Juyin Juya Hali Na Al'adu: Gabatarwa Ta Gajarta
الثورة الثقافية الصينية: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
تمهيد
1 - مقدمة: ثورة الصين غير المكتملة
2 - السياسة تتولى زمام السيطرة
3 - الثقافة: تدمير القديم وبناء الحديث
4 - اقتصاد «الاعتماد على النفس»
5 - السياق العالمي للثورة الثقافية: أصدقاء في جميع أنحاء العالم
6 - التصالح مع الثورة الثقافية
التسلسل الزمني للأحداث
الشخصيات الأساسية في الثورة الثقافية
المراجع
Shafi da ba'a sani ba
قراءات إضافية
مواقع ويب
تمهيد
1 - مقدمة: ثورة الصين غير المكتملة
2 - السياسة تتولى زمام السيطرة
3 - الثقافة: تدمير القديم وبناء الحديث
4 - اقتصاد «الاعتماد على النفس»
5 - السياق العالمي للثورة الثقافية: أصدقاء في جميع أنحاء العالم
6 - التصالح مع الثورة الثقافية
التسلسل الزمني للأحداث
Shafi da ba'a sani ba
الشخصيات الأساسية في الثورة الثقافية
المراجع
قراءات إضافية
مواقع ويب
الثورة الثقافية الصينية
الثورة الثقافية الصينية
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
ريتشارد كيرت كراوس
ترجمة
Shafi da ba'a sani ba
شيماء طه الريدي
مراجعة
محمد إبراهيم الجندي
إلى أنتوني كراوس، أحد القساة المستنيرين!
تمهيد
زلزلت ثورة الصين الثقافية البروليتارية العظمى سياسات الصين والعالم فيما بين عامي 1969 و1976؛ إذ سيطرت على جوانب الحياة الصينية كلها؛ فتشتتت أسر، وسرح موظفون، وتعطل التعليم، وانطلقت مبادرات سياسية مدهشة وسط مشهد من الفوضى، والبدايات الجديدة، وتصفية الحسابات القديمة.
ولكن تظل الحركة محل خلاف لتطرفها، ومداها الطموح، وتأثيرها في حياة ما يقرب من مليار شخص. ومن الصعب فهم هذه الفترة المعقدة، الغامضة غالبا، التي لا تزال باعثة للألم. يحاول هذا الكتاب تقديم سرد مترابط. ولحسن الحظ، يمكننا الآن أن نعول على كتابات حيوية تألفت من المعرفة العلمية والمذكرات والثقافة الشعبية، التي ظهرت داخل الصين وخارجها على حد سواء.
كانت الثورة الثقافية عنيفة، ولكنها أيضا كانت مصدرا للإلهام والتجربة الاجتماعية. فلماذا طرب الناس للثورة الثقافية، ثم أصابت خيبة الأمل عددا كبيرا منهم؟ يكمن التحدي في التعامل مع الثورة الثقافية على محمل الجد بدلا من الاكتفاء برفضها لما تحمله من سلوكيات قاسية وسخافات.
لقد تبين أن جزءا كبيرا مما نعتقد أننا نعرفه عن «الثورة الثقافية» مغلوط؛ فعلى سبيل المثال، كانت الغالبية العظمى من سمات الثورة الثقافية قد ترسخت بالفعل قبل حوالي عامين من بدايتها المعلنة عام 1966، فقد كانت عضوية حركة الحرس الأحمر أكثر انتشارا بكثير مما يتخيل الغربيون، ولكن عنفوان الحركة الشبابية كان أقصر؛ فلم يتجاوز العامين. كانت السياسة المتبعة مع الفنون مدمرة، ولكنها كانت أيضا ومع ذلك جزءا من خطة طويلة المدى لتحديث الثقافة الصينية. وقد هزت الثورة الثقافية الاقتصاد، ولكنها بالتأكيد لم تدمره تماما؛ لأنه كان ينمو بمعدل مناسب. وعلى الرغم من عزلة الصين، فقد وضعت الثورة الثقافية حجر الأساس لتحول الصين إلى منبر تصنيعي لاقتصاد عالمي ليبرالي جديد. إن الثورة الثقافية أبعد ما تكون عن الدخول في طي النسيان في الصين اليوم، إلى جانب أن الحكومة لا تحظر مناقشتها.
إن قصة الثورة الثقافية قصة معقدة، وإني أحاول تقليص الألفاظ الاصطلاحية المتخصصة التي تظهر في الكتابات المتعلقة بالسياسة الصينية، ولكن لا بد من تحذير القراء من كلمة «كادر» الغريبة، التي تعني في هذا الكتاب «حزبا أو مسئولا حكوميا في الجمهورية الشعبية»؛ فالكلمة تشير إلى مسئولين فرديين، وليس إلى جماعة كما هو الحال في الغرب. وقد حاولت أن أقتصد في تقديم أسماء أماكن صينية غير مألوفة، على الرغم من أن هذا قد يجعل الثورة الثقافية تبدو أكثر تمركزا في بكين عما هو مؤكد؛ فقد كانت حركة وطنية ضخمة لها الكثير من السمات المحلية الخاصة. كذلك تلعب أسماء الحملات السياسية دورا أكبر مما تلعبه في الحياة العامة الغربية؛ فهي عند الصينيين تقدم - بدلا من الغموض - وسيلة للتذكرة وسياقا للتقييمات السياسية والعاطفية لتيارات الثورة الثقافية المختلفة.
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الأول
مقدمة: ثورة الصين غير المكتملة
جاءت ثورة الصين البروليتارية الثقافية العظمى إلى الحياة في مايو عام 1966، واستمرت حتى وفاة ماو تسي تونج عام 1976. وقد كانت بروليتارية في طموحها أكثر من واقعها، بالنظر إلى أن أربعة أخماس الصينيين كانوا من الفلاحين. كانت الثورة ثقافية من منظور أن أكثر أهدافها ثباتا كان الفنون والمعتقدات العامة. ولم تكن هذه الثورة عظيمة في نفسها؛ فقد أحدثت الكثير من الصخب، ولكنها أعادت تنظيم الدولة فقط ولم تقوض بنيانها، ومثل معظم الثورات استمرت لأكثر مما هو مرغوب. ويستهوي المرء أن ينظر إلى هذا العقد الصاخب باعتباره الدفعة الأخيرة، وربما النهائية، في مسار الثورة الصينية التي استمرت طوال قرن من الزمان، لتتجه الصين بعدها للمهمة الخطيرة التي تمثلت في بناء أمة حديثة.
لا يولي قادة الصين الحاليون - الذين غالبا ما يكونون هم أنفسهم من أفراد الحرس الأحمر السابقين - اهتماما كبيرا بدراسة الصلة بين «الصين الماوية» والدولة في الوقت الحالي؛ فهم يتجنبون المناقشات المخزية حول فترة شبابهم، ويتمسكون بإدراك غير مصرح به مفاده نبذ الاتهامات المضادة القائمة ضدهم من تلك الفترة. ويجد الإعلام الغربي إغراء في تعميق التفاوت بين الصين ذات الوجه الطيب (التي تملأ محالنا بالمنتجات والسلع وتحمل عنا ديوننا) والصين ذات الوجه السيئ (التي وضعت - فيما مضى - حدا للنفوذ الغربي في العالم). ولكن الروايات التي تدعي ببساطة أن ماو تسي تونج طاغية مجنون، وأن تاريخ الصين الحديث «الحقيقي» يبدأ فقط مع موته، إنما تغفل أبعادا مهمة للتغيير الاجتماعي السريع والنافذ الذي حدث منذ نهاية الثورة الثقافية.
في المقابل، يستنبط هذا الكتاب أوجه الصلة بين الصين كدولة معزولة ومحاصرة في ستينيات القرن العشرين، والصين اليوم كقوة عالمية سطع نجمها حديثا. إن هذين الوجهين لا يقفان على طرفي نقيض، لدرجة أننا أحيانا ما نرغب في أن يكونا كذلك. لقد أراد ماو - شأنه شأن غيره من القادة الصينيين في القرن العشرين - صينا قوية وحديثة، وساهمت بعض سياسات الثورة الثقافية في بلوغ هذا الهدف، والبعض الآخر لم يكن مفيدا إلى حد كبير في هذا الصدد، ولكنها مع ذلك أضافت للاتجاه المميز الذي اتبعته الصين المعاصرة.
وبدلا من مهاجمة الثورة الثقافية باعتبارها مستنقعا تاريخيا، يمكننا التركيز على صلاتها بعالمنا المعاصر، واضعين بذلك تلك الحركة الصينية القومية في سياق عالمي. لقد كانت الثورة الثقافية جزءا من الحركة العالمية للشباب الراديكاليين في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وكان المعارضون الغربيون يفتخرون بوجود صلات خيالية أو عاطفية بثوار الصين. وخلال الثورة الثقافية، عملت بكين وواشنطن على تصفية العداء الطويل بزيارة نيكسون في عام 1971، مما أدى إلى إعادة تشكيل سياسات آسيا الدولية، وغرس بذور عقود من النمو الاقتصادي المذهل في الصين. لقد قامت الثورة الثقافية وما تلاها من حركة تطهير ضد اليسار بسحق البيروقراطية في الصين بشكل حاد للغاية، لدرجة أنه لم يكن هناك قدر كبير من التفنيد القوي للسياسات التي حولت الدولة إلى ملجأ ضخم للصناعة العالمية. (1) حركة التحديث والقومية في الثورات الثقافية
يبدأ التراث الثوري المحطم لكل الأيقونات للصين الحديثة على أقل تقدير بثورة تايبنج الفاشلة التي اندلعت في منتصف القرن التاسع عشر، والتي تعد أكثر المحاولات دموية للإطاحة بأسرة تشينج الضعيفة الفاسدة، والتي سقطت في النهاية في عام 1911. وقد أعطى حزب الكومنتانج (الحزب الوطني) الذي تزعمه صان يات سين ثم شيانج كاي شيك الثورة وجها أكثر تحضرا وعصرية في محاولة ممتدة لتوحيد وتحديث الصين. وقد انضم إليهم الشيوعيون، كحلفاء في البداية، ثم كخصوم في حرب أهلية، لتحديد مدى الضراوة التي ستكون عليها الثورة. وعندما تراجع الكومنتانج إلى تايوان في عام 1949، كانت الثورة الاشتراكية على البر الرئيسي في مأمن.
لكن الثورة على الصعيد الثقافي كانت لا تزال في مهدها، وكانت كل موجة من الموجات الثورية التي اجتاحت الصين في القرن التاسع عشر معنية بالتغيير الثقافي بشغف. سيقول الكثيرون إن إلغاء أسرة تشينج لنظام الاختبارات القديم للخدمة المدنية في عام 1905، والذي قضى بدوره على همزة وصل ظلت قائمة لقرون بين التعليم، والحراك الاجتماعي، والرقابة الاجتماعية، والهيمنة الأيديولوجية، كان نذيرا بسقوطها.
شكل : خريطة الصين.
وخلال العقد التالي الذي ساده الارتباك والتخبط عقب تأسيس الجمهورية الصينية في عام 1911، قاد المثقفون المجددون حركة الرابع من مايو في عام 1919. اندلعت المظاهرات في ذلك التاريخ احتجاجا على حصول اليابان على امتيازات الأراضي التي كانت ألمانيا تحظى بها فيما سبق في الصين في نهاية الحرب العالمية الأولى، لكن ناشطي حركة الرابع من مايو كانوا يحملون أجندة تجديدية أوسع بكثير. فقد كانت حركة الرابع من مايو، التي سيطرت على الحياة الثقافية للصين لعقود، تعتبر أن العقبة الرئيسية أمام التقدم الاجتماعي والحداثة تتمثل في كونها ثقافة كونفوشية بنظامها البابوي، ونظام تملك الأراضي، ومناهضة التعلم بالطرق الأجنبية. وقد كان مجددو حركة الرابع من مايو يؤمنون بالحرية التي يبشر بها العلم، وبقدرة الديمقراطية على التغيير. كذلك ادعوا أن للمثقفين مهمة خاصة في قيادة الصين، وهو موقع مميز لا يختلف كثيرا عن الكونفوشية التي كانوا يعارضونها.
