The Festivals and Their Impact on Muslims
الأعياد وأثرها على المسلمين
Mai Buga Littafi
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Lambar Fassara
الثانية
Shekarar Bugawa
١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م
Inda aka buga
المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ٤.
_________
١ سورة آل عمران، آية (١٠٢) .
٢ سورة النساء، آية (١) .
٣ سورة الأحزاب، آية (٧٠-٧١) .
٤ هذه الخطبة تسمى خطبة الحاجة، وهي تشرع بين يدي كل حاجة. انظر سنن أبي داود (٢/٢٣٨)، حديث (٢١١٨)، والنسائي (٣/١٠٤)، حديث (١٤٠٤)، ومسند الإمام أحمد (١/٣٩٢)، حديث (٣٧٢٠)، وسنن الدارمي (٢/١٩١)، حديث (٢٢٠٢)، والسنن الكبرى للبيهقي (٣/٢١٤)، حديث (٥٥٩٣) والمستدرك للحاكم (٢/١٩٩) . وقد أفردها العلامة الألباني ﵀ برسالة خاصة جمع الأحاديث الواردة فيها وطرقها فلتراجع.
1 / 7
منهجي في البحث:
قد سرت في هذا البحث على المنهج التالي:
١ - بينت أشهر أعياد الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والعرب في الجاهلية، لما لها من تأثير في الأعياد البدعية.
٢ - بينت أن النهي عن مشابهة الكفار من مقاصد الشريعة وأوردت نماذج لأهم الأعياد التي وقعت فيها المشابهة.
٣ - بينت الأعياد الشرعية الزمانية والمكانية وما اشتملت عليه من خصال.
٤ بينت أشهر الأعياد المبتدعة، وذلك بذكر صفة الاحتفال بالعيد، ودليل من قال به من خلال كتب القوم بقدر المستطاع، ثم بينت بدعية ذلك العيد.
٥ - قمت بعزو الآيات القرآنية الواردة في الرسالة إلى مواضعها من القرآن بذكر السورة ورقم الآية.
٦ - قمت بتخريج الأحاديث النبوية، وذلك بذكر الكتاب والباب والجزء ورقم الصفحة ورقم الحديث إن وجد، ناقلًا حكم العلماء عليها إذا وجدته، إلا إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما فأكتفي بعزوه فقط.
٧ - اجتهدت في تفسير الكلمات الغريبة التي مرّت في البحث، وذلك بالرجوع إلى الكتب التي تعنى بذلك.
1 / 8
٨ - قمت بالترجمة لبعض الأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في الرسالة ما أمكن ذلك وخاصة من استشهدت بقوله.
٩ - اختصرت بعض أسماء الكتب بذكر اسمها المشهور المتداول، فمثلًا: جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري، اكتفيت بتسميته "بتفسير الطبري".
١٠ - أنهيت البحث بخاتمة سجلت فيها أهمّ النتائج التي توصلت إليها.
١١ - عملت فهارس في آخر البحث فهرسًا للآيات، وفهرسًا للأحاديث، وفهرسًا للآثار، وفهرسًا للأعلام المترجم لهم، وفهرسًا لمصادر البحث، وفهرسًا تفصيلي للموضوعات.
وقد سرت في تطبيق هذا المنهج على الخطة التالية: فقسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة.
ذكرت في المقدمة: سبب اختياري للموضوع ومنهجي في البحث والخطة التي سرت عليها في كتابته.
وأما التمهيد فهو في تعريف العيد: في اللغة والاصطلاح.
الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية، ويشتمل على أربعة فصول:
الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها.
الفصل الثاني: أعياد النصارى وعاداتهم فيها.
الفصل الثالث: أعياد المجوس وعاداتهم فيها.
1 / 9
الفصل الرابع: أعياد العرب في الجاهلية وعاداتهم فيها، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الدين السائد عند العرب في الجاهلية.
المبحث الثاني: الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية.
المبحث الثالث: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية.
الباب الثاني: مشروعية مخالفة الكفار، وفيه فصلان:
الفصل الأول: النهي عن مشابهة الكفار، ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح.
المبحث الثاني: أدلة تحريم التشبه بالكفار.
المبحث الثالث: إخباره ﷺ بوقوع المشابهة في أمته.
المبحث الرابع: أثر مشابهة الكفار.
الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم
المبحث الثاني: أمثلة لوقوع مشابهة الكفار في أعيادهم.
المبحث الثالث: أثر مشابهة الكفار في أعيادهم.
الباب الثالث: الأعياد الشرعية وآثارها الحميدة، وفيه فصلان:
الفصل الأول: تحديد الأعياد الشرعية، ويشتمل على مبحثين:
1 / 10
ولقد بعث الله رسوله محمدًا ﷺ على حين فترة من الرسل، وفي جاهلية لا تعرف من الحق رسمًا، ولا تقيم به في مقاطع الحقوق حكمًا، بل كانوا ينتحلون ما تهواه نفوسهم، وما تزينه لهم شياطينهم، وما وجدوا عليه آباءهم، فجاهدهم وجاد لهم باللين والحكمة، وقارعهم بالسنان والحجة، لمن كابر وعاند، فدعا إلى التوحيد وإخلاص العبادة ونبذ الشرك تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١.
فكان نصر الله حليفه، فاستقام أمره، وانتصر على عدو الله وظهر دينه ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
ولم ينتقل ﷺ إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله لهذه الأمة الدين وأتمّ عليها النعمة ورضي لها الإسلام دينًا. قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا﴾ ٢.
وقد أمرنا أن نطيع رسول الله ﷺ. فقال ﷿: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ٣.
_________
١ سورة الذاريات، آية (٥٦) .
٢ سورة المائدة، آية (٣) .
٣ سورة الحشر، آية (٧) .
1 / 11
فشرع لنا من الأعياد ما يفرحنا دون بطر وما يحدد شخصيتنا دون تقليد وما يشيع في حياتنا السعادة والاستقرار.
فدين الإسلام كامل لا يحتاج إلى زيادة ولا نقص وهو صالح لكل زمان ومكان، فمن زاد فيه فقد افترى على الله، وأتهم الشريعة بالنقص وعدم الكمال، وكأنّه استدرك على الله وعلى رسوله ﷺ، وكفى بذلك قبحًا.
وقد حذر النبي ﷺ من البدع والإحداث في الدين. فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ١.
وقال أيضًا: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" ٢.
ولا شيء أفسد للدين وأشد تقويضًا لبنيانه من البدع، فهي تسري في كيانه سريان النار في الهشيم، وهي بريد الشرك والموصلة إليه، ولو خرج الرجل كفافًا لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفًا، بل لابد أن توجب له فسادًا، منه نقص منفعة الشريعة في حقه، إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه.
ومن أشدّ وأخطر ما تساهل فيه بعض المسلمين إحداث أعياد بدعية ما أنزل الله بها من سلطان، ومنشأ ذلك كله: الابتعاد عن كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، والمسارعة إلى التشبه بالأمم الأخرى في أعيادها واحتفالاتها لهم فزين الشيطان
_________
١ سيأتي تخريجه، ص (٢٢٠) .
٢ سيأتي تخريجه، ص (٢١٩) .
1 / 12
ذلك حتى استحكمت الأهواء والفتن والجهالات، التي زينت الباطل وشوهت الحق وبلغ من استحكامها فيهم أن سموا الشرك توحيدًا، فاتخذوا من الموتى وقبورهم آلهة وأندادًا من دون الله، وشرعوا لها أعيادًا وموالد جعلوها فروضًا لازمة ومناسك ومشاعر صارت أحب إلى قلوبهم الغاوية. من فروض ومناسك عبادة رب العالمين.
ولا يكاد يمرّ أسبوع إلا وتجد فيه عيدًا، وهي في زيادة حتى جعلوا لكل شيء عيدًا؛ وذلك أن هذا الأمر لا ضابط له إلا الشرع؛ لأن مسألة الأعياد من المسائل الشرعية التعبدية التي لا يجوز الابتداع فيها ولا الزيادة ولا النقصان، وقد حدد سبحانه هذه الأعياد فحرّم اتخاذ أعياد سواها.
فلزوم السنة ومحاربة البدعة وحماية العقيدة من أيّ دخيل، واجب على كل مسلم ومسلمة وعلى العلماء وطلبة العلم خاصة.
وقد رأيت أن يكون موضوع بحثي لنيل درجة الماجستير في هذا الموضوع، فجاء عنوان البحث " الأعياد وأثرها على المسلمين " وكان اختياري هذا الموضوع لأسباب منها:
١ - إن الأعياد من أهمّ الخصائص التي تتميز بها الديانات، ولكل ديانة أعيادها النابعة من أصل الاعتقاد فيها.
