وفهم خيري ما تقصد، وما هي إلا لحظات حتى كان كلاهما عاريا!
وطالع خيري جسمها لأول مرة متألقا كالصباح الوليد، رائعا صافيا مترقرقا كماء الشباب، وعلى فمها ابتسامة حائرة بين النشوة والخجل. انسدل شعرها على كتفيها كاد يعدو على صدرها. فمد إليه خيري يدا مرتعشة فأزاحه إلى ظهرها كرسام يهيئ النموذج الذي سينقل عنه. وراح ينظر إليه ثانية مبهورا متلاحق الأنفاس جياش الخلجات معجبا حائرا مذهولا. قبلها خيري وقبلها، قبلها جميعا ثم طواها في أحضانه. حامد ... ما هذا؟! أي طنين هذا الذي يدور برأسه؟ أهمله وعاد يقبلها في جنون، في ثورة عارمة فيها من الاصطناع ما يحاول به أن يخفت هذا الطنين الذي لم يجد وقتا آخر إلا هذا ليلح على تفكيره. حامد، وما شأني به؟ وعاد يقبلها في جنون أشد وفي ثورة أكثر جموحا، ولكن، حامد، تطن في رأسه تعلو مع جنونه فتطغى على جنونه، وتصرخ مع ثورته فتتداعى لها ثورته، وحاول خيري ثانية وثالثة وعشرا، ولكن حامد تخذله في كل مرة، ودولت دهشة جاهلة ذاهلة، ماذا به؟ ما هذا الومض الذي يبرق في عينيه ؟ ما هذه الثورة التي يفتعلها؟ ماذا به؟
استلقى خيري على الأريكة وأدار وجهه إلى الحائط، وراح يضرب الوسادة بقبضته قائلا: حامد، حامد، حامد، حامد.
وأطرقت دولت ثم قامت إلى ثيابها، وحين استدار خيري ليواجه هزيمته كانت دولت تركت البيت جميعه.
أسرع خيري إلى ملابسه، فارتداها ونزل إلى الطريق، وحين مر بشقة صاحب البيت وجد الرجل العجوز يدلف إلى شقته، ووجد زوجته تستقبله، ورأى في عينيها شيئا لم يفهمه، ولكنه واثق أنه رآه. ولم يعر الأمر كثير تفكير، بل سارع إلى الطريق، وما وقع في ليلته لا يزال يسيطر على كيانه فيشعر بالعجز والأسى، من أدراني أن حامد هو السبب؟! لعله ستار تختفي من ورائه خيبتي وقلة حيلتي. إنها المرة الأولى التي ألتقي فيها بهذا الخذلان، ولعلي لا ألتقي بعد ذلك إلا بالخذلان، دولت التي تفتن العابد يمنعني عنها تفكيري في حامد، حامد، أي مصيبة.
كان يعرف طريقه، وقف بباب خالة نجيب وطرق الباب، وأجابت الخالة طرقه وكانت تعرفه، سألها في لهفة عن نجيب، وكان نجيب بمسمع فخرج إليه: خير يا خيري؟
وقال خيري في لهفته ما يزال: خير، استأذن من خالتك وتعال. - ماذا؟ - سنسهر معا الليلة. - ماذا حصل؟ - اذهب يا نجيب مع صاحبك ولا تكثر الأسئلة، وسأنتظرك حتى تعود.
وقال خيري: والله - إذا سمحت - اتركي نجيب يبيت معي الليلة.
وقال نجيب: تسمحين يا خالتي؟ - ما تراه يا ابني.
ودون أن يحيي واحدا منهما السيدة الطيبة هبطا السلم جريا، وما أن بلغا الشارع حتى حاولت كلمة استفهام أن تصدر عن نجيب، ولكن خيري لم يدع لها مجالا، فقد راح يقص على صديقه ما وقع له، ولم يعقب نجيب بشيء إلا: يا خيبتك! - المهم. - ماذا؟ - أتعرف طريق الغسالة؟ - الست أقرب. - البك زوجها في البيت. - إذن؟ - ألم تقل إنك كنت تريد أن تذهب بي إلى سهرة؟ - والله فكرة، معك فلوس؟ - كم تريد؟ - كم في جيبك؟ - جنيه تقريبا. - نعمة، هيا بنا. •••
Shafi da ba'a sani ba