The Promised Generation for Victory and Empowerment
الجيل الموعود بالنصر والتمكين
Mai Buga Littafi
دار الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
Inda aka buga
مصر
Nau'ikan
دخل النور قلوب أهل يثرب فامتلأت بالإيمان، وتغيرت التصورات والاهتمامات، وتوحد الفرقاء، واجتمعوا جميعًا على كلمة واحدة، وتمسكوا بحبل الله المتين وهو القرآن فكان منهم ما كان من المستوى العجيب في البذل والتضحية والإيثار .. كل ذلك حدث قبل مجيئه ﷺ إليهم، والدليل على ذلك ما فعلوه مع إخوانهم المهاجرين من تكافل وإيثار في الدوُّر والأموال والثمار مع فقرهم وشدة حاجتهم، وما كان هذا ليحدث لولا المستوى الإيماني الراقي الذي وصلوا إليه من خلال القرآن: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر:٩).
- مفهوم الانشغال بالقرآن:
إذن فالانشغال بالقرآن والانتفاع بمعجزته والدخول في دائرة تأثيره هو العامل الرئيس الذي غيَّر الصحابة وصنع منهم ذلك الجيل الفريد الذي تفخر به البشرية حتى الآن.
وعندما نتحدث عن انشغال الصحابة بالقرآن فإن هذا يعني أول ما يعني، انشغالهم بتلاوته حق التلاوة، فكما قال ابن عباس في معنى حق تلاوته: "أي يتبعونه حق اتباعه" (١).
فقيمة القرآن الحقيقية في قدرته على التغيير وهذا بلا شك يستدعي فهم معانيه والتأثر بها والعمل بمقتضاها .. يقول عمر بن الخطاب ﵁: " لا يغرركم من قرأ القرآن إنما هو كلام نتكلم به، ولكن انظروا من يعمل به" (٢).
وإن أردت مثالًا لطريقة الصحابة في قراءة القرآن فإليك هذا الأثر:
عن أبي ذئب ﵀ عن صالح قال: "كنت جارًا لابن عباس ﵄ وكان يتهجد من الليل فيقرأ الآية ثم يسكت قدر ما حدثتك، وذلك طويل، ثم يقرأ، قلت: لأي شيء فعل ذلك؟ قال: من أجل التأويل، يفكر فيه " (٣).
ويقول عباد بن حمزة: "دخلت على أسماء ﵂ وهي تقرأ ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ (الطور:٢٧). فوقفت عندها تعيدها وتدعو، فطال علىَّ ذلك فذهبت إلى السوق، فقضيت حاجتي وهي تعيدها وتدعو بها" (٤).
- لا بديل عن التدبر:
إذن فليس معنى الانشغال بالقرآن هو كثرة قراءته باللسان دون تدبر معانيه بالعقل، أو تحريك القلب به، فهذا إن حدث فلن يحقق مقصود القرآن، وما نزل من أجل تحقيقه.
قيل للسيدة عائشة ﵂ إن أناسًا يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثًا فقالت: (قرءوا ولم يقرءوا، كان رسول الله ﷺ يقوم ليلة التمام فيقرأ البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء، لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله تعالى ورغب، ولا يمر بآية فيها خوف إلا دعا واستعاذ" (٥).
وعندما قال رجل عبد الله بن مسعود ﵁: إني لأقرأ المفصَّل في ركعة، فقال عبد الله: " هذًّا كهذّ الشعر؟ إن أقوامًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه، نفع".
ويعلق النووي في شرحه لصحيح مسلم على قول ابن مسعود فيقول:
" معناه أن قومًا ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل إلى قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب، بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب" (٦).
_________
(١) فضائل القرآن لأبي عبيد ص ١٣٠.
(٢) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي ص ٧١.
(٣) مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر ص ١٤٩.
(٤) المصدر السابق.
(٥) أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (١١٩٦) ص / ٤٢١.
(٦) صحيح مسلم بشرح النووي ٦/ ٣٤٥.
1 / 53