Shafi da ba'a sani ba
كانت سياسات الصين الثورية أيضا قومية بقدر ما كانت مجددة، وكان مما يميزها الإضرابات، والمظاهرات، وحملات مقاطعة الشركات الأجنبية، وقد سحقتها شناعة الغزو الياباني في النهاية. وعلى الرغم من اتهام النقاد لحركة الرابع من مايو بالسعي نحو تغريب الصين واقتلاعها من جذورها، فإن السخط من الإمبريالية حال دون حدوث ذلك. وقد قام حزب الكومنتانج تحت زعامة شيانج كاي شيك بتأسيس «حركة حياة جديدة» لمحاربة الخرافات، وإغلاق المعابد، وتحطيم تماثيل آلهة الإقطاع، والحث على فلسفة أخلاقية جديدة للصين، ولكنها تراجعت بعد ذلك عن هذه الراديكالية المتطرفة.
شدد الحزب الشيوعي الجديد، الذي تأثر بشكل عميق بحركة الرابع من مايو، في مرحلة مبكرة على التغيير الثقافي. ولكن بعد صعود ماو تسي تونج كزعيم للحزب في عام 1935، صار للثقافة دور استراتيجي جديد ومحوري. كان ماو، الذي يعد أحد مؤسسي الحزب الشيوعي في عام 1921، قد أصبح زعيما للحزب من خلال قيادة الثوار الشيوعيين من قواعدهم في جنوب الصين، والتي حاصرتها قوات الكومنتانج، إلى مدينة يونان الواقعة في أقصى الشمال الشرقي وذلك بين عامي 1934-1935. كان لهذا الانسحاب الذي استمر لمدة عام، والمعروف باسم المسيرة الطويلة، دوره في الحفاظ على نواة للقوات الشيوعية، ولكنه أجبر الحزب على إعادة النظر في علاقته بمضيفيهم من الفلاحين المحليين.
مع اشتداد الحرب مع اليابان، أدرك ماو أن الحزب بحاجة إلى كسب تأييد وثقة فلاحي الصين، فأطلق الحزب برنامجا لإعادة تدريب المثقفين الحضريين والعمال السابقين لتحقيق ذلك. وقد شملت هذه الحركة التصحيحية التي انطلقت عام 1942 الرفض الواعي لطرق وأساليب النخبة، وفي بعض الأحيان احتفالا ضخما بالفضائل الريفية، إلى جانب سلسلة من الأعمال الفنية الرامية لنشر القيم الثورية من خلال التودد للجماهير الريفية ومخاطبتهم. أدت حركة التصحيح الماوية إلى شحذ قدرة الحزب على محاربة كل من الغزاة اليابانيين والكومنتانج. وفي الوقت نفسه، أحبطت النزعات الكوزموبوليتانية لحركة الرابع من مايو بتفضيل الفن الريفي على الموسيقى والدراما المستوردين من الخارج. وفي عام 1945 استوحى الشيوعيون عرضا أوبراليا صينيا (بعنوان «الفتاة ذات الشعر الأبيض») ورقصة باليه من رقصة ريفية مشهورة («يانج جي»)، وشجعوا مثقفي الحزب على الكتابة بطرق سهلة وغير أدبية.
كانت الفنون موجهة لخدمة السياسة، غير أن ماو ذهب أيضا إلى أن رفع المعايير الفنية من شأنه أن يصنع دعاية أكثر إقناعا. وقد سار معظم المثقفين في يونان مع هذا النهج القومي المتمسك بالهوية بسعادة غامرة. واستطاعوا أن يروا مدى فاعليته حين أرادت جماهير الفلاحين الذين كانوا يشاهدون أوبرا «الفتاة ذات الشعر الأبيض» قتل الممثل الذي كان يقوم بدور الإقطاعي الشرير. ولكن بعد هزيمة اليابانيين، وبعد هروب الكومنتانج، نبذ العديد من الطرق اليونانية مع تقدم الجيش الأحمر المنتصر نحو مدن الصين، وتولى الحزب الشيوعي زمام حكم أمة ذات ثقافة رفيعة، وليس قاعدة لحرب عصابات في منطقة نائية. واتسعت الأجندة الثقافية للحزب، ليعيد إدخال بعض من الميول الكوزموبوليتانية التي نبذت في يونان، حتى إن رساما شيوعيا صاح في سرور وإثارة قبل أيام من تحرير بكين قائلا: أخيرا سوف نستطيع رسم لوحات بالزيت! (2) السبعة عشر عاما الأولى
كان العقد الأول من عمر الصين الثورية ناجحا إلى حد كبير؛ فقد استعادت الجمهورية الشعبية الجديدة النظام الاجتماعي بعد حرب أهلية مدمرة، وساهم الإصلاح الزراعي والبرامج الاقتصادية الجديدة في تحقيق نمو اقتصادي مذهل، وشجع النجاح العسكري في مواجهة الولايات المتحدة على خلق نظرة احترام جديدة لبكين، وأسعد انتشار التعليم العالي المثقفين المتلهفين لبناء صين أفضل، وانفتح الفن على كل من الإلهام الأجنبي والمحلي التقليدي.
جاءت أولى الدلالات المهمة لحالة التخبط بين قادة الحزب الشيوعي مع حملة المائة زهرة التي انطلقت بين عامي 1956-1957. فمع الثقة المفرطة التي انتابت ماو تسي تونج في أعقاب «تحول اشتراكي» سلس للحياة الاقتصادية في عام 1956، تواصل مع المثقفين خارج الحزب، مشجعا إياهم على التحدث دون خوف عن الشئون العامة، بل وانتقاد الحزب الشيوعي. تردد العديد من المثقفين في البداية، وفي النهاية استجابوا لنداء «دع ألف زهرة تزهر»، ليكشفوا عن كم من الاستياء والمرارة تجاوز توقعات الحزب. وفي تغيير سريع ومفاجئ للمسار، تخلى القادة عن ليبرالية المائة زهرة واتجهوا إلى حملة شرسة مضادة لليمينيين في عام 1957 صنف على أثرها مليون مثقف ك «عناصر يمينية»، وفقد كثيرون وظائفهم، وأرسل بعضهم إلى معسكرات الإصلاح الزراعي على مدى العقدين التاليين.
شجع إخماد أصوات الناقدين على ظهور «القفزة الكبرى إلى الأمام»، وهي محاولة ضخمة لكسر القيود على النمو الاقتصادي عن طريق تعبئة أعظم موارد الصين: قوتها العاملة. كانت القفزة الكبرى حالمة، ومثيرة، ومغلوطة؛ فقد دمجت الجمعيات التعاونية الزراعية المنشأة حديثا في كوميونات أكبر بهدف اكتساب قوة إنتاجية من خلال إعادة التنظيم والهيكلة، بما في ذلك التشارك في رعاية الأطفال والطهي. وبينما أحدثت القفزة الكبرى تغييرات مهمة في البنية التحتية في صورة مصانع زراعية، وطرق، وجسور جديدة، إلا أن غياب المردود الإداري أدى إلى زيادة أهداف الإنتاج غير الواقعية. فبسبب خوفهم من تصنيفهم ك «يمينيين»، كان صغار المسئولين يتسرعون في طمأنة رؤسائهم على النجاح في كل مجال. وكان الحزب يؤكد على الإسهامات التي يمكن أن يقدمها الهواة الملهمون سياسيا، مما شوه القيود التي عادة ما كان الخبراء المحترفون يفرضونها. كان هناك مشروعات ضخمة للأشغال العامة، بعضها كان ناجحا، والبعض الآخر كان عبارة عن حملات هوجاء في الأساس، مثل مصاهر «الأفنية الخلفية» للصلب رديئة التخطيط، أو حملة تدمير العصافير.
أسفرت القفزة الكبرى عن مجاعة هائلة بسبب انهيار الإنتاج الزراعي في العديد من الأقاليم. وبسبب العمل بأرقام متفائلة للإنتاج بلا أي سند لهذا التفاؤل، قامت الدولة بزيادة مخزونها من الحبوب، فيما قللت من الموارد المتاحة للإنتاج الزراعي. وقد أسفرت الأمراض وسوء التغذية عن ما يقرب من 20 إلى 30 مليون حالة وفاة فيما بين 1960-1961، ومن ثم اعتبرت تلك هي المجاعة الكبرى في القرن العشرين.
كان الحزب بطيئا في إدراك هذه الكارثة، وعندما أدرك ماو أن القفزة الكبرى لا تسير على نحو جيد، تنحى في ربيع 1959 عن رئاسة البلاد لصالح ليو شاوشي، أحد القادة المحنكين للتنظيم السري الشيوعي إبان الثورة. وفي وقت لاحق من ذلك العام، عاب العديد من كبار قادة الحزب على القفزة الكبرى سوء إدارتها، وطموحها المبالغ، وعدم تواصلها مع الناس. وكان قائد النقد المارشال بنج ديهواي وزير الدفاع وأحد الثوريين المخضرمين. وكان رد فعل ماو عنيفا وقاسيا. وكان في تطهير المارشال بنج تذكرة للجميع بمدى قوة القدسية التي صنعها الحزب حول ماو تسي تونج، ومدى صعوبة التضييق عليه.
تفاقمت حالة الطوارئ الاقتصادية بانهيار علاقات الصين مع الاتحاد السوفييتي؛ فبعد أن كانت يوما ما «الأخ الأكبر في الاشتراكية»، صار القادة السوفييت يتشككون في تأكيدات الصين بالتزامها مسارا تنمويا مستقلا. وتلاشى التعاون العسكري السابق في كوريا حين سعت الصين لطلب المساعدة لصنع قنبلة ذرية. وبالفعل أعدت قنبلة سوفييتية لشحنها إلى الصين، ولكنهم تراجعوا عن إرسالها لتخوف القادة السوفييت من صنع عدو محتمل. ومع تأزم الصراع، قام السوفييت في عام 1960 باستعادة ستمائة مستشار فني ليرحلوا ومعهم مخططات لمئات المشروعات الصناعية التي لم تكتمل بعد، تاركين الرفاق الصينيين في موقف عصيب.
Shafi da ba'a sani ba
ربما تكون التوترات مع الاتحاد السوفييتي قد قوت قبضة ماو في فترة شديدة الحساسية عن طريق إذكاء نيران القومية الصينية. وبينما احتفظ ماو بزعامة الحزب، خاضت الصين تجارب مستميتة لإصلاح الدمار الاقتصادي الذي خلفته القفزة الكبرى؛ فخفف القادة المحليون من تعصب قفزتهم الكبرى ضد الأسواق الريفية المدرة للربح من أجل تحفيز الإنتاج الغذائي. وتم التخفيف من الإشراف على الأنشطة الثقافية؛ إذ قام الحزب بتشجيع ورعاية المثقفين والخبراء الذين كانوا قد عاقبوهم مؤخرا. (3) إشعال لهيب الثورة من جديد
كان الموقف السياسي متوترا عندما كان الحزب يسعى لقيادة الأمة لتجاوز «السنوات الثلاث العجاف» 1959، و1960، و1961. احتفظ ماو تسي تونج بمنصبه كزعيم للحزب، وإن كانت الإدارة اليومية في يد الرئيس ليو شاوشي والأمين العام للحزب دنج شياو بينج. كان ليو ودنج يؤيدان تخفيف قبضة الحزب، والإصلاحات السوقية الخفيفة ، ووضع نظام ثقافي أكثر لينا، كل ذلك في إطار لينيني مألوف. لم يتقبل ماو وأتباعه مثل هذا التحرر بسهولة، وراحوا في المقابل يدعمون مزيدا من العمل السياسي للحيلولة دون تخلي الصين عن ثورتها.
من المبادئ الأساسية للسياسة الصينية أن تحافظ النخبة السياسية على مظهر من الوحدة والاتفاق، حتى في حالات الخلاف الشديد، ومن ثم كانت التوترات بشأن القرارات السياسية خفية. والحق أن مجموعة الخيارات السياسية التي كانت قيد التجربة لم يكن ينظر إليها باعتبارها «خطين» سياسيين متعارضين بمعنى الكلمة، إلا بأثر رجعي بعدما بدأت الثورة الثقافية. فعندما بدأت الثورة الثقافية في عام 1966، انتقد الراديكاليون «السنوات السبع عشرة» منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، وكان هدفهم تقديم مبررات وجيهة لانحراف حاد عن فترة وصفوها خطأ بأنها فترة وحدة واتفاق.
