The Rules Regarding Menstruation, Lochia, and Istihada
الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة
Mai Buga Littafi
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢٩ هـ
Inda aka buga
المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
سلسلة البحوث العلمية المحكمة (٢٨)
الْأَحْكَام المترتبة على
الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة
تأليف
الدكتور صَالح بن عبد الله اللاحم
الْأُسْتَاذ بكلية الْفِقْه فِي كُلية الشَّرِيعَة
جَامِعَة القصيم
دَار ابْن الْجَوْزِيّ
Shafi da ba'a sani ba
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألاَّ إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإنَّ من أهم المهمَّات، وآكد الفرائض والواجبات، أن يعرف العبد حُكم ربِّ العالمين، ويتفقَّه فيما نزل به من مسائل الشرع والدين، حتى يعبد الله على بصيرة المهتدين، فيكون بذلك على نهج الأنبياء والمرسلين ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨].
ألا وإنَّ الناس بحاجةٍ إلى من يُعينهم على ذلك من العلماء والباحثين، فأرجو أن يكون عملي هذا من هذا السبيل.
الداعي لجمع مسائل هذا الموضوع والكتابة فيه:
هذا وقد دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع جُملة أمور من أهمها ما يلي:
١ - قلَّة اهتمام الباحثين - سابقيهم ولاحقيهم - بالتعرُّض لمسائل هذا الموضوع، حتى قال الدارمي: الحيض كتابٌ ضائعٌ لم يُصنَّف فيه
1 / 5
تصنيف يقوم بحقِّه (١).
وقال ابن العربي: والتقصير في عُلومه ومسائله أمرٌ لم يزل يتقادم (٢).
٢ - إنَّه لَمَّا كان الحيض شيئًا قد كتبه الله على بنات آدم (٣)؛ كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، ولكون الشارع قد علَّق به جُملة من الأحكام، ولَمَّا كانت هذه الأحكام ممَّا يلزم جُملة النساء تعلمها، ولكون هذه الأحكام مُفرَّقة مبثوثة في أبواب الفقه، ولوقوع الخلاف في كثيرٍ من هذه المسائل؛ فقد توافرت الدواعي لجمع هذه الأحكام في مؤلَّفٍ مستقِل.
قال ابن قدامة: "وقد علَّق الشرع على الحيض أحكامًا وأجمل عدَّها"، ثم قال: وإذا ثبت هذا فالحاجة داعيةٌ إلى معرفة الحيض ليُعلم ما يتعلَّق به من الأحكام (٤).
وقال ابن عابدين: ومعرفة مسائله من أعظم المهمات لِما يترتَّب عليها ما لا يُحصى من الأحكام (٥).
وقال النووي: ومعلومٌ أنَّ الحيض من الأمور العامة المتكرِّرة، ويترتَّب عليه ما لا يُحصى من الأحكام، فيجب الاعتناء بما هذه حاله (٦).
وقال ابن نجيم: ومعرفة مسائل الحيض من أعظم المهمات لما يترتَّب عليها ما لا يُحصى من الأحكام .. قال: وكان من أعظم الواجبات؛ لأنَّ عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به،
_________
(١) المجموع (٢/ ٣٤٥).
(٢) حاشية جامع الترمذي (١/ ٢٣١).
(٣) أخرجه البخاري من حديث عائشة في كتاب الحيض، باب الأمر بالنساء إذا نفسن (١/ ٧٧).
(٤) المغني (١/ ٣٨٦).
(٥) رد المحتار (١/ ٢٨٢).
(٦) المجموع (٢/ ٣٤٥).
1 / 6
وضرر الجهل بمسائل الحيض أشدُّ من ضرر الجهل بغيرها (١).
وكلام هؤلاء الأئمَّة وإن كان بمجمله في الحثِّ على تعلُّم أحكام الحيض لِما يترتَّب عليه ما لا يُحصى من الأحكام، فإنَّ هذه الأحكام مفرَّقة مبثوثة في أبواب الفقه، فكان تفرُّقها أعظم داعيًا لي لجمعها في مؤلَّفٍ مستقل، لِما في ذلك من فائدةٍ في توفير الجهد والوقت للقارئ، وخاصة النساء.
