The Quranic Discourse to the People of the Book and Their Attitude Towards It: Past and Present
الخطاب القرآني لأهل الكتاب وموقفهم منه قديما وحديثا
Nau'ikan
الوجه الثالث: وهو إخفاؤهم لبعض الآيات والأحكام بحسب الزمان والظرف، وقد بين القرآن الكريم ذلك كما في الآيات التالية.
قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ (١).
وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾ (٢).
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (٣).
وهذا الوجه متعلق بالتغير والإخفاء لأحكام الشريعة، وهذا التحريف من أخطر الأنواع؛ لأنه متعلق بما شرعه الله لعباده، فيجعلون الحلال فيه حرامًا والحرام فيه حلالًا.
قال ابن زيد: " يجعلون الحلال فيها حرامًا، والحرام فيها حلالًا، والحق فيها باطلًا، والباطل فيها حقًا، إذا جاءهم المحق برِشوة أخرجوا له كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برِشوة أخرجوا له ذلك الكتاب، فهو فيه محق، وإن جاء أحد يسألهم شيئًا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال الله لهم: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (٤) " (٥)، وهذا اتباع الهوى بعينه في إخفاءهم النصوص الشرعية وكتمانها.
قال الثعالبي: وغيروا ما فيها من الأحكام من بعد ما علموها وفهموها كما غيَّروا آية الرّجم، وصفة محمَّد ﷺ (٦). ثم قاموا بإخفاء الحكم الشرعي فيها، وحينما يحصل مثل هذا التحريف تتبدل الشرائع الصحيحة بغيرها، وتستبدل الأوامر والأحكام بغيرها، فينطفئ النور الإلهي الذي جاء للبشر، وتبدأ الفوضى؛ لأن الذي يستبدل الأحكام وينسخها هو الله قال تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ
(١) سورة المائدة الآية: (١٥). (٢) سورة الأنعام الآية: (٩١). (٣) سورة البقرة الآية: (٧٦). (٤) سورة البقرة الآية: (٤٤). (٥) انظر: تفسير القرآن العظيم (١/ ٣٠٨) مرجع سابق. (٦) انظر: الكشف والبيان (١/ ٢٢٢) مرجع سابق.
1 / 215