واين هولم هو رجل تربوي يحظى باحترام كبير، وقد عمل بالتدريس في مدارس النافاجو لما يقرب من خمسين عاما. يؤكد هولم على حقيقة أن أطفال هذه القبيلة الصغار، الذين خضعوا لهذا البرنامج، أصبح لديهم الآن اختيار الاستمرار في التحدث بلغة النافاجو واستخدامها لما بقي من حياتهم، ويقول في هذا الشأن:
إن تعلم المرء لغة قومه لا يجبره على الحياة بأسلوب واحد فقط؛ فهو يعمل على فتح الخيارات أمامه، حيث يستطيع الشاب الصغير الاختيار «ما» بين استخدام هذه اللغة أو لا، ومع «من» يستخدمها، و«ما» الأشياء التي يتحدث عنها بها. يحرم الأطفال الذين يمنعهم آباؤهم أو مدارسهم من استخدام لغتهم من الاختيار، وفي الوقت الذي قد يختار فيه المراهق أو الشاب الصغير التحدث بهذه اللغة، يكون الوقت في الأغلب قد تأخر بالفعل.
13
يوجد نوع من البرامج التعليمية يشجع الثنائية اللغوية وتعلم القراءة والكتابة بلغتين، بالإضافة إلى فهم حقيقي للشعوب والثقافات المعنية؛ إنه نوع البرامج الثنائية اللغة (التي يطلق عليها أيضا البرامج الثنائية الاتجاه)، التي تستخدم فيها لغتان طوال سنوات المدرسة، وينتمي الطلاب إلى كلتا الخلفيتين اللغويتين. يوجد أحد الأمثلة على مثل هذه البرامج في الولايات المتحدة في مدرسة أميجوس، الموجودة في مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس. تقدم مدرسة أميجوس، بوصفها جزءا من المدارس الحكومية في كامبريدج، تعليما ثنائي اللغة يعلم القراءة والكتابة بلغتين منذ الحضانة وحتى الصف الثامن؛ للطلاب المنتمين لعائلات تكون فيها الإسبانية هي اللغة السائدة، بالإضافة إلى الطلاب الذين تكون الإنجليزية لغتهم الأساسية. توجد في كل مجموعة من الطلاب أو فصل مجموعة متوازنة من الذين يتحدثون الإنجليزية كلغتهم الأصلية والذين يتحدثون الإسبانية كلغتهم الأصلية. تتنقل المجموعات بين الفصول التي يدرس فيها بالإنجليزية وتلك التي يدرس فيها بالإسبانية؛ على سبيل المثال: يقضي الطلاب في الحضانة نحو يومين ونصف يوم في الفصل الذي يدرس فيه بإحدى اللغتين، ثم يتحولون إلى الفصل الذي يدرس فيه باللغة الأخرى طوال باقي الأسبوع. تتنقل الصفوف من الأول إلى الثالث أسبوعيا بين الفصول الخاصة باللغتين. في السنوات الدراسية التالية، يتعرض الطلاب يوميا لكلتا اللغتين عندما يتحولون من مادة تدرس بالإسبانية إلى أخرى تدرس بالإنجليزية. تنفذ عادة المشاريع الطويلة الأمد بلغة واحدة فقط، فيستخدم الأطفال اللغة المناسبة للفصل أو المادة، وفي مجال التعاملات العامة، كما هو الحال في الأروقة وفي الاجتماعات التي تعقد في المدرسة وغيرها، تستخدم كلتا اللغتين. يتمثل أحد الجوانب المتميزة لمثل هذه البرامج في عمل الطلاب الذين تهيمن على حياتهم إحدى اللغتين مع الطلاب الذين تهيمن على حياتهم اللغة الأخرى، ومساعدة بعضهم بعضا. هذا نوع رائع من التعليم؛ حيث إنه يحترم كلتا اللغتين والثقافتين ويقدرهما.
