والطير تصدحُ من خلْف العيون بها ... وللعيون كما للطير ألحان
وقد صفا بردى للريح فابترذتْ ... لدي ستورٍ حواشيهن أفنان
وفي يوم قائظ لأذ شاعر أندلسي بوادي (آش) ينعمُ بظله الظليل أهوائه البليل ومائه السلسبيل فجادت قريحته بما هو أرق من النسيم وأنعُم من النعيم فقال:
وقانا لفحة الرمضاء واد ... سقاهُ مضاعف الغيث العميمِ
حللنا دوحَهُ فحنا علينا ... حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالًا ... ألذ من الُمدامة للنديم
يصدُّ الشمس أنى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم
تروعُ حصاهُ حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم
أما البحتري فقد وصف الربيع بما يشبهُ الدر ويحكي السحْر، فمثلهُ فتى وسيمًا باسمًا مائسًا يهمُّ بالكلام فقال:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه النوْرُوز في غسق الدجى ... أوائل ورْد كن بالأمس نوَّما
يُفتقُها بردُ الندى فكإنما ... يبث ُّحديثًا كان قبل مكتَّما
هذه أمثلة من ومضات العقل ولمسات الفن. والوصول إلى تذوق أمثالها يكون بمعرفة علوم البلاغة فإنها تهب دارسها ملكة تهديه إلى مواطن الجمال في آثار الفكر من نظم ونثر، وترشده إلى تخير الألفاظ الحسنة والمعاني الشريفة حتى يبلغ بالمران ما يرومُهُ من لذاذةٍ فما يقرأ أو يكتب أو ينظم.
* * *