143

Magungunan Annabi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Mai Buga Littafi

دار الهلال

Lambar Fassara

-

Inda aka buga

بيروت

فَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ هَذَا الْكِيرُ فِي الدُّنْيَا، فَبَيْنَ يَدَيْهِ الْكِيرُ الْأَعْظَمُ، فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ إِدْخَالَهُ كِيرَ الدُّنْيَا وَمَسْبَكَهَا خَيْرٌ لَهُ من ذلك الكير والمسبك، وأنه لابد مِنْ أَحَدِ الْكِيرَيْنِ، فَلْيَعْلَمْ قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْكِيرِ الْعَاجِلِ. وَمِنْ عِلَاجِهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْلَا مِحَنُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا، لَأَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ أَدْوَاءِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالْفَرْعَنَةِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ مَا هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِ عَاجِلًا وَآجِلًا، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ أَنْ يَتَفَقَّدَهُ فِي الْأَحْيَانِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ أَدْوِيَةِ الْمَصَائِبِ، تَكُونُ حَمِيَّةً لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ، وَحِفْظًا لِصِحَّةِ عُبُودِيَّتِهِ، وَاسْتِفْرَاغًا لِلْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ الرَّدِيئَةِ الْمُهْلِكَةِ مِنْهُ، فَسُبْحَانَ مَنْ يَرْحَمُ بِبَلَائِهِ، وَيَبْتَلِي بِنَعْمَائِهِ كَمَا قِيلَ: قد ينعم الله بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ ... وَيَبْتَلِي اللَّهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ فَلَوْلَا أَنَّهُ- سُبْحَانَهُ- يُدَاوِي عِبَادَهُ بِأَدْوِيَةِ الْمِحَنِ وَالِابْتِلَاءِ، لَطَغَوْا، وَبَغَوْا، وَعَتَوْا، وَاللَّهُ- سُبْحَانَهُ- إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا سَقَاهُ دَوَاءً مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ يَسْتَفْرِغُ بِهِ مِنَ الْأَدْوَاءِ الْمُهْلِكَةِ، حَتَّى إِذَا هَذَّبَهُ وَنَقَّاهُ وَصَفَّاهُ، أَهَّلَهُ لِأَشْرَفِ مَرَاتِبِ الدُّنْيَا، وَهِيَ عُبُودِيَّتُهُ، وَأَرْفَعِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ رُؤْيَتُهُ وَقُرْبُهُ. وَمِنْ عِلَاجِهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا هِيَ بِعَيْنِهَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ، يَقْلِبُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ، وَحَلَاوَةَ الدُّنْيَا بِعَيْنِهَا مَرَارَةُ الْآخِرَةِ، وَلَأَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَرَارَةٍ مُنْقَطِعَةٍ إِلَى حَلَاوَةٍ دَائِمَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ، فَإِنْ خَفِيَ عَلَيْكَ هَذَا، فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ»» . وَفِي هَذَا الْمَقَامِ تَفَاوَتَتْ عُقُولُ الْخَلَائِقِ، وَظَهَرَتْ حَقَائِقُ الرِّجَالِ، فَأَكْثَرُهُمْ آثَرَ الْحَلَاوَةَ الْمُنْقَطِعَةَ عَلَى الْحَلَاوَةِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا تَزُولُ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ مَرَارَةَ سَاعَةٍ لِحَلَاوَةِ الْأَبَدِ، وَلَا ذُلَّ سَاعَةٍ لِعِزِّ الْأَبَدِ، وَلَا مِحْنَةَ سَاعَةٍ لِعَافِيَةِ الْأَبَدِ، فَإِنَّ الْحَاضِرَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَالْمُنْتَظَرَ غَيْبٌ، وَالْإِيمَانَ ضَعِيفٌ، وَسُلْطَانُ الشَّهْوَةِ حَاكِمٌ، فَتَوَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ إِيثَارُ الْعَاجِلَةِ، وَرَفْضُ الْآخِرَةِ، وَهَذَا حَالُ النَّظَرِ الْوَاقِعِ عَلَى ظواهر الأمور،

(١) أخرجه مسلم في الجنة.

1 / 145