قال الشربيني: يجب على المرأة أن تعلم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس، فإن كان زوجها عالِمًا لزمه تعليمها، وإلاَّ فلها الخروج لسؤال العلماء، بل يجب ويحرم عليه منعها إلاَّ أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك (٢).
٣ - إنَّ النفاس قرين الحيض فيما يترتَّب عليه من أحكام؛ لأنه حيضٌ مُجتَمع، فحُكمه حكم الحيض إلاَّ في مسائل معدودة (٣)، فكان ذِكرها متمِّمًا لهذا البحث.
٤ - إنَّ الاستحاضة وإن كانت ظاهرةً مرضيَّةً وحدثًا عارضًا فقد أفردها الفقهاء بأحكام خاصة، وقد عمَّت بها البلوى في وقتنا هذا لابتعاد الناس عن الفطرة، وركونهم إلى نصائح الكفرة في تحديد النسل، وقد تفنَّنوا في موانع الحمل التي تسبَّب عنها اضطراب العادة عند كثيرٍ من النساء وشيوع مرض الاستحاضة، فكان بحث ما يتعلَّق بها من أحكام مُتمِّمًا لِما يُذكر للحيض والنفاس.
منهج البحث:
لا بدَّ لكلِّ باحثٍ من منهج يسلكه، يُحدِّد معالمه قبل الكتابة،
_________
(١) البحر الرائق (١/ ١٩٩).
(٢) مغني المحتاج (١/ ١٢٠).
(٣) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة (١/ ١٥٧) مغني المحتاج (١/ ١٢٠) كشاف القناع (١/ ١٩٩).
1 / 7
وتتكامل صورته بعد انتهاء الموضوع، وإنَّ من أبرز ملامح منهجي في هذا البحث ما يلي:
أولًا- اقتصرتُ في بحثي على المذاهب الأربعة والمذهب الظاهري، كما أذكر رأي مشاهير فقهاء السلف من غير فقهاء المذاهب، ما وجدت في ذلك نقلًا.
ثانيًا- أقوم بعرض المسألة الخلافية بذِكر القول أولًا فالقائل به، ثم أُتبِعه بالاستدلال، وما وَرد عليه من مناقشة، وما أُجِيب به عنها.
ثالثًا- اعتمدتُ في نسبة كلِّ قولٍ لكلِّ مذهبٍ على أمَّهات كتُب المذهب.
رابعًا- اجتهدتُ في التوفيق بين الأقوال اتِّباعًا للقاعدة، فإن تعذَّر ذلك رجح ما ظهر لي رجحانه، بناء على قوَّة الأدلَّة، وبما يتمشَّى مع قواعد الشريعة ومقاصدها العامة.
خامسًا- عزوتُ الآيات القرآنية إلى مواضعها في كتاب الله، بذكر السورة ورقم الآية.
سادسًا- خرَّجتُ جميع الأحاديث الواردة في البحث، وما كان منها في صحيح البخاري أو مسلم أكتفي به، وما لم يُخرِّجه أحدهما أو كلاهما خرَّجته من الصحاح والسنن والمسانيد المتبقية مع بيان درجة الحديث معتمدًا في ذلك على ما ذكره العلماء في ذلك.
سابعًا- خرجتُ الآثار الواردة في البحث من مصادرها، مع بيان درجة الأثر ما وجدتُ في ذلك نقلًا عن أهل هذا الفن.
ثامنًا- وضحتُ معنى ما يَرِد في هذا البحث من كلماتٍ وألفاظٍ غريبة، ولَمَّا كانت الغرابة وصفًا نسبيًا فقد اعتمدتُ على نفسي واجتهدتُ في حصر هذه الكلمات.
تاسعًا- ترجمتُ للأعلام الواردة في هذا البحث، باستثناء مشاهير
1 / 8
الصحابة والأئمَّة الأربعة، لكونهم لا يحتاجون إلى تعريف، وجعلتُ ذلك في مُلحق خاص في آخر البحث.
عاشرًا- عملتُ فهرسًا لهذا البحث اشتمل ما يلي:
١ - فهرسًا للآيات القرآنية.
٢ - فهرسًا للأحاديث النبوية.
٣ - فهرسًا للآثار.
٤ - فهرسًا لمراجع البحث.
