The Correct Methodology and Its Impact on the Call to Allah
المنهج الصحيح وأثره في الدعوة إلى الله تعالى
Mai Buga Littafi
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Lambar Fassara
العدد ١١٩-السنة ٣٥
Shekarar Bugawa
١٤٢٣ هـ/٢٠٠٣م
Nau'ikan
المقدَّمة
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
وبعد؛ فإنّ الدعوة إلى الله تعالى هي سبيل الأنبياء والمرسلين، وطريق صفوة الخلق أجمعين، نبينا محمد ﷺ وطريق أتباعه إلى يوم الدين.
قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ١.
وقال ﷿: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن﴾ ٢.فدعوة النبي ﷺ وصحابته وأتباعه تقوم على العلم والبصيرة في الدين، ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن. وذلك لا خراجهم من ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات البدع إلى نور السنة، ومن المعاصي إلى الطاعة، ومن النار إلى الجنة.
والدعاة إلى الله تعالى المقتفون لسنة رسوله ﷺ لهم المكانة العالية والمنزلة السامية في كل عصر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ٣.
ولأهمية الدعوة إلى الله تعالى على المنهج الصحيح قد جعلت هذا البحث بعنوان "المنهج الصحيح وأثره في الدعوة إلى الله تعالى" وذلك لا سباب، من أهمها:
_________
١ سورة يوسف، الآية (١٠٨) .
٢ سورة النحل، الآية (١٢٥) .
٣ سورة فصلت، الآية (٣٣) .
1 / 127
أولًا: ما يلاحظ على أكثر الجماعات العاملة في الساحة الإسلامية من إغفال أو إهمال للجانب الأساسي والأهم، وهو دعوة الناس إلى "التوحيد " وتصحيح عقائدهم، فكثير من هؤلاء الدعاة يسلكون مسالك شتى، لا تتوافق مع منهج الرسول ﷺ وهو المنهج الذي يجب على كل داعية إلى الله تعالى أن يسلكه ويسير عليه، عملًا بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ً﴾ ١.
والدعوة إلى التوحيد هى أول دعوة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - إلى أقوامهم، وكل الكتب المنزلة إنما نزلت لبيان عقيدة التوحيد، وبيان مايبطلها ويناقضها أو ينقصها، فعقيدة التوحيد هي التي يقوم عليها كيان المجتمع الإسلامي، ومنها يستلهمون طريق وحدتهم وعزتهم، إلا أن أكثر الأساليب والوسائل المتعددة التي تنادي بوحدة المسلمين، وجمع كلمتهم، ولمّ شملهم لم تحقق الأهداف المنشودة، مع مابذل فيها من الجهد والوقت والمال، بل الذي نتج عن هذه الدعوات وتلك المناهج إنما هو التعصب، والاختلاف، والتطرف، والغلوّ، والابتداع والتكفير ... وماذلك إلا لا نَّ هذه المناهج وتلك الدعوات لم تقم على المنهج الصحيح الذي سار عليه النبي ﷺ وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان، حيث نجد أنَّ جماعة من هؤلاء تهتم بالسياسة والجهاد، وجماعة تدعو إلى الترغيب والترهيب والزهد والورع، وأخرى تهتم بالأخلاق، وهكذا قلَّ أن تجد من بين هذه الجماعات من يهتم بالركن الأساسي والأهم وهو الدعوة إلى التوحيد، الذي هو المنطلق المتين لوحدة المسلمين ولمَّ شملهم.٢
_________
١ سورة الأحزاب، الآية (٢١) .
٢ انظر مقدمة فضيلة الدكتور صالح الفوزان على كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل للدكتور ربيع المدخلي ٦-٧، منهج السلف في العقيدة وأثره في وحدة المسلمين للشيخ صالح بن سعد السحيمي، ٤-٥.
1 / 128
ثانيًا: إني لم أقف على من أفرد هذا البحث بهذا الاسم - على حد علمي القاصر.
ومن هنا فإن الحاجة ماسة إلى بيان المنهج الصحيح القائم على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ ومنهج السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم - لذا فقد رغبتُ في الكتابة في هذا الموضوع للمشاركة في توضيح الحق، وبيانه للناس، لا ن هذا هو المنهج الذي يجب اتباعه دون ماسواه من المناهج المخالفة.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ١.
وقال سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ ٢.
وقال رسول الهدىصلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ماتمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي"٣.
