْطِفَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي- وَهُوَ أن يقال: إنها تكونت ها هنا- فَهُوَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ، لِأَنَّ الْجِسْمَ الَّذِي صَارَ نَارًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، قَدْ كَانَ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ إِمَّا أَرْضًا، وَإِمَّا مَاءً، وَإِمَّا هَوَاءً لِانْحِصَارِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَدْ صَارَ نَارًا أَوَّلًا، كَانَ مُخْتَلِطًا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَجْسَامِ، وَمُتَّصِلًا بِهَا، وَالْجِسْمُ الَّذِي لَا يَكُونُ نَارًا إِذَا اخْتَلَطَ بِأَجْسَامٍ عَظِيمَةٍ لَيْسَتْ بِنَارٍ وَلَا وَاحِدٍ مِنْهَا، لَا يَكُونُ مُسْتَعِدًّا لِأَنْ يَنْقَلِبَ نَارًا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِنَارٍ، وَالْأَجْسَامُ الْمُخْتَلِطَةُ بَارِدَةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَعِدًّا لِانْقِلَابِهِ نَارًا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: لِمَ لَا تَكُونُ هُنَاكَ أَجْزَاءٌ نَارِيَّةٌ تَقْلِبُ هَذِهِ الْأَجْسَامَ، وَتَجْعَلُهَا نَارًا بِسَبَبِ مُخَالَطَتِهَا إيَّاهَا؟ قُلْنَا: الْكَلَامُ فِي حُصُولِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ النَّارِيَّةِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ، فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّا نَرَى مِنْ رَشِّ الْمَاءِ عَلَى النَّوْرَةِ «١» الْمُطْفَأَةِ تَنْفَصِلُ مِنْهَا نارا، وَإِذَا وَقَعَ شُعَاعُ الشَّمْسِ عَلَى الْبَلُّورَةِ، ظَهَرَتِ النَّارُ مِنْهَا، وَإِذَا ضَرَبْنَا الْحَجَرَ عَلَى الْحَدِيدِ، ظَهَرَتِ النَّارُ، وَكُلُّ هَذِهِ النَّارِيَّةِ حَدَثَتْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ مَا قَرَّرْتُمُوهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَيْضًا. قَالَ الْمُنْكِرُونَ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أن تكون المصاكّة [٢] لشديدة مُحْدِثَةً لِلنَّارِ، كَمَا فِي ضَرْبِ الْحِجَارَةِ عَلَى الْحَدِيدِ، أَوْ تَكُونُ قُوَّةُ تَسْخِينِ الشَّمْسِ مُحْدِثَةً لِلنَّارِ، كَمَا فِي الْبَلُّورَةِ، لَكِنَّا نَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ جِدًّا فِي أَجْرَامِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، إذْ لَيْسَ في أجرامها

(١) تطلعه النّورة على حجر الكلس، ثم غلب هذا اللفظ على مواد تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره.

1 / 17