٢ - الرغبة في معرفة الأصل في الأعياد المبتدعة، وأقوال العلماء فيها.
٣ - الآثار المترتبة عليها وخطرها على الأمة.
٤ - زعم البعض أن الأعياد والاحتفالات لا علاقة لها بالدين.
1 / 13
المبحث الأول: الأعياد الزمانية، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى.
المطلب الثاني: الأدلة على أن أيام التشريق وعرفة أيام عيد.
المطلب الثالث: يوم الجمعة.
المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية.
الفصل الثاني: بيان أن الله تعالى أغنى المسلمين بأعيادهم الشرعية، ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية.
المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن.
المبحث الثالث: أثر الأعياد في التكافل الاجتماعي.
المبحث الرابع: مقارنة بين الأعياد الشرعية والأعياد الأخرى
الباب الرابع: الأعياد والمواسم المبتدعة وأثرها السيئ، وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: في البدعة، ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة.
المبحث الثاني: تعريف البدعة في الاصطلاح.
المبحث الثالث: أسباب انتشار البدع.
المبحث الرابع: أحكام البدع.
1 / 14
الفصل الثاني: بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية، ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى.
المبحث الثاني: البدع والمخالفات في الجمعة.
الفصل الثالث: الأعياد الزمانية المبتدعة، وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: يوم عاشوراء، ويشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتمًا.
المطلب الثاني: اتخاذ عاشوراء عيدًا.
المطلب الثالث: السنة في يوم عاشوراء.
المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبي ﷺ، ويشتمل على ستة مطالب:
المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه.
المطلب الثاني: صورة الاحتفال بالمولد.
المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد.
المطلب الرابع: الشبه التي اعتمد عليها من قال بالاحتفال بالمولد وردّها.
المطلب الخامس: دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي ﷺ.
المطلب السادس: في حكم الاحتفال بمولده ﷺ.
المبحث الثالث: صلاة الرغائب، ويشتمل على مطلبين:
1 / 15
المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها.
المطلب الثاني: الأدلة على بدعيتها.
المبحث الرابع: الاحتفال بالإسراء والمعراج، ويشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج.
المطلب الثاني: صفة الاحتفال.
المطلب الثالث: الأدلة على بدعيته.
المبحث الخامس: الاحتفال بليلة النصف من شعبان، ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك.
المطلب الثاني: الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان.
المبحث السادس: الاحتفال بليلة القدر، ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: صفة الاحتفال بها.
المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته.
المبحث السابع: الاحتفال بعيد الأبرار.
المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة، ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: صفة الاحتفال به.
المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته.
1 / 16
المبحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير، ويشتمل على أربعة مطالب:
المطلب الأول: متى احتفل به.
المطلب الثاني: منزلته عند الرافضة والأدلة على ذلك.
المطلب الثالث: مظاهر الاحتفال به.
المطلب الرابع: الأدلة على بدعيته.
المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب ﵁، ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: منزلته عند الرافضة وصورة الاحتفال به.
المطب الثاني: الأدلة على بطلان هذا العيد.
الفصل الرابع: الأعياد المكانية المبتدعة، ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: اتخاذ القبور أعيادًا، ويشتمل على ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: زيارة القبور.
المطب الثاني: النهي عن اتخاذ القبور أعيادًا.
المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعيادًا.
المبحث الثاني: اتخاذ الآثار أعيادًا.
المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعيادًا.
المبحث الرابع: المفاسد الناتجة عن تلك الأعياد.
1 / 17
هذا وبعد فإن هذا العمل قد أخذ مني جهدًا ووقتًا كبيرين، وقد حرصت على ألا آلو جهدًا ولا أدخر وسعًا في إعطاء هذا الموضوع حقه نظرًا لأهميته، فإن أكن قد وفقت وأصبت في هذا البحث فذلك من نعم الله عليّ التي لا تعد ولا تحصى، وإن أخطأت فحسبي، أنني بذلت كل ما في وسعي وبذلت جهدي واعترف بتقصيري، وأني طالب مبتدئ وأبحث عن الحق.