كان الفساد الريفي أحد مجالات النضال؛ فقد انطلقت «حملة للتعليم الاشتراكي» في عام 1962، سعت لتعزيز إخماد روح الثورة داخل الحزب بالتأكيد على النقاء الأيديولوجي وإعادة الصراعات الطبقية التي أتت بالشيوعيين إلى سدة الحكم للأذهان. وقد أثار الخلاف حول الأساليب الماوية للتعامل مع القيادة المحلية في الريف مقاومة من ليو شاوشي، ودنج شياو بينج، وغيرهما من قادة الصف الأول.
وليأسه من قدرة الحملات الإدارية على زعزعة البيروقراطية، وجه ماو زملاءه في عام 1962 إلى ضرورة «ألا ينسوا الصراع الطبقي». وكان هذا يعني الحديث عنه «في كل عام، وكل شهر، وكل يوم، في المؤتمرات، واجتماعات الحزب، والجلسات مكتملة الأعضاء، وفي كل وأي اجتماع.» كان ماو يأمل في تجديد شباب الثورة الصينية بمطالبة الشعب بالإخلاص لجذوره التاريخية بالإطاحة بالرأسماليين وملاك الأراضي، وحماية المكانة الجديدة التي اكتسبها العمال والفلاحين.
ضغط ماو من أجل ثورة داخل الثورة؛ فقد كان في رأي الزعيم أن الطبقات الحاكمة القديمة قد أطيح بها بعد فترة قصيرة من تأسيس الجمهورية الشعبية في عام 1949، إلا أن تأثيرها لا يزال حيا في المعتقدات والسلوكيات اليومية للشعب. لقد دمرت الثورة القواعد المادية للنفوذ الإقطاعي والرأسمالي، ولكن أيديولوجياتها كانت راسخة داخل مؤسسات الصين الجديدة، خاصة التعليم ، والفنون، والثقافة الشعبية . وقد ميز ماو بين نوعين من التأثير المعادي للثورة. وكان الإقطاع، والذي هو نتاج طبقة ملاك الأراضي القديمة، في الغالب في صراع مع الأيديولوجية البرجوازية التي تبناها الرأسماليون الصينيون الذين تأثروا بشدة بعلاقاتهم الأجنبية. ولكن بفعل الهزيمة، اتحدت القوتان الاجتماعيتان المهزومتان معا لإرباك وتضليل الشيوعيين، مما أعاق طموحاتهم المشروعة وأثناهم عن أهدافهم.
وهكذا لم يكن لزاما أن يكون الشخص حاملا فعليا لملكية ما لكي يحمل معتقدات رأسمالية أو إقطاعية. والحق أن مصطلح «أتباع الطريق الرأسمالي» قد أصبح من أكثر المصطلحات المسيئة شيوعا، وكان يسري على الشيوعيين المخضرمين الذين انحرفوا عن المسار الماوي. كان أسلوب ماو غير مادي بشكل مثير للدهشة بالنسبة لشخص عاش عمره ماركسيا، ولكنه كان يجسد جهوده في التعامل مع الآليات الجديدة للصين الاشتراكية، وقدم أساسا فكريا لحركة تطهير ضخمة لأعدائه في الحزب.
بعد الثورة، تأرجح الحزب بين فترات النزعة اليسارية، عندما كانت الفضائل الأخلاقية للعمال والفلاحين والجنود هي العليا، وبين المراحل المحافظة عندما كان مفهوم «حشود الشعب الكادح» مفهوما أكثر شمولية؛ إذ امتد ليضم المثقفين، وموظفي المكاتب، وأصحاب المحال، وغيرهم من المواطنين «البرجوازيين التافهين». وقد كان في نداء ماو لتذكر الصراع الطبقي دلالة على يساريته في وقت كان أعداء حزبه يتساهلون مع أو يشجعون سياسات اقتصادية أكثر انتقائية بكثير. كانت الفكرة الماوية بشأن حزب للعمال والفلاحين والجنود يقابلها فكرة أخرى تتمثل في حزب يصل أيضا للمثقفين، والخبراء التقنيين، والقادة الدينيين، والصينيين في الخارج، والرأسماليين السابقين.
لم يتم احتواء هذه التوترات إلا بالكاد في السنوات الأربع التي مهدت الطريق للثورة الثقافية. فقد كرم ماو تسي تونج من الجميع بالاسم، ولكنه كان يشكو من أن الأمين العام للحزب دنج شياو بينج يعامله وكأنه جثة في جنازة؛ إذ كان يحترم شخصه ولكن يتجاهل آراءه. بينما كان هناك آخرون أكثر دعما وتأييدا، خاصة وزير الدفاع الجديد المارشال لين بياو. حل لين، الذي كان أحد أبطال الثورة، محل معارض ماو، المارشال بنج ديهواي، وقاد برنامجا لتمديد أهمية الجيش وتأثيره السياسي. وعندما قامت الصين بتفجير قنبلة نووية في عام 1964، ازدادت القوات المسلحة هيبة واعتبارا. لقد شكل لين الجيش كمعقل للسياسات اليسارية؛ فألغى الميول نحو إضفاء صفة مهنية على فرق تدريب الضباط عن طريق إلغاء ألقاب الرتب العسكرية وشاراتها. كان الجيش الصيني مكونا من مجندين جدد من الفلاحين، وكانت وزارة الدفاع تعتبر نفسها إلى حد ما الراعي السياسي، بل وصوت الملايين من الفلاحين. كذلك مال ماو نحو مجموعة من المثقفين الراديكاليين، وإلى زوجته جيانج تشينج بشكل متزايد.
أثار زواج جيانج تشينج من ماو في عام 1938 في يونان جدلا بين كبار قادة الحزب؛ فقد كان الكثيرون لا يزالون مغرمين بزوجة ماو السابقة، ولم يكن لديهم ثقة في الممثلة القادمة من شنغهاي التي أغوت قائدهم، فأجبروا الزوجين الجديدين على الموافقة على أن تبتعد جيانج تشينج عن القيادة السياسية. وقبلت جيانج تشينج ذلك على مضض، لتتولى مهام تافهة في المنظمات الثقافية في الخمسينيات. ولكن مع بداية الستينيات تملكها الضجر والاستياء، وصارت حليفا طوعيا لزوجها الذي كانت حدة غضبه في تزايد. ومع تصاعد التوترات في عام 1966، اجتمعت مع لين بياو لتنظيم مؤتمر فبراير عن الفنون داخل جيش التحرير الشعبي، والذي كان إشارة إلى دورها العام الجديد، وتأكيدا على أن الجيش يقف في صف ماو.
Shafi da ba'a sani ba
ومنذ عام 1962 وحتى عام 1966، نظم ماو وأتباعه العديد من البرامج النموذجية التي أصبحت تعرف فيما بعد بالثورة الثقافية، وتم الإعداد لكتاب ماو «الكتاب الأحمر الصغير» («مقتطفات من أعمال ماو تسي تونج») بواسطة الجيش في عام 1963 لنشر القيم الراديكالية بين الجنود من خلال دراسة سياسية إجبارية، وتم البدء في إعادة توطين شباب المدن في الريف في إطار برنامج جاد تم تعديله لتخليص المدن من الحرس الأحمر المزعج بحلول عام 1968. وبدأ التقديس الماوي للجندي المثالي لي فينج في عام 1963. وقدمت وحدة إنتاج دازهاي، وهو النموذج الماوي للمنظمة الريفية، أوراق اعتماده السياسية في عام 1964، وكذلك فعل حقل داتشينج النفطي، الذي يعتبر النموذج المعادل في قطاع الصناعة. وفي عام 1964 تم إطلاق حملة «الجبهة الثالثة» للتنمية الاقتصادية، والتي تم على أثرها إنشاء صناعات جديدة في مناطق داخلية آمنة، وإن كان ذلك قد تم في سرية.
ليس المقصود بذلك الإيحاء بأن البداية الحقيقية للثورة الثقافية كانت قبل سنوات عديدة من تاريخها الذي نعرفه، ولكن ماو وأنصاره كان لديهم بالفعل برنامج متكامل للصين. وكان مما ساهم بشكل جزئي في تأجيج الاضطرابات السياسية بعد عام 1966 إخفاقاتهم في تنفيذ هذه المبادرات اليسارية في ظل مقاومة نخبة بيروقراطية محترفة، كانت منشغلة بتطوير نظام أكثر استقرارا وروتينية. وكان مما أضافه ماو في عام 1966 لإشعال الثورة الثقافية التعبئة الضخمة للجماعات التي لم يكن لها نشاط في السياسة الصينية فيما سبق.
ولشعور ماو بأن خصومه هم من يهيمنون على تنظيم الحزب، وخوفه من منافسيه، راح يبحث عن حلفاء خارج نطاق الحزب. ومثلما قام بتجنيد قادة جدد من أجل قضيته، اتجه إلى ناشطين غير حزبيين، أولئك «المتمردين» الذين لبوا نداءه من أجل «ثورة بروليتارية ثقافية عظيمة». وقد لمست مناشدات ماو وترا لدى الكثيرين ممن كانوا يرون أن الحياة في الصين غير عادلة، وأنها لم ترق لمثل الثورة.
التقى ماو تسي تونج بالروائي الزائر ووزير الثقافة الفرنسي أندريه مارلو في عام 1965، وقد أخبره ماو بأن «الفكر، والثقافة، والعادات، التي أوصلت الصين لما وجدناها عليه لا بد أن تختفي، وأن فكر، وعادات، وثقافة الصين البروليتارية، التي لم توجد بعد، لا بد أن تظهر.» كذلك كان ماو يعتقد أن وصول الشيوعية قضية خطيرة، وليس مسعى نظريا مجردا. وقد انتقد رئيس الوزراء السوفييتي أندريه كوسيجين في تهكم لقوله إن ««الشيوعية تعني ارتفاع معايير المعيشة» بالطبع! والسباحة طريقة لارتداء سروال السباحة!» (4) الثورة الثقافية من الصعود إلى السقوط، دراما من فصلين
على الرغم من أن الأحد عشر عاما مدة الثورة الثقافية تعامل في العادة كحقبة واحدة مترابطة، فإن بوسعنا أن نفهمها بشكل أفضل إذا ما قسمت إلى مرحلتين شديدتي الاختلاف. اندلعت الحركة بانفجار مفاجئ وحاد للراديكالية من جانب الحرس الأحمر، والعمال المحبطين، وصغار المسئولين الطموحين، فيما بين عامي 1966 و1967. وقد نجحت هذه المرحلة من التعبئة الحاشدة للثورة الثقافية في الإطاحة بخصوم ماو من الحكم. أما المرحلة الثانية للثورة الثقافية، فقد استمرت من عام 1968 حتى عام 1976، وعززت نظاما ماويا جديدا من خلال اللجوء للمفاوضات والقوة لإخضاع الجماعات المتمردة للسيطرة. وهكذا أعقب الثورة حركة قمع مع قيام حزب أعيد تشكيله من جديد بقمع متمردي 1966. وقد توقفت هذه الفترة الثانية في عام 1971 بعد الوفاة الشنيعة للين بياو الذي كان مرشحا لخلافة ماو. فقد أثارت هذه الفضيحة معظم الصينيين، مما أدى بالحركة إلى الاستمرار لفترة طويلة تحت قيادة زعيمه المريض ماو الذي كان يشرف من بعيد وبأسلوب عقيم على الانشقاق الحزبي حتى وفاته في عام 1976. (4-1) الحماس الراديكالي: 1966-1967
اندلعت الثورة الثقافية عندما شعر الزعيم ماو بالإقصاء من جانب الرفاق الأكثر محافظة، وحارب لفرض نفوذه من جديد. بدأت الثورة الثقافية العظمى رسميا في مايو من عام 1966، وكانت مختلفة عن جميع الحملات التي أطلقت خلال السبعة عشر عاما الماضية؛ لأنها كانت موجهة ضد الحزب الشيوعي الحاكم نفسه.
