The Origins in Quran Sciences
الأصلان في علوم القرآن
Mai Buga Littafi
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
Lambar Fassara
الرابعة مزيدة ومنقحة ١٤١٧ هـ
Shekarar Bugawa
١٩٩٦ م
Nau'ikan
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي جعل القرآن مأدبة ينهل منها العلماء، ومأدبة يتزود منها الأتقياء، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد إمام الأنبياء وخاتمهم، وأول العابدين وأخلصهم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والمهتدين بهديه.. وبعد:
فإن علوم القرآن طائفة من المعارف تتصل بالقرآن من جوانب عديدة، فليست علمًا واحدًا قائمًا بنفسه محدد الموضوع؛ وإنما هي نماذج متعددة من فروع علوم مختلفة تتصل في النهاية باللغة والدين. وأقرب ما ترسم١ به علوم القرآن تعريفًا أن نقول: علوم القرآن معارف من اللغة والدين، موضوعها القرآن الكريم، ولا بد من الوقوف على تلك العلوم؛ فهى مقدمات لتفسير القرآن وفقه معناه، والإلمام بما يعرف الإنسان بسمو ما احتواه القرآن تعبيرًا وتشريعًا، أسلوبًا يوصل إلى الهداية للتي هي أقوم.
ويعتمد هذا الكتاب على أصلين: أصل يتصل باللغة وفروعها، وأصل يتصل بالدين وفروعه٢. ومن المعلوم أن علوم القرآن لم تدون في عصر النبوة وعصر الصحابة؛ اعتمادًا على فطرهم السليمة وأذهانهم الصافية.
_________
١ تعريف بالرسم. وقد أحصى المناطقة المعرفات في قسمين: الحدود والرسوم، والحدود تشتمل على الذاتيات، والرسوم هي التي لم تشتمل على الذاتيات أو اشتملت على شيء منها.
٢ هذا وجه تسميته "الأصلان".
1 / 3
ولا يعني عدم التدوين عدم معرفتهم١ بما نعرفه نحن عن علوم القرآن، فما تشحن به أذهاننا من المعارف ربما عد من البديهيات عندهم، وقد أُمر المسلمون في صدر الإسلام أن يكتبوا القرآن فقط؛ لئلا يختلط به غيره، إلى أن يستقر في قلوبهم، وتألفه أسماعهم، وتتعود النطق به ألسنتهم، وبعد ذلك لا يمنعهم الشارع من تدوين ما هو نافع مفيد.
والتأليف في علوم القرآن له مرحلتان: المرحلة الأولى كان التأليف فيها عن نوع واحد؛ مثل: مؤلَّف علي بن المديني شيخ البخاري في أسباب النزول، و"الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد الله القاسم بن سلام، و"غريب القرآن" لأبي بكر السجستاني..
المرحلة الثانية كان التأليف فيها لأنواع عديدة، بدأت قليلة ثم كثرت بضم أنواع أخرى، كطبيعة أي شيء يبدو صغيرًا إلى أن يصل إلى التمام أو يكاد، ومن أمثال هذه المؤلفات: "فنون الأفنان في علوم القرآن" لابن الجوزي المتوفَّى سنة ٥٩٧هـ، و"جمال القراء" للسخاوي المتوفَّى سنة ٦٤١هـ، و"البرهان في علوم القرآن" للزركشي المتوفَّى سنة ٧٩٤هـ، ثم "الإتقان" للسيوطي المتوفَّى سنة ٩١١هـ.
_________
١ الواقع أن قواعد علوم القرآن كانت مستقرة في نفوس العلماء من الصحابة، وكانوا يسيرون في ضوئها ولم يصرحوا بها، فعبد الله بن مسعود الصحابي الفقيه عندما كان يقول: إن الحامل المتوفَّى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] ويستدل بأن سورة الطلاق التي فيها هذه الآية نزلت بعد سورة البقرة التي فيها قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] إنما كان يشير بهذا الاستدلال إلى قاعدة من قواعد علوم القرآن؛ وهي أن النص اللاحق ينسخ النص السابق وإن لم يصرَّح بذلك، فالعادة أن الشيء يوجد ثم يدون، فالتدوين كاشف عن وجود الشيء لا منشئ له.
1 / 4
وتوقفت حركة التأليف في علوم القرآن إلى أن دبت حركة النشاط، وظهرت مؤلفات في القرن العشرين؛ منها: "التبيان في علوم القرآن" للشيخ طاهر الجزائري١، و"منهج الفرقان في علوم القرآن" للشيخ محمد علي سلامة٢، و"مناهل العرفان" للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني٣، وتوجد غير هذه المؤلفات مذكرات في علوم القرآن لأساتذتنا٤ وزملائنا، جزى الله الجميع خير الجزاء.