وبعد أن منّ الله عليّ بإتمام هذا البحث أشكر الله تعالى على فضله وتوفيقه وأعانته وتسديده، ثم أشكر كل من أعانني على إنجاز هذه البحث من مشايخي الأفاضل وزملائي الأعزاء.
وأتوجه بالشكر إلى الجامعة الإسلامية التي كان لي شرف الانتساب إليها والنهل من معينها العذب العلم النافع وعقيدة السلف الصالح من غير أن تشوبها شائبة.
كلية الدعوة وأصول الدين، وقسم العقيدة فيها الذي شرفني بأن أكون أحد طلابه، وأخصّ منهم بالذكر أستاذي الفاضل وشيخي الدكتور أحمد عطية الغامدي الأستاذ بقسم العقيدة والذي أشرف على هذا البحث فكان نعم الموجه والمرشد، فقد أسدى لي من النصح والتوجيه وبذل لي من الجهد والوقت كل ذلك في حلم وأناة ورحابة صدر، مما مكنني - بعد عون الله - من إنجاز هذا البحث، فجزاه الله كل خير وأثابه على ذلك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،.
1 / 18
تمهيد في تعريف العيد
* تعريف العيد في اللغة:
العيد كل يوم فيه جمع، واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه، وقيل اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، وعيد المسلمون شهدوا عيدهم ١.
والجمع أعياد على لفظ الواحد فرقًا بينه وبين أعواد الخشب، وقيل للزوم الياء في واحده٢.
والعيد الموسم وعيدت "تعييدًا" شهدت العيد وعاد إلى كذا وعاد له أيضًا يعود، عودة وعودًا صار إليه٣.
وفي التنزيل قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ٤.
والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العود فلما سكنت الواو كسرت ما قبلها صارت ياء ٥.
قال تأبط شرا ٦:
يا عيد مالك من شوق وإيراق ... ومر طيف على الأهواء طراق ٧
_________
١ لسان العرب (٣/٣١٨)، مادة عود، وانظر القاموس المحيط (٣٨٦) .
٢ المصباح المنير (٢/٤٣٦)، وانظر لسان العرب (٣/٣١٩)، مادة عود.
٣ المصدر السابق (٢/٤٣٦) .
٤ سورة الأنعام، آية (٢٨) .
٥ لسان العرب (٣/٣١٩)، وتاج العروس (٢/٤٣٨) .
٦ هو: ثابت بن جابر بن سفيان أحد بني فهم بن قيس بن عيلان يكنى أبا زهير، توفى عام ٨٠ قبل الهجرة. انظر ترجمته: الشعر والشعراء لابن قتيبة (١٤٣)، والأعلام للزركلي (٢/٩٧) .
٧ ديوان تأبط شرا (١٢٥)، جمع وتحقيق وشرح علي ذو الفقار شاكر.
1 / 19
قال ابن الأنباري١: في قوله يا عيد مالك: العيد ما يعتاده من الحزن والشوق٢.
وأيضًا يكون العيد ما أعتاد من الهمّ وغيره.
قال الشاعر: والقلب من حبها عيد.
وقال ابن الأعرابي٣: سمي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد٤.
وقد جاءت كلمة العيد بلفظها في موضع واحد من كتاب الله ﷿ ضمن قصة عيسى ﵇ عند قوله تعالى: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ﴾ ٥.
_________
١ هو: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة الإمام أبو بكر الأنباري النحوي واللغوي، كان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظًا، وكان صدوقًا فاضلًا من أهل السنة، ولد سنة ٢٧١هـ، وكانت وفاته ببغداد سنة ٣٢٧هـ. انظر: بغية الوعاة للسيوطي (١/٢١٢-٢١٥) .
٢ لسان العرب (٣/٣١٨)، وانظر: القاموس المحيط (٣٨٦)، وتاج العروس (٢/٤٣٨) .
٣ هو: محمد بن زياد أبو عبد الله بن الأعرابي من موالي بني هاشم، كان نحويًا عالمًا باللغة والشعر، ولد سنة ١٥٠هـ، وكانت وفاته بسر من رأى سنة ٢٣١هـ، وقيل ٢٣٣هـ. انظر: بغية الوعاة للسيوطي (١/١٠٥-١٠٦) .
٤ لسان العرب (٣/٣١٨-٣١٩) .
٥ سورة المائدة، آية (١١٤) .
1 / 20
أما في الاصطلاح:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك.