وبينما كان ماو يعد العدة للثورة الثقافية، وجد بكين تحت سيطرة خصومه، فاتجه لثاني كبرى المدن الصينية، وهي مدينة شنغهاي، بحثا عن الدعم السياسي، وهناك وجد الكتاب الماويون منفذا لمقالاتهم التي لم يكن أحد في العاصمة ليقدم على نشرها، وكرس العديد من الشخصيات ذات الموهبة والطموح أنفسهم لنصرة القضية الماوية.
وبناء على طلب من ماو، قام الكاتب ياو وين يوان من شنغهاي بكتابة نقد لمسرحية «إقصاء هاي روي من السلطة» التي عرضت في عام 1961. وعلى الرغم من أن أحداث هذه المسرحية وقعت في عهد أسرة مينج، فقد كان من الممكن قراءتها بشكل مجازي كدفاع عن المارشال بنج ديهواي لتجرئه على نقد ماو تسي تونج بسبب مشروع القفزة الكبرى. لم يكن كاتب المسرحية، ووهان، حديث العهد بالسياسة، إذ كان نائبا لعمدة بكين. كانت خطة ماو هي عزل قادة الحزب المحافظين بمهاجمة التابعين لهم، ومن ثم، عندما عجز رئيس الحزب الشيوعي في بكين، بنج تسين، عن إيقاف نقد ووهان وحجب هذا العضو المنتمي لبطانته السياسية، أقصي هو نفسه من السلطة. وفي ظل الفوضى التي اجتاحت مكتب الحزب ببكين، وجد ماو سهولة أكبر في مهاجمة ليو شاوشي ودنج شياو بينج.
وبينما كان ماو يكافح من أجل تحسين أوضاع حزبه، تغلب على المقاومة من خلال الاستعانة بحلفاء جدد من خارج المنظومة الحزبية الطبيعية. وعن طريق توسيع نطاق المشاركة السياسية، اتجه ماو بشكل خاص إلى الطلاب، الذين استجابوا بتكوين منظمات «الحرس الأحمر» العشوائية، والتي كانت متلهفة لمواجهة المعلمين، وقادة الحزب المحليين، وأي شخص تقريبا في موقع سلطة. ففي ظل مجتمع مستبد تقل فيه المناسبات التي تتيح التعبير عن الرأي صراحة بلا خوف، شجع ماو المراهقين على مهاجمة أعدائه. وسرعان ما نظم الحرس الأحمر لقاءات جماهيرية، ونشروا صحفا، وقاموا بتعليق «الملصقات ذات الأحرف الكبيرة» في الأماكن العامة، وهاجموا منازل الأعداء الخياليين، بل وأقاموا سجونا للمسئولين المخلوعين. ولم تكن حداثة سنهم وافتقادهم للمسئوليات الاجتماعية وقودا لحراكهم النضالي فحسب، بل شجعا كذلك الانقسامات الداخلية والسلوك غير المسئول.
ومع انهيار التنظيم القائم للحزب، كون الماويون مجموعة مركزية جديدة للثورة الثقافية مخصصة لخدمة أغراضها. في البداية واجهت المجموعة صعوبة في تأسيس سلطتها خارج نطاق بكين. لقد أطاحت «عاصفة يناير» في شنغهاي بالتنظيم المحلي القديم للحزب، إلا أن الراديكاليين وجدوا صعوبة في تعميم هذا النموذج عبر جميع أنحاء الأمة. وراحت منظمات الحرس الأحمر المتناحرة، والتي غالبا ما كانت ترتبط بداعمين مختلفين في الحكومة والإدارة البيروقراطية للحزب، تحارب إحداها الأخرى. حتى مؤيدو ماو صدموا من العنف والفوضى السياسية السائدة. وكان في الإذلال العلني لمن كانوا يوما مسئولين كبارا لهم احترامهم واعتبارهم في لقاءات النقد والهجوم الجماهيرية استفزاز للكثيرين ممن تحالفوا مع الزعيم. وعبر بعضهم عن رفضهم لذلك في سلسلة من اللقاءات في بداية عام 1967، والتي لقبت ب «تيار فبراير المعادي» على سبيل الانتقاد. ولكنهم أوصلوا فكرتهم. تردد الجيش في التدخل في النزاعات القائمة بين الجماعات المتنافسة بزعم الحفاظ على النهج الثوري الحقيقي، ولكن لم يكن هناك مناص من إدخاله في الصراع. فمع بداية عام 1968، تدخل الجيش لاستعادة النظام بمعدل متزايد، خاصة في المناطق التي شنت فيها فصائل الحرس الأحمر حربا أهلية محلية. (4-2) إقامة النظام الثوري: 1968-1976
Shafi da ba'a sani ba
بدأت التغطية على الجانب الوحشي للسياسة الجماهيرية بشكل جاد في عام 1968. في ذلك الحين، كانت حركة تطهير المسئولين المحافظين مثل الرئيس ليو شاوشي وغيره من «أتباع الطريق الرأسمالي» قد انتهت. ولكن استمرار الصراعات بين منظمات الحرس الأحمر والمتمردين ظل فوضويا، مما عمل على تعطيل الاقتصاد. كذلك انتبه الماويون إلى الضغوط الخارجية؛ فعلى الجبهة الشمالية، ازدادت حدة التوترات العسكرية مع الاتحاد السوفييتي، فيما كانت الولايات المتحدة، على الجبهة الجنوبية، تصعد هجومها على فيتنام.
اتخذ الماويون المنتصرون عدة إجراءات لاستعادة النظام، كان أولها إجبار المنظمات الراديكالية المتنافسة على التوحد. كان التفاوض من أجل إعادة تشكيل السلطة المحلية معقدا، وكان الدور السياسي الجديد للجيش - الماويين المسلحين - في غاية الأهمية؛ فقد قام الجيش بتدعيم «اللجان الثورية» الجديدة، والهيئات الإدارية المحلية التي اعتمدت على «تحالف ثلاثي» بين الناشطين الثوريين، والبيروقراطيين اليساريين، والقادة العسكريين. وقام القادة العسكريون بدور الوسيط في التدابير المحلية، في كل الأقاليم، إقليم بإقليم، وعادة ما كانوا يتولون السلطة العظمى. تمثل الإجراء الثاني في إرسال الحرس الأحمر إلى الريف للاشتغال بالزراعة كمشاركين في حركة «الصعود إلى الجبال والنزول إلى القرى». وقد أدى توسيع هذا البرنامج إلى إخلاء الساحة السياسية بإجبار الحرس الأحمر على تقوية أنفسهم من خلال الحياة والعمل مع الناشطين القرويين. أما الإجراء الثالث، فتمثل في إطلاق حملة سرية ل «تطهير الرتب العليا»، قامت بمراجعة الملفات الفردية والتخلص من كثير ممن لم يكن مرغوبا فيهم في القيادة الماوية. وقد كانت حركات التطهير تلك هي الجانب الأعنف للثورة الثقافية، ولكنها كانت أقل وضوحا وعلانية بكثير من المؤتمرات الشعبية الصاخبة للحرس الأحمر في أوج ازدهاره.
وبحلول مايو من عام 1968، ومع إرسال الحرس الأحمر إلى الريف، انتهت حركة الثورة الثقافية للتعبئة الجماهيرية للمعارضة الاجتماعية. وقد أشار ماو إلى تغير موقفه ضد الهجمات المتواصلة على السلطة بقوله: «لا بد أن نؤمن بأن أكثر من 90 بالمائة من كوادرنا جيدون أو جيدون نسبيا، وغالبية هؤلاء الذين ارتكبوا أخطاء يمكن تقويمهم.»
وقد كان المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي في أبريل من عام 1969 إيذانا بإعادة تأسيس نوع من الاستتباب السياسي. ومهدت حركة تطهير القادة المحافظين الطريق لترقية الماويين المخلصين إلى المواقع العليا بالحزب. وقد تم إقصاء حوالي 70 بالمائة من أعضاء اللجنة المركزية الثامنة الذين نجوا من التطهير من اللجنة التاسعة، والتي تم اختيارها من جانب مؤتمر الحزب الجديد. وفقد حوالي خمسة وعشرين من أصل تسعة وعشرين سكرتيرا محليا أول لأفرع الحزب الإقليمية وظائفهم. وحظيت جيانج تشينج وغيرها من المدنيين ممن كونوا مجموعة الثورة الثقافية بمكانة جديدة أسمى. وكذلك الحال بالنسبة لكبار قادة جيش التحرير الشعبي، خاصة في أعقاب المعركة الحدودية مع الاتحاد السوفييتي على جزيرة نهرية متنازع عليها في مارس من عام 1969. وجاء على رأس هؤلاء وزير الدفاع لين بياو الذي سمي نائبا لزعيم الحزب الشيوعي، وكان يعامل كخليفة ماو المنتظر باعتباره أقرب رفاق السلاح له.
جمع بين السنوات المتبقية من عمر الحركة خطاب بلاغي مشترك وإيماءات مألوفة، غير أنها كانت مختلفة من حيث النوعية؛ إذ كان الماويون منشغلين بتعزيز سلطتهم بدلا من الفوز بها، وكانت السياسات على المستوى المركزي مائعة وقابلة للتغيير. وعلى الرغم من أن الحزب كان يشجب الحزبية، كانت هناك انقسامات واضحة أحدثت شقاقا بين الراديكاليين المدنيين، والمسئولين البراجماتيين تحت قيادة رئيس الوزراء شو إن لاي، والقادة العسكريين (بانقساماتهم الداخلية). وكان الجميع يتنافسون من أجل لفت انتباه الزعيم ماو، الذي كان بمثابة قوة توازن رائعة بين الأصوات المتنافسة.
بدت الصين أكثر انسجاما من الخارج عما كانت تبدو عليه داخل المقرات الرئيسية للحزب في زونجنانهاي. وبعد خمس سنوات من الاضطرابات السياسية، استيقظت الأمة على صدمة جديدة، وهى الحادث البشع الذي أودى بحياة لين بياو في سبتمبر من عام 1971. كان لين (أو مرءوسيه على الأرجح) قد خطط لانقلاب عسكري فاشل ضد ماو تسي تونج. كثير من تفاصيل القصة الرسمية للحدث تتجاوز حد التصديق، ولكن المحصلة كانت حادث تحطم طائرة مشئوما في منغوليا ، عندما كان لين وزوجته وابنه يحاولون الفرار من الصين. وتمثلت العواقب السياسية للحادث في حركة تطهير لكبار مساعدي لين بياو، وأزمة ثقة عامة، وعمليات إعادة تأهيل لبعض المسئولين الذين تم إقصاؤهم خلال المعارك الأولى للثورة الثقافية.
أبرزت السنوات الأخيرة للثورة الثقافية مؤامرة حزبية في الداخل؛ إذ تنافست جماعات للفوز بالحظوة والمنصب في بلاط ماو تسي تونج الذي سقط فريسة للمرض. في المقابل باتت السياسة الجماهيرية أكثر هدوءا عما كانت عليه منذ عام 1966؛ إذ تراجع الأشخاص العاديون عن الأشكال المفرطة للمشاركة السياسية. لقد بدت الصين أكثر طبيعية على السطح، بينما بدت من الداخل أكثر غرابة.
أدى سقوط قادة الجيش اليساريين بعد قضية لين بياو إلى تدعيم مجموعتين؛ الأولى هي الناشطون المدنيون الذين ارتبطوا بماو من خلال زوجته جيانج تشينج. أما المجموعة الثانية، فتألفت من مسئولين أكثر اعتدالا بقيادة رئيس الوزراء شو إن لاي. وفي المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي في عام 1973، كان هناك أربعون من أعضاء اللجنة المركزية من ضحايا الثورة الثقافية ممن خضعوا لإعادة التأهيل، وكان من ضمنهم دنج شياو بينج، الذي كان يوما ما محل انتقاد شديد لكونه «قد اتخذ طريق الرأسمالية وهو ثاني رجل في السلطة.» وكان ليو شاوشي، الملقب ب «خروشوف الصين»، قد توفي تحت ظروف بائسة في عام 1969. لم يكن ماو ينظر إلى دنج نظرة شديدة الصرامة، مما حال دون فصله من الحزب مع ليو. وبعد النفي الداخلي في إقليم جوانجشي، استدعي دنج إلى بكين كنائب لرئيس الوزراء في عام 1973، ليعمل مع شو على تطوير برنامج للتحديث. وفي عام 1975، أعيد دنج إلى دائرة السلطة الداخلية؛ أي اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، واضعا نصب عينيه بالطبع صحة شو إن لاي المتدهورة والحاجة لبديل محنك لخلافته.
