والفيلسوف والكاتب الرواقي سينيكا.
23
ومن هنا أيضا تسللت بعض الخيوط إلى أدب السخرية والهجاء عند الرومان (راجع، على سبيل المثال، الثرثار ضمن هجائيات هوراس التي تميزت ببراعة رسم الشخصيات والمواقف وقوة الملاحظة؛ الثرثرات 1-9). وفي أواخر العصر القديم اتجهت الأنظار إلى «الطباع» بوصفه كتابا في الأخلاق يمكن أن يشفي الناس من الرذائل ويجنبهم الوقوع في الزلل. وتدخلت فيه بعض الأقلام، فمهدت له بمقدمة وألحقت به بعض التعليقات الأخلاقية. ثم ضم الكتاب بعد ذلك بقليل إلى مجموعة الكتابات والشروح المدرسية في الخطابة والبلاغة، وتركز الاهتمام على المادة التي يحتويها، كما اعتبر نموذجا يحتذى في رسم الشخصيات.
وامتد هذا الاهتمام إلى أواخر العصر البيزنطي، فأقبل القراء على الاطلاع عليه في شغف شديد. يشهد على ذلك العديد من مخطوطاته التي وصلتنا من ذلك العصر، بالإضافة إلى «مقتطفات ميونخ» التي تحوي إحدى وعشرين لوحة من لوحاته (من المتملق إلى الطموح)، وإلى الجهود التي بذلها ماكسيموس بلانوديس لإصلاح النص الذي أصابه التشوه الشديد.
ولم يعرف كتاب الطباع في العرب إلا في أوائل عصر النهضة عندما ترجمه «لابودا كاستيليونكيو» (1430) إلى اللاتينية، وتمت مراجعة الترجمة بعد ذلك أكثر من مرة. وأخيرا طبع الكتاب (من اللوحة الأولى إلى الخامسة عشر) وظهر سنة 1527 في مدينة نورنبرج. وقد ارتبط ظهور هذه الطبعة بأسماء بعض أعلام عصر النهضة (مثل فيليبالد بيركهيمر 1470-1530 من رواد النزعة الإنسانية، وكان له الفضل في الحصول على مخطوطة الكتاب من بيكوديلا ميراندولا،
24
وفي إعداده للنشر وإهدائه إلى فنان عصر النهضة الكبير ألبرشت دور)، غير أن الكتاب لم يعرف على نطاق واسع إلا بفضل الشروح الدقيقة التي أضافها إسحق كازاوبونوس إلى طبعته التي صدرت في لندن سنة 1592 وأعيد نشرها بعد ذلك مرات عديدة.
والظاهر أن هذه الشروح ظهرت في وقتها المناسب؛ فقد تزايد الاهتمام في أوروبا بأخلاق البشر وطباعهم، وصحا الوعي صحوة جديدة على الخصائص التي يتفرد بها كل واحد منهم، وعلى جوانب الضعف والنقص التي تعتريهم، وأصبح النقد الاجتماعي مطلبا ملحا عند الجميع، ووصل الشغف بمعرفة طباع الناس وتحديد سماتهم الأخلاقية إلى الحد الذي غدا معه رسم اللوحات (أو البورتريهات) لعبة اجتماعية يشارك فيها العلماء وغير العلماء. ولقي «الكتيب الذهبي» في أوروبا القرنين السابع عشر والثامن عشر من الحماس والانتشار ما فاق كل تصور، وانعكس كذلك على بعض الأعمال المتميزة؛ ففي إنجلترا انهمرت الكتابات الأدبية المختلفة عن الطباع في القرن السابع عشر إلى الحد الذي يمكن معه القول بأن أصحابها استطاعوا أن يؤسسوا نوعا أدبيا خاصا بها. ويكفي أن نذكر أسماء بعض هؤلاء الكتاب الذين أوشك عددهم أن يفوق الحصر: جوزيف هال، وجون ستيفنز، وسير توماس أوفربري، ونيوكلاس بريتون، وبن جونسون، وجون إيرل، وتوماس فلر، وصمويل بتلر.
25
واستجابت بعض الصحف الأسبوعية في بداية القرن الثامن عشر لعطش القراء لهذا النوع المحبوب من الكتابة، فخصصت التاتلر والإسبيكتاتور والجارديان
Shafi da ba'a sani ba