ووجه الاستدلال من الحديث حيث قيد الكذب بالتعمد، فيدل على أن هناك كذبا آخر، إلا أنه لا وعيد فيه، وهو السهو والغلط.
كما يدل له قوله ﷺ: "صدق الله وكذب بطن أخيك" (^١). قال الحافظ ابن حجر: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك، أي: زل، فلم يدرك حقيقة ما قيل له (^٢).
ومعلوم أن الخطأ ضد العمد.
فعلى هذا المذهب لا واسطة بين الصدق والكذب، وهو قول أهل السنة (^٣).
أما المعتزلة فيرون اشتراط العمدية ليكون الكلام كذبا، وعندهم أن هناك واسطة بين الصدق والكذب، وهي "ليس بصدق ولا كذب".
مستدلين بقوله تعالى: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ...﴾ الآية (^٤).
ووجه استدلالهم من الآية: أن الجَنَّة غير الكذب، لأنها صارت قسيمة له، وغير الصدق، لأنهم لم يعتقدوه.
ورد استدلالهم بأن المعنى أم لم يفتر، فعبر عنه بالجنة، لأن المجنون لا افتراء له (^٥).
وقيل: أن "أم" منقطعة، فلا يتم لهم الاستدلال (^٦).
(^١) رواه البخاري ١٠/ ١٣٩ مع الفتح، مسلم ١٤/ ٢٠٢ - ٢٠٣ مع النووي، الترمذي رقم ٢٠٨٣، أحمد ٣/ ١٩، ٢٠، ٩٢.
(^٢) فتح الباري ١٠/ ١٦٩ نقلا عن الخطابي.
(^٣) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١/ ٦٩، ٨/ ٩٢.
(^٤) الآية رقم ٨ من سورة سبأ.
والجنة: هى الجنون. انظر: تفسير الفخر الرازي ٢٥/ ٢٤٤، تفسير القرطبي ١٤/ ٢٦٣.
(^٥) انظر: تهذيب الأسماء واللغات ٢/ ٢/ ١١٣، التخليص في علوم البلاغة ص ٣٩ - ٤٠.
(^٦) انظر: روح المعاني للألوسي ٢٢/ ١١٠ - ١١١.