The Concise Commentary on the Holy Quran
المختصر في تفسير القرآن الكريم
Lambar Fassara
الثالثة
Shekarar Bugawa
١٤٣٦ هـ
Nau'ikan
المختصر في تفسير القرآن الكريم
تصنيف
جماعة من علماء التفسير
إشراف
مركز تفسير للدراسات القرآنية
المقدمة / 1
المختصر في تفسير القرآن الكريم
المقدمة / 32
(ح) مركز تفسير للدراسات القرآنية، ١٤٣٦ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
نخبة من العلماء
المختصر في تفسير القرآن الكريم./ نخبة من العلماء- ط ٣ - الرياض، ١٤٣٦ هـ
٦٢٤ - ص، ١٤ ×٢٠ سم
ردمك: ٢ - ٢٦ - ٨١٧٥ - ٦٠٣ - ٩٧٨
١ - القرآن- تفسير أ. العنوان
ديوي ٢٢٧.٣
٦٤٩١/ -١٤٣٦
جميع حقوق الطبع محفوظة
لمركز تفسير للدراسات القرآنية
الطبعة الثالثة
١٤٣٦ - هـ
مصححة ومزيدة
مركز تفسير للدراسات القرآنية
Tafsir Center For Qur'anic Studies
المملكة العربية السعودية- الرياض- حي الغدير- طريق الملك عبد العزيز
هاتف: ٢١٠٩٦٢٠ (٠١) فاكس: ٢١٠٩٧١٣ (٠١) - ص. ب: ٢٤٢١٩٩ الرمز البريدي ١٣٢٢
البوابة الإلكترونية: www.tafsir.net - البريدالإلكتروني: info@tafsir.net
المقدمة / 3
مركز تفسير للدراسات القرآنية
Tafsir Center For Qur'anic Studies
المختصر في تفسير القرآن الكريم
تصنيف
جماعة من علماء التفسير
إشراف
مركز تفسير للدراسات القرآنية
المقدمة / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثالثة
الحمد لله الَّذي أنزَل على عبدِه الكتابَ ولم يجعلْ له عِوَجا، والصلاة والسلام على نبينا محمَّدٍ وعلى آله وصحابته ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أَمَّا بَعْدُ، فلم تَزَلْ همم علماء التفسير تسمو في كل عصرٍ إلى تفسير كلام الله وبيان معانيه بما يفتَحُ الله عليهم به ويوفِّقُهم إليه، وكان من المقاصد التي حملت العلماء على التصنيف في التفسير منذ القرون الأولى: تقريبُ معاني آيات الكتاب لجمهور القراء؛ دون تطويل يمنعهم عن إكماله، أو صعوبةِ عبارة تَصْرِفُهم عن فَهْمِه، ولم تزل هذه الحاجةُ تتجدَّدُ بتجدُّدِ حياة الناس وتنوُّع مستويات ثقافتِهم، واجتهد كل مفسِّر رامَ تحقيق هذه الغاية في صياغة تفسيره بما يلائِمُ أهل عصرِه ويلبي حاجاتهم ويناسِبُ لغتَهم ومعارِفَهم، مستدركًا على من سبقه ما قد يكون وقع فيه من خطأ أو قصور في صياغة عبارة أو ترجيح معنًى أو إيضاح مُبْهَم بقَدْرِ اجتهاده وعلمه، ثم هم في ذلك بين مختَصِرٍ بالغ في الاختصار حتَّى صار متنًا يحتاج إلى شروح وحواشٍ توضحُه، ومتوَسِّع بالغ في ذكرِ ما لا علاقة له بالتفسير فطال كتابُه جدًّا، وفي كل خير، ولكل وجهة هو مُوَلِّيها.
لذلك رأى مركز تفسير للدراسات القرآنية حاجة الناس في هدا العصر ما تزال قائمةً إلى تفسيرٍ مختصَرٍ يجمَعُ بين الميزات التالية:
- وضوح العبارة وسهولتها.
- الاقتصار على تفسير الآيات وبيان معانيها دون دخولٍ في مسائل القراءات والإعراب والفقه ونحوها.
- شرح المفردات القرآنية الغريبة أثناء التفسير وتمييز الشرح بلونٍ مختلف بقدر الاستطاعة ليسهل الوقوف عليه لمن أراده.
- اتباع منهج سلف الأمة رضوان الله عليهم في التفسير -وفي بيان معاني آيات الصفاتِ خصوصًا- باتباع ما دلَّ عليه القرآن والسنة دون تأويل أو تحريف.
- تحرِّي المعنى الأرجح عند الاختلاف، مع مراعاة ضوابط التفسير وقواعد الترجيع.
- ذكر بعض هدايات الآيات وفوائدها في أسفل كل صفحة؛ بما يُعِين على تدبُّرها وتمام الانتفاع بها، تحت عنوان مستقل: من فوائد الآيات.
المقدمة / 6
- التقديمُ بين يدي كلِّ سورة ببيان زمانِ نزولها (مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة)، وبيان أهم مقاصدها باختصار.
- جمع ما سبق كلِّه وكتابَتُه على حاشية المصحف الشريف، وقد اعتمدنا في هذه الطبعةِ الثالثةِ: الطبعةَ الأخيرةَ لمصحف المدينة النبوية الَّذي أصدره مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة؛ ليكون عونًا لقارئ القرآن على فَهْم كلام الله تعالى بأيسَرِ طريقٍ.
وقد كلَّف المركزُ الشيخ سيد محمَّد بن محمد المختار الشنقيطيَّ بكتابةِ متن التفسير كتابةً أوليَّةً، كما أسنَد إليه أيضًا وإلى الأستاذ الدكتور زيد بن عمر العيص -أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود سابقًا- بكتابة فوائد الآيات وهداياتها فتقاسماها مناصفةً، وإلى الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الربيعة -الأستاذ المشارك في القرآن وعلومه بجامعة القصيم- بكتابة مقاصد السور.
ثم كلَّف المركزُ جماعةً من علماه التفسير المشهود لهم بالكفاءة والعلم بهذا الفن من مختلف دول العالم الاسلامي بمراجعة التفسير وتقويمه أثناء الكتابة مرحلةً مرحلة، وتحكيم منهجه، فقام كل واحدٍ منهم بتحكيم أجزاء متفرقة من هذا التفسير حتَّى اكتمل، وهم:
١ - أ. د. أحمد خالد شكري (الجامعة الأردنية- الأردن).
٢ - أ. د. أحمد سعد الخطيب (جامعة الأزهر- مصر).
٣ - أ. د. أحمد بزوي الضاوي (جامعة شعيب الدكالي- المغرب).
٤ - د. حسين بن علي الحربي (جامعة جازان- السعودية).
٥ - د. خالد بن عثمان السبت (جامعة الدمام- السعودية).
٦ - أ. د. سعيد الفلاح (جامعة الزيتونة- تونس).
٧ - أ. د. صالح بن يحيى صواب (جامعة صنعاء- اليمن).
٨ - أ. د. غانم قدوري الحمد (جامعة تكريت- العراق).
٩ - د. محمد بن عبد الله القحطاني (جامعة الملك خالد- السعودية).
