171

The Quranic Discourse to the People of the Book and Their Attitude Towards It: Past and Present

الخطاب القرآني لأهل الكتاب وموقفهم منه قديما وحديثا

Nau'ikan

فتبين مما سبق أن عبدالله ابن سلام كان يعلم أن اليهود قوم بهت يتبعون أهواؤهم مع علمهم ومعرفتهم بصدق رسول الله ﷺ فظهر موقفهم من الخطاب القرآني ومن الرسول الخاتم أنهم قابلوه بالإعراض والرفض، واتبعوا أهوائهم بغير هدى من الله قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (١). المطلب الثاني: شهادة المنصفين من أهل الكتاب حديثًا على صدق القرآن الكريم إن مما لاشك فيه أنه يوجد في كل زمانٍ ومكان عقول منصفة تحب أن تصل إلى الحقيقة، وتبحث عنها بتجرد حتى تصل إليها، وقد كان من هؤلاء بعض أهل الكتاب في عهد رسول الله ﷺ، أمثال الحبر عبدالله بن سلام من اليهود، وكذلك النجاشي من النصارى، وقد ورد ذكرهما في المطلب السابق، وفي هذا العصر وجدت بعض العقول المنصفة التي بحثت عن الحق فوصلت إليه بعد دراسات مستفيضة استمرت لعدة سنوات، وغيرت موقفها تجاه الخطاب القرآني، وكانت تلك الدراسة تقارن بين ما جاء في القرآن الكريم، وبين ما جاء في الكتب السابقة، ومقارنة ذلك بالحقائق العلمية الحديثة، فتبين لهؤلاء أن القرآن الكريم هو الكتاب الحق الذي لم تصله يد التحريف طوال أربعة عشر قرنًا، وأنه الكتاب الوحيد الذي يتكلم عن حقائق علمية في الكون لا يمكن للبشر أن يصلوا إليها قبل مئات السنين بقدراتهم البسيطة، وهذا مما يدل على أن محمدًا ﷺ قد تلقى القرآن عمن أحاط بكل شيءٍ علمًا، فأسلم منهم الكثير، وشهدوا بصدق القرآن الكريم، وآمنوا به وبالذي أنزله، كما آمنوا بالرسول الذي جاء به، وسأذكر في هذا المطلب مجموعة من هذه الشهادات للمنصفين منهم، داعيًا أهل الكتاب في عصرنا الحديث أن يدرسوا القرآن الكريم بإنصاف وتجرد، لعلَّ الله أن يشرح صدورهم للإسلام كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (٢). وشهادات المنصفين بصدق القرآن قد شملت عدة جوانب، وكلها تدل وتؤكد على صدقه، وهذه الشهادات نوردها على النحو التالي:

(١) سورة القصص الآية: (٥٠). (٢) سورة الأنعام الآية: (١٢٥).

1 / 182