The Journal of Prophetic Islamic Law
جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية
Nau'ikan
ـ[جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية]ـ
·•·•·•·•·•·•·•·•·•·•·•·•·•·•·•·
لسان حال «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين».
تصدرها الجمعية تحت إشراف رئيسها الأستاذ عبد الحميد بن باديس.
يرأس تحريرها الأستاذان العقبي والزاهري.
(تصدر يوم الاثنين من كل أسبوع).
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾.
«مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
ــ
الأعداد: (٧ جرائد - في كل جريدة ٨ صفحات).
_________
- صدر العدد الأول: يوم الاثنين ٢٤ ربيع الأول ١٣٥٢ه الموافق لـ ١٧ جويلية ١٩٣٣م.
- صدر العدد الأخير: يوم الاثنين ٠٧ شهر جمادى الأولى ١٣٥٢ه الموافق لـ ٢٨ أوت ١٩٣٣م.
- صدر قرار القاضي بتعطيل الجريدة بتاريخ: ٠٩ أوت ١٩٣٣م.
الأعداد موجودة في: موقع نور الهدى بوابة المغرب الإسلامي (تحت إشراف الشيخ مصطفى بلغيث -جزاه الله كل خير-) www.nouralhuda.com
[ملاحظة يرجى الانتباه لها: موافقة لصفحات الجريدة، حافظت على الفقرات كما هي في الأعمدة (فالجريدة موافقة للمصور)].
[أعدها للشاملة/ أبو ياسر الجزائري].
Shafi da ba'a sani ba
_________
.............................. السنة الأولى / العدد الأول ................................
قسنطينة يوم الاثنين ٢٤ ربيع الأول ١٣٥٢ ... Constantine le ١٧ juillet ١٩٣٣
ــ
تعطيل «السنة» وإصدار «الشريعة»:
للأستاذ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ـ[عمود:١]ـ
روعت الأمة بنبإ تعطيل جريدة «السنة» بقرار من وزارة الداخلية وتقاطرت على الإدارة رسائل الاستياء والتعجب ولم يكن تعجب الناس من تعطيل جريدة دينية بعيدة كل البعد عن السياسة دون استياءهم من عرقلة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن عملها الديني التهذيبي الذي ذاقت الأمة حلاوته وشاهدت جميل أثره.
أما نحن فقد شاركنا الأمة في الاستياء ولم نشاركها في التعجب فقد كنا توعدنا بأشياء، هذا التعطيل أحدها، فجاء ونحن له متوقعون. غير أن الذي نعجب منه نحن المباشرين لتسيير الجمعية هو التبدل العظيم والانقلاب السريع الذي شاهدناه من بعض الإدارات نحو الجمعية.
لقد تجولت وفود الجمعية السنة الماضية في جميع جهات الوطن وألقى وعاظها خطبهم ودروسهم في المحافل العامة وكثيرا ما كان يحضرها رجال من الحكام وكانوا يلقون من شيوخ البلدان الأميار وحكام الدوائر كل تعضيد وتقدير وقابلنا بعد تمام الرحل إدارة الشؤون الوطنية بالعاصمة فلم نسمع على خطتنا أدنى إنكار ولم نتلمح أقل إشارة إلى
ـ[عمود:٢]ـ
ارتياب في الجمعية أو استثقال لأعمالها فما الذي بدل العقول وحول النيات، وحمل بريفي العاصمة على ابتداء منازلة الجمعية بقراره المشهور وحمل تلك الإدارات على مناوءة الجمعية ومضايقة رجالها وعرقلة أعمالها حتى عطلوا جريدة السنة لغير ما سبب إلا أنها جريدة الجمعية ولسان حالها؟! هذا محل سؤالنا ومناط تعجبنا.
وبعد فما ينقم علينا الناقمون؟ أينقمون علينا تأسيس جمعية دينية إسلامية تهذيبية تعين فرنسا على تهذيب الشعب وترقيته ورفع مستواه إلى الدرجة اللائقة بسمعة فرنسا ومدنيتها وتربيتها للشعوب وتثقيفها فإذا كان هذا ما ينقمون علينا فقد أساءوا إلى فرنسا قبل أن يسيئوا إلينا، وقد دلوا على رجعية فيهم وجمود لا يتناسبان مع المبادئ الجمهورية ولا مع حالة هذا العصر. أفتكون في الهند جمعيات للعلماء تقوم بأعمالها بغاية الحرية والهناء عشرات من السنين تحت السلطة الإنجليزية الغاشمة القاسية وتضيق صدوركم أنتم عن تكون جمعية واحدة للعلماء المسلمين بالجزائر تحت المبادئ الجمهورية العادلة المشعة بعلومها على الأمم فتناهضوها وهي ما تزال في المهد
ـ[عمود:٣]ـ
أفظننتم أن الأمة الجزائرية ذات التاريخ العظيم تقضي قرنا كاملا في حجر فرنسا المتمدنة ثم لا تنهض بجنب فرنسا تحت كنفها يدها في يدها فتاة لها من الجمال والحيوية ما لكل فتاة أنجبتها أو ربتها مثل تلك الأم أخطأتم يا هؤلاء التقدير وأسأتم الظن بالمربي والمربى وبعدتم عن العلم بسنن الكون في نهضات الأمم بعضها ببعض عند الاختلاط أو التجاور أو الترابط بشيء من روابط الاجتماع.
أنظروا شيئا إلى ما حواليكم من الأمم وتأملوا فيما تنادي به الشعوب وما تعلنه من مطالب فإنكم إذا نظرتم وتأملتم حمدتم لهذه الجزائر الفتية نهضتها الهادئة وتمسكها المتين بفرنسا وارتباطها القوي بمباديها وعدها نفسها جزءا منها وقصرها لطلبها منها على أن تعطى جميع حقوقها كما قامت بجميع واجباتها وأن لا يتقدمها في أيام السلم من قد لا يساويها في أيام الحرب.
لا، لا أخالكم تنظرون ولا تتأملون فإن الأثرة المستولية على النفوس حجاب كثيف يحول دون رؤية الحقائق كما هي ويحول حتى دون رؤية مصلحة فرنسا الحقيقية نفسها. وإني لأفهم من مناهضتكم العجيبة للجمعية هي جمعية دينية تهذيبية بعيدة عن كل سياسة - إنكم لا تريدون من الجزائر إلا أن تبقى جامدة وأن لا تتمتع بشيء من الحق إلا ما لا غناء فيه ولا بقي معه ولعمر الحق
1 / 1
_________
الصفحة ٢
ــ
ـ[عمود:١]ـ
إن من يريد هذا بالجزائر اليوم لمخالف للشريعة والطبيعة إذ من الطبيعي أن تتحرك الجزائر ضمن الجمهورية الفرنسية في زمان تحرك ما فيه حتى الحجر، ومن الشرعي أن تنال منها الحقوق كفاء ما قامت به من الواجبات.
آستكثرتم على الجزائر أن تكون لها جمعية لها منزلتها العظيمة في قلبها وجريدة لها قيمتها الكبيرة في نظرها؟ فنبشركم أنه سيكون للجزائر الفرنسية جمعيات وصحف وسيكون لها وسيكون .. حتى يقف المسلم الجزائري مع أخيه من بقية أبناء فرنسا على قدم المساواة الحقة التي يكون من أول ثمراتها الإتحاد الصحيح المنشود للجميع.
أم هالكم أن يكون في أبناء الجزائر الفرنسوية من لا يزحزحه عن مبدئه وعد ولا وعيد ولا يستهويه رنين ولا زخرفة؟ فنبشركم بأن الجزائر المفطورة على مبادئ الإسلام والمتغذية بمبادئ فرنسا أنجبت وتنجب رجالا كما رأيتم وفوق ما تظنون رجالا تفتخر بهم فرنسا كما تفتخر بسائر أبنائها الأحرار.
كونوا كما تشاءون أيها السادة فلكم - وأنتم تمثلون ما تمثلون - كل احترامنا، وظنوا بنا ما تشاءون فإنا على بصيرة من أمرنا ويقين من استقامة خطتنا ونبل غايتنا. ومهما تبدلت اعتقاداتنا في أناس بتبدل معاملاتهم لنا فلن تتبدل ثقتنا بفرنسا وقانونها.
وعلى خطتنا المستقيمة وهي نشر العلم والفضيلة ومقاومة الجهل والرذيلة.
وعلى غايتنا النبيلة وهي تثقيف الشعب الجزائري المرتبط بفرنسا ورفع مستواه العقلي والخلقي والعملي إلى ما يليق بسمعة فرنسا.
وعلى ثقتنا بعدالة فرنسا وحرية الأمة الفرنسية وديموقراطيتها.
- أسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأسست جريدة «السنة» المعطلة، وأسسنا اليوم بدلها جريدة «الشريعة المطهرة» وستقوم - إن شاء الله - مقامها وتحل من القلوب محلها والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـ[عبد الحميد بن باديس]ـ
ـ[عمود:٢]ـ
تلغراف الاحتجاج:
وقع حجز جريدة «السنة» بالعاصمة والمجلس الإداري للجمعية منعقد بها فاتفق المجلس على رفع احتجاج على تعطيله وكلف الرئيس برفعه بعد اتصاله بقرار التعطيل رسميا ولما اتصل به رفع الاحتجاج ببرقية هذا نصها:
وزير الداخلية - باريس
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تعرب لكم عن استيائها البالغ منتهاه وعن حزنها العميق الذي سببه تعطيل جريدة «السنة» العربية وتحتج بكل ما لها من قوة على قراركم المؤرخ بـ ٢٢ جوان القاضي بهذا التعطيل الذي ينشأ عنه للجمعية ضرر مادي وأدبي جسيم - وإن عجب الجمعية عظيم جدا ومما يزيد في عظمه أنها تجهل أسباب التعطيل لعدم ذكرها في قراركم وإنها تعلن وتصرح أن الجريدة المعطلة لم تنشر إلا ما كتب في مواضيع دينية بحتة وفي مسائل لا تخرج عن دائرة العقائد والعبادات وتغتنم هذه الفرصة لإلفات نظركم إلى الدسائس التي يدسها لها بعض خصومها الذين لا غاية لهم سوى إنشاء شتى العراقيل في سبيل مشروعها التهذيبي الأخلاقي وتشويه سمعة أعضائها الذي يشهد الواقع بنزاهتهم التامة وبراءتهم من كل تهمة.
ـ[رئيس الجمعية: عبد الحميد بن باديس]ـ
رفع قضية ضد التعطيل
وقد كلفنا محامي الجمعية برفع قضية لدى مجلس الدولة الأعلى ضد قرار التعطيل.
_..._..._..._
ـ[أسفل الصفحة]ـ
الإجتماع العام
لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
بقلم الأستاذ الزاهري العضو الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
ـ[عمود:٢]ـ
كان هذا الأسبوع الماضي سارا يدعو إلى الغبطة والرضى، فقد أظهرت فيه أمتنا هذه الأمة العربية المسلمة أنبل العواطف، وأشرف الإحساسات نحو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فلم تكد جريدة «السنة» الشهيدة تؤذن في الناس بالدعوة إلى الاجتماع العام لهذه الجمعية حتى استجابوا لها، وأتوها من كل فج
ـ[عمود:٣]ـ
عميق، أتوها رجالا وعلى القطر والسيارات، من أعماق الصحراء ومن قنن الجبال، ومن حدود تونس إلى حدود المغرب الأقصى.
وكان موعد الاجتماع يوم الاثنين ويوم الثلاثاء (٣ - ٤ ربيع الأول ١٣٥٢)، ولكن ما جاء يوم الأحد حتى امتلأت الجزائر العاصمة بوفود العلماء والوجهاء
1 / 2
_________
الصفحة ٣
ــ
ـ[عمود:١]ـ
والأعيان من أعضاء الجمعية العاملين والمؤيدين، وما كنا نطمع أن يحضر هذا الاجتماع كل هؤلاء الفضلاء والعلماء في جموعهم الغفيرة هذه، وفي عددهم الكثير هذا الذي لا يكاد يحصى.
لقد وضعت في سبيل هذه الجمعية وأعضائها كل العراقيل والصعوبات واستعملت كل الوسائل لمنع الناس من أن يحضروا هذا الاجتماع، وسمعنا وسمعوا كل وعد ووعيد، وكل ترغيب وترهيب ولقينا كل تضييق، وذقنا كل بلاء وأذى وهذه الأزمة لا تزال خانقة شديدة على الناس، وقد أصبح هؤلاء الناس في وفرة الأشغال لأن الفصل فصل حصاد، وإدارة السكك الحديدية هي الأخرى قد منعتنا حقا من حقوقنا، وامتنعت أن تحفظ لهذه الوفود الكريمة أدنى شيء من أجرة الركوب ... ومع هذه العراقيل كلها ومع عراقيل أخرى غيرها فإن هذا الاجتماع العام قد نجح نجاحا عظيما ما رأينا له من نظير في هذه البلاد.
ولقد ورد على هذا الاجتماع العام لجمعية العلماء باسم الأستاذ الرئيس عدد كثير من برقيات التأييد. منها برقية وردت من تبسة أمضاها مئتان (٢٠٠) من التجار والشبان. ووردت مئات من رسائل الاعتذار أرسل بها من كل أنحاء القطر الجزائري أنصار الجمعية من أعيان البلاد وعلمائها الذين تخلفوا عن هذا الاجتماع لموانع شرعية، وأعذار مقبولة.
كان موعد المحاضرة الأسبوعية التي يلقيها الأستاذ العقبي في نادي الترقي الساعة الخامسة من مساء الأحد من كل أسبوع وجلس هذا الأستاذ كالعادة على المنصة التي رفعت له مساء هذا الأحد الأخير (٢ ربيع الأول ١٣٥٢)، وقام فحمد الله وأثنى عليه، وألقى محاضرة موجزة في حياة
ـ[عمود:٢]ـ
النبي الأعظم سيدنا محمد ﷺ، ولكنها جمعت كل ما عرف به الأستاذ من الفصاحة وسحر البيان وقام بعده الأستاذ بلقاسم الأوجاني (الأزهري) فتكلم كلاما طيبا مباركا فيه، وقام خطيب الشباب الأستاذ محمد الهادي السنوسي (الزاهري) فألقى خطابا جاء غاية في الفن والأدب والجمال. وقام بعد هذا صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس فألقى درسا يفيض حكمة وعلما وكان نادي الترقي بردهته الواسعة الفسيحة الكبرى، وبغرفه ومعابره ومماشيه الكثيرة الأخرى قد غص بالحاضرين وأط بهم أطا، فكان كالرمانة تراصت فيها حباتها وركب بعضها بعضا. وهنا لا بد أن نشير إلى أن هؤلاء الحاضرين كانوا كلهم من الضيوف الذين جاءوا من بعيد ليحضروا هذا الاجتماع، أما الذين يسكنون الجزائر وضواحيها والبليدة وما قرب منها وما بين ذلك فإنهم قد تركوا أمكنتهم للضيوف، ونعم ما فعلوا.