وتولَّت مهمَّة الإشراف العلمي على المشروع، ومتابعته في جميع مراحله: لجنةٌ علميةٌ مكوَّنة من:
١ - أ. د. مساعد بن سليمان الطَّيَّار الأستاذ بجامعة الملك سعود.
٢ - أ. د. عبد الرحمن بن مَعَاضة الشِّهري الأستاذ بجامعة الملك سعود.
٣ - د. أحمد بن محمد البريدي الأستاذ المشارك بجامعة القصيم.
٤ - د. ناصر بن محمد الماجد الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
كما كلَّف المركزُ ثلاثةً من أساتذة العقيدةِ المتخَصِّصين بمراجعته من الجانب العقديِّ؛ رغبةً في سلامته مما قد يقع فيه من الخطأ في هذا الجانب، وهم الأستاذ الدكتور: سهل بن رفاع العتيبي أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الملك سعود، والأستاذ الدكتور: عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والدكتور عبد الله بن عبد العزيز العنقري أستاذ العقيدة المشارك بجامعة الملك سعود، وقد قاموا بمراجعته كلٌّ على حدةٍ، وأفادوا بملاحظاتٍ وتصويباتٍ قيِّمة؛ فجزاهم الله خيرًا.
المقدمة / 7
ثم أَوْكَل المركز إلى الأستاذ الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار مراجعةَ المختصر كاملًا؛ للنظر في الملاحظات والمقترحات التي وصلَت من القُراء للتفسير في طبعتيه الأولى والثانية، فقام باختيار نخبةٍ من طلبة العلم المتخصِّصين من طلابه يقرؤون المختصر معه صفحةً صفحةً، ويقفون على كل الملاحظات التي وصلت، وينظرون فيما يقفون عليه كذلك، وما احتاج إلى إعادة صياغة أعادوا صياغتَه؛ مستفيدِين من صياغة الإمام ابن جَرِير الطَّبَرِيِّ في المقام الأول، كما قاموا بإعادة صياغة ما يحتاج إلى صياغة من مقاصد السور أو من الفوائد، وتم الاقتصار على ثلاثِ فوائدَ غالبًا في كل صفحة.
وفي حال الاختلاف في التفسير، رأت اللجنة الاعتمادَ على إمام المفسِّرين ابنِ جرير الطبري؛ لسلامة منهجه، وكثرة اعتماده على التفسير المنقول عن النبي ﷺ وعلى المنقول عن الصحابة والتابعين وأتباعهم ﵃.
وقد روعي في تأليف هذا المختصر بميزاته المتقدمة صلاحيتُه ليكون أصلًا لترجمته إلى اللغات العالمية الأخرى، مجتنبًا الأخطاء والعقبات التي تعثَّرت بسببها كثير من الترجمات المنشورة لمعاني القرآن الكريم، وهو مشروع تمت دراسته واتخاذ الخطوات الأولى فيه، ونرجو أن يرى النور قريبًا بإذن الله.
وكان لثُلَّةٍ كريمة من أهل الخير والبر فضلُ دعم المشروع وتحمُّلِ أعباء تكاليفه ماديًّا، فلهم من الله الأجر والمثوبة على بذلهم وإحسانهم.
وختامًا، فهذه الطبعة الثالثة لهذا العمل، حَرَص فيه المركز على تيسير فهم كتاب الله ﷿، مع تحرِّي الصواب قدرَ الطاقة، والاجتهاد في بلوغ ما يُستطاع من الكمال، فما كان من صواب فبفضل الله وتوفيقه، وما كان من خطأ فمن أنفُسِنا، ونسأل الله تعالى أن يغفِرَ لنا الزلل، وأن ينفع بهذا المختصر، ويضَعَ له القبول، إنه أكرم مسؤول وأعظم مَرْجُوّ.
وقد استدرَكْنا عددًا من الملحوظات العلمية والفنية التي ظهرت لنا في الطبعتينِ الأولى والثانية، وأخذنا بأحسنِ ملحوظات ومقترحات القُراء، واعتمدنا العنوانَ الجديد "المختصر في تفسير القرآن الكريم" بدل "المختصر في التفسير"؛ بناءً على مقترحات عدد من الفضلاء؛ ليتضح لعامة القراء.
ونشكر كلَّ مَن بذل جهدًا في تقويم وتصحيح هذا المختصر، ونرجو موافاتنا بأي ملحوظات أو مقترحات لتطويره على بريد المختصر ; almokhtasar@tafsir.net أو على الجوال الخاص بالمشروع: ٠٥٣٦٣٦٥٥٥٥.
د. صالح بن عبد الله بن حميد
رئيس مجلس إدارة مركز تفسير للدراسات القرآنية
إمام المسجد الحرام وخطيبه وعضو هيئة كبار العلماء
المقدمة / 8
سورة الفاتحة
مَكيّة
[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
تحقيق التوجه لله تعالى بكمال العبودية له وحده.
[التَّفْسِيرُ]
سُمِّيت سورةَ الفاتحة لافتتاح كتاب الله بها، وتسمَّى أم القرآن لاشتمالها على موضوعاته؛ من توحيد لله، وعبادة، وإشارة إلى قصص وغير ذلك، وهي أعظم سورة في القرآن، وهي السَّبعُ المثاني.
١ - باسم الله أبدأ قراءة القرآن، مستعينًا به تعالى متبركًا بذكر اسمه. وقد تضمنت البسملة ثلاثة من أسماء الله الحسنى، وهي: ١ - "الله"؛ أي: المعبود بحق، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه. ٢ - "الرَّحْمَن"؛ أي: ذو الرحمة الواسعة. فهو الرحمن بذاته. ٣ - "الرَّحِيم"؛ أي: ذو الرحمة الواصلة. فهو يرحم برحمته من شاء من خلقه ومنهم المؤمنون من عباده.
٢ - جميع أنواع المحامد من صفات الجلال والكمال هي له وحده دون من سواه؛ إذ هو رب كل شيء وخالقه ومدبره. و"العالمون" جمعُ "عالَم" وهم كل ما سوى الله تعالى.
٣ - ثناء على الله تعالى بعد حمده في الآية السابقة.
٤ - تمجيد لله تعالى بأنه المالك لكل ما في يوم القيامة، حيث لا تملك نفس لنفس شيئًا. فـ "يوم الدين": يوم الجزاء والحساب.
٥ - نخصُّك وحدك بأنواع العبادة والطاعة، فلا نشرك معك غيرك، ومنك وحدك نطلب العون في كل شؤوننا، فبيَدِكَ الخير كله، ولا مُعين سواك.
٦ - دُلَّنا إلَى الصراط المستقيم، واسلكْ بنا فيه، وثبِّتنا عليه، وزدنا هدى. و"الصراط المستقيم" هو الطريق الواضح الَّذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام الَّذي أرسل الله به محمدًا ﷺ.
