الميلاد، صغيْرُ السِّنِّ» قضيةٌ باطلةٌ، لا برهان عليها، وليس لها دليل، وأَنَّ غاية ما يبقى من استظهار الجاحظ هذا هو أَنَّ شعر مهلهل، وابن اخته امرئ القيس مِن أقدمِ ما بقي من شعر الجاهلية (١). ويقول الجاحظ في موضع آخر من كتابه: «وقد قيلَ: الشعرُ قبل الإسلام في مقدارٍ أطولَ مِمَّا بيننا اليوم وبين أول الإسلام» (٢)، والجاحظ قد توفي سنة ٢٥٥ هـ.
والجاحظ وغيره من العلماء الذين قالوا بمدة مائة وخمسين سنة تقريبًا أو أكثر للشعر الجاهلي لم يبعدوا عن الصواب إذا فُرِضَ أَنَّهم إِنَّما أرادوا بذلك ما وصل من الأشعارِ القديمةِ الموثوق بِها، بِحيثُ لا يَرتابُ الرواة الثقاتُ في صحة هذه الأشعار ونسبتها لأولئك الشعراء، وأما عُمْرُ الشعر نفسه فهو أقدم من ذلك بكثير، ولا يستطيع أحدٌ أن يزعم معرفة ذلك التاريخ بدقة، فالأبيات المفردة، والمقطعات عمرها أطول من ذلك بكثير، ولم يقف أحد على أولها، ولذلك يقول السيوطي (٣): «وقال عُمَرُ بنُ شَبَّةَ (٤) في «طبقات الشعراء»: للشعرِ والشعراءِ أَوَّلٌ لا يُوقَفُ عليه، وقد اختلف في ذلك العلماءُ، وادَّعت القبائلُ كلُّ قبيلةٍ لشاعرها أَنَّهُ الأولُ، ولم يدَّعوا ذلك لقائل البيتين والثلاثة؛ لأَنَّهم لا يُسمُّون ذلك شعرًا، فادعت اليمانيةُ لامرئ القيس، وبنو أسد لعَبيدِ بن الأبرص (٥)،