وعلى مدار فترة بدايات السبعينيات، تكشفت خصومات النخبة من خلال حملات سياسية عامة، والتي غالبا ما كانت عبارة عن قضايا موجهة ومبهمة حلت محل الصراعات القائمة بين كبار القادة. ما المعنى الحقيقي وراء «حملة لانتقاد لين بياو وكونفوشيوس»؟ لقد أصبح لين بياو الشخص الشرير، والصينيون التقدميون كانوا يجدون سعادة في صب اللعنات على كونفوشيوس باعتباره رمزا للمجتمع القديم منذ حركة الرابع من مايو. ولكن لم الربط بين الاثنين؟ أي طريقة سرية تلك التي كانت بها هذه الحملة ضربة موجهة من جيانج تشينج ضد شو إن لاي؟ وفي أعقاب مؤامرة لين بياو، لم تكن مثل هذه الظلامية تساهم كثيرا في بث الثقة.
في مقابل هذه الحملات السياسية الغامضة المدعومة من اليسار جاءت الدعوة الحاسمة لرئيس الوزراء شو إن لاي ل «التحديثات الأربعة» في مجالات الزراعة، والصناعة، والعلوم، والتكنولوجيا، والدفاع الوطني. كانت فصاحته البلاغية متماشية مع أجواء الثورة الثقافية، ولكن مضمون الدعوة أظهر النزعة العملية الاقتصادية لدنج شياو بينج والكوادر القديمة الأخرى التي أعيد تأهيلها.
Shafi da ba'a sani ba
كان شو إن لاي يشرف على الإدارة اليومية على مدار فترة الثورة الثقافية، ولا يزال شخصا مثيرا للجدل. هل كان الوسيط الكبير الذي أخضع حمية ماو لقدر من السيطرة؟ أم كان الانتهازي الكبير، وأحد متملقي ماو الذي كان يحمي بعض الأتباع بينما يضحي بآخرين عندما يجد في ذلك منفعة له؟
كان جنون الارتياب السياسي على أشده، وأدت صحة ماو المتدهورة (إذ كان يعاني من الشلل الرعاش ومرض القلب) لعزل الشخصية المحورية الوحيدة التي كانت قادرة على الفصل بين الفصائل المتصارعة. فقد توفي شو إن لاي في يناير من عام 1976؛ وقد مكنت مظاهرات أبريل التي اندلعت في ذكراه في ميدان تيانامين ببكين، الراديكاليين من إقناع ماو بالتخلص من دنج شياو بينج للمرة الثانية. وتمت تسمية وزير الأمن العام، هوا جوفينج، الذي صعد نجمه مع الثورة الثقافية، رئيسا للوزراء بالنيابة والنائب الأول لزعيم الحزب. وبحلول شهر يونيو، كان ماو قد وصل إلى حالة من الضعف عجز معها عن استقبال الزوار الأجانب، وأصبح فهم صوته وخط يده ضربا من المشقة. وعندما أودى زلزال تانجشان بحياة ربع مليون من سكان تلك المدينة الواقعة شمال الصين في يوليو، بدأ العرافون في التساؤل عن إمكانية فقدان «مفوض السماء» التقليدي.
عند وفاة ماو في التاسع من سبتمبر عام 1976، اندلعت عملية تصفية حسابات سريعة بين الفصائل المتصارعة، فأصبح هوا جوفينج رئيسا للحزب، وقامت مجموعة من أنصار ماو باعتقال مجموعة أخرى، وتم القبض على الراديكاليين المدنيين الأساسيين - وهم أرملة ماو، جيانج تشينج، والناقد الأدبي ياو ون يوان، ورئيس شنغهاي ونائب رئيس الوزراء تشانج تشون شياو، ونائب رئيس الحزب وانج هونج ون - في انقلاب نظمه قادة الجيش والحارس الخاص لماو. اتهم الراديكاليون، والذين كانوا قد لقبوا لتوهم ب «عصابة الأربعة»، في البداية بهدم الثورة الثقافية، ولكن الصين في الواقع كانت قد بدأت عملية طويلة من التبرؤ من حركة ماو الجماهيرية الأخيرة. (5) التفسيرات
توقع ماو أن تستمر الثورة الثقافية لمدة عام. ويجادل الكثيرون ببعض الفصاحة والبلاغة بأن الثورة الثقافية قد انتهت في الواقع مع قمع حركة الحرس الأحمر النضالية في عام 1968، غير أن ماو وحلفاءه استمروا في الإشارة إلى الثورة الثقافية بعد انتهاء التعبئة الجماهيرية، ولم يعلن الحزب انتهاء الحركة إلا في عام 1977. وتاريخ نهاية الثورة له أهميته؛ فإذا حصرنا الثورة الثقافية فيما بين عامي 1966 و1968، سوف تبدو الكثير من الأحداث التي وقعت خلال الثمانية أعوام التالية (من الانفتاح على الغرب، وانتشار التعليم، واستثمارات البنية التحتية) أقرب لأن تكون مؤشرات لفترة الإصلاح التي لم تبدأ رسميا حتى عام 1978. وإذا تعاملنا مع الفترة ما بين 1966-1976 كوحدة واحدة، فسوف يتم التعتيم على الفرق بين التعبئة الجماهيرية الراديكالية وإعادة بناء سيطرة الحزب. وهذا الكتاب يحترم وحدة الخطاب البلاغي لعقد الثورة الثقافية، ولكن مع التنبيه بأنه في السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والعلاقات الخارجية، لا بد للمرء أن يدرك الفوارق الحادة بين بدايتها الراديكالية وبين فترة توطيدها وتعزيزها التي تمتد لفترة أطول.
بدأ تحليل ونقد الثورة الثقافية قبل انتهاء الحركة بفترة طويلة. في البداية، قام الراديكاليون، الذين كانوا يعتقدون أن الحركة لم تحقق نجاحا كافيا، بالضغط لتوسيع نطاق الهجوم على أهل السلطة. وعندما أعيد تأهيل دنج شياو بينج في بداية السبعينيات، قام بمراجعة سياسات الثورة الثقافية بهدف التخفيف منها. ولكن خلال حياة ماو، كانت التحليلات اليمينية واليسارية على حد سواء تصاغ بلغة الزعيم بشكل دفاعي.
وقد ظهرت ثلاثة تفسيرات عامة لقضايا الثورة الثقافية: (1) الصراع بين النخبة السياسية، (2) التوترات داخل المجتمع الصيني، (3) موقع الصين الدولي.
من بين المناهج المعالجة لصراع النخبة، لاقت الرؤى التي تمحورت حول ماو رواجا لدى العامة، فيما حظيت برواج أقل لدى الباحثين. فبينما كانت الثورة الثقافية في أوج انطلاقها، صور ماو للحشود الثورية كمحارب رائع من قبل كثيرين. وبعد وفاته، ولا سيما خارج حدود الصين، كان غالبا ما يصور ماو كوحش لديه عزم متهور على غرس بذور الفوضى من أجل تطلعاته النرجسية. وقد استغل أحد الفنانين الصينيين المنفيين هذه الروح عن طريق رسم لوحة زيتية ضخمة على القماش تظهر ماو وهو يستقبل بالترحاب في الجحيم من زمرة من الطغاة، من بينهم هتلر، وستالين، وتشين شي هوانج دي، موحد الصين الأول الأسطوري المتوحش.
كان لماو جوانب بطولية وشيطانية على حد سواء، ولا بد أن يشغل موضعا مهما في أي تفسير. ولكن بعض الرؤى الشائعة تجسد ماو وهو يشق طريقه بالقوة على حساب مجتمع بأكمله. وهذه الرؤى تشبه تلك التي صاغها الرايخ الثالث والتي تمحورت حول هتلر ولم تترك سوى مساحة ضئيلة للشعب الألماني نفسه لكي يكون شعبا إمبرياليا ومعاديا للسامية. والرؤى التي تجسد ماو كوحش ملائمة سياسيا أيضا للنخب الصينية الحالية التي تتجنب النظر في ماضي الصين القريب نظرة عميقة، إلى جانب أنها ترضي الجماهير الغربية، التي غالبا ما تهوى تخيل الشعب الصيني كضحايا. ولكن هذه المناهج ترتكز على معرفة رديئة؛ إذ تتجاهل العلاقات المعقدة في سبيل رسالة بسيطة.
لم يكن ماو، شأنه شأن الكثير من ساسة الصف الأول في أية دولة، شخصية متزنة؛ فقد كان مضطرا للتواجد في قلب الأشياء، وجعلته الثورة الثقافية شخصية لا غنى عنها على المستوى السياسي. ومن الحماقة التغاضي عن دوره المحوري، أو تجاهل سماته الشخصية، مثل افتقاده لعلاقات الصداقة مع القادة الآخرين أو الاعتلالات الجسدية الخطيرة التي أصيب بها قبل وفاته. غير أن التصريح ببساطة بأن الثورة الثقافية حدثت لأن ماو كان شخصية شريرة يعفينا من أية مسئولية عن التفكير في العوامل الأخرى.
بعض الدراسات الأكثر دقة وتفصيلا تتجاوز ماو لتشمل العلاقات ما بين كبار قادة الصين. بعض هذه الدراسات يبحث في التحالفات الحزبية التي ظلت قائمة لفترة طويلة، مثل التوترات التي امتدت ما بين الثلاثينيات إلى الأربعينيات من القرن العشرين بين الشيوعيين الذين تعاونوا معا في العاصمة الحمراء يونان وهؤلاء الذين عملوا سرا، خلف خطوط العدو. والبعض الآخر يبحث في العلاقات الشخصية، مثل نمط التفاعلات بين القيادة العسكرية العليا والقادة المدنيين للثورة الثقافية. وهذا النوع من التحليل يتفادى اختزال الثورة الثقافية إلى هجوم قاده ماو ضد الجميع، ويعترف بدور الثأر والانتقام، ولكنه يعترف أيضا بالمثالية، والنضال، والمناقشات السياسية والثقافية الجادة. ويفرض الخطاب البلاغي للثورة الثقافية أسئلة وجودية بشكل كاسح. ما الذي يجب أن تصبح عليه الثورة الثقافية؟ متى وكيف تنتهي أية ثورة؟ كذلك كان من شأن الصراعات، على المستوى العادي، أن تثير العداوات القديمة بين الرفاق الثوريين، والأحقاد والضغائن الشخصية التي تراكمت عبر مشوار الحياة المهنية الطويلة، والذكريات العصيبة لأخطاء الماضي.
Shafi da ba'a sani ba
ثمة نوع آخر من التفسير يركز على عوامل اجتماعية أو ثقافية أعم. تفترض هذه المناهج أن السياسة الصينية تشترك في أمور كثيرة مع السياسة في أي مكان آخر: إذ يصبح الأشخاص على وعي بالمعاناة والظلم، ويبحثون عن فرص للتنفيس عن غضبهم، ويعقدون صفقات سياسية جديدة بمساعدة الوسطاء السياسيين في الغالب. كذلك يتأمل بعض المحللين في مسألة المستفيدين من الدعوة للثورة الثقافية. على سبيل المثال، عند حشد الشباب للانضمام لحركة الحرس الأحمر، استندت دعوات المثاليين إلى اعتراف غير معلن بأن المجتمع الصيني به عدد ضخم من الشباب يتعذر معه تحقيق الأحلام المهنية لكل شخص. فقد كانت الزيادة الهائلة في عدد السكان التي تولدت من حالة السلام والرخاء التي سادت المجتمع تحمل بين طياتها عواقب سياسية. ونظر بعض الباحثين إلى تأثير الاختيارات السياسية السابقة، مثل اعتماد الحزب على الحملات السياسية والرقابة المحكمة على أعدائه الخياليين، فيما ركز آخرون على التأثير المتواصل للأوتوقراطية التقليدية، وغالبا ما يكتنف ذلك نزعة لينينية. فمن السهل أن ترى في طقوس وسلوكيات الثورة الثقافية تأثير التقاليد الصينية الهرمية. ومثل هذه الاعتبارات الثقافية تسلط الضوء على الشكل الذي تكشفت به الأحداث، ولكنها لا تفيد كثيرا في تفسير سبب وقوعها.