٧ - طريق الذين أنعمت عليهم من عبادك بهدايتهم؛ كالنبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا، غير طريق المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه كاليهود، وغير طريق الضالين عن الحق الذين لم يهتدوا إليه لتفريطهم في طلب الحق والاهتداء إليه كالنصارى.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• افتتح الله تعالى كتابه بالبسملة؛ ليرشد عباده أن يبدؤوا أعمالهم وأقوالهم بها طلبًا لعونه وتوفيقه.
• من هدي عباد الله الصالحين في الدعاء البدء بتمجيد الله والثناء عليه سبحانه ثم ليشرع في الطلب.
• تحذير المسلمين من التقصير في طلب الحق كالنصارى الضالين، أو عدم العمل بالحق الَّذي عرفوه كاليهود والمغضوب عليهم.
• دلَّت السورة على أن كمال الإيمان يكون بإخلاص العبادة لله تعالى وطلب العون منه وحده دون سواه.
1 / 1
سورة البقرة
مَدَنيّة
[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
إعداد الأمة لعمارة الأرض والقيام بدين الله، وبيان أقسام الناس، وفيها أصول الإيمان وكليات الشريعة.
[التَّفْسِيرُ]
سُمِّيت سورة البقرة بهذا الاسم لورود قصة بقرة بني إسرائيل فيها، وفيها إشارة إلى وجوب المسارعة إلى تطبيق شرع الله، وعدم التلكؤ فيه كما حصل من يهود.
١ - ﴿الم﴾ هذه من الحروف التي افتُتِحت بها بعض سور القرآن، وهي حروفٌ هجائية لا معنى لها في نفسها إذا جاءت مفردة هكذا (أ، ب، ت، إلخ)، ولها حكمةٌ ومَغْزًى؛ حيث لا يوجد في القرآن ما لا حكمة له، ومن أهم حِكَمها الإشارة إلى التحدي بالقرآن الَّذي يتكوَّن من الحروف نفسها التي يعرفونها ويتكلمون بها؛ لذا يأتي غالبًا بعدها ذكرٌ للقرآن الكريم، كما في هذه السورة.
٢ - ذلك القرآن العظيم لا شك فيه، لا من جهة تنزيله، ولا من حيث لفظه ومعناه، فهو كلام الله، يهدي المتقين إلى الطريق الموصل إليه.
٣ - ٤ - الذين يؤمنون بالغيب وهو كل ما لا يُدرك بالحواس وغاب عنّا، مما أخبر الله عنه أو أخبر عنه رسوله، كاليوم الآخر، وهم الذين يقيمون الصلاة بأدائها وفق ما شرع الله من شروطها، وأركانها، وواجباتها، وسننها، وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله، بإخراج الواجب كالزكاة، أو غير الواجب كصدقة التطوع؛ رجاء ثواب الله، وهم الذين يؤمنون بالوحي الَّذي أنزل الله عليك -أيها النبي- والذي أنزل على سائر الأنبياء ﷺ من قبلك دون تفريق، وهم الذين يؤمنون إيمانًا جازمًا بالآخرة وما فيها من الثواب والعقاب.
٥ - هؤلاء المُتَّصِفون بهذه الصفات على تَمكُّنٍ من طريق الهداية، وهم الفائزون في الدنيا والآخرة بنَيلهم ما يرجون ونجاتهم مما يخافون.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الثقة المطلقة في نفي الرَّيب دليل على أنَّه من عند الله؛ إذ لا يمكن لمخلوق أن يدعي ذلك في كلامه.
• لا ينتفع بما في القرآن الكريم من الهدايات العظيمة إلا المتقون لله تعالى المعظمون له.
• من أعظم مراتب الإيمانِ الإيمانُ بالغيب؛ لأنه يتضمن التسليم لله تعالى في كل ما تفرد بعلمه من الغيب، ولرسوله بما أخبر عنه سبحانه.
• كثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والزكاة؛ لأنَّ الصلاة إخلاص للمعبود، والزكاة إحسان للعبيد، وهما عنوان السعادة والنجاة.
• الإيمان بالله تعالى وعمل الصالحات يورثان الهداية والتوفيق في الدنيا، والفوز والفلاح في الأُخرى.
1 / 2
ولما بيَّن الله صفات المؤمنين المتقين الذين صلح ظاهرهم وباطنهم، ذكر صفات الكافرين الذين فسد ظاهرهم وباطنهم، فقال:
٦ - إن الذين كفروا مستمرون على ضلالهم وعنادهم، فإنذارك لهم وعدمه سواء.
٧ - لأن الله طبع على قلوبهم فأغلقها على ما فيها من باطل، وطبع على سمعهم فلا يسمعون الحق سماع قَبول وانقياد، وجعل على أبصارهم غطاء فلا يبصرون الحق مع وضوحه، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
ولما بيَّن الله صفات الكافرين الذين فسد ظاهرهم وباطنهم؛ بيَّن صفات المنافقين الذين فسد باطنهم وصلح ظاهرهم فيما يبدو للناس، فقال:
٨ - ومن الناس طائفة يزعمون أنهم مؤمنون، يقولون ذلك بألسنتهم خوفًا على دمائهم وأموالهم، وهم في الباطن كافرون.
٩ - يخادعون الله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم فقط، ولكنهم لا يشعرون بذلك؛ لأن الله تعالى يعلم السر وأخفى، وقد أَطْلَع المؤمنين على صفاتهم وأحوالهم.
١٠ - والسبب أن في قلوبهم شكًّا، فزادهم الله شكًّا إلى شكِّهم، والجزاء من جنس العمل، ولهم عذاب أليم في الدرك الأسفل من النار، بسبب كذبهم على الله وعلى الناس، وتكذيبهم بما جاء به محمد ﷺ.
١١ - وإذا نُهوا عن الإفساد في الأرض بالكفر والذنوب وغيرها، أنكروا وزعموا أنهم هم أصحاب الصلاح والإصلاح.
١٢ - والحقيقة أنهم هم أصحاب الإفساد، ولكنهم لا يشعرون بذلك، ولا يشعرون أن فعلهم عين الفساد.
١٣ - وإذا أمروا بالإيمان كما آمن أصحاب محمد ﷺ؛ أجابوا على سبيل الاستنكار والاستهزاء بقولهم: أنؤمن كإيمان خِفافِ العقول؟! والحق أنهم هم السفهاء، ولكنهم يجهلون ذلك.
١٤ - وإذا التقوا المؤمنين قالوا: صدَّقنا بما تؤمنون به؛ يقولون ذلك خوفًا من المؤمنين، وإذا انصرفوا عن المؤمنين إلى رؤسائهم منفردين بهم، قالوا مؤكدين ثباتهم على متابعتهم لهم: إنا معكم على طريقتكم، ولكنا نوافق المؤمنين ظاهرًا سخرية بهم واستهزاءً.
١٥ - الله يستهزئ بهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين، جزاءً لهم من جنس عملهم، ولهذا أجرى لهم أحكام المسلمين في الدنيا، وأما في الآخرة فيجازيهم على كفرهم ونفاقهم، وكذلك يملي لهم ليتمادوا في ضلالهم وطغيانهم، فيبقوا حائرين مترددين.
