The Ummah Between the Years of Trial and Action
الأمة بين سنتي الابتلاء والعمل
Mai Buga Littafi
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Nau'ikan
الأمة بين سنتي الابتلاء والعمل
مجموعة من العلماء
تصل لموقع الإسلام أسئلة كثيرة، أفرزها ما يعيشه المسلمون من حوادث مريعة، وجراءة كبيرة من أعدائهم، وهذه الأسئلة تبث ألمها، وتتساءل عن الدور الذي يمكن أن يكون للفرد عمله وتحقيقه، ولا شك أن هذا التساؤل دليل حياة، ومؤشر على خير في النفوس، ولكن ما لم يتم التوجيه الرشيد لهذه المشاعر فإنها قد تبرد وتتبلَّد مع مرور الوقت فنخسرها، أو تنحرف فنشقى بها.
ولذا رأينا توجيه هذه الأسئلة إلى كوكبة من المشايخ الذين يعيشون هموم هذه الأمة، ويدركون ما يحيق بها من أخطار؛ علهم أن يسهموا في تلك الإشكالات التي تطرحها تلك التساؤلات بتوجيه يشفي الصدور، ويوجه الطاقات من خلال برنامج عملي واضح. وقد جاءت إجابات المشايخ الأجلاء - مشكورين- في محورين:
المحور الأول: الشباب بين الحماسة والفتور- الأسباب - الآثار- العلاج.
المحور الثاني: الأمة بين سنتي الابتلاء والعمل لهذا الدين.
1 / 1
١- الحيوية والقوة:
أن الشباب فيه حيوية وقوة والله ﷾ كما جاء في التقديم قال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ (الروم: ٥٤) .
1 / 2
فالشباب قوة بين ضعفين وانطلاقة بين هدوءين أو سكونين وحركة واندفاع بين جانبين فيهما من الهدوء والسكينة ما فيهما وحتى من الناحية الطبية نعلم أن الفئة العمرية في فترة البلوغ ما يزال الخلايا والأعضاء تزيد وتنمو وتعظم وتتكاثر وهذا أمر بين وإذا رجعنا حتى إلى اللغة تسعفنا هذه المعاني بشكل واضح لأن الاشتقاق اللغوي لأصل شب وهو أصل الشين والباء في اللغة يدل على نماء الشيء وقوته في حرارة تعتريه وهذا يدلنا على طبيعة الامتزاج بين الحيوية والحرارة والقوة وطيعة الشباب ومن ذلك قولهم: شبت النار أو شببت الحرب ثم كما يقول ابن فارس ثم اشتق الشباب منه وهو النماء والزيادة في قوة جسمه وحرارته ولذلك نرى هذا الأمر واضحا وأن من طبيعة الشباب الفطرية بل والخلقية البدنية أو ما يسمى بالبيولوجية أي الطبيعية الفيزيائية أنه بطبيعة خلقته في هذه الفترة العمرية فيه نمو وزيادة وشيء مما يزداد قوة ويزداد..
ومن هنا فالحماسة قرينة الشباب بدون أن يكون هناك افتعال لها أو تكلف فيها أو تطلب لأسبابها بل هي قرينة الشباب من هذا الوجه.
1 / 3
٢- الإرادة والتحدي:
جانب آخر في طبيعة الشباب في مقتبل العمر وهو قضية الإرادة والتحدي: من طبيعة هذه الفترة العمرية أن فيها عزيمة صلبة وإرادة قوية من خصائص الشباب قبول التحدي بل والتعرض له والبحث عنه والثبات عليه ولو أننا أردنا أن نأخذ أمثلة والأمثلة اعذروني ستكون دائما محدودة لأننا لو تشعبنا فيها يضيق المقام عن ذكر ما وراء ذلك.