ثمة نوع مختلف من المجادلات يبحث في القوى العالمية. على سبيل المثال، عندما بدأت الثورة الثقافية، قام الكثير من المحللين الغربيين بتفسيرها كرد فعل على تصاعد الهجوم الأمريكي على فيتنام، وإن كان عمق الحركة سرعان ما جعل ذلك يبدو تفسيرا خاطئا. غير أنه فيما يبدو أن السياق الأوسع للحرب الباردة، مقترنا بالعزلة الدولية التي فرضت على الصين، قد أضاف عبئا على النظام السياسي للصين. وقد ساهم الشقاق مع الاتحاد السوفييتي في هذه العزلة. ورأى البعض أن دراسة ماو للطرائق البيروقراطية السلبية للاتحاد السوفييتي كانت عاملا مساهما في ذلك. غير أن المرآة السوفييتية ربما عكست ما أراد ماو أن يراه، ومن الصعب أن نتخيل أنه قد أطلق الثورة الثقافية بسبب تطورات حدثت في دولة أجنبية. فالثورة الثقافية عززت عزلة الصين في البداية، ثم بدأت في هدمها.
إن معظم الباحثين في مجال الثورة الثقافية كانوا سيتفقون على عدم وجود منهج واحد كاف. فالأزمة السياسية الكبرى التي حدثت في بداية الستينيات عملت على تأجيج صراع النخبة، وتفاقم التوترات الاجتماعية، وفصل الدولة عن بقية المجتمع الدولي. ويبدو من غير الملائم أن نحصر تركيزنا في بيان مبسط لتوضيح من فعل ماذا ولمن، متجاهلين القضية الأعم، والمتعلقة بالكيفية التي يمكن أن يرتبط بها عقد الاضطرابات الذي شهدته الصين بموقعها في السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين.
الفصل الثاني
السياسة تتولى زمام السيطرة
كانت عبارة «السياسة تتولى زمام السيطرة» شعارا ماويا معروفا لتذكير الثوار الثقافيين بأن الاختيار السياسي الصحيح وقوة الإرادة لتطبيقه من شأنه أن يقيم حركتهم أو يهدمها. وهناك ثلاث سمات في الأدوات القياسية للسياسة الصينية ساهمت في عزلها عن الممارسات الغربية.
السمة الأولى أن الحزب الشيوعي كان يحكم بدون أي تحديات جادة، ليستمتعوا بذلك بتفوق لوث التمييز المنهجي الذي وضعه الغرب بين الحزب والدولة. لقد كانت الصين تفتقر لرئيس دولة يقف في صف الثورة الثقافية، ولم يبد ذلك مهما. فعلى الرغم من الخطاب البلاغي للثورة الثقافية والفوضى المصدق عليها من قبل الدولة، استمر الحزب الشيوعي في التوسع والانتشار، ليزداد عدد أعضائه من 18 مليونا في عام 1966 إلى 34 مليونا في عام 1976. غير أن الخوف من تأثير البرجوازية أغلق المنظمات التابعة للحزب المخصصة للشباب والمرأة، وأغلقت الأحزاب الديمقراطية الثمانية المزعومة التي كانت تشارك الشيوعيين الحكم ظاهريا.
السمة الثانية أن الحزب كثيرا ما كان يتجه لأساليب بيروقراطية من الطراز الأول، لا سيما الحملات الجماهيرية التي كانت تنظم خارج الهيئات الحكومية الطبيعية، والتي كانت تحشد المسئولين والناشطين والمواطنين العاديين لتحقيق هدف بعينه. وقد شملت هذه الحملات أهدافا متباينة مثل محو أمية المرأة، أو الإصلاح الزراعي، أو القضاء على البلهارسيا (وهو مرض كبدي معد ينتشر في جنوب الصين)، أو كتابة الشعر، أو بناء مصاهر الأفنية الخلفية للصلب خلال مشروع القفزة الكبرى إلى الأمام. كانت الحملات تجيد تسخير الموارد، ولكنها لم تكن بارعة للدرجة في توزيعها، كما قد توحي المصطلحات العسكرية. لقد كانت أكثر ملاءمة لبعض المهام عن غيرها، ولكنها تركت البيروقراطية - عمدا - في حالة من التحفز والدفاعية. وفي بعض النواحي كانت الثورة الثقافية نفسها حملة ممتدة تألفت من حركات أصغر لها بؤرة تركيز أضيق.
أما السمة الثالثة، فتتمثل في قيام الحزب بوضع نظام لتصنيف المواطنين الصينيين وفقا لمكانتهم السياسية. ويرجع أصل نشأة هذا النظام إلى حملات الإصلاح الزراعي الكبرى التي صاحبت الثورة، عندما كان الحزب بحاجة إلى معرفة ملاك الأراضي من الفلاحين الذين لا يملكون أية أراض حتى يتسنى مصادرة الموارد من مجموعة لمنحها للأخرى. أصبحت التصنيفات رسمية وبيروقراطية، ولكن بتداعيات مهمة بشكل واضح. وبعد الإصلاح الزراعي، تم تجميد التصنيفات الطبقية، ثم ورثت للأبناء بعد ذلك. وجاءت حملات سياسية لاحقة عززت هذه التصنيفات؛ إذ اتجه الحزب «للفلاحين المعدمين» أو أبنائهم لدعمهم ومساعدتهم ، فيما نظروا شزرا لمن كانوا يوما ما ملاك أراض وأبنائهم. وأضيفت تصنيفات أخرى بناء على المكانة السياسية وليس على أساس الموقف الاقتصادي السابق. وعندما بدأت الثورة الثقافية، تألفت «العناصر الخمسة السوداء» من أصحاب الأراضي، والفلاحين الأثرياء، ومعارضي الثورة (الذين قاوموا الحكم الشيوعي)، والعناصر الفاسدة (الذين ارتكبوا جرائم)، واليمينيين (الذين راحوا ضحية لحملة عام 1957 ضد منتقدي الحزب).
تقدم الثورة الثقافية موسوعة لمعالم السياسة الصينية، بما في ذلك المثالية، والشغب، والمؤامرات، والشبكات الاجتماعية، والروتين البيروقراطي، والسجن السياسي، والعرائض، والرشاوى، والمال الانتخابي، والدراما، وصفقات الغرف الخلفية، والانقلابات العسكرية. وكان لهذه الممارسات أثرها في تضخيم وتشويه النظم السياسية الروتينية العادية في الصين. ولعل من الموضوعات التي توضح مدى التعقيد السياسي الذي اتسمت به الحقبة: التصنع، وتأليه ماو، والتمرد، والنظام، والحزبية. (1) التصنع
Shafi da ba'a sani ba
كانت سياسات الثورة الثقافية متصنعة بشكل مخجل؛ فقد كان الممثلون الشعبيون للحركة يتخذون وضعا معينا لترك تأثير درامي على مسرح التاريخ. فمع اكتساب الحركة قوة جاذبة، أكد ماو تسي تونج ذو الاثنين والسبعين عاما على حيويته وعلى أواصر العلاقة التي تربطه بالشباب من خلال جولة سباحة روج لها ترويجا مكثفا في نهر يانجتسي بمقاطعة ووهان، ليقفز خلفه سريعا ملايين الشباب في الماء تقليدا له. وبعد سلسلة من المؤتمرات الشعبية لملايين من الحرس الأحمر في ميدان تيانامين، والتي حظيت بتنظيم دقيق، رفض بعض الشباب المشاركين غسل أيديهم التي لامست الزعيم، في مشهد مؤثر. وكان ماو يدعو مؤيديه للعمل من خلال إشارات مهيبة ومبالغة، مثل ارتداء شارة الحرس الأحمر وكتابة «ملصقه ذي الأحرف الكبيرة» تقليدا لمئات الآلاف من الإعلانات الثورية التي كان شباب الثوار يلصقونها على الحوائط في الأماكن العامة.
وفيما بعد، عندما أراد ماو كبح جماح الحرس الأحمر، قدم بكل فخر ومباهاة هدية من ثمار المانجو لأعضاء فريق دعاية من العمال، وهو مؤسسة جديدة أنشئت لاستعادة النظام من خلال فرض السلام على الجماعات الطلابية المتحاربة. كانت المانجو، التي قدمت لماو من قبل زوار باكستانيين، إشارة إلى أنه بحلول عام 1968، صار الزعيم يقدر أفراد الطبقة العاملة الذين يعتمد عليهم تقديرا أعلى بكثير من الطلاب المفتقرين للنضج. وقد شملت النشوة المنظمة للحظة محاولات روج لها بشكل جيد لحفظ الفاكهة حتى يمكن تقديرها وتعظيمها للأبد، مثلما كان مسيحيو العصور الوسطى يقدسون عظام القديس.
كان لمثل هذا التصنع هدف عملي تمثل في نشر رسائل سياسية شاملة في مجتمع لا يحظى سوى بوسائل محدودة للتواصل، وغالبا ما كانت وسائل الإعلام فيه، والتي سيطر عليها الحزب، تبدو مملة ورتيبة. وقد شجعت الكثير من الأحداث التي تم تنظيمها على النحو الأمثل أشكالا جديدة للمشاركة من قبل الشباب، الذين كانوا يحيون حياة سياسية سلبية ونظامية، وكان التواصل معهم يتم عن طريق الرواد الصغار (بالنسبة للطلاب في سن المرحلة الابتدائية) الذين كانوا حينئذ موصومين، أو اتحاد الشباب الشيوعي (بالنسبة لطلاب المرحلة الثانوية) الأكثر انغلاقا. وقد قام الحرس الأحمر بإعادة تمثيل المسيرة الطويلة التي قام بها الجيش الأحمر بين عامي 1934-1935، مستنسخين رحلة مقدسة ربطتهم بشكل أقوى بالزعيم ماو وذكرى الثورة. كان هناك طقوس إذلال علني للمسئولين المطاح بهم، والذين كانوا يجبرون على الوقوف لفترات طويلة مرتدين في بعض الأحيان قبعات طويلة ولافتات، وكانوا يتعرضون لإساءات لفظية وأحيانا جسدية. لم يكن الهدف هو تحطيم نفوذ العتاة فحسب، وإنما أيضا أن يثبت لدى الثوار الشباب أنهم قد تم تمكينهم.
شكل 2-1: ماو تسي تونج يرتدي شارة الحرس الأحمر لإظهار دعمه لشباب الثوار.
1
لم يقتصر الجمهور المحب لإيماءات الثورة الثقافية الدرامية على الشباب الصينيين، بل امتد ليشمل النخب السياسية نفسها. فقد ساعدت حرارة العروض على إرسال رسالة إلى أعضاء النخبة المذبذبين بأنه لا بد من عدم مقاومة الحركة. إن جميع الدول توظف الطقوس، والتقاليد السياسية للصين غنية باستخدام الدراما التمثيلية. فالكثير من الفلاحين الثائرين الذين ثاروا على الأباطرة السابقين كانوا يرتدون ملابس الأوبرا بينما يقدمون أنفسهم لمؤيدي سلالاتهم الحاكمة الجديدة المزعومة، مما أوحى بوجود خط منفذ بين الدراما التمثيلية والحركة السياسية.
غير أن الجانب المتصنع للثورة الثقافية كان يعني ما هو أكثر بكثير من مجرد التلاعب. فقد كانت الحركة الماوية تعكس وتحفز أحداثا شديدة الدرامية بكل الأشكال، وتعد المؤامرة، والخيانة، والإنقاذ، والتمرد من بين الأفكار الرائعة لأي نوع من الفنون. والكثير من الحلقات المستحوذة على الانتباه لدراما الثورة الثقافية كانت تؤدى بقليل من التوجيه، إن وجد، وهو ما كان يتعارض في الغالب مع تفضيلات مديري المسرح الماوي.
