174

The Arabs in Sicily

العرب في صقلية

Mai Buga Littafi

دار الثقافة

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٩٧٥

Inda aka buga

بيروت - لبنان

Nau'ikan

وتلك الفتنة هي التي جعلت الشاعر يفف موقف الحكيم الذي يحس، ببعد نظره، ما تنطوي عليه من نتائج سيئة، فهو يحذر منها ويدعو قومه إلى الائتلاف. وفي ذلك التحذير امتداد لما قلته عن تجسم الجزيرة بحدودها الجغرافية والسياسية في النفوس، وفيه روح من الحرص على مستقبل تلك " الجزيرة " التي لها أبناء يحبونها، لا مهاجرون يرون فيها مكانًا سخيا بالسمن والعسل. غير ان هذه الروح لم تلبث ان خفتت حين اصبح الانقسام حقيقة واقعة وغلب على نفوس أصحابها حب البقاء، فآثروا الانضمام إلى هذه الفئة أو تلك، واستسلموا لحكم المقادير.
ثم كانت الفتنة سببًا في ضياع الوطن وزوال السيادة الإسلامية عنه، فأي شيء أحدثه ذلك المصاب الكبير في نفوس الشعراء؟ إننا إذا استثنينا تلك الدموع الصادقة التي ذرفها ابن حمديس على وطنه لم نجد لضياع ذلك الوطن اثرًا عميقًا في النفوس الصقلية، فلم يكن تجسد " الجزيرة " واضحًا مكتملًا، هذا مع أن القيروان حين سقطت، وجدت الشعر يخلد مأساتها ويحكي حالها بعاطفة صادقة، أما حين سقطت فلم تجد إلا شاعرها الشاب ابن حمديس. ومن أهم العوامل التي أضعفت التجاوب بين الصقليين ونكبهم في وطنهم نظرتهم إلى المأساة عن طريق الاستسلام، واعتقادهم أنه لم يصبهم إلا ما كتب الله لهم، وهذه نظرة تؤسى الجازع، فيستشعر قلة الجدوى في الحزن والبكاء ويحمل نفسه على الأخذ بفلسفة الصبر. ثمة عامل آخر لعله اقوى من سابقة وهو تعليل النوازل التي تحل بالناس على أساس الخطيئة، فقد أخطأت صقلية فلتذق جزاء ما اقترفت من ذنوب، وليس ما أصابها، وخاصة في رأي المتدينين، إلا عقاب من الله صبه عليها، وهي له مستحقة. ولست أناقش قرب هذا الرأي أو بعده ن الحقيقة، ولكن الجماعة إذا انتهت إلى هذا التلاوم في تحديد المسئولية فقدت القدرة على أن تلمس طبيعة المأساة نفسها في فقد الوطن. وقد عبر أحد الفقهاء الصقليين عن هذا الاتجاه حين ربط بين نهاية صقلية وجحود أهلها للنعمة في قوله (١):

(١) الترجمة رقم ١٤٧ من المجموعة.

1 / 183