١٦ - أولئك هم السفهاء لأنهم استبدلوا الكفر بالإيمان، فما ربحت تجارتهم؛ لخسارتهم الإيمان بالله، وما كانوا مهتدين إلى الحق.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن من طبع الله على قلوبهم بسبب عنادهم وتكذيبهم لا تنفع معهم الآيات وإن عظمت.
• أن إمهال الله تعالى للظالمين المكذبين لم يكن عن غفلة أو عجز عنهم، بل ليزدادوا إثمًا، فتكون عقوبتهم أعظم.
1 / 3
١٧ - ضرب الله لهؤلاء المنافقين مثلين: مثلًا ناريًّا، ومثلًا مائيًّا، فأما مثلهم الناري: فهم كمثل من أوقد نارًا ليستضيء بها، فلما سطع نورها وظن أنَّه ينتفع بضوئها خمدت، فذهب ما فيها من إشراق، وبقي ما فيها من إحراق، فبقي أصحابها في ظلمات لا يرون شيئًا، ولا يهتدون سبيلًا.
١٨ - فهم صمٌّ لا يسمعون الحق سماع قبول، بُكْمٌ لا ينطقون به، عمي عن إبصاره، فلا يرجعون عن ضلالهم.
١٩ - وأما مثلهم المائي: فهم كمثل مطر كثير، من سحاب فيه ظلمات متراكمة ورعد وبرق، نزل على قوم فأصابهم ذعر شديد، فجعلوا يسدُّون آذانهم بأطراف أصابعهم، من شدة صوت الصواعق خوفًا من الموت، والله محيط بالكافرين لا يعجزونه.
٢٠ - يكاد البرق من شدة لمعانه وسطوعه يأخذ أبصارهم، كلما ومض البرق لهم وأضاء تقدموا، وإذا لم يضئ بقوا في الظلام، فلم يستطيعوا التحرك، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم بقدرته الشاملة لكل شيء؛ فلا تعود إليهم؛ لإعراضهم عن الحق. فكان المطر مثلًا للقرآن، وصوت الصواعق مثلًا لما فيه من الزواجر، وضوء البرق مثلًا لظهور الحق لهم أحيانًا، وجعل سد الآذان من شدة الصواعق، مثلًا لإعراضهم عن الحق وعدم الاستجابة له، ووجه الشبه بين المنافقين وأصحاب المَثَلَين؛ هو عدم الاستفادة، ففي المثل الناري: لم يستفد مستوقدها غير الظلام والإحراق، وفي المثل المائي: لم يستفد أصحاب المطر إلا ما يروِّعهم ويزعجهم من الرعد والبرق، وهكذا المنافقون لا يرون في الإسلام إلا الشدة والقسوة.
ولما ذكر الله أنواع الناس من مؤمنين وكافرين ومنافقين؛ ناداهم جميعًا داعيًا إياهم إلى إفراده بالعبادة، فقال:
٢١ - يا أيها الناس اعبدوا ربكم وحده دون سواه؛ لأنه الَّذي خلقكم وخلق الأمم السابقة لكم، رجاء أن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية؛ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
٢٢ - فهو الَّذي جعل لكم الأرض بساطًا ممهدًا، وجعل السماء من فوقها مُحكمة البنيان، وهو المنعم بإنزال المطر، فأنبت به مختلف الثمار من الأرض، لتكون رزقًا، فلا تجعلوا لله شركاء وأمثالا وأنتم تعلمون أنَّه لا خالق إلا الله ﷿.
٢٣ - وإن كنتم -يا أيها الناس- في شك من القرآن المُنزل على عبدنا محمد ﷺ، فنتحداكم أن تعارضوه بالإتيان بسورة واحدة مماثلة له، ولو كانت أقصر سورة منه، ونادوا من استطعتم من أنصاركم إن كنتم صادقين فيما تدَّعونه.
٢٤ - فإن لم تفعلوا ذلك -ولن تقدروا عليه أبدًا- فاتقوا النار التي توقد بالناس المستحقين للعذاب، وبأنواع الحجارة مما كانوا يعبدونه وغيرها، هذه النار قد أعدها الله وهيأها للكافرين.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن الله تعالى يخذل المنافقين في أشد أحوالهم حاجة وأكثرها شدة؛ جزاء نفاقهم وإعراضهم عن الهدى.
• من أعظم الأدلة على وجوب إفراد الله بالعبادة أنَّه تعالى هو الَّذي خلق لنا ما في الكون وجعله مسخَّرًا لنا.
• عجز الخلق عن الإتيان بمثل سورة من القرآن الكريم يدل على أنَّه تنزيل من حكيم عليم.
1 / 4
٢٥ - وإذا كان الوعيد السابق للكافرين؛ فبشِّر -أيها النبي- المؤمنين بالله الذين يعملون الصالحات؛ بما يسرُّهم من جنات تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها، كلما أُطعموا من ثمارها الطيبة رزقًا؛ قالوا من شدة الشّبَهِ بثمار الدنيا: هذا مثل الثمار التي رزقنا من قبل، وقُدمت لهم ثمار متشابهة في شكلها واسمها حتَّى يُقْبلُوا عليها بحكم المعرفة بها، ولكنها مختلفة في طَعمها ومذاقها، ولهم في الجنّة أزواج مبرَّأة من كل ما تنفر منه النفس، ويُسْتَقْذَر طبعًا مما يُتَصَوَّر في أهل الدنيا، وهم في نعيم دائم لا ينقطع، بخلاف نعيم الدنيا المنقطع.
٢٦ - إن الله ﷾: لا يستحي من ضرب الأمثال بما شاء، فيضرب المثل بالبعوضة، فما فوقها في الكِبَر أو دونها في الصِّغَر، والناس أمام هذا نوعان: مؤمنون وكافرون، فأما المؤمنون فيصدقون ويعلمون أن من وراء ضرب المثل بها حكمة، وأما الكافرون فيتساءلون على سبيل الاستهزاء عن سبب ضرب الله الأمثال بهذه المخلوقات الحقيرة؛ كالبعوض، والذباب، والعنكبوت، وغيرها، فيأتي الجواب من الله: إن في هذه الأمثال هداياتٍ وتوجيهاتٍ واختبارًا للناس، فمنهم من يضلُّهم الله بهذه الأمثال لإعراضهم عن تدبرها، وهم كثير، ومنهم من يهديهم بسبب اتعاظهم بها، وهم كثير، ولا يضل إلا من كان مستحقًّا للضلال، وهم الخارجون عن طاعته؛ كالمنافقين.
٢٧ - الذين ينقضون عهد الله الذي أخذه عليهم بعبادته وحده واتباع رسوله الَّذي أخبرت به الرسل قبله. هؤلاء الذين يتنكرون لعهود الله يتصفون بأنهم يقطعون ما أمر الله بوصله كالأرحام، ويسعون لنشر الفساد في الأرض بالمعاصي، فهؤلاء هم الناقصة حظوظهم في الدنيا والآخرة.
٢٨ - إن أمركم -أيها الكفار- لعجب! كيف تكفرون بالله، وأنتم تشاهدون دلائل قدرته في أنفسكم، فقد كنتم عدمًا لا شيء، فأنشأكم وأحياكم، ثم هو يميتكم الموتة الثانية، ثم يحييكم الحياة الثانية، ثم يرجعكم إليه ليحاسبكم على ما قدمتم.