وقد رأيت أن أكتب في هذا الكتاب زبد ما كتب في هذا الفن الجليل، بعبارة مركزة: ما استطعت إلى ذلك سبيلًا؛ تحاشيًا من الإطناب الممل، والإيجاز المخل، مضيفًا بعض الأبحاث التي تعين على تفهم القرآن الكريم. واللهَ نسألُ أن يهدينا سواء السبيل.
المؤلف
_________
١ "التبيان في علوم القرآن" للشيخ طاهر الجزائري، هو اختصار رائع لكتاب "الإتقان في علوم القرآن" للحافظ السيوطي.
٢ "منهج الفرقان في علوم القرآن" للأستاذ محمد علي سلامة، الأستاذ بكلية أصول الدين سابقًا، هذب فيه بعض مباحث علوم القرآن من "الإتقان" و"البرهان"، وأوضح العبارة للطلاب بأسلوب السهل الممتنع.
٣ "مناهل العرفان" للشيخ الزرقاني، جمع فيه المؤلف بين الأسلوب البليغ والتحقيق العلمي.
٤ مثَّل منه "المنان في علوم القرآن" للأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة، وقد ظهر منه إلى الآن جزآن، والباقي تحت الطبع.
1 / 5
الموضوع الأول: أماكن النزول وأزمنته وأحواله
أ- المكى والمدني:
معرفة ذلك من المهمات للوقوف على التاريخ الذي به يتميز الناسخ١ من المنسوخ عند التعارض، والذي يمكن به معرفة تقييد المطلق وتخصيص العام٢ عند مَن يرى جواز تأخير المخصص. وللناس للتمييز بين المكي والمدني أقوال؛ فمنهم من يجعل الفاصل الهجرة٣، ونظرة هذا زمنية، فما نزل قبلها فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني وإن نزل في مكة.
ومنهم مَن نظرته مكانية، فما نزل بعيدًا عن مكة والمدينة وضواحيهما لا يعد مكيًّا ولا مدنيًّا؛ كالنازل في تبوك.
ومنهم مَن نظرته حالية، فخطاب أهل مكة له سماته، ولأهل المدينة خطاب يغاير خطاب أهل مكة.
والمتفق على نزوله بالمدينة عشرون سورة، والمختلَف في نزوله بمكة أو المدينة بعض السور، وما عدا ما اتفق على نزوله بالمدينة وما اختلف فيه قد نزل بمكة. وقد نظم بعض الناس ما اتفق على نزوله بالمدينة وما اختلف فيه فقال:
تعارض النقل في أم الكتاب وقد ... تؤولت حجر تنبيهًا لمعتبر
أم القرآن وفي أم القرى نزلت ... ما كان للخمس قبل الحمد من أثر
_________
١ سيعرف المؤلف النسخ في الموضوع الخامس "النسخ وموهم الاختلاف" ص٧٨.
٢ سيتعرض المؤلف لبيان المطلق والعام والتخصيص والتقييد في مبحث اللفظ القرآني.
٣ هذا هو أشهر الاصطلاحات في المكي والمدني، كما ذكر السيوطي في "الإتقان" ١/ ٩، ويمتاز بشمول تقسيمه جميع القرآن لا يخرج عنه شيء.
1 / 6
وبعد هجرة خير الناس قد نزلت ... عشرون من سور القرآن في عشر
فأربع من طوال السبع أولها ... وخامس الخمس في الأنفال ذي العبر
وتوبة الله إن عدت فسادسة ... وسورة النور والأحزاب ذي الذكر
وسورة لنبي الله محكمة ... والفتح والحجرات الغر في غرر
ثم الحديد ويتلوها مجادلة ... والحشر ثم امتحان الله للبشر
وسورة فضح الله النفاق بها ... وسورة الجمع تذكارًا لمدكر
وللطلاق وللتحريم حكمهما ... والنصر والفتح تنبيهًا على العمر
يريد بذلك أن المتفق على نزوله بالمدينة هي:
البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة.... وهل التوبة سورة مستقلة، أو هي مع الأنفال سورة واحدة؟
ولعل هذا هو مختار غير الناظم.
والسادسة على هذا سورة النور، فالأحزاب، فسورة محمد، فالفتح، فالحجرات، فالحديد، فالمجادلة، فالحشر، فالممتحنة، فالمنافقون، فالتغاين، فالطلاق، فالتحريم، فسورة ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ .
وعليه، فعند الناظم عشرون سورة، وعند غيره تسع عشرة سورة.