وفي صبيحة الاثنين (٣ ربيع الأول ١٣٥٢) كانت بطحاء الحكومة (بلاصة العود) وما حواليها من الشوارع والطرقات تموج موجا بأهل العلم والدين وبأنصار العلم والدين، قد ضاق عنهم نادي الترقي بردهاته ومدرجاته وغرفه ومعابره ومعارجه فلم يتسع لهم على أنه هو أرحب النوادي وأوسعها. وكانت وجوه هؤلاء الوفود ضاحكة مستبشرة، وكانت ملابسهم بيضاء نقية تدل على أن لهم نفوسا طاهرة زكية عليهم علائم العلم والدين، وعلى وجوههم ملامح الخير والصلاح، وكان هؤلاء الحاضرون كلهم أو جلهم من أهل العمائم واللحى، ليس فيهم إلا قليل من المتطربشين. ولما جاءت الساعة المعينة من هذا الصباح جلس أعضاء المجلس الإداري
ـ[عمود:٣]ـ
لجمعية العلماء على المنصة التي نصبت لهم في المدرجة الكبرى من هذا النادي، ولما استوى بهم المجلس أذن الأستاذ رئيس الجمعية للأستاذ العقبي فافتتح الجلسة بتجويد آيات من القرآن العظيم، فاقشعرت الجلود لذكر الله، وخشعت الأصوات للرحمن واطمأنت القلوب، وفاضت الأعين بالدمع اتعاظا واعتبارا. وقام الأستاذ رئيس الجمعية فعرض على الحاضرين الحالة الأدبية للجمعية عن السنة الماضية، فأبان لهم أن الجمعية قد أحرزت على الثقة التامة من هذا الشعب الكريم، وأن لها عند الله الأجر الموفور والثواب الجزيل، وعند الناس الأحدوثة الحسنة، والسمعة الطيبة، والذكر الجميل، ثم قام الأستاذ الميلي أمين مالية الجمعية فقال أنه لا يستطيع أن يعرض في هذه الساعة الحالة المالية للجمعية لأن بعض رؤساء الشعب لم يدفعوا إليه ما تحصل لديهم من مال الجمعية الآن في هذا الصباح، وطلب أن يؤخر عرض الحالة المالية إلى صبيحة الثلاثاء ريثما يتمكن إتمام الحساب.
وقام الأستاذ العمودي الكاتب العام (أمين السر) للجمعية فتلا قائمة طويلة بأسماء السادة الذين كانوا عزموا على حضور هذا الاجتماع، ولأسباب قاهرة تخلفوا مضطرين وأرسلوا ببرقيات التأييد ورسائل الاعتذار. وكان عدد هؤلاء المعتذرين عددا كثيرا.
ثم قام الأستاذ الرئيس مرة أخرى وقرأ على الناس برقية احتجاج وتظلم وشكوى أرسلها الرئيس باسم الجمعية إلى رئيس الوزراء وإلى وزير الداخلية وإلى رئيس مجلس الشيوخ وإلى رئيس مجلس النواب وإلى رئيس جمعية حقوق الرجل وإلى سمو الوالي العام على القطر الجزائري وإلى آخرين من رجال السياسة
1 / 3
_________
الصفحة ٤
ــ
ـ[عمود:١]ـ
في باريس وهذا نص البرقية:
الجزائر ٢٦ جوان ١٩٣٣
الجمعية العمومية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنعقدة في اجتماعها السنوي العام بنادي الترقي بالعاصمة الجزائر - تكرر إعلانها بارتباطها بالجمهورية الفرنسية والتزامها للعمل التهذيبي الإصلاحي حسب قانونها الأساسي في دائرة قوانين الجمهورية.
ثم تحتج بكل قواها على منشور بريفي الجزائر المؤرخ ١٦ فيفري ١٩٣٣ الذي رماها فيه بوصمات منافية لدينها ومبادئها وهي منها بريئة.
وتحتج على قراره المؤرخ بـ ١٨ فيفري ١٩٣٣ القاضي بمنع العلماء غير الموظفين من القيام بالتعليم الديني في المساجد.
وتحتج على أمره المؤرخ بـ ٢٧ فيفري ١٩٣٣ القاضي بحل الجمعية الدينية بالجزائر.
وتقدم شكواها بهذا كله الذي هو مس لكرامة الجمعية وتدخل في أمور دينية بحتة بالحل والتحجير إلى الرأي العام الفرنسي ورجال الدولة العظام، مستثيرة عطف فرنسا ومستجيرة بمبادئها الجمهورية العالية واثقة بها، هاتفة باسمها بكل تعظيم واحترام.
ـ[عن الجمعية الرئيس عبد الحميد بن باديس]ـ
وطلب الأستاذ الرئيس من السادة المجتمعين أن يقولوا كلمتهم في هذه البرقية فوافقوا عليها بالإجماع، وانتهت الجلسة على الساعة الثانية عشرة، واستأنفت على الساعة الثانية مساء، وحضرت اللجنة المعهود إليها بتقييد أسماء الأعضاء العاملين والمؤيدين وبإعطائهم أوراق العضوية فباشرت عملها من فورها، واستمرت فيه
ـ[عمود:٢]ـ
إلى الساعة السادسة مساء حينما شرع الأستاذ رئيس الجمعية يلقي درسا في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ إلى نهاية قوله تعالى: ﴿مَنْ يَشْرِي نَفْسَه ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَهِ وَاللَه رَءوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. فكان الأستاذ كما قال الأول:
عجبا لكم آتيتكم ببدائع ... ويقاس بي من لا يشق غباري
وقال الأستاذ العقبي: أنه ما ينبغي لأحد أن يتكلم بعد هذا الدرس النافع المفيد.
وعلى الساعة التاسعة من صباح الثلاثاء أخذ أعضاء المجلس الإداري مجالسهم كالعادة على المنصة التي نصبت لهم في المدرجة الكبرى من النادي، وأذن الرئيس للأستاذ العقبي فقرأ بالتجويد آيات من الذكر الحكيم افتتح بها الجلسة ثم أذن الرئيس للأستاذ الميلي أمين مال الجمعية فقام فعرض الحالة المالية لجمعية العلماء عرضا دقيقا فإذا هي قد تقدمت تقدما محسوسا بالنظر إلى الأزمة الخانقة وإلى الظروف الحرجة التي حاقت بالجمعية وبرجالها، وألقى خطابا بليغا فيه ملح وطرائف وفيه موعظة وذكرى. وقام الأستاذ العمودي الكاتب العام فقرأ قائمة أخرى طويلة بأسماء الذين تخلفوا عن هذا الاجتماع لأعذار مقبولة، واعتذروا عن ذلك بالرسائل والبرقيات، فكان عدد هؤلاء المعتذرين أيضا عددا كثيرا يربوا على عدد الذين تليت أسماؤهم في الجلسة الأول.
ثم قال الرئيس: إن مهمة المجلس الإداري القديم قد انتهت الآن. وطلب إلى الجمعية العمومية أن تنتخب من بينها لجنة تشرف على عملية الانتخاب، فكانت هذه اللجنة هكذا: الشيخ مصطفى بوالصوف رئيسا، والشيخ مصطفى بن حلوش والشيخ محمد الهادي البوعبدلي والشيخ الشريف
ـ[عمود:٣]ـ
الصائغي والسيد أحمد بن عبد المالك الأغواطي كتابا، والشيخ الطاهر الحركاتي والشيخ عبد الرحمان ابن بيبي عضوين. وشرعت هذه اللجنة في عملها في الوقت المسمى. ولما تمت عملية الانتخاب كانت الأصوات الصحيحة مائه وتسعين بعد ما طرح ثلاثة وعشرون صوتا من مجموع الأصوات، وخسرت أنا منها أربعة أصوات وخسر الميلي صوتين اثنين، وخسر خير الدين ستة أصوات وخسر أبو اليقظان ثمانية، وخسر كل من العمودي والحلوي وبن حمودي وعلي الخيار وبن زيان صوتا واحدا، وفاز ابن باديس والعقبي والإبراهيمي والتبسي بالإجماع ولم يخسروا من الأصوات شيئا، وتشكل المجلس الإداري القديم في عدد وأكثرية أعضائه على الشكل القديم وبقي ما كان على ما كان.
وعلى الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء جلس المجلس الإداري الجديد على المنصة، وقام رئيس الجمعية الأستاذ ابن باديس فخطب خطابا بليغا كان أثره في نفوس السامعين أثرا عميقا، وشكر هذه الأمة الكريمة التي وضعت ثقتها للمرة الثالثة في هيئة إدارة جمعية العلماء وشرح للحاضرين بعض ما يحف بالجمعية من الظروف الحرجة والأخطار الداهمة وأخبرهم أن المجلس الإداري قد صبر وصابر واحتمل ما احتمل حتى كان مثالا نادرا في الصبر والاحتمال وقال لهم أن هذا المجلس نفسه لا يزال مستعدا لاحتمال كل ما قد يصيبه في الاحتفاظ بالجمعية وتنفيذ قانونها الأساسي من نصب وبلاء ثم قال: وأنتم أيها الإخوان لقد استجبتم داعي الله عندما دعيتم إلى حضور هذا الاجتماع فهل أنتم مستجيبون لنا كلما دعوناكم إلى ما تدعو إليه الجمعية من خير وما تحتاج إليه من موازرة وهل تعاهد المجلس الإداري كما عاهدكم على الاحتفاظ بالجمعية وتنفيذ قانونها الأساسي ونشر دعوتها الخيرية التهذيبية الإصلاحية وأنكم تكونون معها في الشدة والرخاء في نطاق الحق والقانون، فقالوا كلهم نعم ومدوا أيديهم يعاهدون المجلس على أن يكونوا مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يعاونونها على
1 / 4
_________
الصفحة ٥
ــ
ـ[عمود:١]ـ
الهدى والخير.
وهنا كان النظر خاشعا رهيبا على غاية ما يكون رهبة وجلالا.
ثم قام نائب الرئيس الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي فحاضر الناس بمحاضرة قيمه حافلة جاءت على غاية اللذة والإمتاع، وفي منتهى الروعة والإبداع، وكان يلقيها بلهجة هادئة مطمئنة فيها عذوبة وفيها جمال، فاستولى بها على المشاعر والعواطف ولعب بالعقول والألباب. وتكلم الأستاذ العقبي - بطلب وإلحاح من الحاضرين - فجاد وأفاد، ولم يدع قولا لقائل، وألقى شاعر الشباب الأستاذ محمد العيد قصيدة عامرة مؤثرة قوبلت بتصفيق الاستحسان، وقام الأستاذ خير الدين فخطب خطابا بليغا وأنشد أبياتا حسنة للغاية وختم الرئيس هذه الجلسة بتلاوة فاتحة الكتاب وبقراءة بعض الدعوات التي وردت في القرآن الكريم.
وفي يوم الأربعاء استقبل المجلس الإداري رؤساء شعب الجمعية، والوفود، وفدا وفدا وتعرف إليهم جميعا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
وفي مساء يوم الخميس أقام نادي الترقي مأدبة فاخرة إكراما لجمعية العلماء المسلمين حضرتها شخصيات بارزة من الطبقات الرفيعة، ولما فرغوا من تناول الطعام قام الأخ السيد محمد بن مرابط وخطب باسم النادي فأثنى على جمعية العلماء ثناء طيبا، وقام رئيس الجمعية الأستاذ عبد الحميد بن باديس فارتجل خطابا قيما، وتلاه الأستاذ العمودي الكاتب العام للجمعية فخطب بالفرنسية ثم بالعربية ثم خطب الأساتذة: الإبراهيمي وأبو يعلى الزواوي وهذا الضعيف العاجز كاتب هذه السطور وبن حمودي ومحمد الهادي السنوسي (الزاهري) ومحمد العيد والعربي التبسي ومصطفى بن حلوش والطيب العقبي فأوفوا كلهم على الغاية في ميدان الفصاحة والبيان. ثم ختم رئيس الجمعية هذه الحفلة الشائقة بتلاوة فاتحة الكتاب ودعا بآيات من الذكر الحكيم فكانت هذه الدعوات الصالحة من أحسن وأعجب ما جرى في هذا الاحتفال، وما كنا نعلم أن مثل هذه المآدب والحفلات تختم بهذه الباقيات الصالحات.
وانتهت الحفلة في نحو منتصف الليل وخرج الناس مغتبطين مسرورين.
محمد السعيد الزاهري
ـ[عمود٢]ـ
إحتجاجات الأمة
على تعطيل «السنة»
ما تزال أجوبة الاستياء والاحتجاج تتقاطر على الإدارة ولا يتسع نطاق الجريدة لنشرها كلها. فلذا اكتفينا بنشر الاحتجاج التالي من الجمعية الدينية ببونة الموجه برقيا إلى فخامتي رئيس الوزارة ووزير الداخلية وهذا نصه:
م. دلادي رئيس الوزارة
م. شهرطا وزير الداخلية
باريس
باسم الجمعية الدينية الإسلامية فإني أرفع الاحتجاجات القوية ضد تحجير الجريدة العربية «السنة» التي هي لسان العلماء المسلمين الجزائريين ونشأ ذلك التحجير بعد وصد المكاتب القرآنية والمساجد.
ومثل هاته الأوامر التي لا داعي لها تعتبر موجهة ضد الديانة الإسلامية ويكون من شأنها المس بالعلائق الإسلامية الفرنسوية.
وإني معتمد على جنابكم لأجل الرجوع في الأوامر المذكورة ولكي تعامل جميع الأديان على حد السواء.