٥ - فهرسًا لموضوعات البحث.
خطة البحث:
تشتمل خطة هذا البحث تمهيدًا وثلاثة فصول.
التمهيد: وفيه التعريف بالحيض والنفاس والاستحاضة.
الفصل الأول: في الأحكام المترتبة على الحيض، وفيه ثلاثة عشر مبحثًا:
المبحث الأول: في الأحكام المتعلقة بالطهارة؛ وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: في قراءة القرآن.
المطلب الثاني: في الذِّكر.
المطلب الثالث: في مسِّ المصحف.
المطلب الرابع: في طهارة بدن الحائض، وطهارة سؤرها (١)، وعرقها.
المطلب الخامس: في دخولها للمسجد.
المطلب السادس: في غسلها من المحيض.
المطلب السابع: في اغتسال الحائض للجنابة.
_________
(١) السؤر: ما بقي في الإناء، فهو بقية الشيء. انظر: لسان العرب (٤/ ٣٣) النهاية (٢/ ٣٢٧).
1 / 9
المطلب الثامن: في تغسيلها إذا ماتت.
المبحث الثاني: في الأحكام المتعلقة بالصلاة؛ وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في حكم الصلاة في أثناء الحيض.
المطلب الثاني في قضاء ما فاتها أيام الحيض.
المطلب الثالث: في طهر الحائض قبل خروج وقت الصلاة.
المطلب الرابع: في نزول دم الحيض بعد دخول وقت الصلاة وقبل أن تصليها.
المبحث الثالث: في الأحكام المتعلقة بالصيام؛ وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: في حكم الصيام في أثناء الحيض.
المطلب الثاني: في قضاء ما فات بالحيض.
المطلب الثالث: في إمساك اليوم الذي طهرت في أثنائه.
المطلب الرابع: في طلوع الفجر قبل أن تغتسل.
المطلب الخامس: في سقوط كفارة الجماع بنزول الدم في يومه.
المبحث الرابع: في اعتكاف الحائض؛ وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في حكم الاعتكاف.
المطلب الثاني: في طروء الحيض حال الاعتكاف.
المبحث الخامس: في الأحكام المتعلِّقة بالحج والعمرة، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: في إحرام الحائض بالحج والعمرة.
المطلب الثاني: في حُكم الطواف حال الحيض.
المطلب الثالث: في حُكم السعي حال الحيض.
المطلب الرابع: في انتظار الرفقة لطهر الحائض.
1 / 10
المطلب الخامس: في طواف الوداع على الحائض.
المبحث السادس: في الأحكام المتعلِّقة بالنكاح؛ وفيه مطلب واحد: وهو الاستمتاع بالحائض.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الاستمتاع فيما فوق السرة ودون الركبة.
المسألة الثانية: في الاستمتاع فيما دون السرة وفوق الركبة.
المبحث السابع: في الأحكام المتعلقة بالطلاق، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في تطليق الحائض.
المطلب الثاني: في وطء الزوج للمرأة حال الحيض هل يحلّها للأول.
المبحث الثامن: في الخلع في الحيض.
المبحث التاسع: في الأحكام المتعلقة بالإيلاء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في احتساب أيام الحيض من أجل المولي.
المطلب الثاني: في حصول الفيئة من المولي بالوطء حال الحيض.
المبحث العاشر: في الأحكام المتعلِّقة بالعدَّة.
المبحث الحادي عشر: في الأحكام المتعلقة بالاستبراء؛ وفي مطلبان:
المطلب الأول: في استبراء الثيب.
المطلب الثاني: في استبراء البكر.
المبحث الثاني عشر: في الأحكام المتعلِّقة بالنفقة.
المبحث الثالث عشر: في تذكية الحائض.
المبحث الرابع عشر: في أنه علامة على البلوغ.
الفصل الثاني: في الأحكام المترتبة على النفاس.
1 / 11
الفصل الثالث: في الأحكام المترتبة على الاستحاضة؛ وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: في أن حكمها حكم الطاهرات.
المبحث الثاني: في كيفية تطهرها للصلاة.
المبحث الثالث: في وطء المستحاضة.