1 / 4
قصة لابن مسعود وأنتم تعرفون ابن مسعود كان من صغار الصحابة وشبابهم وكان إلى ذلك نحيل الجسم دقيق الساقين كان الصحابة يضحكون من دقة ساقيه في الفترة المكية العصيبة التي كانت فيها المواجهة قاسية وشديدة وشاملة من قريش ضد المسلمين وفي جلسة بين بعض المسلمين كانوا يتداولون فيما بينهم من يمكن أن يقرأ القرآن ويصدع به في نوادي قريش وهي عملية تحد كبيرة وعملية تحتاج إلى قوة إرادة وصلابة عزيمة فانتدب لذلك ابن مسعود الشاب النحيل وذهب إلى منتدى قريش في البيت الحرام وصدع بآيات القرآن يقرؤها بين ظهرانيهم وإذا به كما هو متوقع ولم يكن هو يظن أن ذلك سيعجبهم بل كان يعرف ما يترتب على ذلك عمدوا إليه وضربوه وأثخنوه بالجراح ولعلنا نقول بعد هذا الحدث أنه قد أخذ درسا كافيا لكن ما الذي حصل؟ في اليوم الذي يليه عندما تداول المسلمون تلك الحادثة قال: (أما لو شئتم لأعاودنهم بها) فهي طبيعة الإرادة القوية والتحدي لأن نفس الشاب دائما فيها هذه الحيوية التي تأبى في الجملة أن تلين أو أن تهادن أو أن تتراجع بل تريد دائما أن تثبت نفسها وأن تظهر قوتها وأن تصر على رأيها وأن تثبت على مبدئها وأن تكون نموذجا ينسجم مع طبيعة التفاعلات
1 / 5
والمشاعر النفسية والعواطف الجياشة التي تمور بها النفس وكذلك:
1 / 6
٣-الأمل والطموح:
1 / 7
لأن الشباب في مقتبل العمر فما زالت الصورة ممتدة والأفق واسعا قد يرسم طريقا في تخيله في آماله وطموحاته في مجال العلم وأنه سيحصل فيه وأن سيكون له كذا وكذا وكذا وقد يرسم طريقا في مجال حياته الاجتماعية أو في حياته العملية لكن لو أننا تصورنا المرأة في الخمسين أو في الستين لا شك أن الأمل موجود لكنه قطعا سيكون محدودا ولن يكون له مثل طبيعة هذا الأمل الممتد العريض كالشباب في حياتهم وطموحاتهم ولو أردنا أن نأخذ أمثلة لوجدنا كذلك هذه الأمثلة في فتى الرابعة عشر الذي كان النبي ﵊ في جملة تربيته لأصحابه يعرف كيف يصقل هذه النفوس وكيف يذكي تلك الآمال وكيف يشحذ تلك الهمم ربيعة بن كعب الذي كان يبيت إلى جوار بيوت النبي ﷺ حتى إذا قام من الليل قام يصب له وضوءه ﵊ فأراد النبي أن يكرمه كما هو معروف في قصته فقال: (يا ربيعة سلني ما شئت؟) والقائل هو رسول الله ﷺ المجاب الدعوة فقال: انظرني يا رسول الله، وعندما نقول الآن للشباب ماذا تريد؟ ما هو أملك؟ ما هو رجاؤك؟ اطلب ما سنحققه لك ويكون رهن إشارتك وبين يديك؟ فربما نعرف اليوم أنه ربما يطمح إلى هذا
1 / 8
أو ذاك من أمور الدنيا وشؤونها لكن ربيعة بعد أن تريث وتأنى قال مقالة عظيمة رائعة فريدة لو اجتمعت لها عقول الشيوخ الكبار والعلماء العظام لربما قصروا عن أن يصيبوا مثل ما قال فأوجز وأبلغ في أمله وطموحه فقال: أسألك مرافقتك في الجنة، فلم يسأل الله الجنة بل سأل مرافقة الرسول في الجنة ليكون سؤاله في أعلى وأعظم مطلب فماذا قال له النبي ﵊؟ وهذه هي التربية لكي يبقى الأمل ممتدا والطموح متواصلا «أعني على نفسك بكثرة السجود» ونعلم قوله لعبد الله بن عمر يوم أول رؤياه قال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل» والأمر في هذا واضح وجلي وكثير.
وكان النبي ﵊ يعطي لكل ما كان يناسبه حتى يمتد في مجاله وميدانه الذي تتعلق به نفسه وأمله كما هو معروف في الحديث الذي رواه الترمذي عندما عدد النبي ﵊ الصحابة وذكر في كل منهم خصيصة يتميز بها قال: «أقرؤهم أبي وأفرضهم زيد وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ» إلى آخر ما ذكره ﵊.