٢٩ - والله وحده الَّذي خلق لكم جميع ما في الأرض من أنهار وأشجار وغير ذلك مما لا يُحْصَى عدده، وأنتم تنتفعون به وتستمتعون بما سخَّره لكم، ثم ارتفع على السماء فخلقهن سبع سماوات مستويات، وهو الَّذي أحاط علمه بكل شيء.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من كمال النعيم في الجنّة أن ملذاتها لا يكدرها أي نوع من التنغيص، ولا يخالطها أي أذى.
• الأمثال التي يضربها الله تعالى لا ينتفع بها إلا المؤمنون؛ لأنهم هم الذين يريدون الهداية بصدق، ويطلبونها بحق.
• من أبرز صفات الفاسقين نقضُ عهودهم مع الله ومع الخلق، وقطعُهُم لما أمر الله بوصله، وسعيُهُم بالفساد في الأرض.
• الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة؛ لأن الله تعالى امتنَّ على عباده بأن خلق لهم كل ما في الأرض.
1 / 5
٣٠ - يخبر الله تعالى أنَّه سبحانه قال للملائكة: إنه سيجعل في الأرض بشرًا يخلُف بعضهم بعضًا، للقيام بعمارتها على طاعة الله، فسأل الملائكةُ ربَّهم -سؤال استرشاد واستفهام- عن الحكمة من جعل بني آدم خلفاء في الأرض، وهم سيفسدون فيها، ويريقون الدماء ظلمًا، قائلين: ونحن أهل طاعتك، نُنَزّهُك حامدين لك، ومعظّمين جلالك وكمالك، لا نفتُرُ عن ذلك، فأجابهم الله عن سؤالهم: إني أعلم ما لا تعلمون من الحِكَم الباهرة في خلقهم، والمقاصد العظيمة من اسَتخلافهم.
٣١ - ولبيان منزلة آدم ﵇ علَّمه الله تعالى أسماء الأشياء كلها من الحيوان والجماد؛ ألفاظها ومعانيها، ثم عرض تلك المسمَّيات على الملائكة قائلًا: أخبروني بأسمائها إن كنتم صادقين فيما تقولون؛ أنكم أكرم من هذا المخلوق وأفضل منه.
٣٢ - قالوا -مُعْترِفين بنقصهم مُرْجِعين الفضل إلى الله-: نُنَزّهُك ونعظِّمك يا ربَّنا عن الاعتراض عليك في حُكمك وشرعك، فنحن لا نعلم شيئًا إلا ما رزقتنا علمه، إنك أنت العليم الَّذي لا يخفى عليك شيء، الحكيم الَّذي تضع الأمور في مواضعها من قدرك وشرعك.
٣٣ - وعندئذ قال الله تعالى لآدم: أخبرهم بأسماء تلك المسمَّيات، فلما أخبرهم كما علَّمه ربه، قال الله للملائكة: ألم أقل لكم: إني أعلم ما خفي في السماوات وفي الأرض، وأعلم ما تُظْهرون من أحوالكم وما تحدِّثُون به أنفسكم.
٣٤ - يبين الله تعالى أنَّه أمر الملائكة بالسجود لآدم سجود تقدير واحترام، فسجدوا مسارعين لامتثال أمر الله، إلا ما كان من إبليس الَّذي كان من الجن، فامتنع اعتراضًا على أمر الله له بالسجود وتكَبُّرًا على آدم، فصار بذلك من الكافرين بالله تعالى.
٣٥ - وقلنا: يا آدم اسكن أنت وزوجك -حواء- الجنّة، وكُلا منها أكلًا هنيئًا واسعًا لا مُنَغِّص فيه، في أي مكان من الجنّة، وإياكما أن تقربا هذه الشجرة التي نهيتكما عن الأكل منها، فتكونا من الظالمين بعصيان ما أمرتكم به.
٣٦ - فلم يزل الشيطان يوسوس لهما ويزين؛ حتَّى أوقعهما في الزلل والخطيئة بالأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها، فكان جزاؤهما أن أخرجهما الله من الجنّة التي كانا فيها،، وقال الله لهما وللشيطان: انزلوا إلى الأرض، بعضكم أعداء بعض، ولكم في تلك الأرض استقرار وبقاء وتَمَتُّعٌ بما فيها من خيرات إلى أن تنتهي آجالكم، وتقوم الساعة.
٣٧ - فأخذ آدم ما ألقى الله اليه من كلمات، وألهمه الدعاء بهن، وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣] فقبل الله توبته، وغفر له، فهو سبحانه كثير التوبة على عباده، رحيمٌ بهم.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الواجب على المؤمن إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض خلقه وأَمْرِهِ أن يسلِّم لله في خلقه وأَمْرِهِ.
• رَفَعَ القرآن الكريم منزلة العلم، وجعله سببًا للتفضيل بين الخلق.
• الكِبْرُ هو رأس المعاصي، وأساس كل بلاء ينزل بالخلق، وهو أول معصية عُصِيَ الله بها.
1 / 6
٣٨ - قلنا لهم: انزلوا جميعًا من الجنّة إلى الأرض، فإن جاءتكم هداية على أيدي رسلي، فمن اتبعها وآمن برسلي فلا خوف عليهم في الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
٣٩ - وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا؛ فأولئك هم أصحاب النار المقيمون فيها.
٤٠ - يا أبناء نبي الله يعقوب تذكروا نعم الله المتتالية عليكم واشكروها والتزموا بالوفاء بعهدي إليكم؛ من الإيمان بي وبرسلي، والعمل بشرائعي، فإن وفيتم به أوفيت بعهدي لكم فيما وعدتكم به؛ من الحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن يوم القيامة، وإياي وحدي فخافوني ولا تنقضوا عهدي.
٤١ - وآمِنوا بالقرآن الذى أنزلته على محمد ﷺ مواففًا لما جاء في التوراة قبل تحريفها في شأن توحيد الله، ونبوة محمد ﷺ، واحذروا من أن تكونوا أول فريق يكفر به، ولا تستبدلوا بآياتي التي أنزلتها ثمنًا قليلًا من جاه ورئاسة، واتقوا غضبي وعذابي.
٤٢ - ولا تخلطوا الحق -الَّذي أنزلته على رسلي- بما تفترون من أكاذيب، ولا تكتموا الحق الَّذي جاء في كتبكم من صفة محمد ﷺ، مع علمكم به ويقينكم منه.
٤٣ - وأدّوا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وسننها، وأخرجوا زكاة أموالكم التي جعلها الله في أيديكم، واخضعوا لله مع الخاضعين له من أمة محمد ﷺ.
٤٤ - ما أقبح أن تأمروا غيركم بالإيمان وفعل الخير، وتُعرضوا أنتم عنه ناسين أنفسكم، وأنتم تقرؤون التوراة، عالِمين بما فيها من الأمر باتباع دين الله، وتصديق رسله، أفلا تنتفعون بعقولكم؟!
