The Hidden Pearl in the Biography of the Trusted Prophet
اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون
Mai Buga Littafi
المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
Inda aka buga
الكويت
Nau'ikan
اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون
«دراسة محققة للسيرة النبوية»
تأليف
موسى بن راشد العازمي
تقريظ
الدكتور محمد رواس قلعه جي
الشيخ عثمان الخميس
[الجزء الأول]
Shafi da ba'a sani ba
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
اللُّؤْلُؤ الْمكنُون فِي سِيْرَة النَّبِيّ الْمَأْمُون
[١]
1 / 3
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للمؤلف
فهرسة مكتبة الكويت الوطنية أثْنَاء النشر
٢٣٩ العازمي، مُوسَى بن رَاشد.
اللُّؤْلُؤ الْمكنُون فِي سِيْرَة النَّبِيّ الْمَأْمُون: دراسة مُحَققَة للسيرة النَّبَوِيَّة (الْجُزْء الأول)
تأليف مُوسَى بن رَاشد العازمي - ط ١ - الكويت: مُوسَى بن رَاشد العازمي، ٢٠١١
ج ١ (٦١٨ ص)؛ ٢٤ سم.
ردمك: ٦ - ٠١ - ٤٤ - ٩٩٩٦٦ - ٩٧٨
١. السِّيرَة النَّبَوِيَّة ... أ. العنوان
ردمك: ٦ - ٠١ - ٤٤ - ٩٩٩٦٦ - ٩٧٨
رقم الْإِيدَاع: ٢٤٠/ ٢٠١١
الطبعة الأولى
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
تمّ طباعة الْكتاب على نَفَقَة عبد اللَّه الْعلي المطوع ﵀
الناشر
المكتبة العامرية
إعلان وطباعة وَنشر وتوزيع
الكويت - حَولي - شَارِع الْمثنى - مجمع البدري - مَحل رقم ١٣
تلِي فاكس: ٠٠٩٦٥٢٢٦٢٣٨٨٠ - جوال: ٠٠٩٦٥٩٩٨٦٢١٩٧
الْبَرِيد الإلكتروني:
al_aamria@hotmail.com
manaar ١@yahoo.com
موقع المكتبة:
www.sites.google.com/site/amriabookstore
1 / 4
دولة الكويت
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
السيد الفاضل / مدير إدارة الثقافة الإسلامية المحترم
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته،، وبعد
بالإشارة إلى الكتاب رقم (٣١٥) بشأن مراجعة: مادة بحث عدد (١)
الوارد بتاريخ: ٣/ ٣/ ٢٠١١
بعنوان: اللؤلو المكنون في سيرة النبي المأمون ج ١
إعداد: موسى بن راشد العازمي
نشر: المؤلف
بعد الإطلاع على النسخة المذكورة أعلاه ومراجعتها تبين أنها لا توجد بها ملاحظات بعد مراعاة الآتي:
صـ ٤٢: خطأ لغوي حيث رفع المفعول به والصواب نصبه (لم يمس نسبه الشريف شيء من سفاح وأدران الجاهلية) برفع نسبه.
صـ ١٧٢: خطأ لغوي في النص الشعرى حيث جر المفعول به بالكسرة والصواب نصبها بالفتح (رمي المشايخ والوالدان باللمم) يجر المشايخ والصحيح (رمى المشايخ) بنصبها.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،،
رئيس لجنة الكتب والمصنفات الفنية
الأصل بتوقيع
خليف مثيب الأذينة
الوكيل المساعد للشئون الثقافية
_________
(*) ملاحظة: تم تصحيح الخطأين الواردين في كتاب وزارة الأوقاف.
1 / 5
[تقريظ الأستاذ الدكتور محمد رواس قلعه جي]
هذا عمل رائع فيه جهد مبارك، وتحقيق، واستشهاد جميل، وتوثيق هو محل الإعجاب.
أسأل الله لصانعه الثواب العظيم ورفقة صاحب السيرة في الجنة
أد محمد رواس قلعه جي
1 / 7
تقديم الشيخ عثمان بن محمد الخميس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
فإن النظر في سيرة النبي الكريم ﷺ يبعث في النفس الرضى، ويؤنس القلب ويريحه، وكم يتمنّى القارئ لسيرة النبي ﷺ أن يجد كتابًا جامعًا، وفي الوقت ذاته حريصًا على صحة ما ينسب إلى النبي ﷺ، وقد أهداني أخي موسى بن راشد العازمي كتابه الموسوم بـ "اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون" فألفيته ماتِعًا كاسمه، قد أتى فيه جامعه على كل جوانب سيرة النبي ﷺ فيما أعلم، مع حرصه على صحة الروايات، وإن ذكر غيرها نبَّه على ذلك، ولقد أكثر من النقل عن علماء السير، وقد أحسن الانتقاء من دُرَرِهم، ولا أُخفي خبرًا إن قلت إني استفدت منه كثيرًا أثناء قراءتي كتابه فجزاه اللَّه خيرًا، ونفعه اللَّه ونفع به.
