......................................................................
أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار; فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي ﷺ على قريش بالهلاك، بل قال: " اللهم! عليك بهم، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف "١ وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه.
فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه. وقد يستدل بدعاء خبيب حيث قال: "اللهم أحصهم عددا، ولا تبق منهم أحدا" ٢ على جواز ذلك; لأنه وقع في عهد الرسول ﷺ ولأن الأمر وقع كما دعا; فإنه ما بقي منهم أحد على رأس الحول، ولم ينكر الله تعالى ذلك، ولا أنكره النبي ﷺ بل إن إجابة الله دعاءه يدل على رضاه به وإقراره عليه.
فهذا قد يستدل به على جواز الدعاء على الكفار بالهلاك، لكن يحتاج أن ينظر في القصة; فقد يكون لها أسباب خاصة، لا تتأتى في كل شيء. ثم إن خبيبا دعا بالهلاك لفئة محصورة من الكفار لا لجميع الكفار.
وفيه أيضا إن صح الحديث: دعاؤه على عتبة بن أبي لهب: " اللهم! سلط عليه كلبا من كلابك "٣ فيه دليل على الدعاء بالهلاك، لكن هذا على شخص معين لا على جميع الكفار.
١ من حديث ابن مسعود، رواه: البخاري (كتاب التفسير، باب سورة الدخان، ٣/٢٨٩)، ومسلم (كتاب صفات المنافقين، باب الدخان، ٤/٢١٥٥) .
٢ من حديث أبي هريرة، رواه: البخاري (كتاب المغازي، ٣/٨٩) .
٣ رواه; ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب. وفيه عنعنة ابن إسحاق. ورواه: الحاكم في "المستدرك" من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه (كتاب التفسير، تفسير سورة أبي لهب، ٢/٥٣٩)، وقال: "صحيح الإسناد،. ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (٤/٣٩) .