1 / 12
التمهيد
في التعريف بالحيض، والنفاس، والاستحاضة
وفيه ثلاثة مطالب
* * *
المطلب الأول
في التعريف بالحيض
أولًا- التعريف اللغوي:
الحيض لغة: السيلان، من قولهم: «حاض الوادي» إذا سال وحيضان السيول ما سال منها، ومنه: «حاضت السمرة»، إذا سال منها شبه الدم، وهو الصمغ الأحمر.
وقيل للحوض، حوض؛ لأنَّ الماء يحيض إليه، أي: يسيل (١).
ثانيًا: أما الحيض في الاصطلاح:
فقد عُرِّف بتعاريف كثيرة تختلف فيما بينها حتى داخل المذهب الواحد، ونذكر هنا تعريفًا من كلِّ مذهب، ثم نُعقِب ذلك بالتعريف المختار.
فعرَّفه ابن الهمام من الحنفية: بأنه «الدم الذي ينفضه رحم امرأةٍ سالمة عن داء وصغر» (٢).
_________
(١) لسان العرب مادة «حيض» (٧/ ١٤٢، ١٤٣).
(٢) فتح القدير (١/ ١٦١).
1 / 13
وعرفه ابن جزي من المالكية: بأنه «الدم الخارج من فرج المرأة التي يمكن حملها عادةً من غير ولادةٍ ولا مرض» (١).
وعرفه الشربيني من الشافعية: بأنه «الخارج من فرج المرأة على سبيل الصحَّة من غير سبب الولادة (٢).
وعرَّفه ابن قدامة من الحنابلة: بأنه «دم يُرخيه الرحم إذا بلغت المرأة ثم يعتادها في أوقات معلومة» (٣).
وجلُّ هذه التعريفات لا تخلو من نقص، إما بكونها غير جامعة أو غير مانعة، ولعلَّ أجمع ما وقع عليه نظري من تعريف ما عرَّف به البهوتي من الحنابلة حيث قال:
هو دم طبيعةٍ وجبِلَّة، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة (٤).
فقوله: «دم طبيعة وجبلة» يخرج به ما كان على سبيل المرض ونحوه.
وقوله: «من قعر الرحم» يخرج به دم الاستحاضة؛ فإنه من أدنى الرحم، من عِرق يسمى «العاذل».
وقوله: «في أوقات معلومة»، أي: فليس دم فساد، وإنما خُلق لحكمة وهي تغذية الولد، ولذلك إذا حملت المرأة انقطع حيضها في الغالب (٥).
ولو أضيف إلى التعريف لفظة: «من غير سبب ولادة» ليُخرج بذلك دم النفاس لكان أولى، فإنه دم طبيعة، يخرج من قعر الرحم، وفي وقت معلوم هو وقت الولادة، إلاَّ أنَّ سببه الولادة.
_________
(١) القوانين الفقهية (٣١).
(٢) الإقناع (١/ ٨٧).
(٣) المغني (١/ ٣٨٦).
(٤) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (١/ ٣٧٠) وقريب منه ما عرف به الشربيني في مغني المحتاج (١/ ١٠٨).
(٥) انظر: كشاف القناع (١/ ١٩٦).
1 / 14
المطلب الثاني
في التعريف بالنفاس
النفاس لغة:
من «النَّفْس» وهو الدم، يقال: «سالت نفسه»، أي: دمه.
أو من النَّفَس؛ وهو الفرج من الكرب، يقال: «اللهم نَفِّس عني»، أي: فرِّج عني، ويقال: «نَفَّس الله عنه كربته»، أي: فرَّجها.
أو من «التنفيس»: وهو الخروج من الجوف (١).
أما في الاصطلاح الشرعي:
فقد عُرِّف بتعاريف متقاربة.
فعرفه المرغيناني من الحنفية: بأنه «الدم الخارج من الرحم بعد الولادة» (٢).
وعرَّفه ابن جزي من المالكية: بأنه «الدم الخارج من الفرج بسبب الولادة» (٣).
وعرفه الرملي من الشافعية: بأنه «الدم الخارج عقب فراغ الرحم من الحمل» (٤).
وعرفه ابن مفلح من الحنابلة: بأنه «دم يُرخيه الرحم للولادة وبعدها إلى مدَّة معلومة» (٥).
