إننا نسمع كلمات الأذان، ونردّد ما يقول المؤذن، وهنا تسيطر علينا روحانيّة عالية، وتهون الدنيا كلها، ونحسّ أنها تحت أقدامنا، ونستعلي على المادة، ولا نكاد نقف في الصلاة حتى تزول الحجب، وتنقشع الغيوم، وتأخذنا الصلاة بكل أنوارها التي يضيق المقام عن ذكرها، ونجد ركنًا من أركانها، وهو التشهد، ونقرأ من بين كلماته:
(السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ..)!
لك أن تتصور هذه الصلة الدائمة المستمرّة المستقرّة، وما عليك إلا أن تفتح قلبك لما تقول، فماذا أنت واجد؟!
لا شك أن الكلمات تعجز عن تصوّر ما تجد، ولا شك أن هذا الإحساس يدفعنا إلى أن نسير في طريق الحق لا نخاف ولا نخشى باطلًا ولا ظالمًا؛ لأن هذه العلاقة الإيجابيّة تضع يدنا على معالم السلوك الإيجابي العملي الذي ربّى جيلًا مثاليًّا فذًّا في التاريخ البشري!
إن هذه العلاقة ليست هُيامًا ولا خيالًا ولا كلامًا .. ولكنها أسوة ومحبّة، وعقيدة وسلوك .. وإن أمتنا التي تقف اليوم على عتبة انطلاقة جديدة، يجدر بها أن تتحسّس مواقعها، وتمتحن طاقاتها، وتقوّم مقدار إحساسها بهذه العلاقة العمليّة، ومقدار علاقتها برسالة الرسول الذي أضاء ليل الظلام الداجي يوم كان العالم يتخبّط في متاهات الحيرة والضلال، ويئنّ من وطأة الظلم والظالمين .. يوم كان نهبًا لأولئك الذين استطاعوا ببغيهم وعدوانهم، وجحود هم وكنودهم، وفسوقهم وعقوقهم، أن يستعبدوا مَن دونهم من البشر، بلا هوادة ولا رحمة!