Juyin Wakan Zamani daga Baudelaire Zuwa Zamani na Yanzu (Sashe na Farko): Nazarin
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
Nau'ikan
على أنه من الواجب ألا يساء فهم هذا الاتجاه. فاهتمام الشعراء المحدثين بالشكل والصنعة ليس معناه أنهم يجعلون منه بديلا باردا لقوى الخلق والإبداع بل معناه أن التفكير أو التأمل الذهني لا يؤدي باللغة إلى التفوق الشعري إلا حيث يكون على هذه اللغة أن تصارع للتحكم في مادة معقدة من نسيج الأحلام والأحاسيس. وليس معنى هذا أن الشعراء المحدثين مجردون من الحساسية بل معناه أنهم يسلطون ضوء أبوللو أو نور الفهم الفني الواضح الصريح على حساسيتهم المفرطة، فكأنهم يلجمون هذه الحساسية المفرطة ويمتحنونها ويضعونها تحت منظار العقل قبل أن يسمحوا لها بالكلام!
هكذا يلعب الوعي بالشكل دورا كبيرا في الشعر الحديث. والشعراء من أمثال مالارميه قد طبقوا هذا تطبيقا عمليا بالمراعاة الدقيقة للوزن والموسيقي وتناغم الأصوات. ولكن لعل أوضح شاهد نظري وعملي على دقة الشكل وأحكامه هو الشاعر بول فاليري. وكتاباته العديدة في هذا المجال وبالأخص كتابه «مدخل إلى فن الشعر»
4
تعد قمة العناية بالشكل المحكم الدقيق. لقد عرف ذلك التداخل الخفي بين الشك والإحكام الشكلي حين قال «إن الشك يؤدي إلى الشكل». فالشك يعرف مقدار التعسف الكامن في اكتشاف الأشكال العروضية الأولى التي حددت الوزن والإيقاع كما يعرف بالمثل أن الخواطر الخالصة التي تأتي من المضمون شيء لا يوثق فيه، ولكن الشعر يأخذ هذه الأشكال مأخذ القواعد الملزمة ثم يرتفع بها فوق التلقائية الفجة والخواطر والعواطف المضطربة، بذلك تصبح مراعاة الوزن ودقة الالتزام بالشكل هي الوجه المقابل للمضمون الغارق في ضباب الغموض مثله في ذلك مثل التقابل الذي أشرنا إليه من قبل بين التركيب اللغوي البسيط وبين العبارة المعقدة الغامضة.
ولعل هذا هو الذي يفسر لنا كيف أن الشعراء المحدثين لا يملون من إمعان التفكير والمراجعة في وسائلهم الشكلية في الوزن والقافية وبناء البيت الحر. فقد طالما فكر كلوديل في الملاءمة بين البيت الحر ووقفات التنفس، وطالما حلل أراجون نظام القافية وما أدخله عليه من تجديد. وكل هذا يدل على أن الشعر الحديث أبعد ما يكون عن القواعد المدرسية القديمة.
ولنستمع إلى شاعر مثل لوركا ظل يجرب إمكانات الشكل حتى استنفدها جميعا حين يقول في حديث له:
إذا صح أنني شاعر بفضل الله - أو بفضل الشيطان - فقد أصبحت كذلك شاعرا بفضل الصنعة والجهد المضني، ومحاسبتي النفس حسابا مطلقا عن ماهية القصيدة.
أو لنستمع إلى رأي شاعر مثل إليوت حين يقول إن العمل الفني يتطلب الدقة والإتقان وأنه يشبه صناعة آلة أو خرط أقدام مائدة. وإذا كان إليوت يتحرر كثيرا من الأوزان والأشكال العروضية فإنه يلتزم مع ذلك بدقة لا مزيد عليها في بناء القصيدة، بحيث تبدو في مجموعها ومن خلال تكرار أبيات معينة فيها أشبه بعمل موسيقي كبير يتألف من حركات متعددة. ولو ألقينا نظرة سريعة على فن الموسيقى المعاصرة لتأكدت لنا من جديد وحدة البناء في كل الفنون الحديثة. ويكفي أن نتصفح كتاب «فن الموسيقى»
5 - الذي يعد توأما لكتاب فاليري عن فن الشعر - لنجد مثل هذه الأفكار الأساسية: ينبغي لأي عمل فني أن يتم على ضوء «فن الشعر»، أي على ضوء الإلمام بالصنعة. الفنان هو أسمى نموذج «للإنسان الصانع»،
6
Shafi da ba'a sani ba