اعتباراتي الواضحة
حامدي الخوجة
رئيس
تكذيب
جاءنا ما يلي من حضرات إخواننا الشيوخ الفضلاء المجاورين بالأزهر الشريف لطلب العلم وتحصيله ننشره بنصه شاكرين لهم غيرتهم على الدين والوطن أدامهم الله مؤيدين لهما ساعين في خدمتهما:
«اطلعنا في جريدة الإخلاص عدد ٢١ على مقال يقول فيه صاحبه على التأييدات التي تأتي لجمعيتهم من الخارج فلم نعبأ بذلك لأننا نعلم علم اليقين أن مبدأها التمويه على الناس والتضليل على العقول ولكن أشد ما كانت دهشتنا عندما قرأنا فيها بأن هناك تأييدات ترد إليهم من الأزهر ولما كان هذا محض إدعاء وليس له نصيب من الصحة فإننا نعلن تكذيبه حتى لا يغتر بهم مغتر - نعم
ـ[عمود٣]ـ
يوجد شخص واحد وهذا الشخص لا يعبر إلا عن نفسه فقط وأما بقية الجزائريين بالأزهر بل وكل عاقل منصف فإنهم ضد هذه الجمعية وضد جريدتها التي جعلت شعارها النميمة ومبدأها التوقيع بالعلماء الراشدين المخلصين.
وإننا كلنا كتلة واحدة نؤيد جمعية العلماء التي جمعت أفاضل الأمة وسادتها وقد اطلعنا على برنامجها وعرفنا غرضها الذي ترمي إليه وهو النهوض بأبناء الوطن إلى ذروة المجد، لذلك نجد رجالها المخلصين (أكثر الله من أمثالهم) لا يألون جهدا في سبيل نشر المعارف وإزالة المنكرات بكل الطرق المعقولة، لهذا نضم أصواتنا إليهم ونطلب من الله أن يوفقهم ويحقق طلبتهم، ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نقدم خالص شكرنا إلى رئيسها المخلص الأستاذ الأبر (الشيخ عبد الحميد بن باديس) وإلى جميع أعضائها العاملين نخص منهم بالذكر (الأستاذ الشيخ الطيب العقبي، والأستاذ الشيخ العربي بن بلقاسم) أطال الله في حياتهم آمين.»
الرجاء نشر هذه الكلمة في جريدتكم حتى يطلع عليها أبناء الأمة وليعلموا أن جميع ما تكتبه تلك الصحيفة عار من الحقائق، حائد عن قصد السبيل، ولعل هذه الكلمة تبهت الشيخ الحافظي الذي يدعي أن جمعية العلماء لم تلق تأييدا من أبناء الوطن.
ولعلها تكون رادعا له عن نشر مثل هذه الدعاوي في جريدته - وإن مما يدل على صدق جمعية العلماء ونزاهتها وإخلاصها أن جميع الصحف الحرة في مصر كثيرا ما تنقل عن مجلة (الشهاب) وجريدة (السنة) لعلمها بأنها هي لسان الأمة الناطق عن آرائها المعبر عما في نفوسها ولكننا مع مزيد الحمد والشكر لم نرها يوما ما نقلت عن جريدة الإخلاص لعلمها بالتجرد عن معنى مسماها والله لا يهدي كيد الخائنين.
٢٧ صفر ١٣٥٢
عن طلبة رواق المغاربة بالأزهر:
* السعيد بن محمد الطيب الرحابي، * البشير العروسي، *أحمد المدني محمد، * الأمين المدني محمد
1 / 5
_________
الصفحة ٦
ــ
ـ[أعلى الصفحة]ـ
خطاب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الأستاذ عبد الحميد بن باديس الذي ألقاه في الاجتماع العام
ـ[عمود:١]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فمرحبا بأبناء الجزائر وأفلاذ كبدها، مرحبا بورثة مجدها التالد وحماة مجدها الآتي الذي تتخبط به أحشاء الأيام.
مرحبا بكم أيها الإخوان الوافدون من أنحاء الوطن على جزائر مزغنا وآثار بلكين وعاصمتنا الجمهورية العظيمة - مرحبا بالوفود جاءت تخدم العلم وتؤيد العلماء وتمثل الروح العلمية السارية في الأمة الباعثة لها على اكتساب المعارف الإنسانية من جميع نواحيها والحاثة لها على تلبية دعوة العلم والانضواء تحت لوائه. مرحبا بوفود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من أعضائها العاملين والمؤيدين بلسان الأمة الجزائرية الممثلة فيكم وبلسان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الممثلة في مجلسها الإداري وبلسان مجلس الإدارة الذي أنطق باسمه أقدم لكم الشكر الوافر على إجابتكم دعوة
الجمعية وحضوركم هذا الاجتماع الذي ملأ العيون والقلوب وأقام البرهان القاطع والدليل المشاهد على أن الجمعية جمعية الأمة وأنها تمثلها أصدق تمثيل.
ـ[عمود٢]ـ
وأقدم مثل ذلك الشكر للإخوان الكثيرين الذين تخلفوا واعتذروا بالبرقيات والكتب وهم الذين سمعتم أسماءهم من الأخ الكاتب العام آنفا.
أيها الإخوان،
سأعرض عليكم في هذا الخطاب حالة الجمعية في السنة الماضية وأعمالها والحالة الحاضرة وموقفها فيها وما تنويه من الأعمال في المستقبل بإعانة الله.
فأما السنة الماضية فقد كانت منشطرة إلى شطرين فأما شطرها الأول فقد أوفدت الجمعية من رجالها للوعظ والإرشاد وفودا لبلدان القطر في العمالات الثلاث وقامت تلك الوفود بمهمتها خير قيام، وكانت تتلقى من رجال الحكومة كما تتلقى من الأمة بكل إكرام وأما الشطر الثاني منها وهو الذي يبتدئ بصدور قرار منع العلماء من الوعظ والإرشاد بالمساجد - فقد كان شطر بلاء وعناء على الجمعية ورجال مجلس إدارتها فمن تنمر وجره إلى إلصاق تهم، إلى خلق عراقيل إلى استثمار ذمم. ومن وعد وترغيب إلى وعيد وترهيب كل هذا والجمعية ورجال مجلس إدارتها ثابتون ثبوت الجبال ثقة من أنفسهم بأنهم دعاة حق وقصاد خير وعمال
ـ[عمود٣]ـ
لصالح هذا الوطن بأمته وحكومته وجميع ساكنيه فانسلخت هذه السنة وأعمال الجمعية هي هذه؛ ما قام به وفودها من وعظ وإرشاد - وما قام به رجالها من تعليم في عدة بلدان - وما نشره كتابها في جريدة الجمعية - جريدة السنة النبوية المحمدية التي لقيت - بحمد الله من المسلمين غاية الإقبال - هذا كله قام به رجال الجمعية ولا غرابة أن يقوموا به فهم من أهل العلم وما أهل العلم إلا الذين ينشرون العلم بدروسهم ومحاضراتهم وخطبهم ومنشوراتهم.
* * *
ولكن الذي قام به رجال الجمعية وضربوا به المثل الرفيع للناس هو تضامنهم في الشدة كتضامنهم في الرخاء وثباتهم على يقينهم رغم كل زعزعة وإعصار وتضحيتهم بالمصلحة الخاصة في سبيل الصالح العام وثقتهم التامة بالله ثم بأنفسهم ثم بالمبادئ الجمهورية الفرنسوية التي كتبت بدماء أبناء فرنسا الأحرار فهذا الدرس العملي مرجو من فضل الله أن يكون أثره في الأمة وكل من يتقدم لقيادتها في ناحية من نواحي الحياة أبلغ الأثر وأقواه وأبقاه.
_..._..._..._
ـ[أسفل الصفحة]ـ
ـ[عمود:١]ـ
من إدارة الجريدة
تنبيهات
إلى السادة الباعة والمشتركين
إن أمين مال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ مبارك بن محمد الميلي قد قدم لمجلس إدارة الجمعية المنعقد إثر الاجتماع العمومي الماضي ... أعذارا تسوغ إعفاءه من حسابات مالية جريدة الجمعية فقبل المجلس أعذاره وأسند جميع ما يتعلق بمالية الجريدة إلى الرئيس فجميع الخطابات المالية وغيرها والمحاسبات توجه إليه بهذا العنوان:
Ben Badis Abdelhamid
١٣، Rue A. Lambert، ١٣
CONSTANTINE
ـ[عمود٢]ـ
ليس للجريدة نائب متجول في أي ناحية. وستعلن الإدارة عمن تعتمدهم في جهاتهم.
ينبغي أن توجه قيم الاشتراك ومحصولات البيع على طريق الشيك بوسطال هكذا:
ALGER C / C ١٥٤٥٧
Ben Badis Abdelhamid
١٣، Reu A. Lambert، ١٣
CONSTANTINE
مرغوب من باعة جريدة «السنة» أن يوجهوا المتحصل لديهم من الثمن على طريق الشيك بوسطال ويرسلوا كل النسخ الفاضلة عن البيع من جريدة «السنة» لأنها عطلت وحسابها انتهى في العدد الثالث عشر.
ـ[عمود٣]ـ
كلمتنا هذه موجهة لكل مروج للسنة في تونس والجزائر والمغرب الأقصى فنرجو من كل واحد منهم أن يعتبرها ويعمل بمضمونها وله الفضل والشكر.
نرغب من كل مشترك تأخرت عنه الجريدة أن يعلمنا، ونرجو من الذين يحولون عناوينهم أن يشعرونا بعنوانهم الجديد.
ــ
«الشريعة» جريدة العلماء والاشتراك فيها تأييد لهم.
1 / 6
_________
الصفحة ٧
ــ
ـ[عمود:١]ـ
أيها الإخوان، إن جمعيتكم جامعة للناس فيما تفرقوا فيه من دين الله وهادية لهم فيما ضلوا فيه من سبيله وقد عرف الناس حقيقتها ولكن نجا أقوام وهلك آخرون، وإذا كان في استطاعة الجمعية أن تعظ وترشد فليس في استطاعتها أن تخلق التوفيق في نفوس كتب لها الضلال وما التوفيق إلا من الله وإن جمعيتكم هذه من الأمة وإلى الأمة وكل ما لها أو عليها فهو للأمة وعليها. وإنما قام بحمل أمانتها إخوانكم أعضاء مجلس الإدارة فقاموا بواجب أشهد بثقله وأشهد بأنهم قاموا به خير قيام وأنهم لا يرجون من الأمة إلا أن تعرف ما يدعون إليه عن بصيرة فتتبعه عن بصيرة وإنما يدعونها إلى واضح لا إلى مشتبه، وإلى حق لا إلى باطل وإلى هدى لا إلى ضلال وإنما يدعونها إلى الأعلام الهادية من كتاب الله وسنة رسوله ﵌ وهدي السلف الصالح من أمته رضي الله تعالى عنهم - يدعونها إلى هذا من أمور دينها ويدعونها إلى مجاراة السابقين في الحياة وأخذ حظها موفورا من أسباب الحياة لتكون حية بدينها وحية في دنياها ولتكون سعيدة فيهما.
إن جمعيتكم تفخر بأنها قامت بإحياء فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وقت قل القائمون فيه بهاتين الفريضتين، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما مرجع الفضائل الإسلامية ومنبعها، وقامت بإحياء هدي سلفنا الصالح في وقت طمت فيه البدع والأهواء على ذلك الهدي حتى خيف عليه الاندثار. وإن أول من رفع صوته بكلمة الحق في هذا الوطن وبلزوم الرجوع من بنيات الطريق إلى نهج الإسلام الواضح وبوجوب التماس الهداية من كتاب الله وما صح من سنة رسوله ﷺ وما أثر عن سلف هذه الأمة ﵃ هم رجال هذه الجمعية قبل أن تكون الجمعية جمعية - فلهم الفضل يوم كانوا فرادى مستضعفين ولهم الفضل يوم مدوا أيديهم إلى بعضهم فأصبحوا أقوياء متعاونين وللأمة الفضل يوم سمعت نداء الحق فاستجابت ولها الفضل حين تشابهت السبل فما شكت وما استرابت ولها البشر من الله
ـ[عمود٢]ـ
حين غاب المخلفون عن مشهد الحق فما غابت.
إن جمعيتكم جمعية علمية دينية تدعو إلى العلم النافع وتنشره وتعين عليه وتدعو إلى الدين الخالص وتبينه وتعمل لتثبيته وتقوية وازعه في نفوس هذه الأمة فوظيفتها هي وظيفة المعلم المرشد الناصح في تعليمه وإرشاده - الذي لا يبتغي من وراء عمله أجرا ولا محمدة وقد أراد إخوانكم رجال مجلس إدارة الجمعية - وهم حاملو فكرة الإصلاح الديني والعاملون لها والمنفقون لأوقاتهم في سبيلها أرادوا أن يكونوا أمثلة للأجيال المقبلة، في التضحية في الثبات على الحق في الجهر به وكما كانوا أمثلة فقد ضربوا الأمثال بأعمالهم وها هي دروسهم في جهات القطر ينبع منها التفسير الصحيح لكتاب الله والتأويل الحقيقي لكلام نبيه والشرح الكاشف لهدي السلف الصالح من أمته، وهذه محاضراتهم في جهات القطر تتدفق منها البلاغة العربية وتتجلى فيها أسرار الله في خلقه وتنكشف فيها حقائق هذا الكون ويعرض فيها داء هذه الأمة ودواؤها وها هم أولاء يحملون الأمانة الإسلامية فيحسنون حملها ويؤدونها فيحسنون تأديتها ويحملون الأمانة العلمية فكل شيء عندهم بدليله، وكل شيء يطلب من سبيله.
وهذه منشوراتهم في الصحف وعليها مسحة من نفوسهم: تبيين محكم، ورد مفحم، وحجاج مقنع.
هذه وسائلهم الثلاث التي سلكوها وسمحت بها الظروف إلى ساعتكم هذه، والتي نرجو لها بفضل الله وبهمتكم - أيها الإخوان - أن تزداد كل يوم رقيا وتقدما.
أيها الإخوان - إننا نعمل في النهار الضاحي والليل المقمر لمبدأ لا يقل عنهما وضوحا واستنارة بوسائل لا تقل وضوحا واستنارة كذلك فلا نعجب لمن يعارض ويكائد ويماري ولكننا نعجب لأنفسنا ولكم إذا أقمنا لتلك المعارضات والمكائد وزنا أو شغلنا بها حيزا من نفوسنا أو أضعنا فيها حصة من أوقاتنا وإن أدنى ما يغنمه المبطل أن يضيع الوقت على المحق - وإنني
ـ[عمود٣]ـ
أوصيكم ونفسي في هذا المقام بأن يكون في حقكم شاغل لكم عن باطل المبطلين فإذا قام حقكم واستوى قضيتم على المبطلين وباطلهم وإننا نشهد الله والمنصفين من الأمة على أننا ماضون في بيان الحق وأن مبدأنا الإصلاحي التهذيبي قد ملك علينا حواسنا وأوقاتنا، فإذا بدر منا في بعض الأوقات كلام على باطل المبطلين فليس ذلك عن قصد له وحفل به ولكن لأنه صادمنا وتوقف إثبات حقنا على نفيه.