ولعلَّ أوفى هذه التعريفات ما عرَّف به الحنابلة؛ إذ إنه جعل منه ما
_________
(١) انظر: لسان العرب مادة «نفس» (٦/ ٢٣٦، ٢٣٩) الصحاح مادة «نفس» (٣/ ٩٨٤، ٩٨٥).
(٢) الهداية مع فتح القدير (١/ ١٨٦).
(٣) القوانين الفقهية (٣١).
(٤) نهاية المحتاج (١/ ٣٠٥).
(٥) المبدع (١/ ٢٩٣).
1 / 15
يكون قبل الولادة، مع وجود أمارة عليه بأن تعقبه ولادة، ويَصحبه الطَّلْق، وقد أشار إلى هذا أيضًا تعريف المالكية له.
ثم إنه حدَّد له مدَّة، وجعلها معلومة، فإن زاد عليها فإنَّ الزيادة لا تكون منه، بل قد تكون حيضًا أو استحاضة أو دم فساد.
ثم أيضًا قد تضمَّن اشتراط أن يكون خُروجه من الرحم، فلو كان من دونه فإنه لا يدخل في دم النفاس، وقد تضمَّن هذا المعنى أيضًا تعريف الحنفية.
المطلب الثالث
التعريف بالاستحاضة
الاستحاضة في اللغة:
قال في اللسان: الاستحاضة أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتاد. يقال: «استحيضت»؛ فهي مُستحاضة.
والمستحاضة التي لا يرقأ دم حيضها ولا يسيل من المحيض، ولكنه يُسَلُّ من عِرقٍ يُقال له «العاذل» (١).
أما في الاصطلاح الشرعي:
فقد عُرِّفت بتعاريفَ كثيرةٍ تختلف في ألفاظها حتى داخل المذهب الواحد، إلاَّ أنها ترجع إلى معنى واحد، وهو ما ذُكِرَ في تعريفها لغة .. ودونك تعريفًا لكلِّ مذهب.
فعرَّفها ابن نجيم من الحنفية بأنها «اسم لدمٍ خارجٍ من الفرج دون الرحم» (٢).
_________
(١) مادة «حيض» (٧/ ١٤٢، ١٤٣) وانظر: أيضًا الصحاح (٣/ ١٠٧٣).
(٢) البحر الرائق (١/ ٢٢٦).
1 / 16
وعرَّفها ابن جزي من المالكية: بأنها «الدم الخارج من الفرج على وجه المرض» (١).
وعرفها الشربيني من الشافعية: بأنها «دم علَّةٍ يسيل من عِرقٍ من أدنى الرحم يُقال له "العاذل"» (٢).
وعرَّفها ابن مفلح من الحنابلة بأنها: «سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل» (٣).
_________
(١) القوانين الفقهية ص ٣١.
(٢) مغني المحتاج (١/ ١٠٨)
(٣) المبدع (١/ ٢٧٤).
1 / 17
الفصل الأول
الأحكام المترتبة على الحيض
وفيه ثلاثة عشرة مبحثًا:
1 / 19
المبحث الأول
في الأحكام المتعلقة بالطهارة
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: في قراءة القرآن.
المطلب الثاني: في الذِّكر.
المطلب الثالث: في مسِّ المصحف.
المطلب الرابع: في طهارة بدن الحائض، وطهارة سؤرها، وعَرقها.
المطلب الخامس: في دخولها للمسجد.
المطلب السادس: في غسلها من المحيض. والتيمُّم عند فقد الماء.
المطلب السابع: في اغتسال الحائض للجنابة.
المطلب الثامن: في تغسيلها إذا ماتت
* * *
المطلب الأول
في قراءة الحائض للقرآن (١)
وفيه فرعان:
الفرع الأول: في قراءة الكثير منه (ما كان أكثر من آية)
ولأهل العلم في حكم ذلك قولان:
_________
(١) نقصد بالقراءة ما كان معها حركة باللسان، فأما النظر في المصحف، وقراءته بالقلب دون حركة اللسان، فهذا لا خلاف بين أهل العلم في جوازه، انظر: المجموع (٢/ ١٦٣).
1 / 20
القول الأول: أنه لا يجوز:
ذهب إليه الحنفية (١)، ومالك في رواية عنه (٢)، والشافعية (٣)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (٤)
وهو قول جمعٌ من فقهاء السلف منهم الحسن، والنخعي، والزهري، وقتادة، وعطاء، وسعيد بن جبير، وأكثر أهل العلم (٥).