وأما المختلَف فيها فعنه قال الناظم:
فالرعد مختلف فيها متى نزلت ... وأكثر الناس قالوا الرعد كالقمر
ومثلها سورة الرحمن شاهدها ... مما تضمن قول الجن في الخبر
1 / 7
وسورة للحواريين قد علمت ... ثم التغابن والتطفيف ذو النذر
وليلة القدر قد خصت بملتنا ... ولم يكن بعدها الزلزال فاعتبر
وقل هو الله من أوصاف خالقنا ... وعوذتان ترد البأس بالقدر
وذا الذي اختلفت فيه الرواة له ... وربما استثنيت آي من السور
وما سوى ذاك مكي في تنزله ... فلا تكن في خلاف الناس في حصر
يريد بذلك أن السور المختلَف في نزولها بمكة أو المدينة هي:
الرعد، والرحمن، والصف -لأن فيها ذكر الحواريين- والتغابن -مع أنه أشار إلى أنها من المتفق على نزوله بالمدينة- وسورة ويل للمطففين، وسورة القدر التي بعدها لم يكن، وليست الزلزلة، ثم سورة الزلزلة، ثم قل هو الله أحد، والمعوذتان.
وأحسن ما قاله هذا الناظم:
.......................... ... وربما استثنيت آي من السور
ولعل هذا هو سبب الخلاف، فليست أكثر السور نزلت دَفْعَةً واحدة.. فبعض الآيات نزل في مكان وبعضها نزل في آخر، وكل يُرْوَى ما علمه، فتظن الخلاف ولا خلاف في الحقيقة.
ومن المرجح أن سورة الجمعة من المتفق على نزوله بالمدينة، وكذا لم يكن، وسورة المطففين.
وأما سورة التغابن، فمنها ما نزل بمكة، ومنها ما نزل بالمدينة، والحق أنه لا يوجد دليل قاطع على نزول سورة بكاملها في مكة أو المدينة، وقد وضعت ضوابط تقريبية تميز ما كان بمكة أو المدينة.. منها ما يحمل طابع
1 / 8
التشريع فهو مدني، وما يحمل طابع الاعتقاد فهو مكي.. ومنها أن السور القصار نزل أكثرها بمكة.. وما عدا هذين لا يعول عليهما..
فقد تنزل الآية في مكة وتوضع في سورة مدنية؛ نحو: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ نزلت في عرفات، وهي من المائدة، آخر السور نزولًا.
وقد تنزل الآية بالمدينة وهي تخاطب أهل مكة؛ نحو: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ نزلت في المدينة ووضعت في سورة مكية هي سورة النحل.
ب- الحضري والسفري:
أكثر القرآن نزل على النبى ﷺ وهو مقيم، وبعض الآيات نزلت عليه وهو مسافر؛ منها١: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ ٢ نزلت وبلال يؤذن على ظهر الكعبة، واحتج المشركون قائلين: ما لهذا العبد يصعد فوق الكعبة، فأنزلها الله.
ج- النهاري والليلي:
أكثر القرآن نزل نهارًا، وبعضه نزل بالليل كالآيات من آخر سورة آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ ٣. عن بلال أنه وجد النبي يبكي قبل الفجر، فسأله عما أبكاه، فتلا عليه هذه الآيات وقال: "ويل لمن قرأهن ولم يتفكر" ٤.
_________
١ وذلك لأن حياة الرسول كانت عامرة بالجهاد في سبيل الله حين ينزل عليه الوحي وهو في مسيره، وقد ذكر الحافظ السيوطي أن كثيرًا من الأمثلة نزلت عليه وهو مسافر. "الإتقان" ١/ ١٨.
٢ سورة الحجرات: ١٣.
٣ سورة آل عمران: ١٩٠.
٤ أخرجه ابن حبان في صحيحه وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة.
1 / 9
وفي الصحيح أنه كان يحرس بالليل فصرف الحارس لما نزلت: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وقد نزلت ليلًا. ومن القرآن ما نزل بين الفجر وطلوع الشمس، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ نزلت في الركعة الأخيرة من الصبح وهو يدعو على قوم.
د- الصيفى والشتائي:
كان القرآن ينزل في أكثر الأوقات. بيد أن بعض الآيات والأحاديث تشير إلى حالة الطقس من حر وبرد؛ كالآيات من سورة التوبة، ومنها عن المنافقين: ﴿لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ ١.. ومن سورة الأحزاب آيات تشير إلى شدة البرد؛ كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ ٢.
هـ- الفراشي والنومي:
المراد بالفراشي: نزول الوحى وهو على فراش النوم قبل أن ينام، أو بعد أن يستيقظ، ومثاله: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ ٣ نزلت والنبي على فراشه عند أم سلمة.