ويقول الإمام مالك بن أنس ﵀! "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"٤.
_________
١ سورة الأنعام، الآية ١٥٣.
٢ سورة آل عمران، الآية ١٠٣.
٣ حديث حسن. أخرجه مالك في الموطأ، ٢/٨٩٩، كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر، رقم٣، والحاكم في المستدرك، (١/٩٣)، والبيهقي في السنن (١٠/١١)، وانظر تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني على مشكاة المصابيح للإمام التبريزي، ١/٦٦، رقم ١٨٦، وانظر الأربعين حديثًا في الدعوة والدعاة، لعلي بن حسن الحلبي الأثري، الحديث رقم ٧، عن ابن عباس ﵄.
٤ انظر الشفاء للقاضي عياض، (٢/٦٧٦)، دار الكتاب العربي تحقيق البجاوي، وموارد الأمان، ٢٦٥.
1 / 129
وعندما أقول بوجوب الاهتمام بالدعوة إلى التوحيد، والبدء به أولًا، لا يعني إهمال الجوانب الأخرى التي يحتاج إليها المسلم، وتتفق مع عقيدته، وإنما المقصود أن نبدأ بالدعوة إلى التوحيد، ثم الأهم فالأهم مع جعل أعمالنا كلها تقوم على أساس العقيدة الصحيحة.
1 / 130
خطة البحث
وقد جعلت البحث في مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة.
اشتملت المقدمة على أهمية الموضوع، وسبب الاختيار، والخطة ومنهجي في البحث.
والفصل الأول: أهمية العقيدة الصحيحة ووجوب التمسك بها، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وجوب التمسك بالعقيدة الصحيحة.
المبحث الأول: وجوب التمسك بالعقيدة الصحيحة.
المبحث الثاني: أهمية التوحيد وفضله.
المبحث الثالث: البدء بالدعوة إلى التوحيد أولًا.
والفصل الثاني: الدعائم التي يقوم عليها المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله تعالى، ويشتمل على مايلي:
أولًا: العلم.
ثانيًا: الإخلاص.
ثالثًا: المتابعة.
رابعًا: الحكمة.
خامسًا: الرفق والحلم.
سادسًا: الصبر.
سابعًا: التحلي بالأخلاق الفاضلة.
والفصل الثالث: أسباب انحراف الأمة عن المنهج الصحيح، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: الغلو في الدين.
1 / 131
المبحث الثاني: الجهل.
المبحث الثالث: الابتداع في الدين.
المبحث الرابع: اتباع الهوى.
المبحث الخامس: تقديم العقل على النقل.
المبحث السادس: التفرق والتحزب.
والفصل الرابع: أثر المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله تعالى.
وأما الخاتمة: فقد أوجزتُ فيها أهم نتائج البحث.
وقد عزوت الآيات الكريمة إلى مواضعها من السور، وخرجتُ الأحاديث النبوية الواردة في البحث، كما وثقت النصوص التي نقلتها عن بعض العلماء من مصادرها الأصلية، ثم ألحقت به قائمة بأهم المصادر والمراجع مرتبة حسب حروف الهجاء، وقائمة أخرى للموضوعات.
ولا يفوتني أن أقول: إن هذا جهد المقلَّ، فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله تعالى وتوفيقه لي، وأشكره سبحانه على ذلك، وماكان فيه من خطأ ونقص فأستغفر الله منه وأتوب إليه، وأرجو ممن قرأه ووجد فيه خللًا أن ينبهني إليه امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ ١.
وسأكون شاكرًا لنصحه وتوجيهه، وله من الله الأجر والمثوبة.
وأسأل الله - جلّت قدرته - أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به من يراه من الدعاة المخلصين، وأن يجعله في موازين حسناتي يوم الدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب:
د. حمود بن أحمدالرحيلي
_________
١ سورة المائدة، من الآية (٢) .
1 / 132
الفصل الأول: أهمية العقيدة الصحيحة ووجوب التمسك بها
المبحث الأول: وجوب التمسك بالعقيدة الصحيحة
...