الأدلَّة:
١ - ما روي عن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجُنب شيئًا من القرآن» (٦).
ونوقش بضعف الحديث فلا يصلح للاحتجاج؛ لأنَّ في إسناده إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها.
والطريق الأخرى فيها مُبهم، عن أبي معشر، وهو ضعيف.
ورُوِيَ الحديث عن جابر مرفوعًا، وفيه محمد بن الفضل، وهو متروك، وروي عنه موقوفًا، وفيه يحيى بن أبي أنيسة، وهو كذاب (٧).
_________
(١) انظر: مختصر الطحاوي (١٨) بدائع الصنائع (١/ ٣٧) المبسوط (٣/ ١٥٢) البحر الرائق (١/ ٢١٠) الفتاوى الهندية (١/ ٣٨).
(٢) انظر: المنتقى (١/ ١٢٠، ٣٤٥) المعونة (١/ ١٦٣) التفريع (١/ ٢٠٦).
(٣) انظر: الوجيز (١/ ١٨) المهذب (١/ ٤٥) الحاوي (١/ ٣٨٦) المجموع (٢/ ١٥٨) مغني المحتاج (١/ ٧٢).
(٤) انظر: المغني (١/ ١٩٩) الإنصاف (١/ ٢٤٣) المبدع (١/ ١٨٧) كشاف القناع (١/ ١٤٧، ١٩٧) الشرح الكبير (١/ ١٥٦).
(٥) انظر: الأوسط (٢/ ٩٦) المجموع (٢/ ١٥٨) المغني (١/ ١٩٩).
(٦) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة باب ما جاء في الجُنب والحائض أنهما لا يقرءان القرآن (١/ ٢٣٦) وابن ماجة في كتاب الطهارة، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة (١/ ١٩٥) والدارقطني في كتاب الطهارة، باب في النهي للجنب عن قراءة القرآن (١/ ١١٧) والبيهقي في كتاب الحيض، باب الحائض لا تمس المصحف، ولا تقرأ القرآن (١/ ٣٠٩).
(٧) التلخيص الحبير (١/ ١٣٨).
1 / 21
قال ابن تيمية عن الحديث: وهو ضعيفٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث (١).
وقال ابن حجر: وحديث ابن عمر ضعيف من جميع طُرقه (٢).
٢ - ما رُوِيَ عن علي بن أبي طالب ﵁: «أنه دخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء، فأخذ منه حفنة، فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأُنكِر ذلك عليه فقال: «إنَّ رسول الله ﷺ كان يخرج من الخلاء فيُقرِئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه - أو قال: يحجزه - عن القرآن شيء إلا الجنابة» (٣).
وفي رواية: «كان رسول الله ﷺ يقرئنا القرآن على كلِّ حال ما لم
_________
(١) مجموع الفتاوى (٢١/ ٤٦٠).
(٢) فتح الباري (١/ ٤٠٩).
(٣) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الجُنب يقرأ القرآن (١/ ١٥٥) وسكت عنه.
والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا (١/ ٩٨، ٩٩) وقال: حديث حسن صحيح.
وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة (١/ ١٩٥).
والنسائي في كتاب الطهارة، باب حجب الجُنب من قراءة القرآن (١/ ١٥٧).
والدارقطني في كتاب الطهارة، باب النهي للجنب والحائض عن قراءة القرآن (١/ ١١٩).
والحاكم في كتاب الأطعمة (٤/ ١٠٧) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه.
قال الحافظ في الفتح (١/ ٣٤٨) رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي: وابن حبان، وضعف بعضهم أحد رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة.
قال الألباني: هذا رأي الحافظ في الحديث، ولا نوافقه عليه، فإن الراوي المشار إليه وهو عبد الله بن سلمة، قد قال الحافظ نفسه في ترجمته: من التقريب "صدوق تغير حفظه" وقد سبق أن حدث بهذا الحديث في حال التغير فالظاهر هو أن الحافظ لم يستحضر ذلك حين حكم بحسن الحديث، والله أعلم، ولذلك لما حكى النووي في المجموع (٢/ ١٥٩) عن الترمذي تصحيحه للحديث تعقبه قوله: وقال غيره من الحفاظ المحققين: هو حديث ضعيف (٢/ ٢٤٢).