وما حيلة من يسلك سبيلا فتعترضه الصخور حتى لا يجد عنها محيدا - إن الضرورة تقضي عليه أن يجهد في نزعها وإماطتها ثم لا يكون جهده في ذلك إلا كتماديه في السير.
أيها الإخوان إن جمعيتكم تغتبط كل الاغتباط بهذه النتائج التي حصلت عليها في خلال سنتين من عمرها مع ما تخللها من العراقيل والمثبطات وهي تحمد الله على ما وفق إليه وأعان عليه ونشكر الأمة الجزائرية المسلمة على ما بذلت من تنشيط ومساعدة وتعد أكبر مساعدة قدمتها الأمة للجمعية هي عرفانها للحق الذي تدعو إليه - ونسأل الله الهداية لكل من ضل عن الحق، وإن جمعيتكم سائرة في عملها وهي تستقبل سنتها الثالثة بما ختمت به ما قبلها من دعوة إلى العلم الصحيح والدين الخالص راجية أن يكون يومها خيرا من أمسها وغدها خيرا من يومها.
أيها الإخوان -
كثر حديث الناس عن جمعيتكم المباركة وكثر خوض الخائضين فيها مدحا وقدحا، وإن كثرة التحدث عن الشيء لعنوان صادق على الاهتمام به وأن الاهتمام به لآية على إكباره وإعظامه أو - في الأقل - على كبره في نفسه وعظمه في الواقع.
* * *
كثر الحديث عن هذه الجمعية واختلفت منازع المتكلمين فيها وإن جمعية كهذه الجمعية في أمة كهذه الأمة في وطن كالوطن الجزائري لحقيقة بالتنازع فيها واختلاف المنازع في شأنها، وقد اختلفت فيها الأنظار يوم
1 / 7
_________
الصفحة ٨
ــ
ـ[عمود:١]ـ
تأسيسها فهي في نظر البعض شيء غريب، وفي نظر البعض شيء مريب، وفي نظر البعض شيء حسن ولكن أوانه غير قريب.
فأما الذين استغربوها فهم طائفة من السذج يقيسون الحقيقة الإنسانية بوجودهم ويقيسون التاريخ الإنساني بأعمارهم ويقيسون أسرار الاجتماع الإنساني ببيت تجمع زوجا وزوجة وأولادا يفرقهم الصباح للكد على القوت ويجمعهم المساء للنوم تحت السقف. فأي نقطة في الحياة عند هؤلاء تحتاج إلى مظاهر الحشد والاجتماع وضم رأي لرأي، وبهذا المقياس يقيسون الدين فهو عندهم إسم متعارف بين المسلمين وصلاة مفروضة تؤدى أولا تؤدى وانتساب إلى الإسلام يجري مجرى القانونيات في زمننا هذا والاعتقاد بجنة ونار من وسائلهما الأمل ولو بلا عمل فأية نقطة في الدين نحتاج إلى شيء اسمه جمعية علماء المسلمين.
ومن عجائب صنع الله لهذه الجمعية أن كل واحد من هذه الطائفة الساذجة قدر له أن يحضر درسا أو يسمع محاضرة يصبح بفضل الله مسلما اجتماعيا يعرف حقيقة الإسلام ويدرك المنزلة التي أرادها له الإسلام.
وأما المرتابون فهم طوائف شتى تجمعهم صفة واحدة وهي اعتقاد أن الجمعية تعارض مصالحهم أو فيها ما يعارض مصالحهم وقد كشفت الخطوة الأولى لهذه الجمعية عن مقاصدهم وكشفت لهم عما كانوا يرتابون فيه وأخرجتهم من الارتياب إلى التحقق فكان منهم ما رأيتموه من السخط عليها والكيد لها ولو أنصفوا لجمع الحق بيننا ولكن الإنصاف قليل وإذا كان في أنصار هذه الجمعية من يضيق ذرعه بهؤلاء الكائدين الساخطين ويرى أن ظهورهم بما ظهروا به يعرقل سير الجمعية ويبطئ بها عن الوصول إلى الكمال - فإننا نرى عكس هذا الرأي - نرى أن وجود هؤلاء الساخطين الكائدين هو جزء متمم للجمعية وأن سخط الساخط عليها كرضى الراضي كلاهما تثبيت للجمعية وأن ذلك كله تدافع يظهر الله به الحق ويثبت قلوب أنصاره.
ـ[عمود٢]ـ
وأما الطائفة الثالثة فهي طائفة قوي إشفاقها على هذه الأمة ورحمتها بها ورأت أن عوامل الانحطاط فيها قوية. وقد أراها الله من هذه الجمعية كيف يسرع لطف الله إلى قلوب الخائفين وكيف تقرب رحمته من المحسنين، فقوي رجاؤها وثبت يقينها ودخلت في العمل الصالح عن إيمان وبصيرة وهذه الطائفة هي أكثرية الأمة وهي التي تمثلونها أنتم أكثر الله عددكم وثبتكم على الحق وأحيانا وإياكم عليه حتى نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين آمين يا رب العالمين.
ـ[عبد الحميد بن باديس]ـ
تكذيب آخر للورقة الضالة
من الكذاب الأشر؟؟
نشرت مجلة «الفتح» الإسلامية التي تصدر بالقاهرة في عددها الصادر في ٦ ربيع الأول ١٣٥٢ بعنوان «انتقاد مقالة» كلمة هذا نصها بالحرف:
«كتب إلينا حضرة الفاضل الشيخ عبد الله بن إبراهيم سعيد الأغبري اليمني مقالة من مرسيليا ينتقد فيها ما كتبه حضرة الشيخ سعيد سيف أحمد الذبحاني في جريدة البلاغ الجزائرية من أن أهل اليمن كانوا قبل ظهور الطريقة العليوية هناك بعيدين عن كل ما تطلبه منهم الديانة الإسلامية ولا يعرفون مسألة من مسائل الدين، فلما حلت هذه الطريقة بينهم بنوا المساجد الخ .. ونحن لم نطلع على مقالة الذبحاني في البلاغ وكان خيرا له أن لا يقول هذا الكلام إن كان قاله، أولا لأنه يخالف الحقيقة، وثانيا لأن المسلمين في حاجة إلى توحيد الكلمة لا إلى إيقاظ العصبيات المحدودة ونحن نكتفي من مقال الفاضل الأغبري بهذه الإشارة لأنه ليس من خطة «الفتح» التوسع في مثل
ـ[عمود٣]ـ
ذلك» ا ه.
«الزاهري» لقد كنا نشرنا في جريدة «السنة» المرحومة كلمة عنوانها: «الغيث النافع» ذكرنا فيها أنه زارنا جماعة من اليمانيين الكرام منهم السيد فارع نعمان الرباضي ومنهم السيد سيف علي الشرجبي واحتجوا على ما نشرته البلاغ الجزائري بإمضاء سعيد سيف الذبحاني من الأخبار الزائفة التي يراد منها تشويه كرامة اليمن كبلد إسلامي ومدح شيخ الحلول بما ليس له بحق. فما كان من الورقة الضالة إلا أن تهجمت علينا تسبنا وتقذفنا وتسميني أنا «مسيلمة الكذاب» وكان من حقها أن تأتي بدليل على كذب ما رويناه كأن تنشر مثلا تكذيبا من السيدين فارع نعمان وسيف علي لما رويناه عنهما. ولكن شيخ الحلول صاحب الورقة الضالة يريد أن يغتصب الشهرة اغتصابا بسب الناس وبالافتراء على عباد الله وبعد فهذا تكذيب نشرته مجلة الفتح فهل يسبها أيضا شيخ الحلول في ورقته الضالة كما سبنا وافترى علينا؟ وصاحب الفتح يصرح بأن ما نشرته البلاغ بحق اليمن هو مخالف للحقيقة ويعترف بأنه مما يضر بالوحدة الإسلامية، ويقول عن الذبحاني «وكان خيرا له أن لا يقول هذا الكلام ..». والذي نعتقده هو أن الذي قال هذا الكلام الذي لا ينبغي أن يقال إنما هو شيخ الحلول نفسه، وإن كان بإمضاء الذبحاني. وأخيرا فليحكم ساداتنا القراء من هو الكذاب الأشر أهذا الزاهري أم شيخ الحلول والضلال؟؟؟.
•...•...•...•...•...•...•...•...•...•...•
المطبعة الجزائرية الإسلامية - بقسنطينة.
•...•...•...•...•...•...•...•...•...•...•
1 / 8
_________
.............................. السنة الأولى / العدد الثاني .............................
قسنطينة يوم الاثنين ٠١ ربيع الثاني ١٣٥٢ ... Constantine le ٢٤ juillet ١٩٣٣
ــ
التقرير المالي
عن السنة الثانية
لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
حرره أمين مالية الجمعية الأستاذ مبارك الميلي
وتلاه بنادي الترقي على الجمعية العمومية يوم الثلاثاء ٤ ربيع الأول سنة ١٣٥٢.
ـ[عمود١]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين وأكمل ذلك لخاتمتهم أفضل الخلق أجمعين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الهادين المهتدين وعلى من سلك طريقتهم في اتباع الحق ونصرة الدين جعلنا الله وإياكم من هؤلاء السالكين.
ثم السلام عليكم أيها الجمع السالم من أمراض الأغراض وأدواء الأهواء!
السلام عليكم أيها الجمع المسكر (بسكر السنين) = غير المسكر = لقيود الجمود وأصنام الأوهام!
السلام عليكم أيها الجمع المرجو لنشر مبدأ الأخوة مقرونا بالنصيحة وتغيير المنكر!
أما بعد فإن السعادة مطلب كل عاقل وأحمق، وإنما يمتاز العاقل بإصابة سبيلها،
ـ[عمود٢]ـ
أما غيره فتلتبس عليه الطرائق حتى يظن أنه على سبيل نجاة وهو على شفا حفرة من الهلاك.
ألا وإن سبيل السعادة الاستقامة، ووسيلة الاستقامة التربية الحسنة، ولا غنى لبشر عن التربية والتهذيب.
واعلم بأن الناس من طينة ... يصدق في الثلب لها الثالب
لولا علاج الناس أخلاقهم ... إذا لفاح الحمأ اللازب
والرب أول وصف وصف الله به نفسه في فاتحة كتابه العزيز، ولعل وجه أوليته التنبيه على أهمية التربية، وإن في تكرار الفاتحة في كل ركعة من صلواتنا ما يحول دون الغفلة عن هذه الأهمية.
والمرء ما دام كلا على غيره مكفولا لأبويه أو أحد أوليائه فالكافل له
ـ[عمود٣]ـ
مطالب بتربيته لآية: ﴿يَا أَيهَا الَذِينَ آمَنوا قوا أَنْفسَكمْ وَأَهْلِيكمْ نَارًا وَقودهَا النَاس وَالْحِجَارَة﴾ قال علي بن أبي طالب ﵁ وكرم وجهه - مفسرا للآية:
«علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم» فإذا بلغ المرء أشده وأصبح عضوا عاملا في الهيئة الاجتماعية فإن كان عاميا فعليه أن يتطلب أهل العلم لتربيته لآية: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كنْتمْ لَا تَعْلَمونَ﴾ وإن كان عالما فعليه الإرشاد وبذل النصيحة للآيات والأحاديث الكثيرة في هذا المعنى.
ولقد كان سلفنا صالحا بهذه التربية ثم خلفتهم أجيال أبعدها عن التربية أبعدها عن زمنهم. فكان حظها من الذل والشقاء على نسبة تفريطها في تلك التربية الإسلامية وكانت مصداق آية: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِم الْأَمَد فَقَسَتْ قلوبهمْ وَكَثِيرٌ مِنْهمْ فَاسِقونَ﴾.
وقد يعتذر المخذول لقسوة قلبه وفسوق جوارحه بطول العهد وبعده عن السلف الصالح، ولقطع هذا العذر قفى الله على تلك الآية بما يحذر من اليأس ويبعث على الرجاء، فقال - جلت حكمته -: ﴿اعْلَموا أَنَ اللَهَ يحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾.
ولهذا لم تعدم الأجيال البعيدة عن
2 / 1
_________
الصفحة ٢
ــ
ـ[عمود١]ـ
عهد السلف الصالح علماء مرشدين وصلحاء مربين وإن اختلفوا قلة وكثرة وظهورا وخفاء وعافية وابتلاء. وهؤلاء المرشدون والمربون هم المعنيون بقول ابن عاشر ﵀:
يصحب شيخا عارف المسالك ... يقيه في طريقه المهالك
يذكره الله إذا رءاه ... ويوصل العبد إلى مولاه
ولم يقل ابن عاشر:
يصحب شيخا جاهل المسالك ... يسلبه من كيسه الفرانك
يذكره القبر إذا رءاه ... ويترك العبد إلى هواه
وقد شعر علماؤنا باختلال التربية، فنهضوا لإصلاحها حتى تنتج الاستقامة الموصلة إلى سعادة الدنيا والآخرة. ثم شعروا بضرورة الاجتماع وتنظيم الوسائل فأسسوا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي نحن في استقبال عامها الثالث أطال الله في حياتها وثبت خطى رجالها حتى يؤدوا أمانة التربية الإسلامية الصحيحة إلى شعبهم الكريم.
وإن في تأسيس هذه الجمعية لقضاء على ظاهرتين من أدل الدلائل على فساد تربيتنا، إحداهما ما كان عليه أغلب علمائنا من التحاسد والشقاق حتى إن البلدة الواحدة تجدها منشقة إلى حزبين إن كان بها عالمان أو إلى ثلاثة إن كان بها ثلاثة وهلم جرا.
الظاهرة الثانية ظاهرة الخضوع للعامة وطلب رضاها للطمع في مالها، فأهملت وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لا حياة للتربية بدونها. وأصبح الغش من دلائل الكياسة وحسن السياسة. وفشت قاعدة «إذا وجدت قوما يعبدون حمارا فعليك بكثرة الحشيش» وكان من يحفظ
ـ[عمود٢]ـ
هذه القاعدة أكثر كثيرا ممن يسمع حديث «الدين النصيحة».