فالعيد يجمع أمور منها: يوم عائد، كيوم الفطر، ويوم الجمعة.
ومنها: اجتماع فيه.
ومنها: أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقًا، وكل هذه الأمور قد تسمى عيدًا.
فالزمان كقوله ﷺ في يوم الجمعة: "إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدًا" ١. والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس: "شهدت العيد مع رسول الله ﷺ" ٢. والمكان كقوله ﷺ: "لا تتخذوا قبري عيدًا" ٣.
وقد يكون لفظ العيد اسمًا لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب، كقوله ﷺ: "دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدًا، وإن هذا عيدنا "٤٥.
_________
١ السنن الكبرى للبيهقي ك الجمعة (٣/٢٤٣)، وأورده الألباني في صحيح الجامع (٢/٢٥٩) ..
٢ صحيح البخاري ك العيدين باب الخطبة بعد العيد (١/١٧١) .
٣ المصنف لابن أبي شيبة ك الصلوات عند قبر النبي إتيانه (٢/٣٧٥)، وفي مسند الإمام أحمد (٢/٣٦٧) وسنن أبي داود ك الحج باب زيارة القبور (٢/٢١٨)، حديث (٢٠٤٢)، بلفظ "لا تجعلوا قبري عيدًا" وأورده الألباني في صحيح الجامع (٦/١٣٢) .
٤ صحيح البخاري ك العيدين، باب سنة العيدين لأهل الإسلام (١/١٧٠)، وصحيح مسلم ك صلاة العيدين، باب في اللعب الذي لا معصية فيه أيام العيد (١/٦٠٧-٦٠٨)، حديث (٨٩٢) .
٥ اقتضاء الصراط المستقيم (١/٤٤١-٤٤٢)، وانظر: البحر المحيط لأبي حيان (٤/٥٦) .
1 / 21
ولذلك سمي العيد بهذا الاسم لتكرره كل عام، وقيل لعود السرور بعوده، وقيل لكثرة عوائد الله على عباده فيه١.
فعلى هذا كل اجتماع عام يحدثه الناس أو يعتادونه في زمان معين، أو مكان معين، أو هما معا؛ فإنه يكون عيدًا، وكذلك كل أثر من الآثار القديمة، أو الجديدة يحييه الناس، أو يرتادونه، يصدق عليه العيد.
وبهذا يتبين ارتباط التعريفين الشرعي واللغوي، وأنه لا فرق بينهما في مسمى العيد، ولكن الشرعي: ما بينه الشارع، وحده من الأعياد الزمانية والمكانية، كما سيأتي الكلام على ذلك مفصلًا.
_________
١ انظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (٢/٣٧٦)، والمجموع شرح المهذب للنووي (٢/٥)، وأنيس الفقهاء للشيخ قاسم القونوي (١١٨)، والبناية في شرح الهداية للعيني (٢/٨٤٩)، وكشاف القناع للبهوتي (٢/٤٩-٥٠) .
1 / 22
الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية
الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها
...
الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها
لكل دين من الأديان ولكل ملة من الملل ما تتميز به عن غيرها من المعتقدات والعبادات والعادات، ومن أهمّ هذه المميزات التي تختلف من ديانة إلى أخرى هي مسألة الأفراح والأعياد التي يحتفلون بها.
ولقد تميزت الديانة اليهودية كغيرها من الديانات بأفراحها وأعيادها التي تقيمها في مواسم معينة من أيام السنة.
وقد جاء في الكتاب المقدس تعيين هذه الأيام وكونها أيامًا فاضلة، وأعيادًا دينية يتوجهون بالعبادة فيها إلى الله تعالى ويحتفلون بها ويعترفون بفضلها على غيرها، وإليك أشهرها:
١ - يوم السبت:
وهو من أهمّ الأيام وأعظمها عندهم تقديسًا، حيث كان تقديسه من أبرز الواجبات الدينية التي زعموا أنهم أمروا بها والتي تضمنتها الوصايا العشر، التي هي أساس شريعتهم وعقيدتهم.
1 / 26
إذا جاء فيها "اذكر يوم السبت لتقدسه، ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك"١.
وفي هذا اليوم محرم العمل على الجميع حتى البهائم؛ لأنه يوم مقدس، وفيه انتهى الرب من الخلق.
كما جاء في سفر الخروج "لا تصنع عملًا ما أنت وأبنك وأبنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك؛ لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح ٢ في اليوم السابع؛ لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه " ٣.
