وكنت دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علّي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدًا من العالمين. ففعلوا به ذلك، فقال الله: ما حملك على ما فعلت؟. قال خشيتك. فغفر له.
فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذُرِّيَ، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلًا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه. فغفر له بذلك.
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول ﷺ أولى بالمغفرة من مثل هذا" اهـ.
وبهذا علم الفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، فليس كل قول أو فعل يكون فسقا أوكفرًا يحكم على قائله أو فاعله بذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيميه ﵀ (ص ١٦٥، ج ٣٥) "مجموع الفتاوى": "وأصل ذلك: أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر قولًا يطلق، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله ﷺ، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال، لقرب عهده بالإسلام، أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن، ولا أنه من أحاديث رسول الله ﷺ، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي ﷺ