وأملنا وطيد وثقتنا بالله قوية أن يتم القضاء على هاتين الظاهرتين بسلامة الجمعية من مكائد الكائدين، وبطول حياتها لإحياء سنن الدين. وإنا لنرجو من رجالها المخلصين أن يصدقوا ما عاهدوا الله عليه غير مبالين بسخط من سخط.
اتق الله فأغبى الورى ... من أغضب الرب وأرضى العبيد
وإن كان لفتنة الفتانين أثر فليكن في مالية الجمعية لا في همم رجالها، على أن مالية الجمعية قد سارت إلى الأمام فقد بلغت «٦١٢٢١.٤٠ فرنك» أربعين صانتيما وأحدا وعشرين فرنكا ومائتين وأحدا وستين ألفا، منها فضل السنة الأولى وهو «١٩٢٣٩.٤٠ فرنك» أربعون صانتيما وتسعة وثلاثون فرنكا ومائتان وتسعة عشر ألفا، ومنها ما قبض في هذه السنة الثانية ولكنه للسنة الأولى وهو «٣٢٦٠.٠٠ فرنك» ستون فرنكا ومائتان وثلاثة آلاف، فيكون المقبوض لهذه السنة الثانية خاصة هو «٣٨٧٢٢.٠٠ فرنك» اثنين وعشرون فرنك وسبعمائة وثمانية وثلاثين ألفا.
وهذا الدخل يتكون من جميع جهات الوطن كالجزائر والقليعة وبوفاريك والبليدة والمدية والبرواقية والجلفة وزنينة والأغواط وغرداية وبوسعادة وتلمسان وسيق ومستغانم وقسنطينة وعين مليلة وباتنة وبسكرة وتبسة ومسكيانة وسوق هراس وشاطودان والعلمة «سانتارنو» وسطيف وآقبو وسيدي عيش وبجاية وجيجل والميلية والقرارم وميلة وما في حكمهن. وهذا مما يوضح كون الجمعية جمعية الشعب ولا يدع متمسكا لمن يحاول تصويرها بصورة طائفية.
وإذا وازنتم بين دخل السنتين
ـ[عمود٣]ـ
ألفيتم مصداق قولنا أن مالية الجمعية قد سارت إلى الأمام، ومع ذلك نرى أن هذه المالية ضعيفة إذا قيست بقوة الأمة حقيرة أمام عظمة المشروع، ولكن ما يعد ضعيفا حقيرا - وهو مجرد من كل اعتبار - قد يعد قويا عظيما مع اعتبارات. وإن من الاعتبارات التي تجعل ماليتنا هذه قوية عظيمة استحكام حلقات الأزمة، واشتداد فتنة الفتانين واشتغال رجال الإدارة عن إحضار برنامج يتوقف تنفيذه على الأموال الطائلة.
وإن مما يجري مجرى الدخل - وإن لم يعد فيه - قيام الشعب بحاجيات وفود الجمعية أينما حلت وتكفلهم بلوازم إقامتهم وسفرهم وإحضار السيارات الخاصة لركوبهم إظهارا للحفاوة بهم وإن ما أنفقه الشعب على الجمعية في هذا الباب يعد بالآلاف العديدة.
تلك كلمتنا عن الدخل أما الخرج فقد بلغ هذه السنة «٢٦٥٢٦.٧٥ فرنك» خمسة وسبعين صانتيما وستة وعشرين فرنكا وخمسمائة وستة وعشرين ألفا. منها ما عززت به صحيفة «السنة» على وجه القرض وهو «٣٩٣٧.٥٥ فرنك» خمسة وخمسون صانتيما وسبعة وثلاثون فرنكا وتسعمائة وثلاثة آلاف. فالخرج الحقيقي للجمعية هو «٢٢٥٨٩.٢٠ فرنك» عشرون صانتيما وتسعة وثمانون فرنكا وخمسمائة واثنان وعشرون ألفا والباقي على الخرج والقرض هو «٣٤٦٩٤.٦٥ فرنك» خمسة وستون صانتيما وأربعة وتسعون فرنكا وستمائة وأربعة وثلاثون ألفا. والباقي منها بالبنك «٣٤٥٣٨.٤٠ فرنكا» أربعون صانتيما وثمانية وثلاثون فرنكا وخمسمائة وأربعة وثلاثون ألفا. والباقي تحت يدي الآن هو «١٥٦.٢٥ فرنك» خمسة وعشرون صانتيما وستة وخمسون فرنكا ومائة فرنكا.
2 / 2
_________
الصفحة ٣
ــ
ـ[عمود١]ـ
وإن ذلك الخرج على ضئالته قد تناول نواحي من ضروريات الجمعية كالاجتماعات الإدارية ووفود الوعاظ والعناية بتوحيد الصيام والإفطار وطوابع البريد والوصلات وأجرة البرقيات والمخاطبات السلكية والمطبوعات والنشريات المختلفة كالرسائل وأوراق الأعضاء ومنشور البيان بعد الاجتماع العمومي ومنشور الاحتجاجات بعد اقتراح ذلك النائب ومنشور النداء لعلاج الأزمة الخانقة.
وإن ضئالة هذا الخرج قد أتت بنتائج دينية اجتماعية ذات بال، وما ذلك إلا لأن المال لا ينفق إلا في سبيله.
قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد
فعلينا أن نجود في الخير وأن نبخل على الشر. وإن خير الخير العلم. فمتى أيدناه بمالنا أيدنا حياتنا وأحيينا بيننا التربية الإسلامية الكافلة بالسعادتين. ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وقد قيل «المال قوام الأعمال» وأنا أقول: «العلم أمير والمال وزير» فإذا فقد الوزير ضعف الأمير عن التدبير، فاضطربت أحوال الرعية وكانت من الفناء قاب قوسين فإن تركت الأمير وحده فقد ألقت بيدها إلى التهلكة. وإن أرادت النجاة فعليها أن توجد من بينها وبنيها وزيرا يشد عضد الأمير. وفي هذا المعنى جاءت الآية: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وبعد فإن دفتر الحسبانات حاضر، وإن كنتم واثقين بمجلس إدارتكم في هذا الحساب فارفعوا أيديكم. (هنا سكت المقرر ورفع الحاضرون أجمعون أيديهم موافقين واثقين) والسلام عليكم سلام سنة وأخوة.
مبارك الميلي
ـ[عمود٢]ـ
رسائل وملاحظات:
الدفاع عن اليمن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وبه الإعانة في الأمور كلها ولا حول ولا قوة إلا بالله. سادتي الأفاضل محرري جريدة «السنة» الغراء أدام الله بقاءكم لنصرة الدين ورفع منار سنة سيد المرسلين. السلام عليكم وعلى من وحد الله. أما بعد فلا يخفاكم سادتي ما حل بأهل اليمن من ضروب الشتم والقذف ورميهم بما ليس فيهم من أصحاب جريدة البلاغ الجزائري ومن سعيد سيف أحمد الذبحاني ظلما وعدوانا وهنا نترجاكم غاية الرجاء أن تنشروا لنا هاته الكلمة على صفحات جريدتكم الميمونة دفاعا عن شرفنا وإخواننا المؤمنين الذين رماهم أصحاب البلاغ وهم في بيوتهم بالجهل بل وبالكفر أيضا سواء في ذلك الأحياء والأموات وذلك قولهم: كانت بلاد اليمن في ضلال مبين لولا أن بعثهم الله، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. وهنا نقول لأصحاب البلاغ فما الحامل لهم على تكفير ملايين من المسلمين أحياء وأمواتا، هل تريدون محاربة أهل اليمن فوق ما هم عليه الآن من إثارة الفتن؟ فما الحامل لكم يا أصحاب البلاغ لنشر تلك المفتريات التي افتخرتم بها أنتم ومراسلكم وجرحتم عواطف ملايين من المسلمين بقولكم كان أهل اليمن بعيدين عن كل ما تطلبه منهم الديانة الإسلامية ولما حلت هاته الطائفة بينهم بنيت المساجد وهيأت المعاهد وغير ذلك من الأقوال الفاسدة والتي يأباها العقل وتمجها الأسماع فقولوا لنا بربكم ما الذي
ـ[عمود٣]ـ
تريدونه من وراء ذلك المقال الطويل أتريدون إعلام جميع الشعوب بأن أهل اليمن كانوا قبل اليوم غير مسلمين وقد كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذتموهم فإن كان هذا هو مقصدكم وما تصبوا إليه آمالكم فنقول لكم اتقوا الله وقولوا قولا سديدا واعلموا أنكم مسئولون أمام الله الواحد القهار. فأهل اليمن من قديم الزمن إلى الآن متبعون لما أمر به الشرع ومنتهون عما نهى عنه وهم أسبق منكم إلى الهدى والتاريخ أعدل شاهد. تريدون الافتخار على أبناء جنسكم بتكفير ملايين من المسلمين فما هكذا الافتخار يا أصحاب البلاغ ألم تكونوا أنتم الذين تسمون أنفسكم مصلحين فإن كان هذا شأن المصلحين فمن هم المفسدون؟ نشرتم مقالا طويلا أطول من صاحبه وذكرتم أسماء علماء وتجار ومختارين وظننتم أن ذلك يغنيكم عن إظهار الحق فقد غركم مراسلكم بنشر تلك الأسماء فالذي افتخرتم بهم أنهم شهدوا لكم بالأفضلية هم لا يعلمون بشيء من ذلك ولكن هذا مما يدل على حسن البضاعة التي تحملونها على عواتقكم وتدعون إليها ولكن الآن قد تحقق لدى الخاص والعام بأن دعوى إصلاحكم هي عين الإفساد ولكنكم إذا قيل لكم: لا تفسدوا في الأرض. قلتم: لا بل نحن مصلحون وأنتم أنتم المفسدون ولكن لا تشعرون.
مرسيليا ٢١ صفر ١٣٥٢
ثابت بن الحاج أحمد عباد
العربقي اليمني
«الزاهري» حينما نشرنا كلمة «الغيث النافع» في جريدة السنة المرحومة كان في نيتنا أن نكتفي بها عن نشر ما جاءنا من الردود والتكذيبات التي أرسل بها إلينا أو دفعها إلينا بعض اليمانيين الكرام ردا على شيخ الحلول وتكذيبا لورقته الضالة
2 / 3
_________
الصفحة ٤
ــ
ـ[عمود١]ـ
بونة
تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ضيافة
رجال الجمعية الدينية البونيين
بدعوة خاصة من رئيس الجمعية الدينية المفضال السيد الحاج الخوجة، لبى حضرة العلامة الأستاذ ابن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدعوة، وفي صبيحة الاثنين ١٥ ربيع الأول نزل ضيفا مبجلا بعنابة ولقيه بمركز السيارة رجل عنابة السيد الحاج الخوجة وثلة من الأخيار نذكر منهم الأديبان الفاضلان السيد حامد الأرقش والسيد محمد النمر وأعضاء الجمعية الدينية بعنابة.
وبعد تبادل آيات الوداد والترحاب قصدوا جميعا دار رئيس الجمعية الدينية هناك ونزلوا في
•...•...•...•...•...•...•...•...•...•...•
فيما نشره فيها من تعظيم نفسه وتشويه سمعة اليمن ظلما بغير حق. ولكننا رأينا أن شيخ الحلول لا يرعوي، وأن ورقته الضالة لا تزال في غيها وعنادها فكان من الحق الواجب علينا لإخواننا أبناء العربية السعيدة (اليمن) أن نفسح لهم المجال في هذه الجريدة الإسلامية ليدافعوا عن أنفسهم وعن أعراضهم وعن دينهم. وليردوا تهجمات شيخ الحلول وليردوا ما تنشره عنهم ورقته الضالة من الأكاذيب والمفتريات ونحن سننشر كل ما يرد علينا من أهل اليمن في هذا الموضوع لأن شيخ الحلول قد رماهم في دينهم وهي تهمة كبيرة جدا.
لقد ورد أن رسول الله ﷺ قال: «الإيمان يماني والحكمة يمانية»، ولكن شيخ الحلول يزعم في ورقته الضالة، أن أهل اليمن كانوا بعيدين عما تتطلبه منهم الديانة الإسلامية حتى جاءتهم طائفة الحلول فعلمتهم من دينهم ما لم يكونوا يعلمون ...
وبعد فيا شيخ الحلول هل لك أن تخبرنا من هو مسيلمة الكذاب؟؟؟.
ـ[عمود٢]ـ
بيته التي أعدها لرئيس جمعية العلماء وباقي الأعضاء.
ولما دقت الساعة الثامنة ليلا هرعت الخلائق تغشى دار الرئيس وكان عددهم يربو على الأربعمائة فأخذوا مقاعدهم ووجوههم ضاحكة مستبشرة وقلوبهم خافقة بالمسرات وأعينهم ترنوا إلى الأستاذ.
وبعد هنيهة من الزمن طلع عليهم الأستاذ وعلا منصة العز والمهابة وشرع ينثر على أسماعهم دررا غوالي من آيات الذكر الحكيم ونبذا من سيرة المصطفى النبي محمد ﷺ الذي لأجله يحتفلون، عرفهم بأخلاقه الفاضلة وخصص بالكلام منها عدله ورحمته وإحسانه عليه وآله الصلاة والسلام وتكلم بكلام جامع على هذه الصفات ولزومها للبشر وحاجة العمران إليها ثم أتى على قصة المولد الشريف فقرأها بفصاحة نادرة فأثرت عليهم جميعهم حتى إنهم تمنوا من الأستاذ أن يشنف أسماعهم طول الليل، وبعد الفراغ من قراءة قصة المولد قام الأديب الفاضل السيد حامد الأرقش وألقى كلمات شائقة للترحيب بالأستاذ أولا ثم التعريف بمواقفه التي سرى بذكرها الركبان، وبين للحاضرين مقاصد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وما تدعو إليه وحلل مهم العراقيل التي اجتازت مسالكها بصبر وثبات وحرض أعضائها العاملين على تأييدها والسير على مبادئها النافعة والذب عن حماها إلى آخر رمق من الحياة ثم بعد الفراغ من خطابه شكره الأستاذ وأجابه بكلمات طيبة وأثنى عليه الحاضرون.