والمراد بالنومي: تجسد ما نزل أو ينزل عليه في يقظة، ورؤيته لذلك وهو نائم، ورؤيا الأنبياء حق. وقد نزلت عليه سورة الكوثر وهو بين أصحابه فأغفى إغفاءة ثم سري عنه فرأوه مبتسمًا، فتلا عليهم: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر﴾ . والوحي كله
_________
١ سورة التوبة: آية ٨١، وقد أمر الله رسوله أن يجيبهم ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ .
٢ سورة الأحزاب: آية ٩.
٣ سورة التوبة: ١١٧، ١١٨، وهم الثلاثة الذين قَبِلَ الله عذرَهم في التخلف بغزوة تبوك.
1 / 10
نزل في اليقظة، وما يعبر عنه الرواة من أنه أغفى إغفاءة، فتصوير منهم للحالة التى كان يأتيه الوحي بها.
والأرضي والسمائي:
أكثر القرآن نزل وهو على الأرض. وبعضه نزل فوق السماوات ليلة الإسراء والمعراج. فقد رُوي أن أوآخر سورة البقرة من قوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ نزلت وهو ﵇ فوق السماوات.
ز- ما نزل مفرقًا وما نزل جمعًا:
أكثر القرآن نزل مفرقًا؛ فمن سورة العلق نزلت الآيات الأولى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ إلى قوله: ﴿عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ونزل: ﴿وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ . وتمام السورتين نزل بعد ذلك.
ومن سور القرآن ما نزل جملة واحدة؛ كسورة المرسلات وسورة الصف.
ح- ما نزل مشيعًا وما نزل مفردًا:
القرآن كله نزل به أمين الوحي جبريل، وهو قادر على حماية ما بيده، وتوصيله إلى النبي، وما من خبر فيه نزول ملائكة مع جبريل بسورة من السور إلا فيه علة قادحة في سنده أو في متنه.
وبهذا ينتهي هذا الموضوع.
1 / 11
الموضوع الثاني: النزول وما يتعلق به
أول ما نزل وآخر ما نزل
...
الموضوع الثاني: النزول وما يتعلق به
وفيه نقاط:
١- أول ما نزل وآخر ما نزل:
اختلفوا في أول ما نزل؛ فعن عائشة وأبي موسى الأشعرى أنها ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ . وشاهد ذلك في الصحيحين١. وعن جابر بن عبد الله أنها "المدثر"، وروي أيضًا في البخاري٢: وجمع بين هذين القولين بأن مراد جابر في أولية المدثر إما سورة كاملة، ولا دليل لهذا التأويل؛ لأنها لم تنزل كلها دَفْعَةً واحدة٣، ومنهم من جعل ذلك من اجتهاده٤.
قلت: وليكن القول الأول أيضًا من اجتهاد الرواة٥.
ومنهم مَن أوَّله بأنه بعد انقطاع الوحي.
ويرد بأنهم عارضوا جابر بـ"اقرأ"، فقال للمعترضين: أحدثكم عن رسول الله وتحدثونني؟!!
ومنهم مَن جعل الأولية نسبية، كل يحدث بما يعلم، وهذا مسلم.
ومنهم مَن جعل أولية ما قاله جابر في الرسالة، و"اقرأ" في النبوة، وهذا مسلم أيضًا٦.
ومنهم مَن جعل أولية ما قاله جابر فيما نزل بسبب؛ وهو ارتعاده ﷺ، وما قالت عائشة فيما نزل بغير سبب٧.
_________
١ أخرجه البخاري، ك بدء الوحي.
٢ البخاري في بدء الوحي ١/ ٣، ٤، وتفسير سورة المدثر ٤/ ١٦١-١٦٣، وتفسير سورة اقرأ ٤/ ١٧٤، ومسلم في صحيحه ١/ ٩٨، ٩٩.
٣ قلت: ما ادعاه بعض علماء القرآن من أن سورة المدثر نزلت بتمامها جملة واحدة لا يتلاءم مع ما ذكرناه في سبب نزولها؛ فإنها نزلت على أسباب متعددة ومتباعدة في الزمن، وقد نزل لكل سبب منها جملة من الآيات، فوق أن هذا القول يحتاج إلى دليل مثبت له.
٤ التحقيق أن هذا القول من جابر بن عبد الله اجتهاد منه، وقد أخطأ في الاجتهاد.
٥ قلت: القول الأول ليس بالاجتهاد؛ بل هو من مقولة النبي ﷺ على ما عليه المحققون من علماء القرآن.
٦ هذان الرأيان مسلمان عند المؤلف رحمه الله تعالى.
٧ كل هذه تأويلات ذكرها الحافظ السيوطي وغيره، وهي تحتاج إلى دليل.