كانت قضية لين بياو، على سبيل المثال، مثيرة ودرامية، ولكن ليس بالطرق المرغوبة لدى الماويين. فعندما أراد ماو بشكل واضح أن يضع بعض القيود على السلطة السياسية للجيش، رأى لين، خليفة ماو المفترض، نفوذه ينهار؛ فقام إما بتنظيم مؤامرة اغتيال حمقاء وانقلاب عسكري، أو أن ابنه (وهو الأكثر منطقية)، لين ليجو، قد قام بذلك نيابة عنه. وعلى الأرجح أن لين بياو لم يكن يعرف الكثير عما كان يحاك له، وربما يكون قد تم تخديره عندما تم وضعه على متن طائرة تحطمت في منغوليا في 13 سبتمبر 1971.
ولا تكمن الدراما في المؤامرة التي حيكت من قبل معسكر لين، وإفصاح ابنة لين عن المخطط لرئيس الوزراء شو إن لاي فحسب، ولكن أيضا في التعامل الرسمي مع الحادث. وقد صدم ماو ومجموعة الثورة الثقافية وانتابهم القلق خشية أن يحطم نبأ الحادث ثقة ملايين الصينيين في الثورة الثقافية. ومع قيام ماو بتطهير الرتب العليا في جيش التحرير الشعبي، ظهر مستوى الفوضى السياسية من خلال إلغاء العرض العسكري والاحتفال بالعيد القومي الذي يوافق الأول من أكتوبر (1971)، في واقعة لم يسبق لها مثيل.
أصبحت الدراما متمثلة في غياب دراما منظمة؛ إذ حاول الثوار الثقافيون تلفيق تفسير يوضح كيف أمكن «لأقرب رفاق ماو في السلاح» أن يخونوه. فقامت جهات السلطة المركزية بإعداد وثائق حاولت شرح الفضيحة، ولكن ربما ليس بالدهاء الذي فسرت به لجنة وارين في الولايات المتحدة حادث اغتيال جون إف كينيدي. فلم يتم إطلاع أحد في الأسبوع الأول سوى أعضاء المكتب السياسي، فيما انتظر المواطنون العاديون لما يقرب من عام، عندما انتشر الخبر عبر جميع أنحاء البلاد عبر نظام متطور وسري لتسريب المعلومات. وحدث ما كان ماو يخشاه؛ فقد اعتبر المؤيدون المتحمسون للثورة الثقافية قضية لين بياو هي تاريخ تحررهم من الأوهام. وفي هذه الحالة، عملت الدراما على إحباط التأييد للثورة الثقافية بدلا من استثارة متحمسين جدد لقضيتها.
Shafi da ba'a sani ba
أما على مستوى سياسيي النخبة، فقد جلبت الثورة الثقافية دمارا شخصيا وسياسيا لثلاثة من المطالبين بخلافة ماو، كان أولهم الرئيس ليو شاوشي، الذي انحدرت به الظروف من وريث محتمل لماو إلى الموت وحيدا في عام 1969 بسبب الإهمال الطبي. وكان في الوفاة البشعة للين بياو في عام 1971 تذكرة للجميع بأن الدراما السياسية للصين لم تتبع سيناريو محكما رغم كل شيء. أما الخليفة الثالث، فهو الراديكالي المدني وانج هونج وين، الذي رقي «بسرعة الصاروخ» في سن الثامنة والثلاثين إلى نائب لرئيس الحزب، لتتم الإطاحة به بواسطة وزير الداخلية، هوا جوفينج، ويتم القبض عليه لاحقا كأحد أفراد «عصابة الأربعة». (2) تأليه ماو
مع تزايد نفوذ ماو، أصبحت كلماته، وأفعاله، وصورته، مشربة بقدسية أشبه بالتأليه، حتى في عام 1963، كان في إنتاج الجيش ل «الكتاب الأحمر الصغير» الذي يضم مقتطفات من كتابات ماو، نذيرا بشيء غير عادي. كذلك أعيد نشر أعمال ليو شاوشي من أجل الدراسة السياسية، ولكن توزيع أعمال ماو أصبح بمثابة تسونامي أيديولوجي. وكان كتاب «الأعمال الكاملة» المكون من أربعة مجلدات، من الأدوات الشهيرة في حفلات تقديم الجوائز للعاملين المثاليين، ومع خضوع الرفاهيات البرجوازية للمناقشة والتساؤل، أصبحت تقدم كهدية لحديثي الزواج. وقد تنوعت نسخ كتابات ماو بحسب الطبقة الموجهة إليها. فالطبعة الموجهة للموظفين الحكوميين من كتاب «قراءات مختارة من أعمال ماو تسي تونج» كانت أطول مرتين من الطبعة الموجهة للعمال والفلاحين، والتي كانت تحوى مقالات أقصر والمزيد من الحواشي التوضيحية. كذلك قدم الكتاب الأحمر الصغير اقتباسات بليغة تم ترتيبها بشكل عملي بحسب الموضوع لتقديم مادة خصبة لأي معلق، سواء أكان هاويا أو محترفا. وكان الحرس الأحمر يحملون نسخهم من الكتاب الأحمر الصغير كمرجع عملي في متناول اليد. حتى القادة الأقوياء كانوا يلوحون بكتبهم في المؤتمرات الجماهيرية الحاشدة، وكانوا يقتبسون أقوال ماو باستمرار، ولكن مع إضافة فارق سياسي تمثيلي طفيف. وكان الزعيم يتقاضى عمولات على أعماله، استخدمها فيما يبدو كتمويل للرشاوى السياسية، فيما يعد تمويلا ذاتيا لبعض جوانب تأليهه.
وقع النشيد الوطني للصين، «أنشودة المتطوعين»، في غياهب المجهول مع كاتب كلماته تيان هان، وكان البديل غير الرسمي له هو «الشرق أحمر»، وهي قصيدة غنائية مأخوذة من لحن شعبي من شمال الصين:
الشرق أحمر، والشمس عالية في السماء.
لقد أنجبت الصين ماو تسي تونج.
إنه يعمل من أجل سعادة الشعب، وهو
المنقذ الأعظم للأمة الصينية.
وقد انهارت شعبية هذه الأغنية بعد عام 1949. بل إن ماو ربما يكون قد فكر أنها بعيدة كل البعد عن التواضع، وتمثل أيضا استخفافا لا داعي له بالقادة الشيوعيين الآخرين. ولكنها عادت بدافع انتقامي في عام 1966؛ إذ كانت تغنى في اللقاءات المفتوحة، وتبث عبر مكبرات الصوت في الشوارع، وفي عام 1970 تم بثها إلى أنحاء البسيطة كافة من أول قمر صناعي أطلقته الصين.
كانت الأغنية الأولى الأخرى للثورة الثقافية هي أغنية بوتييه ودي جيتر «نشيد الأممية»، التي لحنت في عام 1888، وهو النشيد الراديكالي الذي تغنى به الفوضويون، والشيوعيون، والديمقراطيون الاجتماعيون في جميع أنحاء العالم. وقد ترجمه تشو تشيو باي، رئيس الحزب الشيوعي في أواخر العشرينيات من القرن العشرين إلى اللغة الصينية. وخلال الثورة الثقافية، لم يلفت أحد الانتباه إلى التناقض بين «الشرق أحمر» والمقطع الثاني من «نشيد الأممية»:
لم يكن هناك يوما أي منقذ للعالم
Shafi da ba'a sani ba
ولا آلهة، ولا أباطرة يعتمد عليهم.
ولكي نصنع سعادة البشر
لا بد أن نعتمد على أنفسنا!
تنافست المؤسسات لإظهار ولائها لماو؛ فقامت الصحف بطباعة كلمات الزعيم بالمداد الأحمر، وكان من الممكن أن يؤدي سوء استخدام عدد الأمس من الجريدة بطرق قد توحي بازدراء تلك الكلمات المقدسة إلى نقد سياسي خطير. وكانت شارات ماو، التي كانت تنتج بالملايين، سرعان ما يتم جمعها وتداولها، وكأن اقتناء الكثير من الشارات قد يظهر قناعة ثورية. كذلك كانت «رقصات الولاء» تمثل الموقف السياسي للشخص. وظهرت أغنيات جديدة كان من ضمنها مجموعة وضعت مقولات ماو على ألحان مناسبة . وكان صدى صيحات «يعيش الزعيم ماو» يدوي في الساحات العامة. وعززت الجرائد السينمائية، واللوحات، والملصقات، والتماثيل من تأليه ماو. وقد كانت الصين غارقة في المنحوتات التي تجسد الزعيم. كانت بعض هذه الأعمال ضخمة، وعلى الرغم من أنها لم تكن مثيرة للانتباه كعمل فني، فقد كان الهدف من ضخامتها هو الترويع أو التخويف. وهناك تماثيل أخرى نصفية أصغر لقائد الصين. وقد كان عرض صورته، سواء من قبل مدينة أو من قبل فرد، دلالة على الولاء والالتزام الخارجي - على الأقل - بسياساته.
في عام 1966، حاز ماو سلطة معنوية هائلة على الشعب الصيني؛ فقد آمن الناس بأن أفعاله كانت بدافع تحقيق الخير للصين، والثورة، والاشتراكية. وقد نما تأليه ماو من منطلق هذا التبجيل التلقائي، والذي استغله الراديكاليون من أجل مصالح سياسية. ربما يكون ماو قد فكر أن هذا الإعجاب الشعبي هو استحقاق له، أو ربما يكون فقط قد أدرك فائدته في سحق خصومه، ولم يفعل الكثير من أجل منع حتى أكثر مظاهر تأليه ماو سفورا أو الحط من شأنها. وعندما تمت الاستعانة بالهالة الضبابية التي اكتنفت تأليه ماو من أجل أهداف سياسية آنية، تقلصت سلطته المعنوية؛ فشتان الفرق بين أن يحارب ماو المثالي من أجل ثورة مثالية، وبين أن يقوم بطرد ليو شاوشي الفاسد من الحزب الشيوعي باعتباره منشقا.
شكل 2-2: المسئولون يتعهدون بالولاء لماو تسي تونج بالتلويح بالكتاب الأحمر الصغير الذي يحوي مقولاته. وخلف ماو بمسافة قصيرة يسير رئيس الوزراء شو إن لاي ووزير الدفاع لين بياو. ويزيد لين في إظهار ولائه بارتداء شارة ماو.
1
في أحد العروض الغنائية الراقصة الخاصة بالثورة الثقافية في شيان، تم إهداء المؤدين تمثالا نصفيا من الجبس لماو. وكانت تلك الهدية في سنوات الكتاب الأحمر الصغير والمؤتمرات الجماهيرية الحاشدة ترمز إلى الحماس الثوري المشترك. بعد أن نزل المؤدون خلف الستار، انزلق التمثال من بين أصابع أحد الموسيقيين ليسقط على الأرض حطاما. لقد تحطم رأس ماو، أكثر ينابيع الحكم الثورية إجلالا وتمجيدا، وتحول إلى كومة من الشظايا الجبسية. صدم المؤدون من التحطم المفاجئ لصورة الزعيم وانتهاك حرمتها، إلى جانب خطر الاتهامات السياسية الخطيرة التي ستوجه لهم. وفي صمت تام، تجمعوا في دائرة وجعلوا يسحقون حطام رأس ماو بأقدامهم ليتحول إلى تراب، وأدركوا أنهم قد أصبحوا شركاء في اتفاق غير معلن لإخفاء فعلتهم السرية.