وبعد الغد طلب أعيان البلدة من الأستاذ أن يلقي عليهم درسا في الوعظ، فنزل عند إرادتهم وألقى لهم درسا مفيدا أعجب به الحاضرون بين لهم فيه تعاليم الدين الإسلامي الحقة وحثهم على الأخذ بالكتاب والسنة والتباعد عن أهواء البدع فاستغرق نحو الساعة وأخيرا قام الفاضل السيد الحاج الخوجة رئيس الجمعية الدينية وتلا على الحاضرين كلمات أثرت على السامعين ودعوا له بالخير على قيامه بهذه المهمة، مهمة جمعهم في داره والتكرم عليهم واستدعاء الأستاذ للقيام بقراءة قصة المولد وإسماعهم دروسا نافعة، ثم أعقبه الأديبان الكاتبان السيد محمد النمر والسيد الصادق المنبهي وألقى كل واحد منهما كلمات
ـ[عمود٣]ـ
بليغة صادقة مفيدة بارك الله في الجميع وأكثر من أمثالهم في المسلمين.
هذا وإننا نثني الثناء كله على جميع أهل بونة الذين أظهروا رغبة في العلم وإكراما لأهله وخصوصا رجال الجمعية الدينية ورئيسها المفضال.
ذكرى المولد النبوي الشريف
جاءنا كتاب من الأخ الشيخ صاحب الإمضاء مما قال فيه:
قد اعتاد الناس في هذا الشهر أن يحتفلوا بذكرى المولد النبوي الشريف تذكارا وموعظة وإحياء لشيء من سند سيدنا محمد ﵌ ومعالمه ومآثره وإظهارا لأخلاقه الكريمة لقصد بعث الناس وحملهم على التأسي والاقتداء بسيرته الفاضلة الحميدة الجميلة.
غير أننا نلاحظ على أكثر هاته الاحتفالات بأنها تقتصر على سرد قصائد في مدحه عليه وآله الصلاة والسلام وسرد قصة مولده وذكر أناشيد بنغمات وأصوات شجية كل بلد على قدر ذوقه ومبلغه في صناعة الألحان والنغمات وهذه الحالة وإن كانت جميلة في حد ذاتها فهي خير من لا شيء ولكنها لم تكن بالصفة الملائمة لتذكار حياة الرسول ﷺ وحمل الناس أن يصطبغوا بصبغتها النفيسة. وإنما الوسيلة التي تجعل الحاضرين لهذه الاحتفالات يتصورون تلك الحياة ويتعقلونها بأفضل ما يكون من مظاهرها ويتأثرون بما فيها من جلائل الأعمال وعظيم المواقف هي ذكر سيرته ﷺ وأعماله وأخلاقه بهيئة درس بليغ ومحاضرة قيمة مع شرح وافي لمولده ومبعثه وهجرته وإسرائه ومعجزاته ونزول الوحي عليه وإظهار الدين وإعزازه وذكر طرف من غزواته وغير هذا مما يتعلق به ولو بإيجاز في الكل وإطناب في ناحية معينة لما يناسب المقام ومقتضى الحال.
2 / 4
_________
الصفحة ٥
ــ
ـ[عمود١]ـ
ثم كتب الأخ فصلا مطولا في المولد والغزوات ونقل جملة من الأحاديث النبوية بأسلوب رشيق. ثم قال - مذكرا ومتحسرا - وها نحن في شهر ربيع الأول وفي موسم المولد النبوي وفي أسبوع ولادته ومع ذلك فهل من مذكر لغير المئاكل والمشارب والذين يتذكرون فغاية ذكراهم سرد قصائد وأناشيد سردا بدون شرح ولا تدبر ولا تفهم. وإذا لم تكن الجماهير من العامة مع كثرتهم يتعقلون بقدر حالهم شيئا من أخلاق نبيهم وسيرته الحميدة فكيف يرجى منهم أن ينقادوا لشريعته ويتأدبوا بأدبه ويعتادوا على سيرته. وإن كان نصيبهم من الاحتفال سماع نغمات وأصوات فإنهم ما رجعوا إلا بالقشور دون اللباب. اللهم ألهمنا رشدنا وارزقنا اتباع نبينا اللهم أحينا على سنته وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته غير مبدلين ولا مغيرين بجاهه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
نعما قال هذا الأخ واقترح وأن إخواننا رجال الجمعية في نواحي القطر كلهم سالكون في إحياء ذكرى المولد الكريم طريق الجمع بين إلقاء خطاب في ناحية من نواحي حياته مع سرد قصة مولده وسماع أناشيد مدحه وعسى أن يكون هذا عاما - إن شاء الله تعالى - في المستقبل لجميع القطر.
ابن يحيى محمد السعيد
إمام بلدة القصر حول بجاية
داعية السنة
في جبل أوراس
جاءنا كتاب من بعض سكان هذا الجبل يثنون فيه على ما قام به الأخ الشيخ المسعود بن علي من مقاومة الشركية الكبرى المنتشرة في جهات عديدة من القطر وهي الشجرة التي تزار
ـ[عمود٢]ـ
وتقام حولها الزردات وتذبح لها الذبائح وتنذر لها النذور وتدعى بالشجرة أم الخبوط. فقد كانت عندهم شجرة عظيمة من هذا النوع، فقام الشيخ بوعظ الناس وإرشادهم وتذكيرهم بالقرآن العظيم والأحاديث النبوية حتى أقلعوا عنها وتأسف الذين كاتبونا على أن لم يكن غير هذا الشيخ يقوم بمثل ما قام به.
نحن نشكر لهذا الأخ عمله جازاه الله بأحسن الجزاء ونذكر غيره من جميع الإخوان أهل العلم أن يقوموا في نواحيهم بمثل ما قام به فإن الأمة متهيئة لسماع الحق وقبوله وإن لكلام الله تعالى وحديث نبيه ﷺ من فم مرشد مخلص حكيم لأبلغ الأثر في القلوب وأنجح الدواء للنفوس، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
داعية ضلال
بعين يقوت
جاءنا كتاب من الأخ الشيخ ناصري أحمد وغيره ذكر فيه أن شاوشا من شواش زاوية كبيرة في ناحية الصحراء دخل السوق ونادى في الناس أن اجتمعوا ليبلغهم وصايا شيخه بذبح المعز وجعل الثريد واستعمال الحناء خوف نزول مصيبة وأن الشيخ ضامن فيمن فعل ذلك وأن من لم يفعل فهو خارج عن وسيلة الشيخ فاجتمع عليه الناس فبلغهم الوصية وبالغ في إطراء شيخه من ضمانه لأتباعه وتصرفه مع الله وغير ذلك. وتصدى للرد عليه الأخ الذي كاتبنا فسأله عن الوضوء والصلاة فوجده لا يحسن حتى قراءة الفاتحة ودارت بينهما محاورة كان مما قال فيها أن شيخه حذره من العلماء (قليلين النية) وقال (العلماء مصابيح ونحن مراويح) فقال له الأخ أما العلماء فهم مصابيح الدنيا والآخرة وأما شيوخكم الذين هم معبودون ومستعبدون لكم ويقولون لكم (اعبدونا وارزقونا) فإنهم مراويح وأرياح الفتنة والشر يريدون أن يطفئوا نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون، وهنا خرص داعية الضلال
ـ[عمود٣]ـ
وسكت عن الكلام.
أحي الله السنة ونصر دعاتها وقتل البدعة وخذل دعاتها.
شعور وتأييد
جاءنا من الأخ صاحب الإمضاء ما يلي:
سادتي إني لست أهلا للكتابة ولكن هذا شعوري وفكرتي وإخلاصي للعلماء العاملين المخلصين.
نشكركم وندعو لكم ونسأل لكم من الله الفوز والنجاح يا رجال السنة النبوية المحمدية لقد قمتم بنشر الدين الإسلامي الصحيح وإحياء سنة سيد المرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام ونشرتم الأخلاق الإسلامية الفاضلة رغم المعارضين والمشاغبين المشوهين وجه الإسلام والمسلمين فندعوكم يا علماء الإصلاح إلى الثبات في حدود الدين القويم والدفاع عنه إلى النفس الأخير بذلك يكون لكم الإرث الوافر العظيم في رياض النعيم وجازاكم الله عن الإسلام وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بسكرة
أيوب بن يوسف
نشكر هذا الأخ وأمثاله ممن تتقاطر على الإدارة منهم أمثال كتابه ونسأل الله أن يوفق أهل العلم إلى القيام بأعباء ما حملوا من أمانة وأن يكونوا عند ظن مثل هذا الأخ بهم.
تطلب الشريعة
من السادة:
علي بوشقور بنهج بوفاريك عدد ١٠ - وهران.
عبد الله بن عبد الرحيم - بوسعادة.
عبد الرحمن قهواجي بنهج البامي عدد ١١ - البليدة.
حمودة حمو بن إبراهيم - غرداية.
إذا كنت من محبي هذه الجريدة فبرهان حبك هو الاشتراك فيها.
2 / 5
_________
الصفحة ٦
ــ
ـ[عمود١]ـ
ألف وسبعمائة مسلم
يرتدون عن دينهم الحنيف ويعتنقون النصرانية الكاثوليكية
بقلم الأستاذ الزاهري العضو الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
كان يوم ٢٣ ماي الأخير يوم حزن وحداد على المسلمين في عاصمة الجزائر، وكان يوما من أشد أيام هذا الوطن شؤما وسوادا، فقد رأينا فيه ما يذوب له القلب كمدا وغما إن كان يحمل مثقال ذرة من الإيمان، ورأينا فيه ما يبعث في النفس الكريمة كل معاني الألم والحسرة والأسى، رأينا الآباء البيض ورجال الكاثوليكية يقيمون في هذا اليوم في عاصمة الجزائر الولائم والاحتفالات احتفاء بسبعمائة وألف من المسلمين الجزائريين قد وقعوا فيما نصبوه لهم من الأشراك والأحابيل، فارتدوا عن دينهم القيم الحنيف، واعتنقوا النصرانية على المذهب الكاثوليكي طوعا أو كرها.
لقد بذل القائمون على هذه الاحتفالات أقصى ما يمكنهم أن يبذلوه من الجهود والنفقات ليجعلوها شائقة فخمة تجمع كل أسباب البهرجة والأبهة والجلال، ليعظموا في أعين الناس، وليغمرهم الناس بالمدح والثناء على ما عملوا من تبشير وتنصير وليقدر المسيحيون الكاثوليك أعمالهم هذه، فيمدونهم بالمال من جديد، ويجزلون لهم الأجر والثواب.
* * *
ووقع استعراض هؤلاء المتنصرين في ذلك اليوم (٢٣ ماي الأخير) في ملابسهم الجزائرية كدعوة للمسلمين بأن يتركوا الإسلام وليلتحقوا بهؤلاء المتنصرين وكان الأجانب الأروبيون يضحكون من هذه الملابس ويتغامزون عليها، كأنهم لم يصدقوا بعد أن هؤلاء نصارى، ولم يعودوا مسلمين وكانت كل طائفة من الطوائف المسيحية تود لو أنها استأثرت هي وحدها بهذه الغنيمة الباردة، وكانت خالصة لها من دون
ـ[عمود٢]ـ
الطوائف الأخرى.
وكان منظر هؤلاء المتنصرين الذين ارتدوا عن دينهم الحنيف منظرا مؤثرا جدا يثير الهموم والأحزان، ويهيج البلابل والأشجان، فقد كانت تعلوا وجوههم سحب سوداء من الغم والاكتئاب تدل على أن لهم نفوسا يأكلها العذاب، ويلح عليها، وعلى أن بين جوانحهم قلوبا مضطربة لا يخالطها شيء من الاطمئنان أو الرضى، وليس على وجوههم ولا علامة واحدة تدل على أنهم قد رضوا لأنفسهم هذا الدين الجديد أو ارتاحوا إليه، وكان أكثرهم أطفالا صغارا قد عجز آباؤهم وأولياؤهم أن يقوتوهم أو أن يقوموا لهم على ضرورياتهم، فالتقطهم المبشرون المسيحيون، واستغلوا جوعهم وضعفهم فاستولوا عليهم واحتلوا منهم العقائد والقلوب. وكنت أنا أراهم يمرون، فقلت في نفسي: إن أولياء هؤلاء الأطفال لم يتركوا أولادهم هؤلاء إلا بعد أن بلغوا هم من الفقر والشقاء حالة ليس وراءها حالة أسوأ منها، وأن هؤلاء المبشرين المسيحيين لو راعوا الهمة والرجولة لما رضوا لأنفسهم أن يستفيدوا مما يصيب الناس من المصائب والنكبات، وأفضيت بهذا القول إلى مسلم كان واقفا إلى جانبي فسمعني أحد المسيحيين فقال لي: يظهر أن هؤلاء الآباء قد أحسنوا إلى هؤلاء الأطفال وأحسنوا إليكم أنتم أيضا بذلك، فقلت له: كلا لم يفعلوا مع هؤلاء الأطفال خيرا يريدون به وجه الله، ولكنهم أطعموهم من جوع لحاجة في نفس يعقوب على أنهم قد سلبوهم إيمانهم وإسلامهم في مقابلة ذلك، ولما تنصر هؤلاء وتركوا الإسلام فالإحسان إليهم ليس بإحسان إلى الإسلام ولكنه إحسان إلى المسيحية نفسها. ودار بيني وبينه كلام كثير في هذا الموضوع أرجئه
ـ[عمود٣]ـ
إلى فرصة أخرى.
...
ترى لماذا اعتنق هؤلاء النصرانية الكاثوليكية ولماذا تركوا الإسلام وارتدوا عن دينهم الحنيف؟
فهل وجدوا فيه ما كره إليهم الإيمان وكره إليهم الخير والتقوى؟ وماذا أعجبهم من الكاثوليكية حتى سارعوا إلى اعتناقها؟
والجواب على هذا هو سهل يسير، لا عسر فيه ولا عناء، فالواقع الذي لا شك فيه هو أنه ليس في هؤلاء المتنصرين ولا واحد قد ترك الإسلام بملء إرادته طائعا مختارا ولكن حملتهم على التنصر عوامل أخرى غير الطواعية والاختيار وهي ثلاثة أسباب لا رابع لها، أما السبب الأول فهو الفقر وأما الثاني فهو الجهل وأما الثالث فهو العجز أو الضعف أو القصور (سمه بما شئت) ومن هذه الأسباب مجتمعة جاءتنا كل المصائب والويلات.