1 / 12
والقول الثالث: أن أول ما نزل سورة "الفاتحة".
وإذا وَازَنَّا بين هذه الأقوال الثلاثة لم نجد فيها حديثًا صحيحًا سالمًا من المعارضة، مقطوعًا برفعه إلى النبي ﷺ وبعد عدم وجود النقل المطمئن -فيما نعلم- يكون الترجيح بالاستنباط، فالسنن الإلهية في آيات الكتاب كالسنن الكونية في الأرض والسماء، والثمرة تنبت من نواة بها خصائص الثمرة.
وسورة الفاتحة مشتملة على ما اشتمل عليه القرآن، فلا بُعْدَ أن تكون هي الأولى في النزول بمكة.. وآخر ما نزل بها "المؤمنون" أو "العنكبوت".
وأول ما نزل بالمدينة "ويل للمطففين".. وآخر ما نزل بها من السور الكاملة سورة التوبة.
وأول ما أعلن به سورة "النجم".
وأعلم أنه ما من قول قيل في أول النزول وآخره إلا عورض بقول آخر، مما يؤكد أن هذه الأقوال بُنيت على الاجتهاد وليس فيها توقيف صحيح.
وأقرب الأقوال في آخر القرآن نزولًا ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ .
1 / 13
ب- سبب النزول وفوائده:
اعلم أن من القرآن ما نزل ابتداء من غير سبب.. ومنه ما نزل ليفصل في وقائع وقعت..والاشتغال بمعرفة ذلك من المهمات التي لها فوائد عديدة:
١- منها: معرفة وجه الحكمة١ الباعثة على تشريع الحكم.
٢- ومنها: تخصيص الحكم به عند مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب..
٣- ومنها: أن اللفظ قد يكون عامًّا ويقوم الدليل على تخصيصه، فلا يتناول التخصيص صورة السبب.
٤- ومنها: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال.. فمثلًا قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قد يُفهم منه إباحة بعض المطعومات المحرمة ما دام المتناوِل تقيًّا مؤمنًا عاملًا للصالحات، فإذا عرف سبب النزول فُهم أنها نزلت لما سأل الصحابة عن مصير إخوانهم الذين ماتوا وكانوا يشربون الخمر، وهي رجس ولم تكن قد حرمت؛ فأنزل الله الآية إشارة إلى أن من مات قبل التحريم فلا جناح عليه.
وكذا قوله في الذين صلوا إلى بيت المقدس وماتوا قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، قال في قبول أعمالهم: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ .
٥- ومن فوائد معرفة أسباب النزول: دفع توهم الحصر.. فمثلًا قوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ ظاهر هذا حصر المحرمات في هذه الأمور، فإذا علم السبب؛ وهو أن المشركين لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة، جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال
_________
١ الحكمة المراد بها هنا: العلة الباعثة التي تبعث المكلَّف على امتثال أوامر الشارع. انظر في ذلك كتاب "التعليل في القرآن الكريم" للمحقق.
1 / 14
إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلًا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا حلاوة.. والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة؛ فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من هذه الأصناف. ولم يقصد حل ما وراءها أو تحريمه؛ بل هو سكوت عنه حتى جاءت آيات تضيف أصنافًا أخرى إلى هذه المحرمات١.
٦- ومن فوائد معرفة أسباب النزول: التعرف على الاسم الذي نزلت فيه وتعيين المبهم فيها٢.
واختلف الأصوليون٣: هل العبرة بعموم اللفظ؟ بمعنى: أن اللفظ العام إذا نزل لسبب خاص تعدى فيه الحكم من السبب إلى ما ماثله، وهو المختار؛ كآية الظهار٤ نزلت في سلمة بن صخر، وتعدى الحكم إلى كل من ظاهر مثله، وآية اللعان٥ نزلت في هلال بن أمية، وتعدى الحكم إلى كل ملاعن.
وقال بعضهم: العبرة بخصوص السبب ولا يتعدى الحكم إلا لدليل خارجي، فهؤلاء يرون أنه لولا الدليل الخارجي لوقف حكم الظهار على سلمة، وحكم اللعان على هلال.
وقال ابن تيمية٦: مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب، يريد بذلك أن مَن نزلت فيه الآية دخل دخولًا أوليًّا ودخل ما يشبهه تبعًا، ولا يُتصور من مسلم إبطال عموم
_________
١ انظر: "مناهل العرفان" ١/ ١٠٤، ١٠٥، و"الإتقان" ١/ ٣١.
٢ "مناهل العرفان" ١/ ١٠٦.
