Juyin Wakan Zamani daga Baudelaire Zuwa Zamani na Yanzu (Sashe na Farko): Nazarin
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
Nau'ikan
يجب أن يتخلل كل أنواع الأدب.» «فالأدب الجديد يؤدي إلى الإغراب الكامل.» لكي يتسنى له الارتفاع بنا إلى «الوطن الأعلى». وطبيعة عمله شبيهة بعمل المحلل بالمعنى الرياضي، وهي استنباط المجهول من المعلوم. أما من ناحية الموضوع فإن الخلق الأدبي يخضع للمصادفة كما يخضع من ناحية المنهج للتجريدات الجبرية التي تقترب من تجريدات الحكاية الخرافية، أعني من ناحية تحررها من قيود العالم المألوف الذي «يعاني من الوضوح الشديد.» عالم الباطن المحايد بدلا من الوجدان، الخيال مكان الواقع، حطام العالم لا وحدته، المزج بين العناصر المتنافرة، الاضطراب والاختلاط، التأثير السحري عن طريق الغموض وسحر اللغة، التفكير المتعقل الرزين الشبيه بالتفكير الرياضي، الإغراب لكل مألوف ومعتاد، تلك على التحديد هي عناصر البناء الذي سيؤكده بودلير في نظريته في الشعر، ويبدع رامبو ومالارميه والشعراء المعاصرون شعرهم على أساسه. وسوف يظل هذا البناء صحيحا في جملته وإن تغير فيه هذا العنصر أو ذاك، أو أضيفت إليه عناصر أخرى لم تكن فيه.
ونستطيع أن نختم هذا كله ونكمله بعبارات لناقد الحركة الرومانتيكية الألمانية الكبير «فريدريش شليجل» تدور حول فصل قيمة الجمال عن قيم الصدق والأخلاق (وهو شيء لم يكن ليرضاه الأدب الكلاسيكي القديم أبدا!) والضرورة الشاعرية التي تقضي بوجود الاضطراب والاختلاط، ثم حديثه عن التطرف والغرابة والوحشية بوصفها من شروط الأصالة الشعرية. والمهم أن الفرنسيين عنوا بقراءة نوفاليس وشليجل اللذين أثرا على الحركة الرومانتيكية الفرنسية وأوحيا إليها بعدد من أفكارها الرئيسية. وما دمنا قد ذكرنا هذه الحركة فلا بد من حديث قصير عنها يوضح مدى تأثيرها على بودلير، أول الشعراء العظام في العصر الحديث، وأول منظر للشعر الأوروبي والإحساس الفني منذ أكثر من قرن من الزمان. (5) الرومانتيكية الفرنسية
انطفأت شعلة الرومانتيكية الفرنسية «كمودة» أو بدعة أدبية في منتصف القرن الماضي، ولكنها ظلت قدرا يحدد مصير الأجيال المتأخرة، حتى تلك الأجيال التي عملت على القضاء عليها وإحلال مودات أخرى محلها. وسقطت عنها كل مظاهر التطرف والبهرجة والتظاهر والتفاهة الرخيصة. غير أن الوعي الذي بدأ يتغير من منتصف ذلك القرن ويتخلص شيئا فشيئا من الروح الرومانتيكية ظل يلجأ إليها كوسيلة للتعبير، كانت ظواهر الشذوذ والنشاز التي تحدثنا عنها في الفصل السابق كامنة في أنغامها المتجانسة كمون البذرة في الثمرة.
كتب بودلير في سنة 1859م يقول: «إن الرومانتيكية بركة من السماء أو من الشيطان، وقد تركت فينا جروحا لن تندمل أبدا.»
وهذه العبارة تؤيد ما قلناه من أن الأجيال التي جاءت بعد الرومانتيكية لم تسلم منها، فقد أبت وهي في ساعة الاحتضار إلا أن تترك عليهم آثارها الدامية. صحيح أنهم ثاروا عليها، ولكنهم فعلوا ذلك لشعورهم بأنهم واقعون في أسرها؛ لذلك لا نغالي إذا قلنا على سبيل المفارقة إن الأدب الحديث رومانتيكية تخلصت من الرومانتيكية أو أرادت أن تتخلص منها .
إن المرارة والقتامة ومذاق التراب والخراب كلها من التجارب الأساسية التي تفرض نفسها على الرومانتيكي كما ينميها هو في نفسه.
ولقد كان الفرح والسعادة بالنسبة للحضارة القديمة والحضارات التالية لها حتى القرن الثامن عشر يمثلان القيمة النفسية الرفيعة التي تدل على كمال حكمة الحكيم، وإيمان المؤمن، وبسالة الفارس، وحنكة السياسي، وثقافة المثقف. وكان الحزن والكآبة - اللهم إلا أن يكونا شيئا عارضا - يمثلان الفساد والانحراف، بل لقد كان رجال الدين يعدونهما خطيئة كبرى. ثم تغيرت الحال منذ بدأ الإحساس بالعذاب والألم يسود الوجدان الغربي في المرحلة السابقة على الرومانتيكية في القرن الثامن عشر. تراجعت السعادة والفرح من الأدب، وحلت مكانهما الكآبة والعذاب الكوني. وراحت هذه الكآبة وهذا الإحساس الأسيان بالعذاب يستمدان غذاءهما من نفسهما، وسرعان ما أصبحا من علامات السمو والنبل الروحي. إن شاتوبريان الرومانتيكي الأصيل يكتشف الكآبة التي لا سبب لها ولا تتعلق بموضوع خارجي، ويجعل من «علم القلق والأحزان» غاية الفنون، ويفسر التمزق النفسي بأنه نعمة من نعم المسيحية. وينتشر هذا الشعور بالانحلال والانهيار، ويصبح نبعا ينساب في قلوب هؤلاء المعذبين، ينهلون من مائه الدامي ويتلذذون بغرائبه ومفارقاته. ولا تلبث اللهفة أن تتعلق بكل ما يتسم بالشذوذ والتحطيم والأجرام.
ويصبح الشعر الغنائي في إحدى قصائد ألفريد دي فيني (بيت الراعي) شكوى من أخطار التقنية
4
التي تتهدد الروح. وتبدأ فكرة العدم في أداء دورها، فتنطلق لأول مرة على لسان ألفريد دي موسيه الذي راح يعبر عن عواطف جيل من الشباب تحمس فترة من الزمن لنابليون ثم وجد نفسه فجأة يصطدم بعالم من الوهم والعبث والخراب والصمت، عالم من العدم. ها هو ذا يكتب قائلا: «إنني أومن بالعدم كما أومن بنفسي.» وأخيرا تتحول الشكوى والكآبة إلى خوف غامض من المجهول الفظيع. ويكفي أن نستشهد ببيت ورد في إحدى قصائد جيراردي نيرفال التي تحمل عنوانا يشذ عن مضمونها (أبيات ذهبية، 1840م): «خف نظرة في الجدار الأعمى تتلصص عليك.»
Shafi da ba'a sani ba