1 / 9
٤- تنوع الخيارات:
مازال في مقتبل العمر هل يتزوج الآن؟ هل يكمل دراسته؟ هل يدخل ميدان العمل؟ أما من قد طويت صفحات عمره فإن الخيارات في غالب الأحوال تكون محدودة وربما نرى نحن أننا نضيق الآن المجال فلا يبقى مساحة إلا لكم معاشر الشباب الذين تدخلون في جميع التعريفات أما من له تعريف واحد يتيح له أن يدخل في الشباب وتعريفات أخرى تخرجه منه يبدأ تضييق الدائرة عليه كما قلنا فلذلك لما كانت هذه الحماسة من طبيعة الشباب فنحن نرحب بها ولا نعارضها ولا نقول إنها شيء شاذ أو أمر غريب ولكننا نواصل أيضا في مدح هذه الحماسة وبيان ثمراتها وبعض فوائدها ليكمل لنا حينئذ الصورة الإيجابية في هذه الحماسة بإذن الله ﷿.
1 / 10
ثمرات الحماسة:
الحماسة تورث خلالا كثيرة وسمات عديدة:
١- الهمة والعزة:
1 / 11
فهذه الحماسة تجعل الهمة عالية والعزيمة ماضية والعزة أبية والروح فتية بحيث إن هذه المشاعر تترجم إلى مواقف وإلى سمات شخصية تعد من مظاهر القوة الإيجابية ليس في الشباب رخاوة وليس في الشباب ضعف وإن كان حالنا اليوم أو حال بعض شبابنا قد جعلت لهم صورة أخرى في الشباب هي صورة الدعة والترف والرخاء ولكننا نقول إن الأصل في طبيعة الشباب في التربية الصحيحة في الأجواء النقية أن يكون لهم همتهم القوية وعزتهم الأبية التي تجعلهم دائما في قصب السبق والتقدم كما سيأتي في المراحل التالية ولعلنا نريد أن نصور بعض هذه الهمم في سير الشباب من أصحاب النبي ﵊ والأمثلة محدودة كما قلت بحكم الوقت هذا نموذج رده النبي ﵊ إلى الاعتدال لكننا نرى كيف كانت القوة في أصل هذا النموذج عند البخاري في الصحيح من حديث النبي ﵊ مع عبد الله بن عمرو بن العاص قال له ﵊: «ألم أخبر أنك تصوم فلا تفطر وتصلي فلا تنام وتقرأ القرآن في كل ليلة) فقال: بلى يا رسول الله،» هذا الخبر بلغه عن عبد الله بن عمرو انظروا إلى همته وطاقته المتدفقة كيف كان على حال لا يفطر ولا ينام ليله
1 / 12
ويختم في كل ليلة نعم رده النبي ﵊ إلى الاعتدال المعروف في الحديث لكن الشاهد عندنا هو هذه الهمة العالية القوية التي كانت عنده ورسول الله ﷺ في مقتبل عمره وفي بداية دعوته كانت له المواقف العظيمة في مثل هذا.
1 / 13
٢- العمل والإنتاج:
1 / 14
الهمة والعزة تتحول إلى عمل مثمر وإلى تواصل في الإنجاز وحرق المراحل لكي يكون هناك ثمرة ظاهرة ونتيجة باهرة من خلال هذه الهمة لأن صاحب الهمة لا يرضى بالقعود ولا يرضى بالكسل والخمول ولا يرضى إلا أن تكون كل ثانية من ثواني حياته مملوءة بما يتناسب مع طبيعة هذه المشاعر المتدفقة والعواطف المتأججة في نفسه ولذلك نرى كيف كان شباب الصحابة والشباب في مراحل التاريخ الإسلامي كلها في الأجواء الصحيحة والتربية الجادة كيف كانوا دائما يأتون بالعجائب والإنجازات الباهرة حتى في مجالات مختلفة لعلي أذكر مثالا في قصة زيد بن ثابت ﵁ وهو الذي كان غلاما صغيرا في نحو السادسة عشر من عمره فقال له النبي ﵊ كما في المسند عند الإمام أحمد: «اقرأ حرف يهود» يعني حتى يقرأ له أراد النبي ﷺ أن يتعلم اللغة حتى يقرأ للنبي ﷺ ما يأتيه عفوا فتعلم السريانية في بعض الروايات أنه تعلمها في خمسة عشر يوما فكان يقرأ للرسول وكان يكتب له وفي بعضها في سبعة عشر يوما وبالمناسبة أيضا زيد بن ثابت كانت له المهمة الفريدة التي جعل من مؤهلاتها الشباب في صحيح البخاري الحديث المشهور في
1 / 15
جمع القرآن (قال أبو بكر عندما استدعى زيد بن ثابت: إنك شاب عاقل لا نتهمك كنت تكتب الوحي على عهد رسول الله ﷺ وأول هذه الخصائص أنه شاب مهمة ثقيلة تحتاج إلى قوة تحتاج إلى عمل متواصل أسندت إلى هذا الشاب الفتي مع ما عنده من الأمانة والعلم والخبرات السابقة كما يقال ثم كلفه بجمع القرآن وكتابته ومع أن الذي كان يحدثه أبو بكر خليفة المسلمين ومعه عمر وزيره وهما أفضل الصحابة وأكبرهما سنا إلى غير ذلك مع ذلك كله قال بكل رباطة جأش وهمة تناسب الشباب قال: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟) وهذا يدل على قوة هذه الشخصية لكن بعد أن جاءت المراجعة وانشرح صدره لذلك قال: فوالله لو كلفني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي ثم انطلق وبدأ في هذه المهمة وأعانه عمر ووضع الشروط والضوابط والشهادة المطلوبة على كل وهو مكتوب أنه ثبتت كتابته بأمر النبي ﵊ أو بحضرته وأتم هذه المهمة على أدق وأحكم وأمتن صورة ما كانت لتكون لولا هذه الفتوة والحيوية والحماسة والقوة في حياة الشباب والأمر في هذا كما قلنا يطول الحديث عنه.