٣ محل الخلاف في المسألة إذا لم توجد قرينة على التخصيص ولا على التعميم غير اللفظ نفسه، والقولان: العموم والقصر على السبب منقولان عن: مالك، والشافعي، وكثير من أصحابهما؛ لكن القول بالعموم قول الجمهور، وهو الأرجح نظرًا لأحكام الباجى ص٢٧٠، وممن ذهب إلى قصره على سببه: أبو ثور، والمزني، والقفال، وآخرون. انظر: "نهاية السول" للإسنوي ٢/ ٤٧٧، و"إرشاد الفحول" للشوكاني ص١٣٤، وانظر الأقوال وتفصيلها في: "المعتمد" ٣٠٢ و"التبصرة" ص١٤٤، و"الأحكام" للباجي ص٢٧٠، و"شرح الكوكب" ٣/ ١٧٧، وبحث أسباب النزول للمحقق.
٤ يعني قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ...﴾ الآيات، سورة المجادلة الآيات الأولى منها.
٥ يعني قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ﴾ حتى بلغ ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ سورة النور: ٦-٩.
٦ "الإتقان" ١/ ٣٠، و"البرهان" ١/ ٣٢. قلت: القول بالعموم فيما نزل على سبب خاص هو قول المحققين من الأصوليين وغيرهم، فهذه القاعدة -أعني "العبرة بعموم اللفظ"- من المسلمات، فلا يمكن للعالم أن يخصص ألفاظ القرآن العامة بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، كما قال ابن تيمية؛ وعلى ذلك درجت القوانين في الدنيا كلها، فإن القانون يصدر لأسباب خاصة في الغالب الكثير، ثم يكون حكمه عامًّا على جميع الأفراد.
1 / 15
الكتاب، وهذا توجيه حسن، ويكون الفرق بين مَن يقول: العبرة بعموم اللفظ، وبين مَن يقول: العبرة بخصوص السبب -أن الأولين يرون الدخول بعموم اللفظ أصلًا، والآخرين يرون الدخول تبعًا، بعد دخول صورة السبب.
وقد يقوم الدليل على تخصيص الحكم بصورة السبب؛ كتفسير النبي ﷺ للظلم بالشرك في قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ فلم يرد تناول كل ظلم مع صلاحية اللفظ له.
هذا كله إن كان اللفظ عامًّا نزل لسبب خاص..
أما إن كان اللفظ خاصًّا نزل لسبب خاص، فإنه لا يتعدى السبب اتفاقًا؛ نحو: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ .. فإن الأتقى لمفرد، والمراد به: الصديق١ ﵁.
ولا يصح أن يراد به العموم؛ لأن الذي يدل على العموم "أل" الموصولة أو الداخلة على الجمع.. أو على مفرد غير معهود، والعهد هنا ظاهر.. ولا يصح أن تكون موصولة؛ لأنها لا تلي أفعل التفضيل٢.
ومن المعلوم أن صورة السبب داخلة في العام دخولًا قطعيًّا. فإذا نزلت الآية على سبب خاص، ثم نزلت آيه عامة في الموضوع -دخل مدلول الآية السابقة في العام دخولًا قطعيًّا.
مثاله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ ٣ نزلت في كعب بن الأشرف الذي كان يعلم صفة النبي في التوراة، ومع علمه أقر دين قريش ورجحه على دين المسلمين، فخان بذلك الأمانة، فدخل دخولًا قطعيًّا في قوله بعد: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ .
ولا يحل القول في سبب النزول إلا استنادًا إلى رواية صحيحة صريحة تصرح بذكر السبب.
_________
١ المراد بقول "الصديق": سيدنا أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- فقد نزلت فيه هذه الآية؛ أعني: قوله تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ...﴾ بالإجماع، وبهذه الآية مع قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ استدل الإمام فخر الدين الرازي على أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ.
٢ "الإتقان في علوم القرآن" ١/ ٣٠.
٣ "مناهل العرفان" ١/ ١٢٨.
1 / 16
وقول الصحابي: نزلت الآية في كذا.. يحتمل أن يكون ذلك نصًّا منه على السبب، فهو من المسند، وعليه جرى البخاري.. ويحتمل أن يكون ذلك من قياسه وإلحاقه بالسبب، وهو مذهب غير البخاري.. ولا يعتبر السبب سببًا إلا إذا نزلت الآية عقيبه١.
أما إذا كانت الآية خبرًا عن قصة وقعت؛ فلا يصلح أن تكون القصة هي السبب؛ كقصة أصحاب الفيل، وقوم نوح، واتخاذ إبراهيم خليلًا.
وإذا تعارضت الأقوال في سبب النزول رجح الأقوى، أو جمع عند إمكان الجمع والتساوي. فإن لم يمكن والمرويات كلها صحيحة وفي درجة واحدة قيل بتعدد النزول.. وقد تنزل الآية لأكثر من سبب واحد.