٤٥ - واطلبوا العون على كل أحوالكم الدينية والدنيوية؛ بالصبر وبالصلاة التي تقربكم إلى الله وتصلكم به، فيعينكم ويحفظكم ويذهب ما بكم من ضر، وإن الصلاة لشاقة وعظيمة إلا على الخاضعين لربهم.
٤٦ - وذلك لأنهم هم الذين يوقنون أنهم واردون على ربهم وملاقوه يوم القيامة، وأنهم إليه راجعون ليجازيهم على أعمالهم.
٤٧ - يا أبناء نبي الله يعقوب، اذكروا نعمي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم، واذكروا أني فضَّلتكم على أهل زمانكم المعاصرين لكم بالنبوة والملك.
٤٨ - واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي، ذلك اليوم الَّذي لا تغني فيه نفس عن نفس شيئًا، ولا تُقْبَلُ فيه شفاعة أحد بدفع ضر أو جلب نفع إلا بإذن من الله، ولا يؤخذ فداء ولو كان ملء الأرض ذهبًا، ولا ناصر لهم في ذلك اليوم، فإذا لم ينفع شافع ولا فداء ولا ناصر، فأين المفر؟!
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعَظم الخذلان أن يأمر الإنسان غيره بالبر، وينسى نفسه.
• الصبر والصلاة من أعظم ما يعين العبد في شؤونه كلها.
• في يوم القيامة لا يَدْفَعُ العذابَ عن المرء الشفعاءُ ولا الفداءُ ولا ينفعه إلا عمله الصالح.
1 / 7
٤٩ - واذكروا يا بني إسرائيل حين أنقذناكم من أتباع فرعون الذين كانوا يذيقونكم أصناف العذاب؛ حيث يقتلون أبناءكم ذبحًا، حتَّى لا يكون لكم بقاء، ويتركون بناتكم أحياءً حتَّى يكن نساء ليخدمنهم؛ إمعانًا في إذلالكم وإهانتكم، وفي إنجائكم من بطش فرعون وأتباعه اختبار عظيم من ربكم؛ لعلكم تشكرون.
٥٠ - واذكروا من نعمنا عليكم أن شققنا لكم البحر فجعلناه طريقًا يابسًا تسيرون فيه، فأنجيناكم، وأغرقنا عدوكم فرعون وأتباعه أمام أعينكم وأنتم تنظرون إليهم.
٥١ - واذكروا من هذه النعم مواعدَتَنا موسى أربعين ليلةً لِيَتِمَّ فيها إنزال التوراة نورًا وهدى، ثم كان منكم إلا أن عبدتم العجل في تلك المدة، وأنتم ظالمون بفعلكم هذا.
٥٢ - ثم تجاوزنا عنكم بعد توبتكم، فلم نؤاخذكم لعلكم تشكرون الله بحسن عبادته وطاعته.
٥٣ - واذكروا من هذه النعم أن آتينا موسى ﵇ التوراة فرقانًا بين الحق والباطل وتمييزًا بين الهدى والضلال لعلكم تهتدون بها إلى الحق.
٥٤ - واذكروا من هذه النعم أن وفقكم الله للتوبة من عبادة العجل، حيث قال موسى ﵇ لكم: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل إلهًا تعبدونه، فتوبوا وارجعوا إلى خالقكم ومُوجدكم، وذلك بأن يقتل بعضكم بعضًا؛ والتوبة على هذا النحو خير لكم من التمادي في الكفر المؤدي إلى الخلود في النار، فقمتم بذلك بتوفيق من الله وإعانة، فتاب عليكم؛ لأنه كثير التوبة رحيم بعباده.
٥٥ - واذكروا حين قال آباؤكم مخاطبين موسى ﵇ بجرأة: لن نؤمن لك حتَّى نرى الله عِيَانًا لا يُحْجب عنّا، فأخذتكم النار المحرقة، فقتلتكم وبعضكم ينظر إلى بعض.
٥٦ - ثم أحييناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون الله على إنعامه عليكم بذلك.
٥٧ - ومن نعمنا عليكم أن أرسلنا السحاب يظلكم من حر الشمس لمّا تُهْتُم في الأرض، وأنزلنا عليكم من نعمنا شرابًا حلوًا مثل العسل، وطائرًا صغيرًا طيب اللحم يشبه السُّمَانى، وقلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم. وما نقصونا شيئًا بجحدهم هذه النعم وكفرانها، ولكن ظلموا أنفسهم بنقص حظها من الثواب وتعريضها للعقاب.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عِظَمُ نعم الله وكثرتها على بني إسرائيل، ومع هذا لم تزدهم إلا تكبُّرًا وعنادًا.
• سَعَةُ حِلم الله تعالى ورحمته بعباده، وإن عظمت ذنوبهم.
• الوحي هو الفَيْصَلُ بين الحق والباطل.
1 / 8
٥٨ - واذكروا من نعم الله عليكم حين قلنا لكم: ادخلوا بيت المقدس، وكلوا مما فيه من الطيبات من أي مكان شئتم أكلًا هنيئًا واسعًا، وكونوا في دخولكم راكعين خاضعين لله، واسألوا الله قائلين: ربنا حُطَّ عنا ذنوبنا؛ نستجب لكم، وسنزيد الذين أحسنوا في أعمالهم ثوابًا على إحسانهم.
٥٩ - فما كان من الذين ظلموا منهم إلا أن بدلوا العمل، وحرّفوا القول، فدخلوا يزحفون على أدبارهم، وقالوا: حَبَّة في شعرة، مستهزئين بأمر الله تعالى؛ فكان الجزاء أن أنزل الله على الظالمين منهم عذابًا من السماء بسبب خروجهم عن حد الشرع ومخالفة الأمر.
٦٠ - واذكروا من نعم الله عليكم لمّا كنتم في التِّيه، ونالكم العطش الشديد، فتضرّع موسى ﵇ إلى ربه وسأله أن يسقيكم؛ فأمرناه أن يضرب بعصاه الحجر؛ فلما ضربه تفجرت منه اثنتا عشرة عينًا بعدد قبائلكم، وانبعث منها الماء، وبيّنا لكل قبيلة مكان شربها الخاص بها، حتَّى لا يقع نزاع بينهم، وقلنا لكم: كلوا واشربوا من رزق الله الَّذي ساقه إليكم بغير جهد منكم ولا عمل، ولا تسعوا في الأرض مفسدين فيها.