14
يجب أن أتوقف هنا لأذكر بعض النقاط عن تعلم القراءة والكتابة بلغتين؛ حيث يتساءل كثير من الآباء والتربويين عما إذا كان تعلم القراءة والكتابة بإحدى اللغتين يساعد تعلم القراءة والكتابة باللغة الأخرى أم يعيقه. في عام 2006، أصدرت الهيئة القومية لمحو الأمية لدى الأطفال والشباب المنتمين لأقليات لغوية - وهي هيئة مكونة من 16 باحثا أنشأتها وزارة التعليم في الولايات المتحدة - تقريرها بعد أربع سنوات من العمل. يضم المجلد الضخم الخاص بالتقرير جزءا عن تعلم القراءة والكتابة باللغتين الأولى والثانية، وقد ثبت وجود تأثير فعلي للمعرفة بالقراءة والكتابة والعمليات المستخدمة والأساليب المتبعة الخاصة بإحدى اللغتين (عادة اللغة الأقوى) على ما يقابلها في اللغة الأخرى؛ على سبيل المثال: تنتقل مهارات قراءة الكلمات التي تكتسب في إحدى اللغتين إلى اللغة الأخرى؛ ففي المراحل المبكرة من تطور تهجئة الكلمات في اللغة الثانية، تؤثر القواعد الصوتية والقواعد الخاصة بالكتابة للغة الأولى في تهجئة الكلمات في اللغة الثانية (هذا بالطبع عند تشابه أسلوب كتابة كلتا اللغتين)، وتنتقل أيضا القدرة على الفهم القرائي من لغة لأخرى.
15
باختصار، تساعد مهارات القراءة والكتابة، التي توجد لدى الطالب في إحدى اللغتين، في اكتسابه لمثل هذه المهارات في اللغة الأخرى، وبالطبع سيعتمد مدى هذا على العلاقة بين اللغتين ونظامي كتابتهما؛ فعلى سبيل المثال: يكون هذا المدى أكبر بين الإسبانية والإنجليزية مقارنة بما بين الصينية والإنجليزية، لكن من الواضح أن تعلم القراءة والكتابة في لغتين أمر ممكن، ولن يعيق الطفل الثنائي اللغة.
16
يوجد مثال آخر على البرامج الثنائية اللغة الناجحة في سويسرا، في مدينة بيين الثنائية اللغة (هذا هو اسمها الفرنسي)، وتسمى أيضا بيال (وهذا هو اسمها الألماني). تقدم المدارس الثانوية فيها برنامجا ثنائي اللغة مدته ثلاث سنوات من أجل اجتياز المرحلة الثانوية؛ يضم البرنامج كلا من الطلاب المتحدثين بالفرنسية والمتحدثين بالألمانية السويسرية، بحيث تكون نسبة كل منهم في كل فصل نحو 50 في المائة. يستخدم المعلمون لغتهم الأم في التدريس (الفرنسية أو الألمانية)، وتدرس المواد باللغة نفسها على مدار السنوات الثلاث، فيكون نحو نصف المواد بالألمانية والباقي بالفرنسية، وهكذا يستخدم الطلاب لغتهم الأولى نصف الوقت، واللغة الأخرى في النصف الآخر. يعاد ترتيب مجموعات الطلاب على أساس اللغة في مواد اللغة فقط (على سبيل المثال: يدرس الطلاب المتحدثون بالألمانية الأدب الألماني باللغة الألمانية). كذلك يساعد المعلمون المتحدثين غير الأصليين للغة في المواد التي يدرسونها عن طريق الترجمة لهم من وقت لآخر، ومن خلال التأكد من فهمهم للمادة العلمية؛ وعند تصحيح الاختبارات، لا توجد صرامة شديدة في التعامل مع ارتكاب الطلاب لأخطاء في لغتهم الأضعف. يدرب كذلك الطلاب الذين يدرسون إحدى المواد بلغتهم الأصلية على كيفية مساعدة زملائهم من غير المتحدثين الأصليين للغة، فيمكنهم الإجابة عن أسئلتهم، والترجمة لهم من وقت لآخر، وما إلى ذلك. لقد وضع هذا البرنامج بحيث يجد جميع الطلاب أنفسهم يمارسون دور الذين يقدمون المساعدة نصف الوقت، ودور الذين يحصلون عليها في النصف الآخر، فيشجعون على التفاعل بعضهم مع بعض عبر المجموعات اللغوية في فترات الاستراحة، ووقت الغداء، وفي الأنشطة البعيدة عن الدراسة؛ مثل: ممارسة الرياضة، والمعسكرات، والحفلات الموسيقية، والرحلات الدراسية. يسمح هذا لمتحدثي الألمانية السويسرية بتحسين لغتهم الفرنسية، وللطلاب المتحدثين بالفرنسية السويسرية بتحسين لغتهم الألمانية، ولا سيما الألمانية السويسرية (وهي اللغة الألمانية المستخدمة في الحياة اليومية في الجزء الألماني من سويسرا).
Shafi da ba'a sani ba