55

The Book of Manners

الأدب الصغير ت خلف

Mai Buga Littafi

دار ابن القيم بالإسكندرية

Nau'ikan

يَسْلَمُ الْعَاقِلُ مِنْ عِظَامِ الذُّنُوبِ وَالْعُيُوبِ بِالْقَنَاعَةِ وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ. لاَ تَجِدُ الْعَاقِلَ يُحَدِّثُ مَنْ يَخَافُ تَكْذِيبَهُ، وَلاَ يَسْأَلُ مَنْ يَخَافُ مَنْعَهُ، وَلاَ يَعِدُ بِمَا لاَ يَجِدُ إِنْجَازَهُ، وَلاَ يَرْجُو مَا يُعَنَّفُ بِرَجَائِهِ، وَلاَ يُقْدِمُ عَلَى مَا (١) يَخَافُ الْعَجْزَ عَنْهُ. وَهُوَ يُسَخِّي بِنَفْسِهِ (٢) عَمَّا يُغْبَطُ بِهِ الْقَوَّالُونَ خُرُوجًا مِنْ عَيْبِ التَّكْذِيبِ، وَيُسَخِّي بِنَفْسِهِ عَمَّا يَنَالُ [بِهِ] (٣) السَّائِلُونَ سَلاَمَةً مِنْ مَذَلَّةِ الْمَسْأَلَةِ، وَيُسَخِّي بِنَفْسِهِ عَنْ مَحْمَدَةِ الْمَوَاعِيدِ بَرَاءَةً مِنْ مَذَمَّةِ الْخُلْفِ، وَيُسَخِّي بِنَفْسِهِ عَنْ فَرَحِ الرَّجَاءِ خَوْفَ الْإِكْدَاءِ (٤)، وَيُسَخِّيهِ عَنْ مَرَاتِبِ الْمُقْدِمِينَ مَا يَرَى مِنْ فَضَائِحِ الْمُقَصِّرِينَ. لاَ عَقْلَ لِمَنْ أَغْفَلَهُ عَنْ آخِرَتِهِ مَا يَجِدُ مِنْ لَذَّةِ دُنْيَاهُ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَقْلِ أَنْ يَحْرِمَهُ حَظَّهُ مِنَ الدُّنْيَا بَصَرُهُ بِزَوَالِهَا.

(١) في "ك": [ولا يَقْدُمُ عَلَى مَنْ]. (٢) يقال: سَخَّى نَفْسَهُ عن الشيء، وَسَخَّى بنفسِهِ عنه: أي: تركه ولم تنازعه نفسه إليه. (٣) سقطت من "ك". (٤) أي: خوف الإخفاق، وأصله القطع وعدم الإتمام، مأخوذ من الكُدْيَة، وهي أرض صُلبة كالصخرة لا تعمل فيها المعاول، تمنع حافر البئر إذا وصل إليها من الحفر. ومنه قوله (تعالى): ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾. قال الزجاج: «معنى: أكدى: قطع. وأصله من الحفر في البئر، يقال للحافر إذا بلغ في حفر البئر إلى حجر لا يمكنه الحفر: قد بلغ إلى الكُدْيَة، وعند ذلك يقطع الحفر».

1 / 60