الفصل الأول
أهمية العقيدة الصحيحة ووجوب التمسك بها، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول
وجوب التمسك بالعقيدة الصحيحة
إنَّ العقيدة الصحيحة هي الأساس المتين، والركن العظيم لدين الإسلام، ولذا فإنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أول ماقاموا به في دعوة أقوامهم هو دعوتهم إلى تصحيح الاعتقاد، وإلى توحيد الله جلَّ وعلا، فصلاح الأمم مرهون بسلامة عقيدتها، وصحة أفكارها، وكل بناءٍ لا تكون العقيدة أساسه، إنما هو بناء متهدم الأركان، وليس له بقاء ولا قرار، وبدون تصحيح العقيدة لا فائدة من الأعمال أيًا كان نوعها.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ ١.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ٢.
وقد مكث النبي ﷺ في مكة - بعد بعثته - ثلاث عشرة سنة، يدعو إلى تصحيح العقيدة، وإلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، ولم تنزل عليه الفرائض إلا في المدينة ماعدا الصلاة، أما بقية الشرائع ففرضت في المدينة، مما يدُّل دلالة واضحة على أنه لا يُطالب أحد بالأعمال إلا بعد تصحيح العقيدة، وتصفيتها من كل
_________
١ سورة المائدة، الآية (٧٢) .
٢ سورة الزمر، الآية (٦٥) .
1 / 133
شائبة، وإذا صلحت العقيدة صلحت أعمال المسلم، وذلك لا ن العقيدة الصحيحة تحمل المسلم على الأعمال الصالحة، وتوجهه إلى الأفعال الحميدة.
فالواجب على الداعية إلى الله تعالى أن يهتم بعقيدة السلف الصالح - رضوان الله عليهم - علمًا وعملًا بها، ودعوة إليها، لا نها العقيدة التي أُمرنا بالتمسك بها، والمحافظة عليها، والتي لا يجوز لا ي داعية أن يعدل عنها أو أن يتخذ أي عقيدة سواها.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ١.
وقال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ ٢ وقال تعالى في فضل المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ٣.
يقول الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتابه القيّم "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": "فإنَّ أوجب ماعلى المرء معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده، وصفاته، وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها، والاستدلال عليها بالحجج والبراهين، وكان من أعظم منقول،
_________
١ سورة الأنعام، من الآية (١٥٣) .
٢ سورة الشورى، الآية (١٣) .
٣ سورة التوبة، الآية (١٠٠) .
1 / 134
وأوضح حجة ومعقول: كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله ﷺ وصحابته الأخيار المتقين، ثم ماأجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها، والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون، فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة، والآثار المحفوظة المنقولة، وطرائق الحق المسلوكة، والدلائل اللائحة المشهورة، والحجج الباهرة المنصورة، التي عمل عليها الصحابة والتابعون ومن بعدهم خاصة الناس وعامتهم من المسلمين، واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين"١.
ويقول أبو نصر الوايلي السجزي في وصف أهل السنة والجماعة: "أهل السنة هم الثابتون على اعتقاد مانقله إليهم السلف الصالح ﵏ عن الرسول ﷺ، أو عن أصحابه ﵃ فيمالم يثبت فيه نص في الكتاب، ولا عن الرسول ﷺ، لا نهم ﵃ أئمة ـ، وقد أمرنا باقتفاء آثارهم، واتباع سنتهم، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى إقامة برهان"٢.
وجماعة المسلمين: الصحابة، والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، المنتسبون لسنة النبي ﷺ وطريقته، الراغبون فيها دون ماسواها من الأهواء والبدع، وهم السلف الصالح، ومن هنا لما ظهرت البدع والأهواء المضلة، قيل لمعتقدهم السلفي، أو العقيدة السلفية، وهم الذين يمثلون الصراط المستقيم، سيرًا على منهاج النبوة وسلفهم الصالح، ولم يحصل تمام البروز والظهور لهذه الألقاب الشريفة لجماعة المسلمين، إلا حين
_________
١ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة،٢/٩.
٢ الرد على من أنكر الحرف والصوت، ٩٩.
1 / 135
دبت في المسلمين الفرقة، وتعددت على جنبتي الصراط الفرق، وتكاثرت الأهواء، وخلفت الخلوف، فبرزت هذه الألقاب الشريفة للتميز عن معالم الفرق الضالة، وهي مع ذلك ألقاب لا تختص برسم يخالف الكتاب والسنة، زيادة أو نقصًا، وإنما يمثلون في الحقيقة والحال الامتداد الطبعي لما كان عليه النبي ﷺ، وأصحابه ﵃ في الشكل والمضمون والمادة والصورة١.
