The Precious Collection on the Ruling of Supplicating to Other than the Lord of the Worlds
المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين
Nau'ikan
وقال: "قد عرفتَ مِن هذا كلِّه أنَّ مَن اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو مَلَكٍ أو جنيٍّ أو حيٍّ أو ميت أنَّه ينفع أو يضر، أو أنَّه يقرِّب إلى الله، أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به والتوسل به إلى الرب تعالى، إلَاّ ما ورد في حديث فيه مقال في حقِّ نبيِّنا محمد ﷺ أو نحو ذلك، فإنَّه قد أشرك مع الله غيره، واعتقد ما لا يَحلُّ اعتقادُه، كما اعتقده المشركون في الأوثان، فضلًا عمَّن ينذر بماله وولده لميِّت أو حي، أو يطلبُ من ذلك الميت ما لا يُطلب إلَاّ من الله تعالى من الحاجات، من عافية مريضِه، أو قدوم غائبه، أو نيله لأيِّ مطلب من المطالب، فإنَّ هذا هو الشرك بعينه الذي كان ويكون عليه عُبَّادُ الأصنام.
والنَّذرُ بالمال للميت ونحوه، والنَّحر على القبر، والتوسل به وطلب الحاجات منه، هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية، وإنَّما كانوا يفعلونه لِمَا يسمُّونه وثنًا وصنمًا، وفعله القبوريون لِمَا يسمُّونه وليًّا وقبرًا ومَشهدًا، والأسماء لا أثر لها ولا تغيِّر المعاني ضرورة لغوية وعقلية وشرعية، فإنَّ مَن شرب الخمرَ وسمَّاها ماء، ما شربَ إلَاّ خَمرًا، وعقابُه عقابُ شارب الخمر، ولعلَّه يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية ... وكذلك تسمِيةُ القبرِ مَشهدًا ومَن يعتقدون فيه وليًّا، لا تخرجه عن اسم الصَّنم والوثن؛ إذ هم مُعامِلون لها معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بهم طواف الحجاج ببيت الله الحرام، ويَستلمونهم استلامَهم لأركان البيت، ويُخاطبون الميت بالكلمات الكفرية، مِن قولهم: على الله وعليك، ويَهتفون بأسمائِهم عند الشدائد ونحوها ...
وفي كلِّ قرية أمواتٌ يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير ودفع الضر، وهذا هو بعينه فعلُ المشركين في الأصنام ... فهذا الذي عليه هؤلاء شرك بلا ريب" (^١).
وقال أيضًا: "فإن قلتَ: أفيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة والخلعاء مشركين كالذين يعتقدون في الأصنام؟
قلت: نعم! قد حصل منهم ما حصل من أولئك وساووهم في ذلك، بل زادوا عليهم في الاعتقاد والانقياد والاستعباد، فلا فرق بينهم.
فإن قلت: هؤلاء القبوريون يقولون: نحن لا نشرك بالله تعالى ولا نجعل له ندًّا، والالتجاءُ إلى الأولياء والاعتقاد فيهم ليس شركًا.
قلت: نعم! ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾، لكن هذا جهل منهم بمعنى الشرك، فإنَّ تعظيمَهم الأولياء ونحرَهم النحائر لهم شركٌ، والله تعالى يقول: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ أي: لا لغيره، كما يفيدُه تقديم الظرف، ...
فهذا الذي يفعلونه لأوليائهم هو عين ما فعَلَه المشركون وصاروا به مشركين، ولا ينفعهم قولهم: نحن لا نشركُ بالله شيئًا، لأنَّ فعلَهم أَكْذبَ قولَهم.
_________
(^١) المصدر السابق (ص: ٦٠ - ٦٤).
1 / 44