The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
Nau'ikan
المشكلة المالية في تجهيز الجيش وحلها
ظهرت لـ قطز مشكلة جديدة ضخمة فوق كل المشاكل التي فاتت، وهي المشكلة الاقتصادية، فلا بد من تجهيز الجيش المسلم وإعداد التموين، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار، وهذه أمور ضخمة جدًا، وكانت تمر بالبلاد أزمة اقتصادية طاحنة، وليس هناك وقت لخطة خمسية أو عشرية، فالتتار على الأبواب في غزة، على بعد (٣٥) كيلو متر فقط من سيناء.
وأما كيف عالج قطز المشكلة الاقتصادية الكبيرة، ووفر المال لتجهيز الجيش الكبير وبناء الحصون والقلاع والسلاح، وتوفير المؤن والذخيرة للشعب الذي قد يحاصر من التتار حصارًا طويلًا، فقد عقد ﵀ مجلسًا استشاريًا، وكان كل شيء بشورى في حياته ﵀، ودعا إلى هذا المجلس كبار القادة والأمراء والعلماء والفقهاء، وكان على رأس العلماء الشيخ العز بن عبد السلام ﵀، وبدءوا جميعًا يفكرون في حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بالبلاد، وكيفية توفير الدعم لهذا الجيش الكبير الخارج لملاقاة التتار، ففتح قطز ﵀ الكلام، واقترح فرض ضرائب على الشعب للإنفاق على الجيش الذي سيخرج للجهاد في سبيل الله، ولكن هذا القرار كان يحتاج إلى فتوى شرعية؛ لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون إلا الزكاة، ولا تدفع إلا بشروط خاصة معروفة، وأما فرض الضرائب فوق الزكاة فهذا لا يكون إلا في ظروف خاصة ومؤقتة جدًا، ولا بد من وجود سند شرعي يبيح ذلك، وإلا صارت هذه الضرائب مكوسًا، وفارضها بغير حق عقابه عند الله ﷿ أليم جدًا، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود رحمهما الله عن عقبة بن عامر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (لا يدخل الجنة صاحب مكس)، أي: فارض الضرائب.
ولما زنت المرأة الغامدية ورجمت بالحجارة بعد أن اعترفت بالزنا لتطهر نفسها من الذنب، قال رسول الله ﷺ معظمًا من شأن توبتها: (فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له).
وهذا الحديث في صحيح مسلم عن بريدة ﵁ وأرضاه.
وهذا فيه تقبيح شديد جدًا لعملية فرض الضرائب، إن فرضت بغير حق وصرفت في غير حق.
يقول الإمام النووي ﵀ تعليقًا على هذا الحديث: إن المكس -الضرائب- من أقبح المعاصي، ومن الذنوب الموبقات؛ وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها.
فـ قطز ﵀ اقترح فرض الضرائب للقضية الكبيرة جدًا، قضية الجهاد في سبيل الله، ومع أن الغاية نبيلة والمال مطلوب لتجهيز الجيش للقتال في سبيل الله، ومقاتلة التتار أعتى قوة في الأرض في ذلك الزمن، إلا أنه ينتظر رأي العلماء في هذه القضية.
9 / 10