وتتلخص عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله محمدًا ﵊، ويتفرع عن هذه الأصول كل مايجب الإيمان به من أمور الغيب٢.
قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ ٣.
_________
١ حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، للشيخ بكر أبو زيد، ٩٠، بتصرف.
٢ انظر العقيدة الصحيحة ونواقض الإسلام، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز،٣-٤، وللاستزادة في معرفة أصول أهل السنة والجماعة، انظر: عقيدة السلف أصحاب الحديث، لأبي عثمان إسماعيل الصابوني، ومجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣/١٢٩، وما بعدها، وشرح الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، وعقيدة أهل السنة والجماعة، للشيخ محمد بن عثيمين، ومحاضرات في العقيدة والدعوة، للشيخ صالح الفوزان، ٢/١٤٣-١٦٠.
٣ سورة البقرة، الآية (١٧٧) .
1 / 136
وقال سبحانه: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ١.
فعلى الدعاة إلى الله تعالى أن يتمسكوا بعقيدة أهل السنة والجماعة وأصولهم، في الاعتقاد والعمل والسلوك، وأن يتركوا كل ماخالف هذا المنهج القويم والصراط المستقيم، من البدع المضلة، والمناهج الفاسدة، والأفكار السيئة، التي ضللت المسلمين، وجعلتهم فرقًا وأحزابًا، كلٌ يدعي العصمة لمنهجه وطريقته، زاعمًا أنَّ الحق معه، على حد قول القائل:
وكلٌ يدعي وصلًا لليلى ... وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكا
وإن المنهج الحق الذي يجب اتباعه هو منهج أهل السنة والجماعة الذين جاءت الأدلة بفضلهم، والثناء عليهم، فإنه طريق الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
_________
١ سورة القمر، الآية (٤٩) .
1 / 137
المبحث الثاني
أهمية التوحيد وفضله
إن التوحيد هو الأمر الذي بعث الله من أجله الرسل، وأنزل من أجله الكتب، وخلق من أجله الثقلين - الإنس والجن - وبقية الأحكام تابعة لذلك.
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١والمعنى لتخصوه - سبحانه - بالعبادة وتفردوه جلَّ وعلا بها، ولم تُخْلَقُوا عبثًا ولاسُدىً.
وقال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ٢.
والتوحيد هو: أول دعوة جميع الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - وما من أمة إلا بعث الله فيهم رسولًا يدعوهم إلى التوحيد ويحذرهم من الشرك.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ ٣.
والتوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة، وترك عبادة ما سواه.
وقد تكرر موضوع التوحيد في كتاب الله، ولا تكاد تخلو سورة من سور القرآن العظيم إلا وفيها ذكر للتوحيد، وأمر به، وحث عليه.
فالقرآن كله في التوحيد، لا نه إما خبر عن الله ﷾ وأسمائه وصفاته وأمر بعبادته وحده لا شريك له ونهى عن الشرك به، وإما بيان لجزاء الموحدين
_________
١ سورة الذاريات، الآية (٥٦) .
٢ سورة الفاتحة، الآية (٥) .
٣ سورة النحل، من الآية (٣٦) .
1 / 138
الذين أخلصوا العبادة لله ﷿ في الدنيا والآخرة، وبيان لجزاء المشركين الذين أعرضوا عن التوحيد وما حلَّ بهم من العقوبات في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة. وإما إخبارهم عن الموحدين من الرسل وأتباعهم. أو إخبار عن المكذبين من المشركين وأتباعهم من الأمم السابقة: كقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم إبراهيم، وأصحاب مدين، والمؤتفكات، وغيرهم من الأمم لما أعرضوا عن التوحيد وعصوا الرسل ماذا حل بهم؟ وإما بيان للحلال والحرام وهذا من حقوق التوحيد، فكون الإنسان يحل الحلال ويكتسب الحلال، ويستعمل الحلال، ويحرم الحرام ويبتعد عن الحرام وعن كسب الحرام هذا من حقوق التوحيد أيضًا.
فالقرآن كله توحيد، لا نه إما لبيان التوحيد وبيان مناقضاته ومنقصاته. وإما إخبار عن أهل التوحيد، وماأكرمهم الله به، أو أخبار عن المشركين وما انتقم الله تعالى منهم في الدنيا وما أعدَّ لهم في الآخرة، وإما أحكام وبيان للحلال والحرام وهذا من حقوق التوحيد١.
