156

The Phenomenon of Postponement in Islamic Thought

ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي

Mai Buga Littafi

دار الكلمة

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م

Nau'ikan

فقد كان غاية ما نقموا على أمير المؤمنين عثمان أنه حمى الحمى، وأتم الصلاة في السفر بمكة، وآثر أقرباءه، وتوسع في الإنفاق من بيت المال والفيء (١) .
فماذا كانت نتيجة الفتنة ومآل الأمة بعدها في الآجل والعاجل؟
لقد ثلم حمى الإسلام نفسه، وهدمت مساجد وثغور، وتولى الأمور من لا يساوي بالنسبة لأولئك الأقرباء شيئًا، وأصبح بيت المال بيت مال الملوك والسلاطين.
وكان ما كان من أمور لا نملك معها إلا أن نقول: قدر الله وما شاء فعل.
ولما كان الجانب الذي يهمنا الآن من هذه الفتنة هو ما يتعلق بظهور فكر المرجئة، فسوف نستعرض موقف الفئات التي كان لها أثر في نشأة الإرجاء إما على الحقيقة وإما على الادعاء.
إن الإرجاء من حيث هو موقف نفسي يمكن أن يوجد في الفتنة العمياء وما تلاها، كما يمكن أن ينشأ في أي قضية مماثلة، فإن من سنن الاجتماع أن أي نزاع يشجر بين طائفتين قد يفرز فئة ثالثة محايدة - لأي سبب من أسباب الحياد - وهكذا وجد في عصر الفتنة الأولى وما تلاها أناس اتخذوا هذا الموقف "الحياد" في الجملة، ولكن شتان بين قوم وقوم،وإن كان موقفهما في الظاهر سواء.
فقد كانت الفئة المحايدة حينئذ تنقسم في حقيقتها أقسامًا، بعضها وافق عين الصواب، وبعضها حاد عن الجادة ووضع قدمه على طريق أوله الحياد وآخره الضلال، وذلك بحسب الدوافع الاعتقادية لموقف كل منهم.
وأصل هذا التفاوت أن الموقف العام نفسه يعد فريدًا في التاريخ، فليس هناك ما يمكن أن يشبهه من الخلافات الدينية أو السياسية في غير هذا الجيل المصطفى المختار.
وذلك أن العادة في مثل هذه الخلافات أن الحياد ليس إلا موقفًا سلبيًا يمليه توازن المصالح أو التردد والشك، ولكننا هنا أمام صورة فذة يكون فيها الحياد - إن أسميناه كذلك - هو الموقف الإيجابي الذي يحتل مركز "الأفضلية" بحكم النصوص، في حين يتقاسم الطرفان المتنازعان مركزي " الفاضل والمفضول".

(١) وهذه الأمور: إما أن الحق فيها معه ﵁ صراحا، وإما أنها مسائل اجتهادية فليس اجتهاد غيره بأولى من اجتهاده - لا سيما وهو خليفة الأمة وطاعته ترفع الخلاف -، وإما أن يكون حاصل منه - غفر الله له - بعض التجاوز في شيء من هذه الأمور الفرعية، فماذا يساوي ذلك إلى جانب سابقته وفضله وعظيم قدره عند الله، وقد ارتكب حاطب ابن أبي بلتعة ﵁ ما هو أكبر من ذلك بكثير، ومع هذا ثبت النص في عذره وعدم مؤاخذته بل ودخوله الجنة رأسا لأنه من أصحاب بدر، وأين حاطب من عثمان؟ انظر: العواصم من القواصم، ومنهاج السنة (٣/١٧٣- ٢٠٧)

1 / 164