The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
Nau'ikan
نظرة على أحوال التتار والمسلمين والنصارى عام ٦٣٩هـ
ولا بد لنا أن نراجع الموقف في سنة ٦٣٩هـ، ونقيم أوضاع العالم ككل في هذه السنة، وبإلقاء نظرة على كل أرجاء العالم في ذلك الوقت يتبين الآتي: أولًا: وصلت حدود دولة التتار في هذه السنة من كوريا شرقًا إلى بولندا غربًا ومن سيبيريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا، فقد اتسعت دولتهم اتساعًا رهيبًا جدًا في وقت محدود، وأصبحت قوتهم في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع.
ثانيًا: تولى قيادة التتار بعد أوكيتاي ابنه كيوك بن أوكيتاي، وكان رأي هذا الخاقان الجديد تثبيت أقدام التتار في البلاد المفتوحة، ولم يكن عنده سياسة توسعية كأبيه أوكيتاي أو كـ جنكيز خان، فأوقف الفتوحات التترية في أوروبا والعالم الإسلامي.
ثالثًا: ابتلع التتار في فتوحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية، وضموا معظم أقاليمها في آسيا إلى دولتهم، وقضوا على كل مظاهر الحضارة في هذه المناطق، كما قضوا تمامًا على أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة.
رابعًا: ظل القسم الأوسط من العالم الإسلامي العراق إلى مصر، يعني: العراق والشام والحجاز ومصر واليمن مفرقًا مشتتًا، ولم يكتف المسلمون فيه فقط بالفرجة على الجيوش التترية وهي تسقط معظم ممالك العالم في وقتهم، وإنما انشغلوا بالصراعات الداخلية بينهم وازداد تفككهم بصورة كبيرة.
وكذلك كان القسم الغربي من العالم الإسلامي -ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وغرب أفريقيا- مفككًا تمامًا بعد سقوط دولة الموحدين.
فكان القسم الشرقي قد أخذه التتار، والغربي والأوسط مفككين.
خامسًا: ذاق الأوربيون النصارى من ويلات التتار كما ذاق المسلمون، وذبح منهم مئات الآلاف أو الملايين، ودمرت كنائسهم وأحرقت مدنهم وهددوا تهديدًا بشعًا، ووصل التتار إلى روما عقر دار الكاثوليكية النصرانية في أوروبا.
سادسًا: مع أن النصارى رأوا أفعال التتار إلا أن ملوك النصارى في أوروبا الغربية -في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا- التي لم يدخلها التتار بعد كانوا يرون أن هذه المرحلة مؤقتة وسوف تقف، يعني: لابد أن يقف التتار عن القتال في يوم من الأيام.
أما حروب النصارى الصليبيين ضد المسلمين فكانت في رأي زعماء أوروبا وملوكهم حروبًا دائمة لا تنتهي، وكان هذا الرأي له مردود على ملوك أوروبا، ومن ثم اعتقد ملوك الصليبيين اعتقادًا جازمًا أنهم لابد أن يتعاونوا تعاونًا كاملًا مع التتار ضد المسلمين، بالرغم من كل الأعداد الهائلة من النصارى التي ذبحت على أيدي التتار.
وأما لماذا يعتقد الصليبيون أن حربهم مع المسلمين دائمة وحربهم مع التتار مؤقتة فلأن حربهم حرب عقيدة، والعداء بينهم وبين المسلمين قائم على أساس ديني، فالصراع بينهما أبدي، والنصارى لن ينهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في الأخرى، كما يقول الله ﷿ في كتابه الكريم: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة:١٢٠]، وأما حروب التتار فلم تكن حروب عقيدة أبدًا، فعقيدة التتار كانت عقيدة مشوهة وباهتة جدًا، وهي مجموعة من أديان شتى، ولم نسمع عن قائد تتري واحد أنه حاول نشر هذه العقيدة في البلاد المغنومة، وإنما كان كل هدف التتار هو الإبادة والتشريد وجمع المال وسبي النساء والأطفال وغير ذلك من أمور التخريب، ومن كانت هذه صفته فلا يكتب له الاستمرار أبدًا.
فلذلك وعلى الرغم من الصدمات التي تلقتها أوروبا على يد التتار إلا أن أوروبا استمرت في تجهيز حملاتها لغزو بلاد المسلمين، واستمرت في تكثيف الجهود لإنشاء العلاقات والمعاملات الدبلوماسية مع التتار.
سابعًا: بدأ يحدث تغير عقائدي في الجيش التتري بعد حملات التتار في أوروبا، وهذا سيكون له مردود مهم بعد وقت، وسبب هذا التغير العقائدي الذي حصل في جيش التتار كان بسبب زواج عدد كبير من قادة المغول من فتيات نصرانيات أوروبيات، وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبيًا في البلاط المغولي، وقد ساعد هذا على إمكانية أن يتعاون التتار بعد ذلك مع الصليبيين، وأن يجتمع الحقدان الصليبي والتتري على إسقاط الخلافة العباسية وبلاد الشام، وعلى غيرها من الخطوات.
ثامنًا: استمرت الحروب الصليبية الأوروبية على المسلمين في مصر والشام ولم تنقطع، فمع كل هذه المجازر التترية في أوروبا إلا أن المجازر الصليبية في بلاد الشام ومصر لم تنقطع في ذلك الوقت، وقد كانت تحت حكم الأيوبيين في آخر أيامهم، وكان الصراع دائرًا بين بعضهم بعضًا، فكان المسلمون واقعون في مثلث خطير، الصليبيون من ناحية والتتار من ناحية، وزعماء المسلمين من ناحية ثالثة.
تاسعًا: في سنة ٦٤٠ هجرية توفي المستنصر بالله الخليفة العباسي، وتولى الخلافة العباسية في ذلك الوقت ابنه المستعصم بالله، وكان عمره ٣٠ سنة في ذلك الوقت، وهو الذي سقطت الخلافة العباسية في زمانه، وكان مشهورًا بكثرة تلاوة القرآن والنظر في التفسير والفقه وك
4 / 6