هؤلاء المرتدون لم يتركوا دينهم القيم حبا بالنصرانية ولكنهم تنصروا ضعفا وجهلا وحبا في الخبز! ... وليس في هؤلاء المتنصرين ولا واحد تنصر حينما بلغ رشده وملك أمر نفسه مهما كان جاهلا مطبقا، ومهما كان فقيرا معدما. وإنما تركوا الإسلام إلى النصرانية حينما كانوا - كما لا يزال أكثرهم - ذرية ضعافا، ما لهم من أولياء يواسونهم عند الحاجة الشديدة والضرورة القصوى، أو حينما كانوا يتامى قاصرين لا يجدون لأنفسهم على نوائب الدهر مواسيا ولا معينا، ولا وجدوا لهم بين هؤلاء المسلمين وليا ولا نصيرا، وما أنت بواجد بين الضعاف القاصرين أو اليتامى ولا واحدا يتنصر وله ولي يحبه من هؤلاء المبشرين مهما كانت منزلته في اليتم والضعف والقصور.
إن الأغنياء من أشياخ الطرق الصوفية الذين جمعوا من فقراء المسلمين باسم (الصدقات) و(النذور) و(الزيارات) أمولا طائلة بدعوى أنهم سيصرفونها في أوجه البر، وفي خير الإسلام والمسلمين، ثم أسرفوا على أنفسهم، وأنفقوها في الأهواء والشهوات، وبذروها هبات وهدايا إلى
2 / 6
_________
الصفحة ٧
ــ
ـ[عمود١]ـ
من لا يستحقونها، ولم ينفقوا منها في سبيل الله، هم المسئولون على الخصوص أمام الله عن هذا المصاب الذي حل بالإسلام في هذه البلاد لأنهم - من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون - يعاونون المبشرين على تنصير فقرائنا وضعفائنا، فلو أنهم آمنوا واتقوا، وأنفقوا هذه الصدقات والنذور والأموال في أوجه الخير التي جمعت لها، من إنشاء الملاجئ للضعفاء والمعوزين، ومن فتح المدارس والكتاتيب يتعلم فيها الأطفال المسلمون أمور دينهم، ولم يأكلوا هذه الأموال بغير حقها. لما أمكن للمبشرين بحال من الأحوال أن يظفروا بتنصير هذا العدد الكثير من المسلمين.
ثم المسلمون جميعا في هذا الوطن هم أيضا مسئولون أمام الله وأمام الشعوب الأخرى عن هذه الويلات التي تحل بالإسلام، فلو أنهم قاموا بواجبهم في هذا السبيل، وأنفقوا من أموالهم وجهودهم فبما يرضي الله والرسول ﷺ لما كان للمبشرين طمع في أن ينالوا من الإسلام شيئا مما يريدون ...
والحكومة أيضا (وهي حكومة لائكيه) تحمل هي الأخرى على عاتقها من مسئولية هذا الأمر نصيبا موفورا، فهي لم تقم بواجبها من كفالة الأطفال المسلمين ورعايتهم فكانوا ضحايا البؤس والحاجة، وأصبحوا فريسة للمبشرين.
يوجد من أطفالنا اليوم زهاء ثمانمائة ألف هم في سن القراءة والتعلم، يهيمون على وجوههم في الشوارع والطرقات، لا يدخلون مدرسة ابتدائية يتلقون فيها أبسط المبادئ التي تؤهلهم للعراك في هذه الحياة، أو يتعلمون فيها أمرا من أمور الدين، ثم لا تبيح لنا نحن المسلمين أن نفتح لأبنائنا المدارس والكتاتيب إلا بعد الجهد والمشقة، ولا تدعنا نتولى بأنفسنا تربية هؤلاء الأطفال، بل هي قد منعت العلماء المسلمين من أن يقوموا في المساجد بواجب الوعظ والإرشاد، وهي بموقفها هذا قد مهدت السبيل - من حيث تدري أو من حيث لا تدري - للمبشرين لكي يكتسحوا الإسلام من هذه الديار.
ـ[عمود٢]ـ
إن فرنسا العلمانية لم تعترض على دعاة النصرانية إذ قاموا يشنون الغارة على ديننا، ويختطفون أطفالنا ويختلسون منهم ما في قلوبهم من عقيدة وإيمان، أفليس من العدالة والإنصاف أن تتركنا أحرارا في الدفاع عن ديننا، وفي حماية عقائدنا وعقائد أطفالنا من عادية المعتدين؟.
يقول خصوم الإسلام: إن أهالي الجزائر - ولا سيما أهالي زواوة - كانوا نصارى قبل أن يكونوا مسلمين، ويزعمون أنهم لا يخلصون الود لفرنسا إلا إذا عادوا نصارى كما كانوا. ولهذا يطلبون من الحكومة أن تساعد الآباء البيض على تنصير من في هذه الأرض من المسلمين جميعا.
ونحن نقول: أن هذه الدعوى باطلة يردها الواقع الذي أثبت أن هؤلاء المسلمين قد قاتلوا مع فرنسا، وأظهروا لها الإخلاص في كل المواقف ولم يمنعهم إسلامهم أن يخلصوا لها المودة، على حين أن الألمان المسيحيين قد قاتلوا فرنسا، ولم تمنعهم مسيحيتهم من أن يناصبوها العداوة والبغضاء، ومع ذلك فإن هؤلاء المسلمين ما زالوا يعيشون مع فرنسا في أحوال استثنائية تحكمهم بالقرارات والمناشير، وليس بالشرائع والقوانين، ثم هم لا يطلبون من الحكومة إلا أن تكفل لهم حرياتهم وتساويهم بالفرنسيين في الحقوق كما تساووا معهم في الواجبات، أما لو فاز دعاة النصرانية ونالوا بغيتهم من تنصير جميع هؤلاء المسلمين (لا قدر الله) فإن الوضعية تتبدل، وتدخل المسألة دورا هو غاية في الخطورة، فالمتنصرون يومئذ لا يرضون من فرنسا بهذه الحقوق التي نطلبها نحن، بل هم لا محالة سيطالبونها بالجلاء عن البلاد، ولا يرضون منها بغير الاستقلال الناجز التام، وهم بلا شك سيجدون يومئذ من أمم أروبا المسيحية وشعوبها كثيرا من الأنصار والأعوان، وأمم أروبا وإن كانت تبيح الاستعمار فهي لا ترضى بأي وجه لأية أمة مسيحية مهما كانت جاهلة منحطة أن تستعمرها أمة أخرى أقوى منها، فشعب البرتقال مثلا ليس يضاهي سوريا أو لبنان أو مصر في التقدم والرقي، ومع ذلك فليس هناك في أروبا كلها من تحدثه نفسه باستعمار هذا
ـ[عمود٣]ـ
الشعب المسيحي، والأحباش هم أمة شرقية، ولأروبا فيها مصالح وأطماع، ولكن الأمة الحبشية هي أمة مسيحية لا تطمع أية دولة أوروبية أن تمسها بسوء أو أن تعتدي على استقلالها، وهكذا ينتصر العالم المسيحي للمظلومين من المسيحيين ويبادر إلى نصرتهم وإنقاذهم لأول ما يسمع صرختهم الأولى.
إنه من الخير لفرنسا أن يبقى هذا الشعب عربيا مسلما يقاسمها السراء والضراء، وليس من الخير لها أن يترك الإسلام ويصير مسيحيا لا يرضيه منها شيء، على أن هذه الغاية المسيحية التي يسعى إليها المبشرون هي غاية بعيدة جدا لا يمكن أن تنالها أيديهم، فهذه الأمة العربية المسلمة إن لم تستيقظ اليوم، فلا بد أن تستيقظ غدا، ويومئذ تعرف ما هي الوسائل والتدابير التي تتخذها لدرء أخطار التبشير والمبشرين الذين لا يعملون إلا للاستيلاء على الضعفاء ولإغواء القاصرين.
* * *
أيها المسلمون الجزائريون إنها لكبيرة من الكبائر، وعظيمة من العظائم أن يتنصر ألف وسبعمائة مسلم هم من صميم الإسلام في وطن كالجزائر كل أهاليه مسلمون لا يوجد بينهم ولا واحد غير مسلم، ونحن بعد ذلك ندعي أننا من أشد الناس تمسكا بالإسلام، يجب أن نعالج هذا الداء بالوسائل العادلة المشروعة قبل أن يستفحل ويعظم أمره علينا، فلا نستطيع أن نداويه أو أن نتلافاه.
إن هذا العدد من أطفالنا المتنصرين هو عدد كبير جدا ولا يزال يتزايد كل يوم، وإن استمر هكذا فإننا نخشى على مصير الإسلام في هذه الديار.
أيها المسلمون الجزائريون؛ كيف نرى أطفالنا وأفلاذ أكبادنا يفتنونهم عن دينهم، ويصدونهم عن سبيل الله ثم لا نتحرك إلى إنقاذهم، ولا تذهب أنفسنا عليهم حسرات!!
لمثل هذا يذوب القلب من كمد ... إن كان في القلب إسلام وإيمان
محمد السعيد الزاهري
2 / 7
_________
الصفحة ٨
ــ
...ليس سوى القرآن من حكم
تحت هذا العنوان ننشر القصيدة العصماء التي ألقاها بنادي الترقي (بالجزائر) شاعر الشباب الأستاذ محمد العيد في الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين مساء يوم الثلاثاء ٤ربيع الأول وهي كما ترى مليئة بالعاطفة النبيلة وبالشعور الشريف وهكذا يكون الشعر الحي قال لا فض فوه:
ـ[عمود١]ـ
صف الجزائر فيما شئت من كرم ...... ولذ بها حرما ناهيك من حرم
ألم ركبك فاهتزت له وربت ...... كالأرض غب نزول الهاطل الغمم
غناء أغنى عن الترحيب منظرها ...... وفي المناظر ما يغني عن الكلم
البر والبحر في أكنافها اعتنقا ...... وواصلا قبلا فيها فما بفم
والقاطرات بها والفلك زاخرة ...... بمعجزات من الآلات والنظم
والطير كاسية فيها وعارية ...... صفت بأجنحة من فوقها دهم
من ذي قوادم بالأرياش منتفض ...... أو ذي لوالب بالفولاذ ملتحم
والسحب غادية في الأفق رائحة ...... ما بين منسجر منها ومنسجم
والشعب ريان والأزهار يانعة ...... ما بين منتثر منها ومنتظم
والريح تجري رخاء حول أفنية ...... أو حول أبنية شماء كالقمم
الله أكبر هذا مرتع خضل ...... يهفو به نسم من أطيب النسم
أهلا بأهل حوت أعلاق نسبتهم ...... أعلاق قيمة جلت من القيم
حلوا النفوس فقد شيدت لكم أطما ...... يا ذائدين عن الحسنى بلا أطم
استغفر الله هذا الحزب تحرسه ...... عين من الله لم تغفل ولم تنم
امضوا على الصبر فالعقبى لكم سلفا ...... ما جزتم نعمة إلا إلى نعم
في الأمر بعض التواء غير ذي خطر ......
ـ[عمود٢]ـ
...... فعالجوا الأمر بالآراء يستقم
سوقوا البراهين ما حقت بكم تهم ...... إن البراهين لا تبقي على التهم
نحن الدعاة إلى الحسنى فما أحد ...... منا بمجترح للشر مجترم
ألا فقل للذي بالحرب فاجأنا ...... لا تلق بالحرب من يلقاك بالسلم
وقل لمن نالنا بالظلم منتقما ...... حذار من نائل بالعدل منتقم
يأيها الشعب لذ بالحق معتصما ...... واركن إلى لائذ بالحق معتصم
لا تفتنك ألحان مزخرفة ...... غنى بها القوم أوضاعا من النغم
تمحلوا بينات ما لها صلة ...... بهم سوى صلة الأنوار بالظلم
وكيف يطمع في إيجاد بينة ...... قوم وجودهم ضرب من العدم؟
ويح الجزائر كم يصلي الهداة بها ...... من قومهم ضر ما مورى على ضرم
يا من تلمس من عاداته حكما ...... أخطأت ليس سوى القرآن من حكم
الصلح خير وأحرى أن يلاذ به ...... ما لم تدس حرمات الله بالقدم
طال الشقاق بنا يا قوم وافترقت ...... منازع الهم فاستعصت على الهمم
هيا بنا نبتهل يا قوم قاطبة ...... ونرفع الصوت بالشكوى ونحتكم
يا رب من كان في الإسلام مبتدعا ...... منا فوفقه للإقلاع والندم
أو لا فعاجله واكف الشعب فتنته ...... بما تشاء من الآيات والنقم
ـ[عمود٣]ـ
يا ويح أنفسنا من كل طاغية ...... يسومها ألما مرا على ألم
يفح كالحية الرقطاء ممتعضا ...... منها ويقذف كالبركان بالحمم
بالأمس (كولومب) أوراها لظى بلظى ...... واليوم (بيشير) أجراها دما بدم
شنوا على أمة الإسلام غارتهم ...... فما جنت أمة الإسلام في الأمم؟
أهم يريدون أن ينسوا (الفرنجة) ما ...... (للقول) بالعرب الماضين من رحم
(للسين) منا وإن ظنوا بمورده ...... مقام (شارل) من (هارون) في القدم
يا قومنا كل ساع مدرك سعة ...... في كل ضائقة فاسعوا بلا سأم
من يعش على سنن الدنيا يعش هملا ...... ومن يجاوز حدود العقل يرتطم
والعلم أحصن ما لاذ الرجال به ...... من فاته العلم ديست أرضه ورمي
يا نازلين على الأرحام في كنف ...... من الأخوة سامي القدر والعظم
هبوا على العلم أنفاسا مباركة ...... ورفرفوا فيه أعلاما على علم
واستقبلوا الفوز في العقبى على عمل ...... بالمسك مفتتح بالمسك مختتم
محمد العيد
•...•...•...•...•...•...•...•...•...•...•
المطبعة الجزائرية الإسلامية - بقسنطينة.
•...•...•...•...•...•...•...•...•...•...•
2 / 8
_________
.............................. السنة الأولى / العدد الثالث .............................
قسنطينة يوم الاثنين ٠٨ ربيع الثاني ١٣٥٢ ... Constantine le ٣١ juillet ١٩٣٣
ــ
البقاء على الحياد
خذلان للحق ورضى بالباطل
للأديب الفاضل الشيخ مصطفى بن حلوش العضو بالجمعية
ـ[عمود١]ـ
القوم أربعة: قوم عرفوا الحق فأظهروه وهم المؤمنون المتقون الذين يرجون رحمة ربهم ويخافون عذابه.
وقوم عرفوا الحق فأنكروه وهم الجاحدون العاطلون والأعداء الذين لا يرضى عنهم الله ولا يفرحون.