٦١ - واذكروا حين كفرتم نعمة ربكم فمَلِلْتُم من أكل ما أنزل الله عليكم من المَنِّ والسَّلْوى، وقلتم: لن نصبر على طعام واحد لا يتغير، فطلبتم من موسى ﵇ أن يدعو الله أن يخرج لكم من نبات الأرض من بقولها وخُضَرها وقِثَّائها (يشبه الخيار لكنه أكبر) وحبوبها وعدسها وبصلها؛ طعامًا؛ فقال موسى ﵇ مستنكرًا طلبكم أن تستبدلوا الَّذي طلبتم وهو أقل وأدنى، بالمَنِّ والسَّلْوى وهو خير وأكرم، وقد كان يأتيكم دون عناء وتعب-: انزلوا من هذه الأرض إلى أي قرية، فستجدون ما سألتم في حقولها وأسواقها. وباتباعهم لأهوائهم وإعراضهم المتكرر عما اختاره الله لهم؛ لازمهم الهوان والفقر والبؤس، ورجعوا بغضب من الله؛ لإعراضهم عن دينه، وكفرهم بآياته، وقتلهم أنبياءه ظلمًا وعدوانًا؛ كل ذلك بسبب أنهم عصوا الله وكانوا يتجاوزون حدوده.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• كل من يتلاعب بنصوص الشرع ويحرّفها فيه شَبَهٌ من اليهود، وهو مُتوعَّد بعقوبة الله تعالى.
• عِظَمُ فضل الله تعالى على بني إسرائيل، وفي مقابل ذلك شدة جحودهم وعنادهم وإعراضهم عن الله وشرعه.
• أن من شؤم المعاصي وتجاوز حدود الله تعالى ما ينزل بالمرء من الذل والهوان، وتسلط الأعداء عليه.
1 / 9
٦٢ - إن مَن آمن مِن هذه الأمة، وكذلك من آمن من الأمم الماضية قبل بعثة محمد ﷺ من يهود ونصارى وصابئة -وهم طائفة من أتباع بعض الأنبياء من تحقق فيهم الإيمان بالله وباليوم الآخر- فلهم ثوابهم عند ربهم، ولا خوف عليهم مما يستقبلونه في الآخرة، ولا يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
٦٣ - واذكروا ما أخذنا عليكم من العهد المؤكد، من الإيمان بالله ورسله، ورفعنا الجبل فوقكم تخويفًا لكم وتحذيرًا من ترك العمل بالعهد، آمرين لكم بأخذ ما أنزلنا عليكم من التوراة بجد واجتهاد، دون تهاون وكسل، واحفظوا ما فيه وتدبروه؛ لعلكم بفعل ذلك تتقون عذاب الله تعالى.
٦٤ - فما كان منكم إلا أن أعرضتم وعصبتم بعد أخذ العهد المؤكد عليكم، ولولا فضل الله عليكم بالتجاوز عنكم، ورحمته بقبول توبتكم؛ لكنتم من الخاسرين بسبب ذلك الإعراض والعصيان.
٦٥ - ولقد علمتم خبر أسلافكم علمًا لا لبس فيه؛ حيث اعتدوا بالصيد يوم السبت الَّذي حُرِّم عليهم الصيد فيه، فاحتالوا على ذلك بنصب الشباك قبل يوم السبت، واستخراجها يوم الأحد؛ فجعل الله هؤلاء المتحايلين قردة منبوذين عقوبة لهم على تحايلهم.
٦٦ - فجعلنا هذه القرية المعتدية عبرة لما جاورها من القرى، وعبرة لمن يأتي بعدها؛ حتَّى لا يعمل بعملها فيستحق عقوبتها، وجعلناها تذكرة للمتقين الذين يخافون عقاب الله وانتقامه مِمَّن يتعدى حدوده.
٦٧ - واذكروا من خبر أسلافكم ما جرى بينهم وبين موسى ﵇، حيث أخبرهم بأمر الله لهم أن يذبحوا بقرة من البقر، فبدلًا من المسارعة قالوا مُتَعنِّتِين: أتجعلنا موضعًا للاستهزاء! فقال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الذين يَكْذِبُون على الله، ويستهزئون بالناس.
٦٨ - قالوا لموسى: ادعُ لنا ربك حتَّى يبين لنا صفة البقرة التي أَمَرَنا بذبحها، فقال لهم: إن الله يقول: إنها بقرة ليست كبيرة السن ولا صغيرة، ولكن وسط بين ذلك، فبادِروا بامتثال أمر ربكم.
٦٩ - فاستمروا في جدالهم وتعنُّتهم قائلين لموسى ﵇: ادعُ ربك حتى يبين لنا ما لونها، فقال لهم موسى: إن الله يقول: إنها بقرة صفراء شديدة الصُّفْرة، تُعجب كل من ينظر إليها.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الحُكم المذكور في الآية الأولى لِمَا قبل بعثة النبي ﷺ، وأما بعد بعثته فإن الدين المَرْضِيَّ عند الله هو الإسلام، لا يقبل غيره، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥].
• قد يُعَجِّلُ الله العقوبة على بعض المعاصي في الدنيا قبل الآخرة؛ لتكون تذكرة يتعظ بها الناس فيحذروا مخالفة أمر الله تعالى.
• أنّ من ضيَّق على نفسه وشدّد عليها فيما ورد موسَّعًا في الشريعة، قد يُعاقَبُ بالتشديد عليه.
1 / 10
٧٠ - ثم تمادوا في تعنُّتهم قائلين: ادعُ لنا ربك حتَّى يبين لنا مزيدًا من صفاتها؛ لأن البقر المتصف بالصفات المذكورة كثير لا نستطيع تعيينها من بينها. مؤكدين أنهم -إن شاء الله- مهتدون إلى البقرة المطلوب ذبحها.
٧١ - فقال لهم موسى: إن الله يقول: إن صفة هذه البقرة أنها غير مذلّلة بالعمل في الحراثة، ولا في سقاية الأرض، وهي سالمة من العيوب، ليس فيها علامة من لون آخر غير لونها الأصفر، وعندئذ قالوا: الآن جئت بالوصف الدقيق الَّذي يعيِّن البقرة تمامًا، وذبحوها بعد أن أوشكوا ألا يذبحوها بسبب الجدال والتعنت.
٧٢ - واذكروا حين قتلتم واحدًا منكم فتدافعتم، كلٌّ يدفع عن نفسه تهمة القتل، ويرمي بها غيره، حتَّى تنازعتم، والله مُخرج ما كنتم تخفونه من قتل ذلك البريء.
٧٣ - فقلنا لكم: اضربوا القتيل بجزء من البقرة التي أُمِرْتم بذبحها؛ فإن الله سيُحييه ليخبر مَن القاتل! ففعلوا ذلك فأخبر بقاتله. ومثل إحياء هذا الميت يحيي الله الموتى يوم القيامة، ويريكم الدلائل البينة على قدرته، لعلكم تعقلونها فتؤمنون حقًّا بالله تعالى.
٧٤ - ثم قست قلوبكم من بعد هذه المواعظ البليغة والمعجزات الباهرة، حتَّى صارت مثل الحجارة، بل أشد صلابة منها؛ فهي لا تتحول عن حالها أبدًا، وأما الحجارة فتتغير وتتحول، فإن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يتشفق فيخرج منه الماء ينابيع جارية في الأرض، ينتفع بها الناس والدواب، ومنها ما يسقط من أعالي الجبال خشية من الله ورهبة، وليست كذلك قلوبكم، وما الله بغافل عما تعملون، بل هو عالم به، وسيجازيكم عليه.
