علمًا بأن أدباء الحداثة لا ينفون مطلقًا التبعية للغرب، والانتماء إليه فكريًا وثقافيًا واعتقاديًا، وهذا ما يقرره محمد مندور (^١) في مقدمة الأدب ومذاهبه، يقول: (لا شك أن الأدب العربيّ الحديث قد تأثر بالآداب الغربية تأثيرًا يفوق تأثره بالآداب العربية القديمة، وذلك منذ أن أخذ العرب يتصلون بالعالم الغربيّ سواء بواسطة المبشرين والمحتلين ورجال المال والتجارة الذين وفدوا إلى بلاد العرب، أو بواسطة البعثات العلمية التي أرسلتها البلاد العربية إلى البلاد الغربية، وكان هذا التأثير إمّا عن طريق الترجمة وإمّا عن طريق القراءة في اللغات الأصلية للآداب الغربية) (^٢).
ويقول في موضع آخر: (. . . إن كل حركات التجديد التي نشأت في الأدب العربي المعاصر إنّما تستمد في الغالب وحيها من الآداب الأجنبية. . .) (^٣).
وهذا الاستمداد من الآداب الغربية ليس مقصورًا على الأنماط والأشكال والأساليب كما يتوهم بعض التلفيقيين، بل هو ممتد إلى الأفكار والعقائد والمضامين، بل إن هذه هى أولى ما بدأ النَقَلَة العرب المعاصرون باعتناقه ونقله ونشره، وهم يعرفون ذلك ويؤكدون حصوله، ويعترفون بأن ما يقومون به ليس إلّا انعكاسًا كليًا لمرآة الحداثة الغربية، وأنه انقياد وامّحاء كلي أمام نماذج الغرب (^٤).