ومما يدل على أهمية التوحيد، وأنه أساس العمل، تكفيره للذنوب والكبائر، يدل على ذلك ماجاء عن عبادة بن الصامت ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى
_________
١ انظر مدارج السالكين، ٣/٤٦٨-٤٦٩، ومحاضرات في العقيدة والدعوة، للدكتور صالح الفوزان، ٢/٩-١٠.
1 / 139
عبد الله، ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ماكان من العمل" ١.
وعن عتبان بن مالك الأنصاري ﵁: "فإن الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"٢.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ من حديث صاحب البطاقة حيث ينشر له تسعة وتسعون سجلًا كل سجل مد البصر، ثم يؤتى ببطاقة فيها: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فتوضع السجلات في كفه، والبطاقة في كفة فتطيش السجلات وتثقل البطاقة" ٣.
_________
١ صحيح البخاري مع الفتح ٦/٤٧٤، كتب الأنبياء، باب قوله تعالى:. ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم﴾، رقم ٣٤٣٥، وصحيح مسلم ١/٥٧، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، رقم ٤٦.
٢ صحيح البخاري مع الفتح، ١/٥١٩، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت، رقم ٤٢٥، وصحيح مسلم ١/٤٥٦، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، رقم٢٦٣.
٣ الترمذي ٥/٢٤-٢٥، كتاب الإيمان باب ما جاء في من يموت وهو شهيد أن لا إله إلا الله، رقم ٢٦٣٩، وابن ماجه، ٢/١٤٣٧، كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، رقم ٤٣٠٠، وأحمد ٢/٢١٣، والحاكم ١/٦/٥٢٩، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، ١/٢٦٢.
1 / 140
وللترمذي عن أنس بن مالك ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "قال الله تعالى: "يابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لا تيتك بقرابها مغفرة"١.
_________
١ أخرجه الترمذي، ٥/٥٤٨، كتاب الدعوات، باب فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، رقم ٣٥٤٠، وقال هذا حديث حسن غريب، وأحمد في المسند، ٥/١٥٤،١٧٢، والحاكم في المستدرك ٤/٢٤١، ووافقه الذهبي مختصرًا، من حديثه، وله شاهد عند مسلم، ٤/٢٠٦٨، كتاب الذكر والدعاء..، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، رقم ٢٦٨٧.
1 / 141
المبحث الثالث
البدء بالدعوة إلى التوحيد أولًا
إن البدء في الدعوة إلى الله تعالى بالأهم قبل المهم والتدرج في الدعوة حسب الأوليات لهو من أهم الضروريات التي يجب على الداعية إلى الله تعالى معرفتها والعمل على تحقيقها.
وقد دلَّ على ثبوت هذا المبدأ الكتاب والسنة وعمل سلف هذه الأمة الصالح رضوان الله عليهم.
إذ قص الله تعالى علينا في كتابه الكريم قصص الأنبياء وأخبارهم مع أقوامهم، فكان كل واحد منهم يبدأ بدعوة قومه إلى توحيد الله تعالى واخلاص العبادة له وحده ونبذ الشرك وأهله.
قال تعالى عن نوح ﵇: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ١.
وقال سبحانه عن هود ﵇: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٢.
وقال جلَّ ذكره عن صالح ﵇: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٣.
_________
١ سورة الأعراف، من الآية (٥٩) .
٢ سورة الأعراف، من الآية (٦٥)، وسورة هود، الآية (٥٠) .
٣ سورة الأعراف، من الآية (٧٣)، وسورة هود، من الآية (٦١) .
1 / 142
وقال عن إبراهيم ﵇: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ١
وقال تعالى عن يعقوب ﵇: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ٢.
وقال تعالى عن يوسف ﵇: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ٣.
وقال تعالى عن شعيب ﵇: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٤.
وقال عن موسى ﵇: ﴿قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ ٥.
وقال عن عيسىعليه السلام: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ ٦.
وهذا المنهج هو الذي سار عليه خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد ﷺ الذي أرسله الله رحمة للعالمين، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا، فقد
_________
١سورة العنكبوت، الآية (١٦) .
٢ سورة البقرة، الآية (١٣٣) .
٣ سورة يوسف، الآيات (٣٨-٤٠) .
٤ سورة الأعراف، من الآية (٨٥)، وسورة هود، من الآية (٨٤) .
٥ سورة الأعراف، الآية (١٤) .