وكتبه
عثمان بن محمد الخميس
٢٩/ ١٢/ ١٤٣٠ هـ
1 / 9
المقدمة
الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وإمَامِ المُتَّقِينَ، ورَحْمَةِ اللَّهِ لِلْعَالَمِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، وعَلَى كُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى مَنْهَجِهِ، واقْتَفَى أثَرَهُ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، وبَعْدُ:
لَا يَخْفَى عَلَى أَيِّ مُسْلِمٍ مَا لِسِيرَةِ الرَّسُولِ ﷺ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ كُبْرَى فِي حَيَاةِ المُسْلِمِينَ، إنَّهَا اليَنْبُوعُ الصَّافِي لِطَالِبِ الفِقْهِ، والدَّلِيلُ الهَادِي لِبَاغِي الصَّلَاحِ، والمَثَلُ الأَعَلَى لِلْأُسْلُوبِ البَلِيغِ، والدُّسْتُورُ الشَّامِلُ لِكُلِّ شُعَبِ الخَيْرِ.
ولَقَدْ كانَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ يدْرِكُونَ مَا لِسِيرَةِ الرَّسُولِ ﷺ مِنْ آثارٍ حَسَنَةٍ في تَرْبِيَةِ النَّشْءِ، وتَنْشِئَةِ جِيلٍ صَالِحٍ لِحَمْلِ رِسَالَةِ الإِسْلَامِ، فَمِنْ ثَمَّ كَانُوا يَتَدَارَسُونَ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ ومَغَازِيَهُ ﷺ.
ومَنْ دَرَسَ سِيرَتَهُ ﷺ وأعْطَاهَا حَقَّهَا مِنَ النَّظَرِ والفِكْرِ والتَّحْقِيقِ رَأَى نَسَقًا مِنَ التَّارِيخِ العَجِيبِ، اسْتَعْلَى بِهِ رسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَالْفِئَةُ المُؤْمِنَةُ مَعَهُ عَلَى عَنَاصِرِ المَادَّةِ، وعَوَامِلِ الجَذْبِ الأَرْضِيِّ، وارْتَقَوْا بِالْإِنْسَانِيَّةِ إلَى دَرَجَاتٍ لَمْ تَشْهَدْهَا عَلَى امْتِدَادِ عُصُورِهَا وأزْمِنَتِهَا.
1 / 11
وبِمَا أنَّ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ جُزْءٌ مِنَ التَّارِيخِ، والتَّارِيخُ إنَّمَا يتناقَلُهُ النَّاسُ عَنْ طَرِيقِ الأَخْبَارِ والتَّحْدِيثِ والسَّمَاعِ، فَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أنْ تَعْتَرِي هَذِهِ الأَخْبَارَ دَرَجَاتُ الصِّحَّةِ والضَّعْفِ، ومِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أنْ قَيَّضَ لَهَا عُلَمَاءَ حُفَّاظًا أفْذَاذًا يُمَيزونَ بَيْنَ الصَّحِيحِ والضَّعِيفِ مِنَ الأخْبَارِ، والغَثِّ والسَّمِينِ مِنَ الحَوَادِثِ المُخْتَلِفَةِ.
قالَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في نَظْمِ السِّيرَةِ:
فَليعلم الطالب أن السِّيرا ... تجمع ما صَحْ وما قد أُنكرا
وقَالَ الحَافِظُ الدِّمْيَاطِيّ (٢) فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الحَافِظُ في الفَتْحِ:
وكُنْتُ قَدْ تَبِعْتُهُ -أي ابْنَ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ في السِّيرَةِ (٣)،
_________
(١) هوَ الإمامُ الحَافظُ زَيْنُ الدِّينِ عبدُ الرَّحِيمِ العِرَاقيُّ، وُلد سنة خمس وعشرين وسبعمائة للهجرة، واشتَغَلَ بالعُلُومِ، وأحَبَّ الحديثَ، فأكْثَرَ مِنَ السَّمَاعِ، وتقدَّم في فَنِّ الحدِيثِ بِحَيْثُ كان شُيُوخُ عَصْرِهِ يبالغُونَ في الثَّناء عليه بالمَعْرِفَةِ.
لهُ نَظْمٌ في السِّيرة النَّبوِيَّة في ألْفِ بَيْتٍ.
تُوُفِّي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سنة ست وثمانمائة للهجرة. انظر شذرات الذهب (٩/ ٨٧).
(٢) هوَ الإمامُ الحافِظُ الحُجَّةُ عبدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِي الشَّافعي، وُلدَ في آخر سنة ثلاث عشرة وستمائة للهجرة، وتَفَقَّهَ بِدِمْياطَ وبَرَع، ثم طلبَ الحديث، وكتب العَالِي والنَّازل، وجمعَ فأوْعَى، وكان صَادقًا حافظًا متقنًا، توفي سنة خمس وسبعمائة للهجرة. له مُصنَّفاتٌ نَفِيسَةٌ، منها: "السِّيرة النَّبوِيَّة"، في مجلدٍ، وغَيرها. انظر تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي (٤/ ١٤٧٧).
