266

The Qur'an and Refutation of the Monk's Criticism

القرآن ونقض مطاعن الرهبان

Nau'ikan

وبهذا نعرفُ أَنَّ نسبةَ القولَيْن الرابعِ والخامسِ لعمرَ ﵁ لم تَصِحّ، رغم أَنَّهما ذُكِرا في بعضِ الروايات، ونقلَهما عنها السيوطيُّ في " الإِتقان "، ومعلومٌ أَنَّ السيوطيَّ لا يتحرّى الدِّقَّةَ في ما يَنقل، وأَنَّ صحةَ الروايةِ عن رسولِ الله ﷺ وأَصحابِه شرطٌ لقَبولِها واعْتمادِها. أَمَّا الأَقوالُ الثلاثةُ السابقة فقد ذَكَرَها البخاريُّ في صحيحه، وهي من موافقاتِ عمر. روى البخاريُّ عن أَنَسِ بنِ مالك ﷺ قالَ: قالَ عمرُ بنُ الخطاب ﵁: وافَقْتُ رَبّي - أَو وافَقَني ربّي - في ثلاث: قلتُ: يا رسولَ الله: لو اتّخَذْتَ من مَقامِ إِبراهيمَ مُصلّى، فنزلَتْ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) . وقلتُ: يا رسولَ الله: يدخلُ عليك البَرُّ والفاجر، فلو أَمرتَ أُمَّهاتِ المؤمنين بالحجاب، فأَنزلَ اللهُ آيةَ الحجاب. وبَلَغَني مُعاتبةُ النبيِّ ﷺ بعضَ نسائِه، فدخَلْتُ عليهنّ فقلْتُ: إِن انتهيْتُنَّ أَو لَيُبْدِلَنَّ اللهُ رسولَه خيرًا منكن، فأَتَتْ إِحْدى نسائِه، فقالَتْ: يا عُمَر: أَما في رسولِ اللهِ ما يَعِظُ نِساءَه، حتى تَعِظَهُنَّ أَنت؟ فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) . ولا تَدُلُّ موافقاتُ عمرَ ﵁ وما نَزَلَ من القرآنِ على لسانِ بعضِ الصحابة كما ذكرَ السيوطيُّ في الإِتقان - على أَنَّ في القرآنِ أَقوالَ الناس. وأَنَّ القرآنَ صناعةٌ بشرية، كما قالَ الفادي المفتري! فكلّ مسلمٍ يُؤمنُ أَنَّ القرآنَ كُلَّه كلامُ الله، وأَنَّ ما فيه من موافقاتٍ إِخبارٌ من اللهِ عن بعضِ ما قالَه الصحابةُ أَو فَعَلوه، وهذا عِلْمٌ معروفٌ بعِلْمِ " أَسبابِ النزول ". وهو أَنْ تَقَعَ الحادثةُ، فتنزل الآيةُ عَقِبَها. وموافقاتُ عمرَ التي نَزَلَت الآياتُ مُقَرِّرَةً لكلامِ عمرَ واقتراحِه، تَدُلُّ على فَضْلِ ومنزلةِ وفطنةِ عمرَ ﵁، بحيثُ يُنزلُ اللهُ الآيةَ في اعتمادِ كلامِهِ والأَخْذ ومن هذا البابِ ما " حكاهُ " القرآنُ في قصصِه، ونَسَبَهُ لأُناسٍ من السابقينَ، من كلماتٍ وأَقوالٍ وحِوارات، حيث نَقَلَ ما قالوه بلغاتِهم السابقةِ غيرِ العربية بلسانٍ عربيٍّ مبين!!.

1 / 275