يتعلق آخر تأثير لمبدأ التكامل بالترجمة، إليك المعتقد التالي الراسخ منذ وقت طويل:
خرافة: الأشخاص الثنائيو اللغة مترجمون بالفطرة
كم مرة طرح عليك كثنائي اللغة هذا السؤال: «حسنا، نظرا لأنك ثنائي اللغة في اللغتين «س» و«ص»، فهل يمكنك أن تترجم لي هذا؟» وشعرت بعدم القدرة على تقديم ترجمة؟ بالطبع نحاول نحن الأشخاص الثنائيي اللغة إرضاء من نتحدث معه (إلى أن تصبح الطلبات كثيرة أو صعبة أكثر مما ينبغي)، لكننا نضطر كثيرا إلى شرح سبب عدم قدرتنا على إجادة هذا الأمر؛ لأننا لا نعرف كثيرا من المفردات والتعبيرات المقابلة الخاصة بالترجمة، على سبيل المثال، أو لا نفهم جزءا متخصصا خاصا بمجال معين من النص. يكون دوما الرد الذي نحصل عليه: «حسنا، لكني كنت أظنك ثنائي اللغة!»
يمكن تفسير افتقار ثنائيي اللغة لمهارات الترجمة من خلال مبدأ التكامل؛ فإن لم تكن لدى ثنائيي اللغة مجالات تغطيها لغتاهم، أو إن لم يكونوا قد اكتسبوا اللغة التي يترجمون إليها (اللغة المستهدفة) بطريقة تركز على المفردات والتعبيرات المقابلة الخاصة بالترجمة، ومن ثم على بناء جسر بين اللغتين الأولى والثانية، فإنهم قد يجدون أنفسهم دون مصادر تمكنهم من إنتاج ترجمة جيدة؛ فقد يفتقرون في مجالات معينة إلى المفردات أو مجموعة التعبيرات المطلوبة. هذا بالضبط ما حدث معي عندما اضطررت إلى ترجمة مصطلحات إحصائية من الإنجليزية إلى الفرنسية؛ فببساطة لم أكن أعرفها. بالإضافة إلى ذلك، قد يفتقر الأشخاص الثنائيو اللغة إلى التنوع الأسلوبي في اللغة المستهدفة، أو إلى المعرفة الثقافية أو الفنية المطلوبة لفهم ما يقال في اللغة المراد الترجمة منها. ومن ثم، على الرغم من أن الأشخاص الثنائيي اللغة يستطيعون عادة ترجمة أشياء بسيطة من لغة إلى أخرى، فإنهم عادة ما يواجهون صعوبات مع أكثر المجالات تخصصا. هذا لا ينتقص أبدا من كونهم ثنائيي اللغة، وإنما يعكس ببساطة حقيقة أن لغاتهم المختلفة موزعة على مجالات حياتهم المختلفة، وتتداخل فقط في بعض منها.
يوجد تأثير آخر أقل مباشرة إلى حد ما لمبدأ التكامل يتعلق بالذاكرة؛ فيبدو أن الأشخاص الثنائيي اللغة يتذكرون الأشياء على نحو أفضل عندما تكون اللغة المستخدمة في التذكر هي نفسها اللغة التي استخدموها في وقت وقوع هذا الحدث في مجال معين. يذكر الباحثان أولريك نايسر وفيوريكا ماريان قصتين قصيرتين كدليل على هذا عند تقديمهما دراسة تؤكد هذه النقطة. قدمت القصة الأولى الباحثة المتعددة اللغات أنيتا بافلينكو؛ فعندما سئلت، بالروسية، عن رقم شقتها في الولايات المتحدة، قدمت خطأ رقم شقتها القديمة في وطنها الأصلي، الذي كانت تعرفه بالروسية. أما القصة الثانية فقدمتها إليزابيث سبلكي، التي حكت أن أحد الأطفال الثنائيي اللغة تعلم أغنية بالفرنسية في أثناء قضائه إحدى الإجازات في فرنسا، لكنه لم يستطع تذكرها عند عودته إلى الولايات المتحدة. مع ذلك، عندما عاد مرة أخرى إلى بيئة تتحدث بالفرنسية، تذكر الأغنية دون أي عناء.
10
أجرى نايسر وماريان لأجل هذه الدراسة مقابلات بالإنجليزية والروسية مع عدد من ثنائيي اللغة في هاتين اللغتين، فأعطيا المشاركين كلمات إنجليزية محفزة في الجزء الإنجليزي من الدراسة، وكلمات روسية محفزة (مقابلاتها المترجمة) في الجزء الروسي. تضمنت الكلمات الإنجليزية، مثلا، كلمات «صيف» و«جيران» و«عيد ميلاد» و«قطة» و«طبيب». تمثلت مهمة الأشخاص الثنائيي اللغة في وصف حدث من حياتهم جعلته هذه الكلمة المحفزة يرد على أذهانهم. طلب الباحثان أيضا من المشاركين، عقب انتهاء المقابلة، تحديد اللغة التي تحدث الناس إليهم بها، أو تحدثوا بها، أو أحاطت بهم في أثناء وقوع الحدث الذي تذكروه. إذا وقع الحدث الذي استحضرته كلمة «قطة» بالروسية ، فإن الباحثين كانا يعتبرانه ذكرى روسية، وإن كان بالإنجليزية، فإنهما كانا يعتبرانه ذكرى إنجليزية. اكتشف الباحثان أن المشاركين تذكروا عند الحديث معهم بالروسية ذكريات روسية أكثر من التي تذكروها عند الحديث معهم بالإنجليزية، وتذكروا عند الحديث معهم بالإنجليزية ذكريات إنجليزية أكثر من التي تذكروها عند الحديث معهم بالروسية. استنتج نايسر وماريان أن الأشخاص الثنائيي اللغة يزيد احتمال استرجاعهم لأحداث (ذكريات) حدثت بلغة معينة، إذا استخدمت هذه اللغة نفسها أيضا في سياق الاسترجاع؛ وأطلقا على هذا «التذكر القائم على اللغة». من ثم، يظهر مبدأ التكامل أيضا في عملية تذكر الأحداث التي تقع باللغات المختلفة للأشخاص الثنائيي اللغة، التي ترتبط عادة - كما رأينا - بمجالات مختلفة.
إن مبدأ التكامل بالتأكيد هو أحد أكثر الجوانب انتشارا في الثنائية اللغوية للفرد، ويشعر الأشخاص الثنائيو اللغة الذين يتحدثون لغتين أو أكثر بوجوده المستمر في حياتهم اليومية. ويمكنهم حتى التعليق بصراحة على مظاهره المختلفة، دون العثور على الكلمات الدقيقة التي تعبر عنها.
الفصل الرابع
الوضع اللغوي واختيار اللغة
Shafi da ba'a sani ba