(٣) الذي ذَكَرَهُ هوَ أنَّ رسول اللَّه ﷺ كان في غزوَةِ حُنين على بَغْلَته المعروفة باسم: "دُلْدُلْ"، وهو قولُ ابنِ سعدٍ في طبقاته، والصَّحيح أنَّ البَغْلة التي كان رسول اللَّه ﷺ =
1 / 12
وكُنْتُ حِينَئِذٍ سِيَرِيًّا مَحْضًا، وكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أنْ نَذْكُرَ الخِلَافَ.
وعَلَّقَ الحَافِظُ في الفَتْحِ عَلَى كَلَامِ الحَافِظِ الدِّمْيَاطِيِّ بِقَوْله:
ودَلَّ قَوْلُ الدِّمْيَاطِيِّ أنَّهُ كانَ يَعْتَقِدُ الرُّجُوعَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا وَافَقَ فِيهِ أهْلَ السِّيَرِ، وخَالَفَ الأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وأنَّ ذَلِكَ كانَ مِنْهُ قَبْلَ أنْ يتضَلَّعَ (١) مِنَ الأحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، ولخُرُوجِ نُسَخٍ مِنْ كِتَابِهِ وانْتِشَاره لَمْ يَتَمَكَنْ مِنْ تَغْيِيرِهِ (٢).
وقَدْ تَتَبَّعْتُ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ قُرَابَةَ العَشْرِ سَنَوَاتٍ، وقَرَأْتُ خِلَالَهَا كَثِيرًا مِنْ كتبِ السِّيَرِ والمَغَازِي، وكُتُبِ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، حتَّى مَيَّزْتُ كَثِيرًا مِنَ الحَوَادِثِ الصَّحِيحَةِ والحَسَنَةِ عَنِ الضَّعِيفَةِ، وحَرِصْتُ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى الكَلِمَاتِ التِي قَدْ يَصْعُبُ فَهْمُهَا مِنْ كتبِ اللُّغَةِ المُعْتَمَدَةِ، كَلِسَانِ العَرَبِ، والقَامُوسِ المُحِيطِ، وأمَّا الأحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ، وكَذَلِكَ الحَوَادِثُ التَّارِيخِيَّةُ التِي ذُكِرَتْ في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ كانَ حُكْمِي عَلَيْهَا مِنْ نَاحِيَةِ الصِّحَّةِ والضَّعْفِ هُوَ مِنْ خِلَالِ حُكْمِ العُلَمَاءِ عَلَى هَذه الأحَادِيثِ والحَوَادِثِ، وبَعْضُهَا لَمْ أَجِدْ مَنْ حَكَمَ عَلَيْهَا فترَكْتُهَا عَلَى حَالِهَا، وعَزَوْتُهَا إلَى مَصْدَرِهَا.
_________
= عليها في غزوة حُنين هي البغلةُ التي أهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بنُ نُفَاثَةَ الجُذَامِيُّ، كما روى ذلك الإِمام مسلم في صحيحه -رقم الحديث (١٧٧٥) (٧٦)، وسيأتي تفصيل ذلك في غَزْوَة حُنَين إن شاء اللَّه.
(١) يُقال: فُلان مُضْطَلِعٌ بهذَا الأمْرِ: أي قَوِيٌ عَليه. انظر لسان العرب (٨/ ٨٧).
(٢) انظر فتح الباري (٨/ ٣٤٨).
1 / 13
ولَا يَسَعُنِي في هَذَا المَقَامِ إلَّا أنْ أشْكُرَ كُلًا مِنْ:
١ - الدُّكْتُور مُحَمَّد الشَّطِّي.
٢ - الدُّكْتُور خَالِد الصَّافِي.
٣ - الشَّيْخ سَالِم خَلِيفَة الهَوَّاش.
٤ - الأُسْتَاذ مُحَمَّد كُوهية.
٥ - الأَخ يَزِيد القَطَّان.
٦ - الأَخ مُهَنَّد الخَارْجِي.
عَلَى مَا قَدَّمُوهُ لِي مِنْ مُلَاحَظَاتٍ هَامَّةٍ، وأسْأَلُ اللَّه تَعَالَى أنْ يَجْعَلَ عَمَلِي هَذَا خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وأنْ لَا يَحْرِمَنِي الأَجْرَ، وأنْ يَنْفَعَ بِهِ عَامَّةَ المُسْلِمِينَ، إنَّهُ ﷾ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ، وبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى نَبِينا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
وكتبه
موسى بن راشد العازمي
١٢ ربيع الآخر ١٤٣١ هـ
٢٨/ ٣/ ٢٠١٠
الكويت
1 / 14
قَالُوا في أَهَمِّيَّةِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ
قالَ زَيْنُ العَابِدِينَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ ﵃ أجْمَعِينَ: كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسَرَايَاهُ، كَمَا نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ (١).
وقَالَ الإمَامُ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: في عِلْمِ المَغَازِي عِلْمُ الدُّنْيَا والآخِرَة (١).
وقَالَ إسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدِ بنِ أبِي وَقَّاصٍ ﵃ أجْمَعِينَ: كانَ أبِي يُعَلِّمُنَا مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ويَقُولُ: يَا بَنِيَّ هَذِهِ مَآثِرُ آبَائِكُمْ، فَلَا تُضَيِّعُوا ذِكْرَهَا (١).
وقَالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ ﵀: تَتَعَلَّقُ بِمَغَازِي رسُولِ اللَّهِ ﷺ أحْكَامٌ كَثِيرَةٌ، فَيَجِبُ كَتْبُهَا والحِفْظُ لَهَا (١).
وقَالَ الإِمَامُ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وأصْلُ الأُصُولِ العِلْمُ، وأنْفَعُ العُلُومِ النَّظَرُ في سِيَرِ الرَّسُولِ ﷺ وأصْحَابِهِ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (٢).
_________
(١) انظر الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع (٢/ ٢٨٧ - ٢٨٨) للخطيب البغدادي.
(٢) سورة الأنعام آية (٩٠) -وانظر كلام ابن الجوزي في صيد الخاطر ص ١٢٧.
1 / 15
وقالَ الشَّيْخُ عَلِي الطَّنْطَاوِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَجِبُ عَلَى كُلِّ رَبِّ أُسْرَةٍ أَنْ يَكُونَ في بَيْتهِ كِتَابٌ جَامِعٌ مِنْ كتبِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وأنْ يَقْرَأَ فِيهِ دَائِمًا، وأَنْ يتلُوَ مِنْهُ عَلَى أهْلِهِ وأوْلَادِهِ، وأنْ يَجْعَلَ لِذَلِكَ سَاعَةً كُلَّ يَوْمٍ، لَيَنْشَؤُوا عَلَى مَعْرِفَةِ سِيرَةِ الرَّسُولِ الأعْظَمِ ﷺ، فَإِنَّ سِيرَتَهُ اليَنْبُوعُ الصَّافِي لِطَالِبِ الفِقْهِ، والدَّلِيلُ الهَادِي لِبَاغِي الصَّلَاحِ، والمَثَلُ الأعَلَى لِلْأُسْلُوبِ البَلِيغِ، والدُّسْتُورُ الشَّامِلِ لِكُلِّ شُعَبِ الخَيْرِ (١).
وقالَ أيْضًا الشَّيْخُ عَلِي ﵀: إنَّ في السِّيرَةِ يَا أيُّهَا الإخْوَانُ قِصَصًا كَامِلَةً، فِيهَا كُلُّ مَا يَشْتَرِطُ أهْلُ القَصَصِ مِنَ العَنَاصِرِ الفَنِّيَّةِ، وفِيهَا فَوْقَ ذَلِكَ الصِّدْقُ، وفِيهَا العِبْرَةُ (٢).
وقالَ الشَّيْخُ أبُو الحَسَنِ النَّدْوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ وسِيَرَ الصَّحَابَةِ وتَارِيخَهُمْ ﵃ مِنْ أقْوَى مَصَادِرِ القُوَّةِ الإيمَانِيَّةِ والعَاطِفَةِ الدِّينيَّةِ، التِي لا تَزَالُ هَذهِ الأمَّةُ والدَّعَوَاتُ الدِّينِيَّةُ تَقْتَبِسُ مِنْهَا شُعْلَةَ الإيمَانِ وتَشْتَعِلُ بهَا مَجَامِرُ القُلُوبِ، التِي يُسْرعُ انْطِفَاؤُهَا وخُمُودُهَا في مَهَبِّ الرِّيَاحِ والعَوَاصِفِ المَادِيَّةِ، والتِي إذَا انْطَفَأَتْ فَقَدَتْ هَذ الأمَّةُ قُوَّتَهَا ومِيزَتَهَا وتَأثِيرَهَا وأصْبَحَتْ جُثَّةً هَامِدَةً تَحْمِلُهَا الحَيَاةُ عَلَى أكْتَافِهَا (٣).
_________
(١) انظر كتاب رجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي ص ٢١.
(٢) انظر ذكريات الشيخ علي الطنطاوي ﵀ (٦/ ١٢٧).
(٣) انظر كتاب حياة الصحابة للشيخ الإِمام العلامة محمد يوسف الكاندهلوي (١/ ١٥).
1 / 16
وقَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أبُو شَهْبَه رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ خَيْرَ مَا يَتَدَارَسُهُ المُسْلِمُونَ، ولَا سِيَّمَا النَّاشِئُونَ والمُتَعَلِّمُونَ، ويُعْنَى بِهِ البَاحِثُونَ والكاتِبُونَ دِرَاسَةُ السِّيرَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، إذْ هِيَ خَيْرُ مُعَلِّمٍ وَمُثَقِّفٍ، ومُهَذِّبٍ، ومُؤَدِّبٍ، وآصَلُ مَدْرَسَةٍ تَخَرَّجَ فِيهَا الرَّعِيلُ الأوَّلُ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُسْلِمَاتِ، الذِينَ قَلَّمَا تَجُودُ الدُّنْيَا بِأَمْثَالِهِمْ، فَفِيهَا ما يَنْشُدُهُ المُسْلِمُ، وطَالِبُ الكَمَالِ مِنْ دِينٍ، ودُنْيَا، وإيمَانٍ واعْتِقَادٍ، وعِلْمٍ، وعَمَلٍ، وآدَابٍ وأخْلَاقٍ، وسِيَاسَةٍ وكَيَاسَةٍ (١)، وإمَامَةٍ وقِيَادَةٍ، وعَدْلٍ، ورَحْمَةٍ، وبُطُولَةٍ وكِفَاحٍ، وجِهَادٍ واسْتِشْهَادٍ في سَبِيلِ العَقِيدَةِ والشَّرِيعَةِ، والمُثُلِ الإنْسَانِيَّةِ الرَّفِيعَةِ، والقِيَمِ الخُلُقِيَّةِ الفَاضِلَةِ.