كما ورد أيضًا النهي عن البيع والشراء فيه.
_________
١ سفر الخروج الإصحاح (٢٠)، الفقرة (٨ـ١٠)، وانظر: سفر نحميا الإصحاح (٩) الفقرة (١٤)، وانظر: سفر التثنية الإصحاح (٥)، الفقرة (١٢ـ٢٤) .
٢ هذا مما وصف به اليهود الله ﷿ افتراءً عليه، حيث قالوا: استراح. والاستراحة تعقب التعب تعالى الله عما يقولون، فهو القائل: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق:٣٨] . وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت تكذيبًا لهم وردًا عليهم. انظر: تفسير البغوي (٤/٢٢٦)، وتفسير ابن كثير (٤/٢٢٩)، كما أنه جل وعلا هو القائل: قال تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة:٢٥٥] . وهو القائل: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:٨٢] . ولا يصح نسبة ذلك إلى الكتاب المقدس وإنما هو تحريف منهم لما أنزل الله.
٣ الإصحاح (٢٠)، الفقرة (١٠ـ١٢)، وانظر: سفر التكوين الإصحاح (٢)، الفقرة (١ـ٣)، وسفرة التثنية الإصحاح (٥)، الفقرة (١٤ـ١٥) .
1 / 27
حيث جاء في سفر نحميا: " وشعوب الأرض الذين يأتون بالبضائع وكل الطعام يوم السبت للبيع لا تأخذ منهم في سبت ولا في يوم مقدس " ١.
وأما من يخالف ذلك فيعمل في يوم السبت فجزاؤه القتل والنفي من بني إسرائيل؛ لأن العمل يعد تدنيسًا لهذا اليوم وامتهانًا لتقديسه.
وقد جاء النص على ذلك في سفر الخروج: " فتحفظون السبت؛ لأنه مقدس لكم، من دنسه يقتل قتلًا، أن كل من صنع فيه عملًا تقطع تلك النفس من بين شعبها..كل من صنع عملًا في يوم السبت يقتل قتلًا " ٢.
ومن خصائص يوم السبت تقديم القرابين للمحرقة تقديسًا للرب، وبهذا تتم العبادة الإلهية كما يزعمون.
فقد جاء في سفر حزقيال صفة تقديم هذه القرابين إلى الكهنة وكيفية حرقها وما هي القرابين المطلوبة لذلك.
فقال: " والمحرقة التي يقربها الرئيس للرب في يوم السبت ستة حملان صحيحة وكبش صحيح " ٣.
ومع أنه كان يومًا معظمًا ومقدسًا فلم يرعوا تلك الحرمة التي أمرهم الله بها، بل خالفوا وتجاوزوا ما حده الله لهم فيه، وذلك هو حال اليهود وطبعهم من التلون والخداع. وقد حكى الله ﷾ في كتابه العزيز قصتهم في
_________
١ الإصحاح (١٠)، الفقرة (٣١) .
٢ الإصحاح (٣١)، الفقرة (١٤،١٦)، وانظر: سفر العدد الإصحاح (١٥)، الفقرة (٣٢ـ٣٦)، والخروج (٣٥)، الفقرة (٢ـ٣) .
٣ الإصحاح، الفقرة (١ـ٤) .
1 / 28
ذلك، وما حل بهم؛ بسبب ذلك الإعراض ومخالفة أمره. فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ ١.
فالله ﷾ أباح لبني إسرائيل العمل في ستة أيام من الأسبوع وحظر عليهم العمل في يوم واحد وهو يوم السبت، وفرض عليهم في هذا اليوم الاجتهاد في الأعمال الدينية إحياء للشعور الديني في قلوبهم وإضعافًا لشراهتهم في جمع الحطام وحبهم للدنيا، فتجاوز طائفة منهم حدود الله في السبت واعتدوها فكان لهم ذلك الجزاء٢.
قال ابن عباس ﵄: "إن الله إنما افتراض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم يوم الجمعة، فخالفوا إلى السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به، فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم فيه فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره"٣.
كما في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ ٤.
_________
١ سورة البقرة، آية (٦٥) .
٢ تفسير المنار (١/٣٤٣) .
٣ تفسير الطبري (١/٣٣٠) .
٤ سورة الأعراف، آية (١٦٣) .
1 / 29