The Call of the Righteous in the Jurisprudence of Fasting and the Virtue of Ramadan
نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان
Nau'ikan
ثم يقول يرحمه الله: "لا أستطيع أن أتصور أن الإنسان إنسان حتى أراه محسنًا، لأني لا أعتمد فصلًا صحيحًا بين الإنسان والحيوان إلا الإحسان، وإني أرى الناس ثلاثة، رجل يحسن إلى غيره ليتخذ إحسانه إليه سبيلًا إلى الإحسان إلى نفسه، وهو المستبد الجبار الذي لا يفهم من الإحسان إلا أنه يستعبد الإنسان، ورجل يحسن إلى نفسه ولا يُحسن إلى غيره، وهو الشره المتكالب الذي لو علم أن الدم السائل يستحيل إلى ذهب جامد لذَبح في سبيله الناس جميعًا.
ورجل لا يُحسن إلى نفسه ولا إلى غيره، وهو البخيل الأحمق الذي يجيع بطنه ليشبع صندوقه، أما الرابع الذي يحسن إلى غيره ويحسن إلى نفسه، فلا أعلم له مكانًا ولا أجد إليه سبيلًا، وأحسب أنه هو ذلك الذي كان يفتّش عنه الفيلسوف اليوناني ديوجين الكلبي حينما سئل ما يصنع بمصباحه وكان يدور به في بياض النهار، فقال: أفتش عن إنسان" (١) .
يقول المنفلوطي ﵀ في مقالة "الرحمة":
"سأكون في هذه المرة شاعرًا بلا قافية ولا بحر لأني أريد أن أخاطب القلب وجهًا لوجه ولا سبيل إلى ذلك إلا سبيل الشعر.
إن البذور تلقى في الأرض فلا تنبت إلا إذا حرث الحارث تربتها وجعل عاليها سافلها، وكذلك القلب لا تبلغ منه العظة إلا إذا داخلته وتخللت أجزائه، وبلغت سويدائه، ولا محراث للقلب غير الشِعر، أيها الرجل السعيد كن رحيمًا أَشعِر قلبك الرحمة، ليكن قلبُك الرحمةَ بعينها.
ستقول إني غير سعيد لأن بين جنبيّ قلبًا يُلم به من الهمّ ما يلم بغيره من القلوب، أجل فليكن ذلك كذلك، ولكن أطعم الجائع واكس العاري وعزّ المحزون، وفرّج كربة المكروب يكن لك من هذا المجتمع البائس خير عزاء يعزيك عن همومك وأحزانك، ولا تعجب أن يأتيك النور من سواد الحلك فالبدر لا يطلع إلا إذا شقّ رداء الليل، والفجر لا يَدْرُج إلا من مهد الظلام.
_________
(١) "الغني والفقير" مقالة للمنفلوطي من كتاب النظرات (١/٧٦-٧٩) .
1 / 65