147

The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

السيرة النبوية - راغب السرجاني

Nau'ikan

إعداد الرسول ﷺ والأنصار لموعد بيعة العقبة الثانية
وصل الأنصار إلى مكة مع وفدهم، وبدءوا يرتبون للموعد الذي سيتم بينهم وبين الرسول ﷺ، ويريد الرسول ﷺ أن يجعله في غاية السرية؛ لأنه الموعد الذي يسبق قيام دولة المسلمين، وكذلك كان الرسول ﷺ لا يستطيع أن يقابل ممثلين عن الخمسة والسبعين؛ لأنهم من بطون مختلفة وفروع مختلفة من الأوس والخزرج، صحيح أنهم يرجعون في النهاية إلى قبيلتين، لكن فيهم بطون كثيرة وفروع كثيرة، ومن الممكن ألا يوافق الكل على جميع الشروط التي سيقولها الرسول ﷺ، ومن غير المعقول أن يذهب الرسول ﷺ إلى المدينة، ثم يكتشف أن كثيرًا منهم ليس على قدر المسئولية، أو أن فيهم معترضًا على وجود الرسول ﷺ، أو على بعض بنود الاتفاق؛ لذا كان لابد أن يقابلهم كلهم، ويتأكد أنهم كلهم موافقون على هذا الموضوع بكل أبعاده، وأن كل واحد منهم سوف يبايعه ويسلّم عليه بيده؛ من أجل أن يؤكد البيعة معه بنفسه، فيطمئن من كل واحد بعينه أنه موافق على كل بنود الاتفاق.
كيف سيقابلهم وهم في زحمة الحج، ووسط مكة الصغيرة؟ كيف سيقابلهم من غير أن يشعر به أحد من أهل مكة؟ أولًا: اختار الرسول ﷺ أن يكون الموعد في آخر ليلة من ليالي الحج، يعني: في ليلة (١٣) من ذي الحجة؛ لأن الحجاج سيعودون إلى بلادهم في اليوم الثاني مباشرة، فلو أن أحدًا من أهل قريش علم باللقاء، فلن يصلوا إلى الوفد إلا بعد رحيله.
ثانيًا: أنه جعل ساعة اللقاء في الثلث الأوسط من الليل؛ لأن الأغلب أن كل الناس في مكة سيكونون نيامًا في هذا الوقت، فالذي سينام متأخرًا سيتأخر نومه إلى الثلث الأول من الليل، والذي سيصحو مبكرًا سيصحو في الثلث الأخير من الليل، لكن الثلث الأوسط يكون الناس فيه في الأغلب نيامًا.
ثالثًا: اختار الرسول ﷺ مكانًا بعيدًا عن زحمة الحجاج، اختار الشعب الأيمن من العقبة، وهو مكان بعيد، لا يوجد أحد من الحجاج وضع فيه مخيمات.
رابعًا: أن الرسول ﷺ لم يخبر أحدًا من المسلمين في مكة بالموعد إلا ثلاثة فقط، وسيكون لهم دور في الاجتماع، وهذا ليس بشك في المسلمين، لكنه يريد السرية التامة، فمن ليس له علاقة بالموضوع لا داعي لمعرفته، وهؤلاء الثلاثة هم: عمه العباس، وكان في ذلك الوقت ما زال مشركًا، وأبو بكر، وعلي ﵃ أجمعين، أما العباس فلأنه سيكون مشاركًا في الاجتماعات، وأما أبو بكر وعلي فلتأمين المكان ومراقبة مداخل الشعب الذي سيتم فيه اللقاء.
خامسًا: ليأخذ الأنصار الحيطة أيضًا، فمعهم في الوفد (٢٢٥) مشركًا في نفس الخيام، ورئيس الوفد مشرك، وهو عبد الله بن أبي ابن سلول الذي سيكون بعد ذلك زعيم المنافقين، فلابد أن يأخذوا الحذر الكافي.
يقول كعب بن مالك ﵁ وأرضاه -أحد المشاركين في بيعة العقبة الثانية-: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل -أي: الأول-، خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله ﷺ نتسلل تسلل القطا مستخفين -القطا: طائر صغير يشبه الحمام-، فكانوا يخرجون واحدًا واحدًا، أو اثنين اثنين، إلى أن اجتمعوا كلهم في المكان المتفق عليه.
أتى الرسول ﷺ في نفس الموعد ومعه العباس ﵁، وبعث أبا بكر وعليًا كلًا منهما على مدخل من مداخل الشعب للمراقبة.

13 / 5