The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
Nau'ikan
دعوة الرسول ﷺ لوفود الحج
بدأ الرسول ﷺ يزور الوفود التي تأتي لتحج في مكة، وبدأ يعرض عليهم الإسلام كعادته في ذلك، لكن بدأ يطلب منهم فوق هذا النصرة، وأن يساعدوه ويدافعوا عنه، فهو يريد بديلًا للمطعم بن عدي، وفي نفس الوقت لم يقل صراحة أنه سوف يحارب قريشًا، أو أنه سيقف أمامها؛ لأن المرحلة في ذلك الوقت كانت صعبة والوضع غير مستقر، وكل هذا يتم في ذي القعدة وذي الحجة من السنة العاشرة من البعثة.
أي: بعد كل الأحداث المؤلمة والمحزنة التي حدثت في الشهرين الماضيين، كان الرسول ﷺ يتحرك بمنتهى النشاط مع كل الظروف العادية التي تحصل لأي إنسان عنده بيت وأولاد، ولديه مسئوليات.
ومن هذا الموقف تصلنا رسالة هامة من الرسول ﵊، وهي لا عذر لأحد، فكلمة الظروف لم تكن موجودة في قاموس حياة الرسول ﷺ، وكثير من الناس تعتذر بسبب الظروف: أنت لم تعرف ظروفي، ظروفي غير مناسبة، ليس من يديه في الماء كمن هي في النار! يا أخي الحبيب! أنا أريد منك أن تنظر بأمانة لظروف الرسول ﷺ؛ لتستطيع أن تحكم فعلًا إذا كانت ظروفك صعبة أم لا، فقد كان من الممكن أن ينصر الله رسوله ﷺ بكلمة واحدة، ويفتح قلوب العرب لكلامه من أول يوم في الدعوة، ويوفر عليه الجهد والتعب، ويريح قلبه بدلًا من خروجه من حزن ودخوله في آخر، لكن ربنا يعلمنا طبيعة الطريق، فمن الطبيعي أن يكون عندك مشاكل في طريق الدعوة، لكن ليس من المفترض أن توقفك، من الطبيعي أن تحاربك الناس وتؤذيك وتسخر منك، لكن ليس من المفترض أن يوقفك مثل هذا، الناس مريضة بمرض البعد عن ربنا ﷾، وأنت طبيبهم تعالجهم ولا تضربهم، وتحبهم ولا تكرههم.
هذه هي الرسالة التي أخذناها من حياة الرسول ﷺ، والتي أخذناها من مكة والطائف، والتي سوف نأخذها بعد هذا من المدينة المنورة، الرسالة واضحة، طريق الدعوة صعب، لكن لا بد أن نمشي فيه ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ [الأنعام:٣٤] دعوة وبعدها تكذيب وإيذاء ثم صبر من الدعاة، وفي الأخير ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ [الأنعام:٣٤] فليس هناك طريق آخر، فهذا طريق الرسل، وطريق كل مسلم يحب دينه، ويريد أن يتحرك وسط الناس.
بدأ الرسول ﷺ يكلم الوفود التي أتت لتزور مكة، ذهب لبني كلب، ولبني كندة، ولبني حنيفة، وذهب لغيرهم، ومع ذلك ما قبل أحد منهم الإسلام، كل هذا وعمه أبو لهب يمشي خلفه في كل زيارة، الرسول ﷺ يقف على كل قبيلة، ويقول لهم: يا بني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتسمعوني وتصدقوا بي، حتى أُبين عن الله ما بعثني به، يريد منهم أن يسلموا ويدافعوا عنه، وأبو لهب هو أيضًا يبذل مجهودًا، فبعد أن ينتهي الرسول ﷺ من كلامه يقف ويقول لهم: يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعماقكم إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، يدعي أن هذا ما هو إلا البدعة والضلالة، وأيضًا يقول: فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه، فالناس يسألون ويقولون: من هذا؟ فيقال: عمه، فيقول: من المؤكد أنه يعرفه أكثر منا، فلا يؤمنوا، فيذهب أبو لهب فرحًا بنفسه، ويرى أنه قد أدى واجبه، ولا يعرف أنه يحفر لنفسه قبرًا في جهنم، فهذا اسم على مسمى أبو لهب، حتى إن الله ﷾ قال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ [المسد:١ - ٣] أي: أنه باسم النار التي سوف يدخلها.
أحد أصحاب القومية العربية كان يجعل هذا الاسم كنيته، وقال: لأن أبا لهب كان عربيًا، وهو يعتز بالعروبة وبأي عربي.
كل القبائل رفضت الدعوة، ولم يكن هناك أحد يفكر، إلا قبيلة واحدة فقط التي أخذت الموضوع بجد وفكّرت في الإسلام، ولكن كانت هناك نقطة معينة اشترطوها على الرسول ﷺ ليسلموا ويدافعوا عنه.
ما هي هذه القبيلة؟ وما الذي اشترطوه على رسول الله ﵊؟ وما هو رد فعل الرسول ﷺ؟ هذه القبيلة هي قبيلة بني عامر، وهي من أعز قبائل العرب، وهي إحدى خمس قبائل لم تعرف في تاريخها كله سبيًا لنسائها، ولا دفعًا لإثارة غيرهم، والمباحثات معها في غاية الحساسية، عرض عليهم الرسول ﷺ الإسلام وطلب منهم النصرة كبقية القبائل، وكان زعيمهم بيحرة بن فراس واهتم بالموضوع ووقف يقول لأصحابه أمام الرسول ﷺ: لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العر
11 / 12