ثم يغشى هذه الجملة اللحم والسمن والشحم، وقد جعل سبحانه وتعالى اللحم ليسد خلل الأعضاء ويقيها البرد والانصداع والانقطاع، ومنه ما هو مثل الوطا، مثل لحم الفخذين والإليتين.
وأما السمن فإنه مادة الحرارة، إذ النار لا تقوم إلا بالدهن.
وأما الشحم فإنه يسخن آلات الغذاء مثل الدثار فتعين على الهضم، وأكثره على مراق البطن والأمعاء.
كلما كملت البنية غطاها سبحانه وتعالى بالجلد، وجعل منه رقيقا مثل جلد الوجه لما احتيج فيها إلى الحسن والجمال، وجعل منه غليظا مثل جلد باطن القدم لما احتيج فيها إلى [الحرارة] والمشي وملاقاة الأجسام الصلبة.
ثم أودع سبحانه وله الحمد في الجلد ضروب الحس واللمس، وأوصل به فوهات العروق، ففي أي موضع بخشته، ولو بإبرة، نبع منه الدم وذلك بسبب تغذيته.
ثم أنبت فيه أنواع النبات من الشعر والأظفار، فجعل من الشعر ما هو للزينة والوقاية مثل شعر الرأس والحاجبين، وهدب العينين، فإن شعر الحاجبين والرأس للزينة، وشعر هدب العينين ليوقي العينين من شيء يقع فيها وللزينة.
فلو تصورنا رجلا أقرع محلوق شعر الحاجبين والعينين، لكان أشنع الأشكال وأقبحها، ألا ترى القلندرية ما أقبح أشكالهم وأشنعها.
ومن تمام حكمته ورحمته جعل شعر الحاجبين والعينين واقفا لا يطول، إذ لو طال لانسبل على العينين، وأضر بالبصر ولو كان نابتا إلى فوق أو إلى أسفل لعاق البصر. فإن من جملة أمراض العين الشعرة الزائدة، فإنها تضر البصر وتعالج بالقلع، ومن الشعور ما هو للزينة مثل شعر اللحية، فإنه يفيد الرجل مهابة ووقارا، ألا ترى الخصيان عند كبرهم ما أقبح وجوههم.
Shafi 312