٧٥ - أفترجون -أيها المؤمنون- بعد أن علمتم حقيقة حال اليهود وعنادهم أن يؤمنوا، ويستجيبوا لكم؟! وقد كان جماعة من علمائهم يسمعون كلام الله المنزل عليهم في التوراة؛ ثم يغيِّرون ألفاظها ومعانيها بعد فهمهم لها ومعرفتهم بها، وهم يعلمون عِظَم جريمتهم.
٧٦ - من تناقضات اليهود ومكرهم أنهم إذا لقي بعضُهم المؤمنين اعترفوا لهم بصدق النبي محمد ﷺ وصحة رسالته وهو ما تشهد له التوراة، ولكن حين يخلو اليهود بعضهم ببعض يتلاومون فيما بينهم بسبب هذه الاعترافات؛ لأن المسلمين يقيمون عليهم بها الحجة فيما صدر عنهم من الاعتراف بصدق النبوة.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن بعض قلوب العباد أشد قسوة من الحجارة الصلبة؛ فلا تلين لموعظة، ولا ترق لذكرى.
• أن الدلائل والبينات -وإن عظمت- لا تنفع إن لم يكن القلب مستسلمًا خاشعًا لله.
• كشفت الآيات حقيقة ما انطوت عليه أنفس اليهود، حيث توارثوا الرعونة والخداع والتلاعب بالدين.
1 / 11
٧٧ - هؤلاء اليهود يسلكون هذا المسلك المَشِين وكأنهم يغفُلون عن أن الله يعلم ما يخفون من أقوالهم وأفعالهم وما يعلنون منها، وسيظهرها لعباده ويفضحهم.
٧٨ - ومن اليهود طائفة، لا يعلمون التوراة إلا تلاوة، ولا يفهمون ما دلت عليه، وليس معهم إلا أكاذيب أخذوها من كبرائهم، يظنون أنها التوراة التي أنزلها الله.
٧٩ - فهلاك وعذاب شديد ينتظر هؤلاء الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون -كذبًا-: هذا من عند الله؛ ليستبدلوا بالحق واتباع الهدى ثمنًا زهيدًا في الدنيا، مثل المال والرئاسة، فهلاك وعذاب شديد لهم على ما كتبته أيديهم مما يَكْذِبون به على الله، وهلاك وعذاب شديد لهم على ما يكسبونه من وراء ذلك من مال ورئاسة.
٨٠ - وقالوا -كذبًا وغرورًا-: لن تمسَّنا النار ولن ندخلها إلا أيامًا قليلة، قل -أيها النبي- لهؤلاء: هل أخذنم على ذلك وعدًا مؤكدًا من الله؟ فإن كان لكم ذلك؛ فإن الله لا يخلف عهده، أم أنكم تقولون على الله -كذبًا وزورًا- ما لا تعلمون؟
٨١ - ليس الأمر كما يتوهم هؤلاء؛ فإن الله يعذب كل من كسب سيئة الكفر، وأحاطت به ذنوبه من كل جانب؛ ويجازيهم بدخول النار وملازمتها، ماكثين فيها أبدًا.
٨٢ - والذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحة، ثوابهم عند الله دخول الجنّة وملازمتها، ماكثين فيها أبدًا.
٨٣ - واذكروا -يا بني إسرائيل- العهد المؤكد الَّذي أخذناه عليكم، بأن توحِّدوا الله ولا تعبدوا معه غيره، وبأن تحسنوا إلى الوالدين والأقارب واليتامى والمساكين المحتاجين، وبأن تقولوا للناس كلامًا حسنًا، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر بلا غلظة وشدة، وبأن تؤدوا الصلاة تامة على نحو ما أمرتكم، وبأن تؤتوا الزكاة بصرفها لمستحقيها طيّبة بها أنفسكم، فما كان منكم بعد هذا العهد إلا أن انصرفتم مُعرضين عن الوفاء بما أخذ عليكم.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بعض أهل الكتاب يدّعي العلم بما أنزل الله، والحقيقة أن لا علم له بما أنزل الله، وإنما هو الوهم والجهل.
• من أعظم الناس إثمًا من يكذب على الله تعالى ورسله، فينسب إليهم ما لم يكن منهم.
• مع عظم المواثيق التي أخذها الله تعالى على اليهود وشدة التأكيد عليها، لم يزدهم ذلك إلا إعراضًا عنها ورفضًا لها.
1 / 12
٨٤ - واذكروا العهد المؤكد الَّذي أخذناه عليكم في التوراة من تحريم إراقة بعضكم دماء بعض، وتحريم إخراج بعضكم بعضًا من ديارهم، ثم اعترفتم بما أخذناه عليكم من عهد بذلك، وأنتم تشهدون على صحته.
٨٥ - ثم أنتم تخالفون هذا العهد؛ فيقتل بعضكم بعضًا، وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم مستعينين عليهم بالأعداء ظلمًا وعدوانًا، وإذا جاؤوكم أسرى في أيدي الأعداء سعيتم في دفع الفدية لتخليصهم من أسرهم، مع أن إخراجهم من ديارهم محرَّم عليكم، فكيف تؤمنون ببعض ما في التوراة من وجوب فداء الأسرى، وتكفرون ببعض ما فيها من صيانة الدماء ومنع إخراج بعضكم بعضًا من ديارهم؟! فليس للذي يفعل ذلك منكم جزاء إلا الذل والمهانة في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة فإنه يُرَدّ إلى أشد العذاب، وليس الله بغافل عما تعملون، بل هو مطلع عليه، وسيجازيكم به.
٨٦ - أولئك الذين استبدلوا الحياة الدنيا بالآخرة، إيثارًا للفاني على الباقي، فلا يُخَفف عنهم العذاب في الآخرة، وليس لهم ناصر ينصرهم يومئذ.
٨٧ - ولقد آتينا موسى التوراة، وأتبعناه برسل من بعده على أثره، وآتينا عيسى بن مريم الآيات الواضحة المبيِّنةَ لصدقه؛ كإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وقويناه بالملَكِ جبريل ﵇، أفكلما جاءكم -يا بني إسرائيل- رسول من عند الله بما لا يوافق أهواءكم استكبرتم على الحق، وتعاليتم على رسل الله؛ ففريقًا منهم تكذِّبون، وفريقًا تقتلون؟!
٨٨ - لقد كانت حجة اليهود في عدم اتباع محمد ﷺ قولهم: إن قلوبنا مُغَلّفة لا يصل اليها شيء مما تقول ولا تفهمه، وليس الحال كما زعموا، بل طرَدَهم الله من رحمته بكفرهم فلا يؤمنون إلا بقليل مما أنزل الله.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعظم الكفر: الإيمان ببعض ما أنزل الله والكفر ببعضه؛ لأن فاعل ذلك قد جعل إلهه هواه.
• عِظَم ما بلغه اليهود من العناد، واتباع الهوى، والتلاعب بما أنزل الله تعالى.
• فضل الله تعالى ورحمته بخلقه، حيث تابع عليهم إرسال الرسل وإنزال الكتب لهدايتهم للرشاد.
• أن الله يعاقب المعرضين عن الهدى المعاندين لأوامره بالطبع على قلوبهم وطردهم من رحمته؛ فلا يهتدون إلى الحق، ولا يعملون به.
1 / 13