ولقدْ كَانَتِ السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ مَدْرَسَةً تَخَرَّجَ فِيهَا أمْثَلُ النَّمَاذِجِ البَشَرِيَّةِ، وهُمُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ ﵃ أجْمَعِينَ، فكَانَ مِنْهُمُ: الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ، والقَائِدُ المُحَنَّكُ، والبَطَلُ المِغْوَارُ، والسِّيَاسِيُّ الدَّاهِيَةُ، والعَبْقَرِيُّ المُلْهَمُ، والعَالِمُ العَامِلُ، والفَقِيهُ البَارعُ، والعَاقِلُ الحَازِمُ، والحَكِيمُ الذِي تَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِهِ يَنَابِيعُ العِلْمِ والحِكْمَةِ، والتَّاجِرُ الذِي يُحَوِّلُ رِمَالَ الصَّحْرَاءِ ذَهَبًا، والزَّارعُ والصَّانِعُ اللَّذَانِ يَرَيَانِ في العَمَلِ عِبَادَةً، والكَادِحُ الذِي يَرَى في الاحْتِطَابِ عَمَلًا شَرِيفًا يرَفَّعُ بِهِ عَنِ التَّكَفُّفِ والتَّسَوُّلِ، والغَنِيُّ الشَّاكِرُ الذِي يَرَى نَفْسَهُ مُسْتَخْلَفًا في هَذَا المَالِ يُنْفِقُهُ في الخَيْرِ والمَصْلَحَةِ العَامَّةِ، والفَقِيرُ الصَّابِرُ الذِي يَحْسَبُهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ حَالهُ غَنِيًّا مِنَ التَّعَفُّفِ، وكُلُّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ ثَمَرَاتِ الإيمَانِ باللَّهِ، وبِرَسُولهِ ﷺ،
_________
(١) الكَيْسُ: بفتح الكاف وسكون الياء: هو العَقْلُ. انظر النهاية (٤/ ١٨٨).
1 / 17
وبهَذَا كَانُوا الأمَّةَ الوَسَطَ، وكانُوا خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (١).
وقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد الغَزَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ حَيَاةَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ مَسْلَاةَ شَخْصٍ فَارغٍ، أوْ دِرَاسَةَ نَاقِدٍ مُحَايِدٍ، كَلَّا كَلَّا إنَّهَا مَصْدَرُ الأُسْوَةِ الحَسَنِة التِي يَقْتَفِيهَا، ومَنْبَعُ الشَّرِيعَةِ العَظِيمَةِ التِي يَدِينُ بِهَا، فَأَيُّ حَيْفٍ في عَرْضِ هذِهِ السِّيرَةِ، وأَيُّ خَلْطٍ في سَرْدِ أحْدَاثِهَا إسَاءَةٌ بَالِغَةٌ إلَى حَقِيقَةِ الإيمَانِ نَفْسِهِ. . . إنَّنِي أكْتُبُ في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ كمَا يَكْتُبُ جُنْدِيٌّ عنْ قَائِدِهِ، أوْ تَابعٌ عَنْ سَيِّدِهِ، وتلْمِيذٌ عَنْ أُسْتَاذِهِ. . إنَّ المُسْلِمَ الذِي لا يَعِيشُ الرَّسُولُ ﷺ في ضَمِيرِهِ، ولا تَتْبَعُهُ بَصِيرَتُهُ في عَمَلِهِ وتَفْكِيرِهِ لا يُغْنِي عَنْهُ أبَدًا أنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِأَلْفِ صَلَاةٍ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ (٢).
* * *
_________
(١) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة في ضوء الكتاب والسنة للدكتور محمد أبو شهبة ﵀ (١/ ٧ - ٨).
(٢) انظر فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص ٥.
1 / 18
مَزَايَا السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ
تَجْمَعُ السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ عِدَّةَ مزَايَا تَجْعَلُ دِرَاسَتَهَا مُتْعَةً رُوحِيَّةً وعَقْلِيَّةً وتَارِيخِيَّةً، كمَا تَجْعَلُ هَذ الدِّرَاسَةَ ضَرُورِيَّةً لِعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، والدُّعَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، والمُهْتَمِّينَ بالإِصْلَاحِ الاجْتِمَاعِيِّ، لِيَضْمَنُوا إبْلَاغَ الشَّرِيعَةِ إلَى النَّاسِ بأُسْلُوب يَجْعَلُهُمْ يَرَوْنَ فِيهَا المَثَلَ الأَعْلَى عِنْدَ اضْطِرَابِ السُّبُلِ واشْتِدَادِ العَوَاصِفِ، ولتَتَفَتَّحَ أمَامَ الدُّعَاةِ قُلُوبَ النَّاسِ وأفْئِدَتَهُمْ، ويَكُونَ الإصْلَاحُ الذِي يَدْعُو إلَيْهِ المُصْلِحُونَ، أقْرَبَ نَجَاحًا وأكْثَرَ سَدَادًا.