وأمثلة كل هذا لا تخفى على مطلع في كتب التفسير والحديث.
كما قد يكون السبب واحدًا وتنزل من أجله آيات في مواضع عديدة. مثاله: أن بعض المنافقين عاتبهم النبي -صلى الله عليهم وسلم- على ما يقولونه فيه، فحلفوا له بالله؛ فأنزل الله: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾، وأنزل في سورة أخرى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ .
_________
١ "مقدمة في أصول التفسير" لابن تيمية ﵀، بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص٤٩.
1 / 17
جـ- الأسماء والمبهمات ١:
قلت: من فوائد معرفة أسباب النزول: التعرف على الأسماء والكشف عن المبهمات.
قال عكرمة: طلبت معرفة الذي خرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله أربعة عشر عامًا.
والتعرف عليه يأتي بالوقوف على سبب النزول.
وعن علي كرم الله وجهه: ما من أحد من قريش إلا نزلت فيه آية، قيل له: وما نزل فيك؟.. قال: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْه﴾ .. كذا روي.
وعن سعد بن أبي وقاص أنه نزلت فيه: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ وقوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ .
وعن رفاعة القرظي أن قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ نزلت في عشرة هو أحدهم.
وعن جنيد بن سعد أنه مع ثمانية نزلت فيهم: ﴿وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ﴾ وعد النساء اثنتان.
أسباب الإبهام:
١- الاستغناء عن توضيحه ببيانه في موضع آخر؛ نحو: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ١ بُيِّنَ بقوله: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ ٢.
٢- الاستغناء عن بيانه لشهرته؛ نحو: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ ٣ فالزوجة معروفة بأنها حواء.
٣- قصد الستر عليه؛ نحو٤: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ٥ نزلت في الأخنس بن شريق، الذي أسلم بعد وحسن إسلامه.
٤- لا فائدة من تعيينه تتعلق بالمخاطب؛ نحو: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ﴾ ٦.
٥- قصد العموم كي لا يقف الحكم عند المعين؛ نحو: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ ٧.
٦- تعظيمه؛ نحو: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ﴾ ٨ في أبي بكر.
٧- تحقيره بالوصف الناقص؛ نحو: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ ٩.
ولا يعين المبهم إلا بنقل صحيح١٠ ... وإليك بعض ما عين من المبهمات:
﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾: اسم القتيل عاميل.
_________
١ صنف فيه أبو القاسم السهيلي كتابه المسمَّى "التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام"، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية والمكتبة التيمورية، وغيرها من الكتب، و"البرهان" للزركشي ١/ ١٥٥.
٢ سورة الفاتحة: ٧.
٣ سورة النساء: ٦٩.
٤ سورة البقرة: ٣٥.
٥ ولهذا كان النبي ﷺ إذا بلغه عن قوم شيء خطب فقال: "ما بال رجال قالوا كذا".
٦ سورة البقرة: ٢٠٤.
٧ سورة الأعراف: ١٦٣.
٨ سورة النساء: ١٠٠.
٩ نزلت في سيدنا أبي بكر الصديق حين حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة أبدًا، بعدما قال في عائشة ما قال في حديث الإفك. انظر: تفسير ابن كثير ٣/ ٢٦٨-٢٧٦.
١٠ سورة الكوثر: ٣.
١١ هذه من قواعد علوم القرآن المهمة حتى لا يتزيد الناس في أمر المبهمات، ويأتون لبيان غالبًا ما يكون من الإسرائيليات، ومن الحكم المقررة: أن القرآن الكريم قد يبهم الشيء؛ إذ لا فائدة من تعيينه على ما سبق في كلام المؤلف. وانظر: أسباب الإبهام في البرهان ١٥٥١ وما بعدها.
1 / 18
"الأسباط": أولاد يعقوب اثنا عشر رجلًا: يوسف، وروبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وداني، وتفتاني، وكاد، ويأشير، وإيشاجر، ورايلون، وبنيامين.
"بني إبراهيم": هم: إسماعيل، وإسحاق، ومان، وزمران، وسرح، ونفش، ونفشان، وأميم، وكيسان، وسورح، ولوطان، وناقش.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ﴾: هو صهيب.
﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾: هو شمويل، وقيل: شمعون، وقيل: يوشع.
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ﴾: هو عزير، وقيل: أرمياء، وقيل: حزقيل.
﴿امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾: حنة بنت فاقوذ.
﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾: هي أشياع أو أشيع بنت فاقوذ.
﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾: هو عبد الله بن أبي بن سلول.
﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾: هو عامر بن الأضبط الأشجعى، وقيل: مرداس.. والقائل ذلك نفر من المسلمين منهم: أبو قتادة ومسلم بن جثامة.. وقد قتل واختلفوا في قاتله أهو أسامة بن زيد أم المقداد بن الأسود أم محلم بن جثامة.
﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾: هو ضمرة بن جندب، وقيل: ابن العيص ورجل من خزاعة، وقيل: أبو ضمرة بن العيص، وقيل: اسمه سبرة، وقيل: هو خالد بن حزام.
﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾: هم: شموع بن زكور من سبط روبيل، وشوقط بن حوري من سبط شمعون، وكالب بن يوفنا من سبط يهوذا، وبعورك بن يوسف من سبط إيشاجر، ويوشع بن نون من سبط
1 / 19
إفراثيم بن يوسف، وبلطي بن روفو من سبط بنيامين، وكرابيل بن سوري من سبط زبالون، وكد بن شاس من سبط منشا بن يوسف، وعماييل بن كسل من سبط دان، وستور بن ميخائيل من سبط أشير، ويوحنا بن وقوس من سبط نفتال، وإل بن موخا من سبط كاذلو.
﴿قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾: هما يوشع وكالب.
﴿الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾: هو بلعم، ويقال: بلعام بن آبر. ويقال: باعر. ويقال: باعور. وقيل: هو أمية بن أبي الصلت. وقيل: صيفي بن الراهب. وقيل: فرعون، وهو أغربها.
﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾: هم: أبو جهل، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن ربيعة.
﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُم﴾: وهم: عبد الله بن أبي بن سلول، ورفاعة بن التابوت، وأوس بن قيظي.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي﴾: هو الجد بن قيس.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾: هو ذو الخويصرة.
﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ﴾: من بينهم مخشي بن حمير.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾: هو ثعلبة بن حاطب.
﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾: كانوا سبعة عُرف منهم: أبو لبابة.
﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾: هم: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهم الثلاثة الذي خلفوا.
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾: قال ابن إسحاق: اثنا عشر من الأنصار: حزام بن خالد، وثعلبة بن حاطب، وهزال بن أمية، ومعتب
1 / 20
ابن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعباد بن حنيف، وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد، ونبتل بن الحارث، وبحزج، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت. اهـ.
قلت: هؤلاء من المنافقين وليسوا من الأنصار.
﴿وَإِرْصَادًَا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾: هو أبو عامر الراهب.
﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾: اسمه كنعان، وقيل: يام.
﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾: اسمها سَارَّة.
"بنات لوط": ريئا ورغوثا.
﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾: هو روبيل، وقيل: يهوذا، وقيل: شمعون.
﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾: هو مالك بن دعر.
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ﴾: هو قطفير أو أطيفير.
﴿لِامْرَأَتِهِ﴾: هي راعيل. وقيل: زليخا.
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾: هما مجلث وبنو وهو الساقي. وقيل: هما راشان ومرطش.
﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾: هو الملك ريان بن الوليد.
﴿فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾: هو بنيامين.
﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ﴾: هو شمعون. وقيل: روبيل.
﴿آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾: هما أبوه وخالته ليا. وقيل: أمه واسمها راحيل.
﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾: هو عبد الله بن سلام. وقيل: جبريل.
قول إبراهيم: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾: اسم الأب تارح. واسم أمه: ثاني. وقيل نوفا. وقيل: ليوثا.
1 / 21
﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ﴾: كانوا خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وأبو زمعة، والحارث بن قيس، والأسود بن عبد يغوث.
﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا﴾: ريطة بنت سعيد بن زيد.
﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾: عنوا سلمان الفارسي.
﴿أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾: تلميخا وهو رئيسهم والقائل: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ و﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُم﴾، وتكسليمنا وهو القائل ﴿كَمْ لَبِثْتُم﴾ ومرطوش، ويرافش، وأيونس، وأويسطانس، وشلططيوس.
﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ﴾: هو تمليخا.
﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾: هو عينية بن حصن.
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾: هو يوشع بن نون.
﴿فَوَجَدَا عَبْدًا﴾: هو الخضر.. واسمه بليا.
﴿لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ﴾: اسمه جيسون.
﴿وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ قيل يُدْعَى: هدد بن بدد.
﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾: اسم الأب كازيرا. والأم سهوا.
﴿لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ﴾: هما: أصرم وصريم.
﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾: قيل: عيسى. وقيل: جبريل.
﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾: هو أبي بن خلف. وقيل: أمية بن خلف، وقيل: الوليد بن المغيرة..
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا﴾: هو العاصي بن وائل.
﴿قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا﴾: اسم القتيل القبطي قانون.
"السامري": اسمه موسى بن ظفر.
1 / 22