٦ سورة آل عمران، الآية (٥١) .
1 / 143
بدأ ﷺ بما بدأ به كل الأنبياء، وانطلق من حيث انطلقوا بدعوتهم من عقيدة التوحيد والدعوة إلى إخلاص العبادة لله وحده.
وقد أمره ربه ﵎ أن يدعو الناس جميعًا إلى التوحيد، فقال تعالى: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ١.
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ ٢.
وقد استمر النبي ﷺ طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة لا يكلُّ ولا يَمَلُّ صابرًا على كل ألوان الأذى، وهو يدعو الناس إلى التوحيد، وينهاهم عن الشرك قبل أن يا مرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم والحج، وقبل أن ينهاهم عن الربا، والزنا، والسرقة، وقتل النفوس بغير حق٣.
اللهم إلاّ ماكان يا مر به قومه من معالي الأخلاق كصلة الرحم، والصدق، والعفاف، وأداء الأمانة، وحسن الجوار ونحو ذلك، ولكن الموضوع الأساسي، ومحور الدعوة إنما هو عن التوحيد وتحقيقه.
_________
١ سورة الأعراف، الآية (١٥٨) .
٢ سورة الأنعام، الآية (١٦١-١٦٢) .
٣ انظر مقدمة فضيلة الدكتور صالح الفوزان على كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، للدكتور ربيع المدخلي، ص٥.
1 / 144
وبعد أن هاجر رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام إلى المدينة، وقامت دولة الإسلام على أساس التوحيد ظل الاهتمام بهذا الأمر على أشده والآيات القرآنية تنزل به، والتوجيهات النبوية تدور حوله.
ولم يكتف رسول الله ﷺ بهذا بل كان يبايع على عقيدة التوحيد عظماء الصحابة فضلًا عن غيرهم بين الفينة والفينة، كلما تسنح له فرصة للبيعة عليها.
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يا تِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ١.
وهذه الآية وإن كانت في بيعة النساء فإن رسول الله ﷺ كان يبايع على مضمونها الرجال٢.
فعن عبادة بن الصامت ﵁ قال: "كان رسول الله ﷺ في مجلس، فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم" والآية التي أخذت على النساء ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه"٣.
_________
١ سورة الممتحنة، الآية (١٢) .
٢ انظر منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، للدكتور ربيع المدخلي، ٥٧-٥٨.
٣ صحيح البخاري مع الفتح، ١/٦٤، كتاب الإيمان، باب ١١، حديث ١٨، وصحيح مسلم ٣/١٣٣٣، كتاب الحدود، باب الحدود والكفارات لأهلها، حديث ١٧٠٩، والنسائي، ٧/١٤٢، كتاب البيعة على الجهاد.
1 / 145
أما السنة ففيها الشيء الكثير الدال على أن رسول الله ﷺ كان يفتتح دعوته بالتوحيد ويختتمها بذلك، واستمراره على ذلك طيلة حياته ﷺ بلا كلل أو ملل.
١-عن عمرو بن عبسة السلمي ﵁ قال: "كنت وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله ﷺ مستخفيًا جُرءَاءُ عليه قومه فتلطفت، حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ فقال: "أنا نبي" فقلت: وما نبي؟ قال: "أرسلني الله" فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: "أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحدوا الله لا يُشْرَكُ به شيء" فقلت: ومن معك على هذا؟ قال: "حر وعبد"، قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به ..." الحديث١.
٢-قول جعفر بن أبي طالب ﵁ للنجاشي ملك الحبشة: "أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يا كل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ماكنّا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة، والأوثان ... " الحديث٢.
_________
١ صحيح مسلم، ١/٥٦٩، كتاب صلاة المسافرين، باب إسلام عمرو بن عبسة، رقم ٢٩٤، وأحمد في المسند، ٤/١١٢.
٢ انظر الإمام أحمد في المسند، ١/٢٠٢، والسير والمغازي، لابن إسحاق، ٢١٣-٢١٧، وسيرة ابن هشام، ١/٢٨٩-٢٩٣، بإسناد حسن إلى أم سلمة ﵂، وانظر السيرة النبوية، لابن كثير ٢/١١، وفتح الباري، لابن حجر، ٧/١٨٩، وانظر السيرة النبوية الصحيحة، د. أكرم العمري، ١/١٧٣-١٧٤.
1 / 146