* ونُجْمِلُ فِيمَا يَلِي أبْرَزَ مَزَايَا السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ:
أوَّلًا: إنَّها أصَحُّ سِيرَةٍ لِتَارِيخِ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أوْ عَظِيمٍ مُصْلحٍ فَقَدْ وَصَلَتْ إلَيْنَا سِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ أصَحِّ الطُّرُقِ العِلْمِيَّةِ وأقْوَاهَا ثُبُوتًا، مِمَّا لا يَتْرُكُ مَجَالًا لِلشَّكِّ في وَقَائِعِهَا البَارِزَةِ وأحْدَاثِهَا الكُبْرَى، ومِمَّا يُيَسِّرُ لَنَا مَعْرِفَةَ مَا أُضِيفَ إلَيْهَا في العُصُورِ المُتَأَخِّرَةِ مِنْ أحْدَاثٍ أوْ مُعْجِزَاتٍ أوْ وَقَائِعَ أَوْحَى بِهَا العَقْلُ الجَاهِلُ الرَّاغِبُ في زِيَادَةِ إضْفَاءِ الصِّفَةِ المُدْهِشَةِ عَلَى رسُولِ اللَّه ﷺ أكْثَرَ مِمَّا أرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولهِ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ جَلَالِ المَقَامِ وقُدْسِيَّةِ الرِّسَالَةِ، وعَظَمَةِ السِّيرَةِ.
1 / 19
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ: . . . فَبِاللَّهِ عَلَيْكَ، إِذَا كَانَ الإِكْثَارُ مِنَ الحَدِيثِ في دَوْلَةِ عُمَرَ ﵁، كَانُوا يُمْنَعُونَ مِنْهُ (١)، مَعَ صِدْقِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ وَعَدَمِ الأَسَانِيدِ، بَلْ هُوَ غَضٌّ لَمْ يُشَبْ، فَمَا ظَنُّكَ بِالإِكْثَارِ مِنْ رِوَايَةِ الغَرَائِبِ وَالمَنَاكِيرِ فِي زَمَانِنَا مَعَ طُولِ الأَسَانِيدِ، وَكَثْرَةِ الوَهْمْ وَالغَلَطِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ نَزْجُرَ القَوْمَ عَنْهُ، فَيَا لَيْتَهُمْ يَقْتَصِرُونَ عَنْ رِوَايَةِ الغَرِيبِ وَالضَّعِيفِ، بَلْ يَرْوُونَ -وَاللَّهِ- المَوْضُوعَاتِ وَالأَبَاطِيلَ، وَالمُسْتَحِيلَ في الأُصُولِ وَالفُرُوعِ، وَالمَلَاحِمِ وَالزُّهْدِ، نَسْأَلُ اللَّه العَافِيَةَ.
فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَغَرَّ المُؤْمِنِينَ، فَهَذَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، جَانٍ عَلَى السُّنَنِ وَالآثارِ، يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أنابَ وَأَقْصَرَ، وَإِلَّا فَهُوَ فَاسِقٌ، كَفَى بِهِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمعَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَيَتَوَرَع، وَلْيَسْتَعِنْ بِمَنْ يُعِينُهُ عَلَى تَنْقِيَةِ مَرْوِيَّاتِهِ، نَسْأَلُ اللَّه العَافِيَةَ (٢).
ثَانِيًا: إنَّ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ واضِحَةٌ كُلَّ الوُضُوحِ في جَمِيعِ مَرَاحِلِهَا، مُنْذُ زَوَاجِ أبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بِأُمِّهِ آمِنَةَ إلَى وَفَاتِهِ ﷺ، فنَحْنُ نَعْرِفُ الشَّيْءَ الكَثِيرَ عَنْ وِلَادَتِهِ، وطُفُولَتِهِ، وشَبَابِهِ، ومَكْسَبِهِ قَبْلَ النُبوَّةِ، ورَحَلَاتِهِ خَارج مَكَّةَ،
_________
(١) كانوا يمنعون من رواية الحديث في خلافة عمر ﵁ لسببين:
١ - السبب الأول: اتساع الدولة الإِسلامية في زمن عمر ﵁، فحتى لا ينشغل أهل البلاد المفتوحة بالحديث دون القرآن.
٢ - السبب الثاني: أنهم كانوا يمنعون من رواية الرقائق والمواعظ، دون أحاديث الأحكام والعبادات.
وأخرج نهي عمر بن الخطاب ﵁ عن الإقلال في رواية الحديث: ابن ماجه في سننه -رقم الحديث (٢٨) -والحاكم في المستدرك -رقم الحديث (٣٥٣) - وإسناده صحيح.