1 / 16
٣- الثبات والإصرار:
1 / 17
كثير من الأعمال لا تعطي ثمرتها إلا مع طول الزمن ومع استمرارية العمل وذو النفس التي ليست فيها هذه الحماسة غالبا ما ينقطع نفسه وينقطع عمله وينقطع بعد ذلك أثره ويطوى خبره لأن المسألة تحتاج إلى مثل هذا كما سنشير من مزايا الشباب في الحماسة: أنها تعطيهم قوة وثباتا بشكل منقطع النظير أبو موسى الأشعري ﵁ وهو أمير على الكوفة ظل يقرئ القرآن في مسجدها أربعين عاما كل يوم وهو أمير وهو يتولى الحكم لكنه كان في صفته وسمته يدل على هذا العطاء المستمر والثبات على العمل ليست قضية ردود أفعال ولا سحابة صيف تنقشع ولا أمرا أثارته بعض العواطف المهيجة ثم جاء غيرها ونرى بعض الشباب وهو يتموج ويذهب يمنة ويسرة مع بعض هذه التقلبات العاطفية وخاصة نحن في عصر عولمة وإعلام وكوكبة وموجات متدفقة هنا وهناك تعبث بالعقول والعواطف عبثا كبيرا وحبيب بن زيد ﵁ وهو من أمثلة الشباب كيف ثبت لما أرسله النبي ﵊ إلى مسيلمة الكذاب فكان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يقول مسيلمة: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن مسيلمة رسول الله يقول: لا أسمع لا أسمع وإذا بمسيلمة بعد ذلك يبدأ في
1 / 18
تقطيعه يقطع أذنه يجدع أنفه ويقطع إربا إربا وهو ثابت على هذا النهج الذي كان عليه مصعب بن عمير الشاب المدلل المترف المعطر الذي قال فيه النبي ﵊: «ما رأيت فتى أحسن لمة في أهل مكة من مصعب بن عمير» لما دخل الإيمان في قلبه وتمكن وأعطى عاطفته كلها لهذا المعتقد والمبدأ ووجه بكل أنواع الحصار والتضييق وشظف العيش لم تلن له قناة ولم يتغير له موقف ولم يتراجع في أي صورة من الصور التي أخذ بها ﵁ وأرضاه حتى كانت بعد ذلك قصة استشهاده مضرب مثل بل موضع عبرة لكبار الصحابة أبكتهم سنواتا طوالا بعد مصعب بن عمير ﵁ كما ورد في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف عند البخاري أنه كان صائما في يوم خميس وأتي له بطعام الإفطار وكان فيه صنفين من الطعام نوعين من الطعام فقط نوعين فبكى عبد الرحمن بن عوف ﵁ فتعجب الناس قالوا: ما يبكيك؟ قال: ذكرت مصعب بن عمير مات يوم أحد يوم مات ولم نجد ما نكفنه به إلا بردة إن غطينا رأسه بدا قدماه وإن غطينا قدماه بدا رأسه وأخشى أن نكون قد عجلت لنا طيباتنا، بقي موقف مصعب في ثباته الفريد يوم قطعت يده اليمنى فرفع الراية بيسراه فقطعت فضمها بعضديه
1 / 19
حتى خر واستشهد ﵁ على هذه الصورة من الثبات الرائع في قوة الحماسة والثبات على المنهج والمبدأ.
1 / 20