واختلف في الخاصّ (١)، فقيل.. وقيل..، والصحيح: لا، وذلك بأن تكون سنة الصمت في وقت عدم غفلة المشيعين عن الحكمة، كما هو شأن الصَّدرِ الأول، والسلف الصالح المنقول ذلك عنهم، والجهر بالذكر حال استيطان الغفلة في القلوب، أو خوف الوقوع في محرَّم، كما هو حال أهل هذا الزّمان، كما خصص العلماء عمومَ حديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان (٢) الشامل للاستصناع، بتعامل المسلمين عليه بينهم (٣) .

(١) أي: في العرف الخاص، وانظر الهامش السابق. (٢) يشير إلى قوله ﷺ: «لا تبع ما ليس عندك» . أخرجه أحمد (٣/٢٠٤، ٤٠٣، ٤٣٤)، وعبد الرزاق (١٤٢١٤)، وابن أبي شيبة (٦/١٢٩)، والشافعي (٢/١٤٣)، والطيالسي (١٣١٨)، وأبو داود (٣٥٠٣) (كتاب الإجارة): باب الرجل يبيع ما ليس عنده، والترمذي (١٢٣٢) (كتاب البيوع): باب كراهية بيع ما ليس عندك، والنسائي (٤٦١٣) (كتاب البيوع): باب بيع ما ليس عند البائع، وابن= =ماجه (٢١٨٧) (كتاب التجارات): باب النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن، وابن الجارود (٦٠٢)، والطبراني في «الكبير» (٣٠٩٧-٣١٠٥)، و«الأوسط» (٥١٣٩)، و«الصغير» (٧٧٠)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/٤١)، وابن حبان (٤٩٨٣)، والدارقطني (٢/٨-٩)، والبيهقي (٥/٢٦٧، ٣١٣)، كلهم عن حكيم بن حزام ﵁ مرفوعًا- به. قال الترمذي: «حديث حسن» . والحديث صحيح، له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، خرجته في تعليقي على «الموافقات» (١/٤٦٩)، ولله الحمد. (٣) هذا على تخريج جماهير العلماء! انظر: «البناية» للعيني (٦/٦٢٣)، «المنتقى» للباجي (٤/٢٩٧)، «إحكام الأحكام» (٣/١٥٦) لابن دقيق العيد. فهؤلاء جعلوا (السَّلَم) وما ورد في مشروعيته من باب تخصيص عموم حديث حكيم بن حزام السابق، وهذا صنيع المؤلِّفَيْن -رحمهما الله تعالى-، وصرح العلامة ابن القيم في كتابه الفذّ البديع «إعلام الموقعين» (٢/١٩٢-١٩٣ - بتحقيقي) إلى أن المراد من الحديث: النهي عن بيع العين المعيّنة، وهي لم تزل في ملك الغير، أو بيع ما لا يقدر على تسليمه، وإن كان في الذّمة، وصرح بأنّ جَعْلَ السَّلَم داخلًا في الحديث من قبيل التّوهم. والفرق بين طريقة الجمهور وهذه الطريقة: أنّ ابن القيم يجعل الحديث من قبيل العام الذي أُريد به الخصوص، والجمهور يجعلونه من العام المخصوص، ويقولون مع هذا أن بين السلم وبين بقية الصور الممنوعة وجه من الفرق يستدعي الاختلاف في الحكم؛ فكلام ابن القيم إنما يطعن في قول من صرح بأن السلم مخالف للقياس، وبقي أن يكون هناك فارق بين بيع الإنسان ما لا يملكه ولا هو مقدور له، وبين المضمون في الذمة المقدور على تسليمه، وعليه؛ فلا يصح تخريج المثال على تخصيص العموم بالعرف.