(٢) انظر سير أعلام النبلاء (٢/ ٦٠١ - ٦٠٢).
1 / 20
إلَى أنْ بَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولًا كَرِيمًا، ثُمَّ نَعْرِفُ بِشَكْلٍ أدَقَّ وَأوْضَحَ وأكْمَلَ كُلَّ أحْوَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً فَسَنَةً، مِمَّا يَجْعَلُ سِيرَتَهُ ﷺ وَاضِحَةً وُضُوحَ الشَّمْسِ، كمَا قَالَ بَعْضُ النُّقَّادِ الغَرْبِيِّينِ: إنَّ مُحَمَّدًا ﷺ هُوَ الوَحِيدُ الذِي وُلدَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ.
وهَذَا مَا لَمْ يَتيَسَّرْ مِثْلُهُ ولا قَرِيبٌ مِنْهُ لِرَسُولٍ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ السَّابِقِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ، فَمُوسَى ﵇ لا نَعْرِفُ شَيْئًا قَطُّ عَنْ طفولَتِهِ وشَبَابِهِ وطُرُقِ مَعِيشَتِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، ونَعْرِفُ الشَّيءَ القَلِيلَ عَنْ حَيَاتِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، مِمَّا لا يُعْطِينَا صُورَةً مُكْتَمِلَةً لِشَخْصِيَّتهِ، ومِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ في عِيسَى ﵇، وغَيْرِهِمْ مِنَ الأنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا تَذْكُرُهُ مَصَادِرُ السِّيرَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أدَقِّ التَّفَاصِيلِ في حَيَاةِ رَسُولنَا ﷺ الشَّخْصِيَّةِ، كَأَكْلِهِ (١)، وقِيَامِهِ وقعودِهِ (٢)، ولبَاسِهِ (٣)، وشكلِهِ (٤)، . . .
_________
(١) روى الإِمام مسلم في صحيحه -رقم الحديث (٢٠٣٢) عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه قال: رأيت النبي ﷺ يَلْعَقُ -أي يلحسُ- أصابعَهُ الثَّلاث من الطعام.
وروى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (٥٣٩٨) عن أبي جحيفة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: "إنِّي لا آكُلُ مُتَّكِئًا".
(٢) روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (٤٧٥) - ومسلم في صحيحه -رقم الحديث (٢١٠٠) - عن عبّاد بن تميم، عن عمه: أنه رأى رسول اللَّه ﷺ مُسْتَلْقِيًا في المسجد وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخرى.
(٣) روى الإِمام أحمد في مسنده -رقم الحديث (٧١١٧) - بسند صحيح عن أبي رِمثة قال: رأيت رسول اللَّه ﷺ، وعليه بُرْدَانِ أخْضَرَانِ.
(٤) روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (٣٥٤٨) - ومسلم في صحيحه -رقم =
1 / 21
وهَيْئَتِهِ، ومَنْطِقِهِ (١) ومُعَامَلَتِهِ لأُسْرَتِهِ (٢)، وتَعَبُّدهِ، وصَلَاتِهِ (٣)، ومُعَاشَرَتِهِ لِأَصْحَابِهِ (٤)، بَلْ بَلَغَتِ الدِّقَّةُ في رُوَاةِ سِيرَتِهِ ﷺ أنْ يَذْكُرُوا لنَا عَدَدَ الشَّعَرَاتِ
_________
= الحديث (٢٣٤٧) - عن أنس بن مالك ﵁ قال: كان رسول اللَّه ﷺ لَيْسَ بالطَّوِيلِ البَائِنِ، ولا بالقصيرِ، ولا بالأبيض الأمْهَقِ، ولا بالآدَمِ، ولا بالجَعْدِ القَطَطِ، ولا بالسَّبْطِ.
(١) المَنْطِقُ: هو الكَلَامُ. انظر لسان العرب (١٤/ ١٨٨).
روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (٣٥٦٨) - ومسلم في صحيحه -رقم الحديث (٢٤٩٣) عن عائشة ﵂ قالت: . . . إن رسول اللَّه ﷺ لم يَكُنْ يَسْرُدُ الحديثَ كَسَرْدِكُمْ.
وروى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (٩٥) عن أنس بن مالك ﵁ قال: كانَ رسُولُ اللَّه ﷺ إذا تَكَلَّمَ بكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثلاثًا حتى تُفْهَمَ عَنْهُ.
قال ابن المُنيّر فيما نقله عنه الحافظ في الفتح (١/ ٢٥٥): والحقُّ أنَّ هذا يختلِفُ باختِلافِ القَرَائِحِ، فلا عَيْبَ على المُسْتَفِيدِ الذِي لا يَحْفَظُ مِنْ مرَّةٍ إذا اسْتَعَادَ، ولا عُذْرَ للمُفِيدِ إذا لَمْ يُعِدْ بلِ الإعَادَةُ عليه آكَدُ منَ الابْتِدَاءِ؛ لأنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ.