1 / 22
يكن جُنبًا» (١).
والشاهد منه: منع الجُنب من قراءة القرآن، فالحائض مثله؛ لأنَّ حدثها أغلظ (٢).
ونوقش الاستدلال: من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: ضعف الحديث؛ لأنه من رواية عبد الله بن سلمة، وقد تغيَّر عقله في كبره، وروايته إياه حال تغيُّره (٣).
الوجه الثاني: أنه لا حجَّة فيه على منع الجُنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه نهي عن أن يقرأ الجُنب القرآن، وإنما هو فعلٌ منه ﵇ لا يُلزم؛ فلم يُبيِّن ﵇ أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة.
وقد يتفق له ﵇ ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة، وهو ﵇ لم يصم شهرًا كاملًا غير رمضان، ولم يزد في قيامه على ثلاثة عشرة ركعة .. أفيحرم أن يُصَام شهر كامل غير رمضان، أو أن يتهجَّد المرء بأكثر من ثلاث عشرة ركعة؟ هذا لا يقوله المانعون، ومثل هذا كثير جدًّا (٤).
٣ - ما رُوِيَ عن علي ﵁ قال: رأيت النبي ﷺ توضَّأ، ثم قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: «هكذا لمن ليس بِجُنب، فأمَّا الجُنب فلا، ولا آية» (٥).
فالحديث نصَّ في منع الجُنب، فالحائض من باب أولى؛ لأن حدثها أغلظ.
_________
(١) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا (١/ ٩٨).
(٢) المغني (١/ ٢٠٠) فتح الباري (١/ ٤٠٧).
(٣) انظر: التلخيص الحبير (١/ ١٣٩) إرواء الغليل (٢/ ٢٤٢).
(٤) المحلى (١/ ١٠٣) وانظر أيضًا: نيل الأوطار (١/ ٢٢٦) والسيل الجرار (١/ ١١٠).
(٥) أخرجه أحمد في المسند (١/ ١١٠) وقد عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد لأبي يعلي، وقال: رجاله رجال موثقون (١/ ٢٧٦).
1 / 23
ونوقش من أوجه:
الوجه الأول: عدم التسليم بصحَّة الحديث؛ لأنه من رواية أبي الغريف عن علي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وعليه اعتمد من قال بصحته، وابن حبان متساهل في التوثيق فلا يُعتمد عليه، لاسيَّما إذا عارضه غيره من الأئمَّة.
الوجه الثاني: أنه لو صحَّ فليس صريحًا في الرفع، أي: موضع الشاهد منه.
الوجه الثالث: على فرض كونه صريحًا في الرفع فهو شاذ أو مُنكَر؛ لأنَّ في إسناده عائذ بن حبيب، وإن كان ثقة، فقد قال فيه ابن عدي: روى أحاديث أُنكِرت عليه، ولعلَّ هذا منها، فقد رواه من هو أوثق منه وأحفظ موقوفًا على علي (١).
الوجه الرابع: على التسليم بالجميع وأنه نصَّ في منع الجُنب فلا دلالة فيه على منع الحائض؛ إذ تحتاج هذه الدعوة إلى دليل، وللفارق، ومن أهمه: قدرته على التطهُّر دونها.
٤ - ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن مالك الغافقي أنه سمع النبي ﷺ يقول: «إذا توضَّأت وأنا جُنب أكلت وشربت، ولا أصلِّي ولا أقرأ حتى اغتسل» (٢).
ونوقش: بأنَّ الحديث ضعيف (٣).
٥ - ما رُوِيَ عن عبد الله بن رواحة ﵁: أنه كان مضطجعًا إلى جُنب امرأته، فقام إلى جاريةٍ له في ناحية الحجرة فوقع عليها، وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه فقامت وخرجت، فرأته على جاريته
_________
(١) إرواء الغليل (٢/ ٢٤٣، ٢٤٤).
(٢) السنن الكبرى (١/ ٣٠٨).
(٣) المجموع (٢/ ١٥٩).
1 / 24