وقوم ما عرفوا الحق فأنكروه ولا عرفوا الباطل فأيدوه فهؤلاء قوم جاهلون وناس غافلون تقودهم الأيدي وتسخرهم العقول مرة لخير وأخرى لشر. وتارة لمعروف وطورا لمنكر وهم قوة الحق إذا ظهرت رجاله؛ وحماة الباطل إذا حضرت أبطاله.
وقوم عرفوا الحق وعرفوا الباطل وعرفوا مصدر كل واحد منهما وأدركوا عاقبة المحق وعاقبة المبطل فكان مما أدركوه أن عاقبة الأول الثواب وعاقبة الآخر العقاب! وإن مما كتب الله للمحقين الفوز والانتصار ومما كتبه للمبطلين
ـ[عمود٢]ـ
الخيبة والاندحار.
هذا هو علمهم بالوجهين - وجه الحق ووجه الباطل - ومنتهى الإدراك منهم لعقبى الطائفتين - طائفة المحقين وطائفة المبطلين -
فهل كانوا للحق فأيدوه. وعلى الباطل فخذلوه؟ .. لا ... إذن كانوا للباطل على الحق ... لا ... وكيف كانوا؟
كانوا على حال لا يرضاها عقل ولا يقرها شرع وهي ما أسموه «البقاء على الحياد».
فما معنى البقاء على الحياد؟ معناه أن لا تمد يدك للحق فتنفعه، ولا تسلطها على الباطل فترفعه وإن شئت قلت هو خذلان للحق ورضي بالباطل! أو قل هو السكوت المطلق والكف الشامل عن قول وفعل الخير والشر.
ومن أسباب «البقاء على الحياد»
ـ[عمود٣]ـ
ضعف نفس صاحبه وقلة ثقته بالله ومنها تذبذبه ونفاقه وعدم ثباته على حال.
وإن الذي لا يستقر قراره ... على حالة لا يستقل بئات.
ومن أسبابه مهاواة الناس ومجاراتهم (في عوائدهم وديانتهم وأفراحهم وأتراحهم واحتفالاتهم ومآتمهم) خوفا من ذهاب دنيا فانية أو جاه كاذب أو طمعا في إقبالهما من جهة ذهابهما التي هي غضب (سيدي الشيخ) وفقراء الشيخ وزيد وعمرو وخالد وبكر، فلا يعاملون من لا يهاويهم ولا يسكت عن مناكرهم ولا يدعونه لولائمهم ومآتمهم ولا يصدرون به مجلسا ولا يعرفون له قيمة ولا خاطرا وهذا شيء يهم بعض الأعيان أكثر وبعض العلماء أكثر ولأجله فضلوا الحياد.
وما دخل هذا الخوف على هذا البعض من العلماء والأعيان المحايدين إلا من طريق الوهم والخيال وقلة الثقة بالله ثم بأنفسهم! وإلا فقد عرفنا كثيرا من الناس قاموا بالحق دفاعا عنه وتأييدا له ولم يبالوا بغضب زيد ولا برضى عمرو وما زادهم ذلك إلا إكبارا في النفوس وإعظاما في القلوب،
3 / 1
_________
الصفحة ٢
ــ
ـ[عمود:١]ـ
وتصدعت بقوة قلوبهم قلوب الجاحدين، وذلت لعزة نفوسهم نفوس المبطلين، وما أعزت مبطلا كثرته ولا أغنت عن جاحد آلهته ...
ورأينا من المحايدين أكثر من أن نحصي كيف أصبحوا بعد انتصار الحق - ولا بد من انتصاره - لا يقام لهم وزن ولا يعرف لهم شأن ولا يعتبرون إلا كصخور على ضفتي واد تشينه ولا تزينه فلما سالت الأباطح والشعاب وغمرت الوادي المياه جرفتها فيما جرفت فذهبت إلى حيث لا يشهدها عيان ولا يذكرها لسان ولا يتأسف عليها إنسان ... ونبت في مكانها من الضفتين العشب والأشجار ذات الأزهار والثمار فتمتع الناس بريحها بالليل وتفيء ظلها بالنهار.
ذلك مثل القوم المحايدين الذين لا ينفعون ولا ينتفعون ومثل القوم العاملين الذين يفيدون ويستفيدون ...
تلك هي الأسباب الطبيعية «للبقاء على الحياد» وتلك هي صفات المحايدين فما هي نتائجه ولوازمه؟
فأولى نتائجه تكثير سواد المبطلين عن غير شعور من صاحبه، لأن المبطل يعتبر أن كل من لم يعارضه فهو مؤيد له وناصر! وأول كلمة يواجه بها المحق: «أنت وحدك ومن دون هؤلاء تعارضني وتسمي ما أقول وما أعمل باطلا!» ولذلك كان اشتباه العلماء الذين يقرون البدع والمنكرات بسكوتهم عنها وعن صاحبها حجة عند العامة العمياء والمبطلين الأدنياء.
ومن لوازم «البقاء على الحياد» كتمان العلم والغش لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فمن علم الحق ولم يعلمه فقد كتمه، ومن رآه في حاجة إلى النصير ولم ينصره فقد خذله ومن علم الباطل ولم يكشفه للناس فقد غش ولم ينصح، ومن رأى الباطل شوكة ولم يكسرها أو يعمل على
ـ[عمود٢]ـ
كسرها فقد أبقى عليه وشد أزره.
وما شروط «الصلح» المشهورة إلا دعوة للبقاء على الحياد الذي يترك الناس على (ديانتهم وعوائدهم) حقا كانت أو باطلا! وليس من شرط في تلك الشروط إلا وتحته أيدي تعضد المنكر وتؤازره وتعارض المعروف وتحاربه.
ومن لوازمه مخالفة أمر الله ورسوله فمن أوامر الله أن تكون فينا أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهذه الأمة لا تحد بحد ولا تحصر بعد وكما تصدق على الجماعة تصدق على الفرد، فلماذا تخرج نفسك منها أيها المحايد ولا تكون ذلك الفرد؟
ومن أوامر الله أن نستبق الخيرات بتخيير الوجهات وأي وجهة خير كالانتصار للحق؟ فلماذا لا تسبق غيرك فيها أيها المحايد؟
ومن أوامره تعالى أن نتعظ بواحدة: أن نقوم لله مثنى وفرادى ثم نتفكر فيما أوحى الله به لرسوله وننصح لأنفسنا بالاعتراف بالحق والإنابة إليه وبالانتصار لدين الله وتأييده، فما قيمتك في الدنيا وما حظك في الآخرة أيها المحايد إذا لم تتعظ بواحدة الله: أن تقوم له مع القائمين وتؤيد دينه مع المؤيدين؟ وإذا كنت أيها المحايد تؤمن بقول الله: ﴿يُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ﴾ وقوله: ﴿إِنَ الْبَاطِلَ كَانَ زَهوقًا﴾ فما معنى بقائك على الحياد وعدم إعلانك الحرب على الباطل؟ لا يكون لحالك هذه معنى إلا أن تكون تخاف أن يخلف الله وعده ويخذل جنده، وحاشا الله!
وإذا كنت تعلم أنه ليس من المسلمين من لا يهتم لشؤونهم وأنهم يد على من سواهم فبماذا تسمي حيادك؟ أبعدم الاهتمام بشؤونهم أم بأن يدك ليست يدهم؟؟
إن الحياد خصلة من أقبح الخصال ولا يلتجئ إليها إلا ضعفاء القلوب وفاتروا العزائم بل لا يلتجئ إليها إلا من لا إيمان في قلوبهم ولا حجة على ألسنتهم.
فحذار أيها المسلم الصادق أن تعرف الحق ولا تنصره وتعرف الباطل ولا تنكره وحذار أن تكون من غواة «البقاء على الحياد» فإنه خذلان
ـ[عمود٣]ـ
(عليك بخويصة نفسك)
للأخ صاحب الإمضاء العضو بالجمعية
هذه فقرة من كلام سيد المرسلين طالما تكررت على الألسنة كضرب مثل يرمي إلى أن يجعل المؤمن في معتزل عن أبناء دينه وأمته خلاف حكمة الباري تعالى خلقه وخلاف تعاليم الشرائع السماوية ولقد استطاعت الدسائس أن تجعل العامة وكثيرا من الخاصة تحفظها وتفهم لها معنى لم يرده الله ورسوله وأراده أعداء المسلمين.
نعم لم يرده الله تعالى ورسوله لأن الشريعة الإسلامية اعتبرت المسلمين كجسد واحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، غير أنه مهما بلغت أمة من كمال الصلاح والتقى فلا بد من وجود أشرار فيها مذبذبين يحيدون عن سبيل الصواب ويسلكون طريق الغواية فكان حديث (عليك بخويصة نفسك) تسلية لصالحي المؤمنين بأنه لا يضرهم من ضل من المسلمين ولم يقبل سلوك طريقهم إذا اهتدوا وساروا على جادة الحق والهدى، لكن لا يخفى أن الهداية هي قبول الدين الإسلامي بكل ما جاء به ثابتا عن الله ورسوله وأن مما جاء في الشريعة المطهرة بل هو ركنها الوطيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين أصاب العرب والإسلام ما أصابهما لم يكن إلا بسبب تركهم لهما فقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﵌: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» وروى أبو داود في سننه عن ابن مسعود ﵁ أن رسول الله ﵌ قال: «إن أول ما دخل النقص في بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا
̄ ̄ ̄ ̄ ̄ ̄
للحق ورضى بالباطل، والله يغفر لمن يشاء ويهدي إليه من ينيب.
مستغانم
مصطفى بن حلوش.
3 / 2
_________
الصفحة ٣
ــ
ـ[عمود:١]ـ
يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فكما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قرأ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾» ثم قال: «كلا والله، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا» أي تقهرونه وتلزمونه على الحق قهرا.
وكيف يتخلى المسلمون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم في سفينة الحياة سائرون لو أطلقوا العنان لأدوات الفساد لهلك الجميع غرقى وذلك هو المثل الذي رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير عن رسول الله ﷺ أنه قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» على أن الشريعة الإسلامية لاحظت الأيدي التي ستعبث في الإسلام باسم الدين فحالت دون ذلك، لو أن المسلمين التفتوا قليلا إلى السنة النبوية التي هي تفسير للقرآن ولاحظوا ما تشتمل عليه آيات الفرقان من الحكم والدقائق.
روى الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم وابن حبان في صحيحه عن أبي بكر ﵁ أنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ وإني سمعت رسول الله يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده».
فمن هذا تعلم أن حديث «عليك بخويصة
ـ[عمود٢]ـ
نفسك» وآية ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ قد أخرجوهما عن المراد للشارع وجعلوهما ألسنة لإفساد الأمة وإيجاد الوهن في عزيمتها حتى نهجت الأمة خطة الفرق والجبن التي أورثتها الذل والجهل والانحطاط بعد أن كانت الآية الكريمة نزلت للقوة و... و...
على أن كثيرا من علماء الإصلاح وخصوصا الأستاذ الطيب العقبي جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا قد نبهوا على خطأ فهم الناس لهما وأنهم شوهوا معناهما ودونك نص عبارة النووي في شرح مسلم تفسيرا للآية، قال: «لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا فعله ولم يمتثله المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإن عليه الأمر والنهي لا القبول والله أعلم» ا ه.
فالدعوة إلى الانفراد وعيش العزلة وعمل المسلمين اليوم بهذا هو الذي أقعدهم عن الأعمال المجيدة وأفقدهم ثمرات الحياة التي يتطلب قطفها تأسيس جماعات وتوحيد قوى كثيرة لأن الأعمال الجسيمة لا يمكن للفرد الواحد من البشر أن يقوم بها وحده مهما كان قويا.
وقد بلغ من تغلغل هذا المثل في نفوسنا ومشاعرنا أن أصبح دستورا لمعظم أعمالنا الاجتماعية مع أنه القاصم المهلك ولهذا تجد المشاريع الخيرية عندنا مفقودة وإن وجدت لا تنجح لأن كل فرد منا نسي كلمة (مصلحة الأمة) و(واجب الوطن) و(فرض الدين) ولكنه حفظ كلمة (عليك بخويصة نفسك) التي فهمها على غير وجهها ورددها كثيرا حتى امتزجت بدمه واختلطت بعظمه ولحمه.
كثيرا ما تجد الناس يتساءلون لم لا تؤسس الجمعيات عندنا وإن قمنا بجمعية ولو صغيرة فإن النجاح لا يوافقها، فكأنهم لا يعملون ولا يشعرون.
فالجواب هو كلمة (عليك بخويصة نفسك) التي تكررونها في غير محلها فصرفتكم عن المصالح العامة وأورثت فسادا في الأخلاق وطمعا
ـ[عمود٣]ـ
أخل بالنظام الاجتماعي لعدم ائتلافه بسببها مع العدل وحقوق الأمة.
لا شك أنه لا يمكننا القيام بالمشاريع الخيرية إلا بعد التحقق بآية: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وبالحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ «المؤمنون كرجل واحد، إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإذا اشتكى عينه اشتكى كله» والذي رواه البخاري في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» ثم شبك بين أصابعه، ومن قواعد الديانة الإسلامية أنه يجب على المؤمن أن يعد منفعة أخيه المؤمن منفعة لنفسه ويعتقد أن المال الذي بيده هو مال المسلمين جميعا وإن كان تحت تصرفه وإرادته.
ألا ترى أن الصبي أو الرجل المبذر السفيه يحجر عليه، ولماذا؟ لأنه يضيع مالا يحق لأمته أن تستفيد منه عند الحاجة، قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ فأضاف تعالى مال السفيه للمسلمين باعتبار أنهم جسد واحد.
فإذن لا نجاح للمسلمين إن لم يعتبر كل واحد منا منفعة أمته منفعة له وهذه خطة المسلمين في صدر الإسلام ولكن دسيسة تشويه (عليك بخويصة نفسك) وأمثالها فرقت المسلمين أحزابا وشيعا وجعلت كل فرد منهم معرضا عن المصلحة العامة ولا يفكر إلا في نفسه ومطامعه الذاتية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجزائر
بوزيدي الحسن بن بلقاسم.
رجاء
نؤكد رجاءنا لباعة صحيفة السنة وأنصارها الكرام أن يوافونا بحساباتهم قريبا ولا يضطرونا لمكاتبتهم شخصيا، لما في ذلك من ضياع الوقت.
3 / 3