(٢) روى الإِمام أحمد في المسند بسند جيدٍ -رقم الحديث (٢٦٢٧٧) - عن عائشة ﵂ قالت: خرجتُ مع النبي ﷺ في بعضِ أسْفَاره وأنا جَاريةٌ لم أحْمِلِ اللَّحْمَ ولم أبْدُنْ، فقال ﷺ للناس: "تَقَدَّمُوا"، فتقدَّموا، ثم قال لي: "تَعَالَي حتَّى أُسَابِقَكِ". فسَابَقْتُهُ فسَبَقْتُهُ، فسَكَتَ عَنِّي، حتى إذا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وبَدُنْتُ ونَسِيتُ، خرجتُ معهُ في بَعْضِ أسْفَاره، فقال ﷺ للناسِ: "تقَدَّمُوا" فتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قال: "تَعَاليْ حتى أُسَابِقَكِ"، فسَابَقْتُهُ، فسَبَقَنِي، فجعَلَ يَضْحَكُ، وهُوَ يَقُولُ: "هذِهِ بِتلْكَ".
(٣) روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (١١٣٠) - ومسلم في صحيحه -رقم الحديث (٢٨١٩) - عن المغيرة بن شعبة زقوله قال: أن النبي ﷺ صلَّى حتى انتفَخَتْ قدَمَاهُ، فقِيلَ لهُ: أتكَلَّفُ هذا؟ وقَدْ غفرَ اللَّه لك ما تَقَدَّم من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ. قال: "أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا".
(٤) روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (٦١٢٩) - ومسلم في صحيحه -رقم =
1 / 22
البِيضِ في رَأْسِهِ ولحْيَيهِ (١) ﷺ.
ثَالِثًا: إنَّ سِيرَةَ رسُولِ اللَّهِ ﷺ تَحْكِي سِيرَةَ إنْسَانٍ أكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بالرِّسَالَةِ، فَلَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ إنْسَانِيَّتهِ، فَقَدْ تَزَوَّجَ وطَلَّقَ، ورَضِيَ وغَضِبَ، وبَاعَ واشْترَى، هُوَ إنْسَانٌ بِكُلِّ ما في هَذِهِ الكَلِمَةِ مِنْ مَعْنًى يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ قُدْوَةً لِمَنْ أرَادَ ذَلِكَ، ولَمْ تَلْحَقْ حَيَاتَهُ ﷺ بِالأسَاطِيرِ، ولَمْ تُضِفْ عَليْهِ الألوهِيَّةَ قَلِيلا ولا كَثِيرًا، وإذَا قَارَنَّا هَذَا بِمَا يَرْوِيهِ المَسِيحِيُّونَ عنْ سِيرَةِ عِيسَى ﵇، ومَا يَرْوِيهِ البُوذِيُّونَ عَنْ بُوذَا، والوَثَنِيُّونَ عنْ آلِهَتِهِمْ المَعْبُودَةِ، اتَّضَحَ لنَا الفَرْقُ جَلِيًّا بَيْنَ سِيرَتِهِ ﷺ وسِيرَةِ هَؤُلَاءِ، ولذَلِكَ أَثَرٌ بَعِيدُ المَدَى في السُّلُوكِ الإنْسَانِيِّ والاجْتِمَاعِيِّ لِأَتباعِهِمْ، فَادِّعَاءُ الألُوهِيَّةِ لِعِيسَى ﵇، ولبُوذَا جَعَلَهُمَا أبْعَدَ مَنَالًا مِنْ أنْ يَكُونَا قُدْوَةً نَمُوذَجِيَّةً للإنْسَانِ في حَيَاتِهِ الشَّخْصِيَّةِ والاجْتِمَاعِيَّةِ، بَيْنَمَا ظَلَّ وسَيَظَلُّ مُحَمَّدٌ ﷺ المَثَلَ النَّمُوذَجِيَّ الإنْسَانِيَّ الكَامِلَ لِكُلِّ مَنْ أرَادَ أنْ يَعِيشَ سَعِيدًا كَرِيمًا في نَفْسِهِ وأُسْرَتِهِ وبِيئَتِهِ، ومِنْ هُنَا يقُولُ اللَّهُ
_________
= الحديث (٢١٥٠) - عن أنس بن مالك ﵁ قال: إنْ كانَ النبيُّ ﷺ لَيُخَالِطُنَا حتى يَقُولَ لأَخٍ لي صَغِيرٍ: "يا أبات عُمَيْر ما فَعَل النُّغَيْر".
وروى الإِمام أحمد في المسند -رقم الحديث (٨٤٨١) - والترمذي في جامعه -رقم الحديث (٢١٠٨) بسند قوي- عن أبي هريرة ﵁ قال: قالوا: يا رسول اللَّه، إنَّك تُدَاعِبُنَا، قال: "إنِّي لا أقُولُ إلَّا حَقًّا".
(١) روى الإِمام أحمد في المسند -رقم الحديث (١٢٦٩٠) - وابن حبان في صحيحه -رقم الحديث (٦٢٩٣) بسند صحيح- عنٍ أنس بن مالك ﵁ قال: ما عَدَدْتُ في رأسِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ ولحْيَتهِ، إلَّا أرْبَع عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
1 / 23