The Book of Manners
الأدب الصغير ت خلف
Mai Buga Littafi
دار ابن القيم بالإسكندرية
Nau'ikan
يُلْتَمَسُ بِهِ صَلاَحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَقَدْ وَضَعْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ الْمَحْفُوظِ حُرُوفًا فِيهَا عَوْنٌ عَلَى عِمَارَةِ الْقُلُوبِ وَصِقَالِهَا (١) وَتَجْلِيَةِ أَبْصَارِهَا، وَإِحْيَاءٌ لِلتَّفْكِيرِ، وَإِقَامَةٌ لِلتَّدْبِيرِ، وَدَلِيلٌ عَلَى مَحَامِدِ الْأُمُورِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلاَقِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
الْوَاصِفُونَ أَكْثَرُ مِنَ الْعَارِفِينَ، وَالْعَارِفُونَ أَكْثَرُ مِنَ الْفَاعِلَينَ.
فَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ أَيْنَ يَضَعُ نَفْسَهُ. فَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ آفَةٌ نَصِيبًا مِنَ اللُّبِّ يَعِيشُ بِهِ، لاَ يُحِبُّ أَنَّ لَهُ بِهِ مِنَ الدُّنيا ثَمَنًا. وَلَيْسَ كُلُّ ذِي نَصِيبٍ مِنَ اللُّبِّ بِمُسْتَوْجِبٍ أَنْ يُسَمَّى فِي ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَلاَ أَنْ يُوصَفَ بِصِفَاتِهِمْ.
فَمَنْ رَامَ (٢) أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ الاسْمِ وَالْوَصْفِ أَهْلًا، فَلْيَأْخُذْ لَهُ عَتَادَهُ (٣)، وَلْيُعِدَّ لَهُ طُولَ أَيَّامِهِ، وَلْيُؤْثِرْهُ عَلَى أَهْوَائِهِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ رَامَ أَمْرًا جَسِيمًا لاَ يَصْلُحُ عَلَى الْغَفْلَةِ، وَلاَ يُدْرَكُ بِالْمَعْجَِزَةِ (٤)، وَلاَ يَصِيرُ عَلَى الْأَثَرَةِ. وَلَيْسَ كَسَائِرِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَسُلْطَانِهَا وَمَالِهَا وَزِينَتِهَا الَّتِي قَدْ يُدْرِكُ مِنْهَا الْمُتَوانِي مَا
_________
(١) الصَّقْلُ: الْجِلاَءُ. وصَقَلَ الشيْءَ يَصْقُلُهُ صَقْلًا وصِقَالًا، فهو مَصْقُولٌ وَصَقِيلٌ: جَلاَهُ. والاسم: الصِّقَالُ.
(٢) رَامَ الشيْءَ يَرُومُهُ رَوْمًا ومَرَامًا: أي: طَلَبَهُ.
(٣) الْعَتَادُ: الْعُدَّة، يقال: أَخَذَ للأمرِ عُدَّتَهُ وَعَتَادَهُ، أي: أُهْبَتَهُ وَآلَتَهُ.
(٤) الْمَعْجَِزَةُ بفتح الجيم المعجمة وكسرها، مِنَ الْعَجْزِ وهو الضعف. قال الجوهري في "الصحاح": «تقول: عَجَزْتُ عن كذا أَعْجِزُ بالكسر عَجْزًا وَمَعْجِزَةً وَمَعْجَزَةً وَمَعْجِزًا وَمَعْجَزًا بالفتح أيضًا على القياس».
1 / 25