139

Magungunan Annabi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Mai Buga Littafi

دار الهلال

Lambar Fassara

-

Inda aka buga

بيروت

يَسِيرٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي أَوْجَدَهُ عَنْ عَدَمِهِ، حَتَّى يَكُونَ مِلْكُهُ حَقِيقَةً، وَلَا هُوَ الَّذِي يَحْفَظُهُ مِنَ الْآفَاتِ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلَا يُبْقِي عَلَيْهِ وُجُودَهُ، فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ، وَلَا مِلْكٌ حَقِيقِيٌّ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِالْأَمْرِ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ الْمَنْهِيِّ، لَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ إِلَّا مَا وَافَقَ أَمْرَ مَالِكِهِ الْحَقِيقِيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَصِيرَ الْعَبْدِ وَمَرْجِعَهُ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُ الْحَقِّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُخَلِّفَ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَيَجِيءَ رَبَّهُ فَرْدًا كَمَا خَلَقَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَشِيرَةٍ، وَلَكِنْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ بِدَايَةَ الْعَبْدِ وَمَا خُوِّلَهُ وَنِهَايَتَهُ، فَكَيْفَ يَفْرَحُ بِمَوْجُودٍ، أَوْ يَأْسَى عَلَى مَفْقُودٍ، فَفِكْرُهُ فِي مَبْدَئِهِ وَمَعَادِهِ مِنْ أَعْظَمِ عِلَاجِ هَذَا الدَّاءِ، وَمِنْ عِلَاجِهِ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. قَالَ تَعَالَى: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ «١» وَمِنْ عِلَاجِهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا أُصِيبَ بِهِ، فَيَجِدُ رَبَّهُ قَدْ أَبْقَى عَلَيْهِ مِثْلَهُ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَادَّخَرَ لَهُ- إِنْ صَبَرَ وَرَضِيَ- مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ فَوَاتِ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهَا أعظم مما هي. ومن علاجه أن يطفىء نَارَ مُصِيبَتِهِ بِبَرْدِ التَّأَسِّي بِأَهْلِ الْمَصَائِبِ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّهُ فِي كُلِّ وَادٍ بَنُو سَعْدٍ [١]، وَلْيَنْظُرْ يَمْنَةً، فَهَلْ يَرَى إِلَّا مِحْنَةً؟ ثُمَّ لِيَعْطِفْ يَسْرَةً، فَهَلْ يَرَى إِلَّا حَسْرَةً؟ [٢]، وَأَنَّهُ لَوْ فتش العالم لم يرفيهم إِلَّا مُبْتَلًى، إِمَّا بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ، أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ، وَأَنَّ شُرُورَ الدُّنْيَا أَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ، إِنْ أَضْحَكَتْ قَلِيلًا، أَبْكَتْ كَثِيرًا، وَإِنْ سَرَّتْ يَوْمًا، سَاءَتْ دَهْرًا، وَإِنْ مَتَّعَتْ قَلِيلًا، مَنَعَتْ طَوِيلًا، وَمَا مَلَأَتْ دَارًا خِيرَةً إِلَّا مَلَأَتْهَا عَبْرَةً، وَلَا سَرَّتْهُ بِيَوْمِ سُرُورٍ إِلَّا خَبَّأَتْ لَهُ يَوْمَ شُرُورٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ- ﵁: لِكُلِّ فَرْحَةٍ تَرْحَةٌ، وما ملىء بيت فرحا إلا ملىء تَرَحًا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطُّ إِلَّا كَانَ مِنْ بَعْدِهِ بُكَاءٌ. وَقَالَتْ هند بنت النعمان: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ مُلْكًا، ثُمَّ لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ حَتَّى رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ أَقَلُّ النَّاسِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَلَّا يَمْلَأَ دَارًا خِيرَةً إلا ملأها عبرة.

(١) الحديد- ٢٢-

1 / 141