لعل من أحد جوانب القيود المفروضة ذاتيا في الاحتفاء بماو، والتي تبدو مستغربة للغربيين، هو حرص الصينيين الشديد على تجنب صيغة «ماوية». فعلى الرغم مما هو باد من أن مصطلحي ماوية وماوي يعبران عن روح العصر، فقد تفاداهما الصينيون تفضيلا للمصطلح الأقل ملاءمة «فكر ماو تسي تونج». كان مصطلح فكر ماو تسي تونج، الذي يعد مصطلحا غير واف في الصينية والإنجليزية على حد سواء، نوعا من القيود؛ إذ يقاوم بشكل محدود التأكيد على أن ماو قد أسس «مذهبا» جديدا على غرار الماركسية أو اللينينية. وكان في هذا المصطلح الأقل ملاءمة إشارة إلى أن الأمر لا يتعدى كون ماو قد ورث الماركسية واللينينية وعمل على تطويرهما. ولكن لا يسعنا هنا إلا أن نرى قدرا كبيرا من التواضع؛ لأن فكر ماو تسي تونج كان يعرف عادة بأنه «قنبلة ذرية روحانية».
شكلت الإدارة القائمة على تأليه ماو عالمها السياسي الخاص؛ فقد بنى لين بياو نفوذه السياسي الشخصي على استغلال صورة ماو. على سبيل المثال، حملت العديد من تماثيل ماو نقوشا برونزية بخط يد لين بياو تمتدح «المعلم العظيم، والقائد العظيم، والحاكم العظيم، وقائد الدفة العظيم.» وبعد وفاته والتشهير به، لم يعد مسموحا للين بالمشاركة في إشعاع وتألق الزعيم، وتم محو نقوشه. ومع اتخاذ الثورة الثقافية منحى أكثر محافظة، تم أيضا تعديل «فكر ماو تسي تونج» ليوائم احتياجات سياسية أقل ثورية. وكان بالإمكان التنقيب عن كتابات ماو الغزيرة بحثا عن ذخيرة معلوماتية لإضفاء شرعية على البيروقراطية الحاكمة وكذلك دعم شباب الثوار.
Shafi da ba'a sani ba
انحسر تأليه ماو في السبعينيات تزامنا مع انحسار الاستخدام الفعال للدراما من قبل ماو. فمع تدهور صحة ماو، أصبحت كلماته مبهمة وغامضة أكثر منها ملهمة . وركزت إحدى الحملات التي انطلقت في عام 1975 على رواية «حافة الماء»، وهي رواية كلاسيكية عمرها خمسمائة عام تدور حول قطاع الطرق الفلاحين. وفي تعليق مرتجل، قال ماو تسي تونج إن هذه الرواية المحببة إليه أبرزت مثالا سلبيا ل «أنصار الاستسلام». واستشهد بكلمات ماو في افتتاحيات الصحف، وبدأ مثقفو الأمة، الذين لم يزالوا يترنحون من صدمة السنوات الأولى للثورة الثقافية، في إجراء تحليلات موجعة للرواية، باحثين عن أدلة أو إشارات لتحديد السياسي الذي تمثله كل شخصية من شخصيات الثوار من الفلاحين. لم يكن ماو يتجه لمرحلة الخرف، ولكنه كان مصابا بمياه بيضاء على العين، مما جعل القراءة مهمة صعبة، فأدلى بملحوظته لأكاديمي شاب مكلف بالقراءة له بصوت عال. غير أن التعليق نقل واستخدم بشكل أخرق من قبل راديكاليي الثورة الثقافية.
وجاء زلزال تانجشان الكبير الذي وقع في عام 1976 ليقتل أكثر من ربع مليون نسمة، وكان شكلا آخر من أشكال الدراما غير المخطط لها. ورآه البعض فألا حسنا، فيما رآه البعض كارثة بدت نذير شؤم. وفي كلتا الحالتين، لم يكن بالإمكان السيطرة على المشهد أو إخفاؤه بدعوات «تعميق النقد لدنج شياو بينج بشأن أعمال الإغاثة». (3) التمرد
بغض النظر عن مدى التكلف في إيماءات قادة الصين، لا يجب أن يتخيل أحد أن ماو قد استحضر الثورة الثقافية من العدم بإشارة من إصبعه. لقد أطلقت الثورة الثقافية المرارة المتراكمة منذ عام 1949، وساهمت التوترات الممتدة في انقسام النخبة السياسية بشأن الكيفية التي يجب أن تتعامل بها الصين مع إرثها الثوري وأعباء التنمية الاقتصادية. وقد كانت هذه التوترات ملموسة من قبل المواطنين الآخرين، إن لم تكن تبدو واضحة أحيانا. وتسارعت وتيرة هذه التوترات مع تفاعلها مع العوامل الديموغرافية. فقد كان للسلام والرخاء أثرهما في زيادة أعداد الشباب الصيني، والانتشار السريع للمدارس كان يعني أن أعدادا كبيرة من الشباب متعلمون ويطمحون لوظائف جيدة في مجالات بعيدة عن الزراعة. ولكن ثورة 1949 نصبت مجموعة من القادة الشبان نسبيا. ومع ذلك ظل أغلب القادة في أماكنهم يعترضون سبيل فرص الترقي الوظيفي للجيل الأصغر. في الوقت نفسه، كانت المدارس والجامعات تعج بالمواطنين المحبطين والتعساء بشكل عام، على أثر حملة عام 1957 المناهضة لليمينيين التي استهدفت المعلمين باعتبارهم «عناصر يمينية».
وهكذا كان من السهل على الماويين تعبئة الشباب في بداية الثورة الثقافية؛ فشارك معظم شباب الحضر الصينيين. وكانت الغالبية العظمى من الحرس الأحمر من طلاب المرحلة الثانوية. ويوجد فئة عمرية معينة من سكان الحضر الصينيين اليوم كانوا من الحرس الأحمر بشكل شبه مؤكد؛ فعضو الحرس الأحمر ذو الستة عشر عاما ولد في عام 1950. لم يكن تنظيمهم من قبل الدولة، ولكنهم وجدوا بشكل عفوي، ليقوم الماويون بعد ذلك بتوسيع نطاق دعمهم السياسي، مما مكن الحركة من الانتشار بشكل أسرع.
كان من أحد أدوات الدعاية لدى الحرس الأحمر «الملصقات ذات الأحرف الكبيرة»، وهي مقالات سياسية في حجم الملصق كان يتم تعليقها على أحد الحوائط العامة. كان من الممكن أن تكون الملصقات ذات الأحرف الكبيرة عبارة عن مجادلات، أو إعلانات، أو مكاشفات عن السلوك السياسي السابق للمسئولين قيد الهجوم. وغالبا ما كان الحرس الأحمر يلجئون للحلفاء الراديكاليين في الحزب من أجل تسريب الوثائق والمعلومات حسبما كتبوا. وقد كتب ماو تسي تونج معلقته ذات الأحرف الكبيرة - «اقصفوا المقار الرئيسية» - للتشديد على دعمه لحركة الحرس الأحمر الوليدة. وقبل ذلك بفترة طويلة، كانت المعلقات تدعم بصحف ومجلات الحرس الأحمر، المليئة بالبيانات الصحفية، والتي كانت خارج سيطرة الإعلام الذي يديره الحزب الذي كان لا يزال تحت سطوة المحافظين. كانت المعلومات التي يتم إفشاؤها دقيقة بشكل عام، يصاحبها تسجيلات لاجتماعات على مستوى رفيع واقتباسات غزيرة من الخطب التي تم إطلاق سراحها من ملفات الحزب. وكانت هذه المواد غالبا ما تقطع من سياقها أو تعطى أسوأ تأويل ممكن، ولكن لم تكن تزيف هكذا ببساطة.
كانت مشاركة الحرس الأحمر عملا سياسيا، ولكنها أيضا كانت شكلا من أشكال تمرد المراهقين، مما أتاح فرصا لخبرات وتجارب كانت ستصبح ممنوعة. ولتيسير عملية «تبادل الخبرات الثورية»، قامت شبكة السكك الحديدية الصينية بتوفير وسائل انتقال مجانية للحرس الأحمر في خريف عام 1966. وقد مكنت «السياحة الثورية» الشباب من السفر لأول مرة، وزيارة مدن بعيدة باسم الثورة. كانت نشوة الشباب هي الحالة المبدئية المسيطرة، دعمتها لغة صارمة ذات طابع عسكري؛ إذ كان الأعضاء السابقين لاتحاد الشباب المنحل في ذلك الوقت يعيدون تصور أنفسهم في تنظيمات على غرار «مجموعات مقاومة الراية الحمراء» و«محاربي 16 مايو الثوريين». وأحيانا ما كانت مثل هذه المسميات المهيبة قناعا يخفي تحته مجرد مجموعات صغيرة من الأصدقاء يجمعهم اهتمام مشترك بالرياضة أو الراديو. وكانوا يقوون عزيمتهم بواحد من الاقتباسات المفضلة لدى ماو من رواية «حلم الغرفة الحمراء»: «من لا يخشى الموت من ألف جرح، لديه الجرأة على طرح الإمبراطور من على صهوة جواده.»
انبثق قدر من العنف الأحمق للثورة الثقافية في بداياتها من حقيقة أن البلاد قد سلمت فيما يبدو لعصابات من طلاب المرحلة الثانوية، دون أن يجرؤ أحد على كبح جماحهم خوفا من شبهة معاداة الثورة. وقد شهد شهرا أغسطس وسبتمبر من عام 1966 حالة هياج من قبل الحرس الأحمر، تخللها بحث عاصف عن أعداء خياليين. ففي بكين، أغارت فرق من الحرس الأحمر على أكثر من 100 ألف منزل بحثا عن مواد رجعية معادية، وأجبروا المثقفين وبعضا ممن كانت لهم مصادمات سابقة مع النظام على إصدار انتقادات ذاتية. وقام بعض أفراد الحرس الأحمر بضرب الناس بأبازيم الأحزمة، وتعذيبهم بالماء المغلي. وقد مات 1700 شخص في بكين، فيما قضي سكرتير حزب تيانجين، وقائد أسطول بحر الصين الشرقي، ووزير صناعة الفحم نحبهم بعد اجتماعات النقد. وكان هناك حالات انتحار مشهورة بعد اعتداءات الضرب التي قام بها الحرس الأحمر، كان من ضمنها حادث انتحار الروائي المعروف لاو شه. وكان المسئولون المحنكون المعروفون من أشد المطلوبين لحضور طقوس اجتماعات النقد، حيث كانت الحشود الثورية تعبر عن كراهيتها للقادة الذين تعرضوا للتطهير. وقد اقتيد نائب رئيس الوزراء، بو ييبو، رئيس المفوضية الاقتصادية الحكومية، لمائة جلسة من جلسات النضال. ولعدم قدرة زوجته على تحمل التوتر والإجهاد، قتلت نفسها. غير أن الغالبية العظمى من الحرس الأحمر الذي يقدر أفراده بالملايين لم يتسموا بالعنف، والكثير منهم كانوا يجهرون بمعارضتهم للعنف، وإن كان بتأثير مختلط.
ومع اعتبار المشاركة شبه الشمولية للحرس الأحمر، فليس من المستغرب أن يحدث بينهم انقسامات داخلية خطيرة؛ فقد كان الجميع يدعون «الثورية»، بما في ذلك أبناء المسئولين الذين استهدفتهم الهجمة الماوية. واعتمدت إحدى الوحدات سيئة السمعة التابعة للحرس الأحمر، وهي وحدة «المقار الرئيسية للحراك الموحد» نظرية «وراثية» في هذا الصدد، فقد زعم أن أبناء العمال، والفلاحين الفقراء، والكوادر الثورية، ثوريون بالفطرة، بينما لا يمكن أبدا لأبناء الرأسماليين وملاك الأراضي التغلب على أصلهم الملوث. وقد تجنبت نظرية الوراثة بإتقان وعناية دعوات ماو للتركيز على «أتباع الطريق الرأسمالي» داخل الحزب بصرف الأنظار إلى أعداء الثورة الذين دحروا بالفعل. تم قمع نظرية الوراثة، لكن ظلت النزعة للتضحية بمن هم في موضع هجوم أو نقد. وقد كان هذا يعني لبعض الشباب الصيني «رسم حد فاصل واضح» بينهم وبين أفراد عائلاتهم ممن لديهم خلفية طبقية سيئة، أو تاريخ سياسي معقد (كابن عم في تايوان أو مجند في جيش الكومنتانج). وكان هذا يعني للجميع تقريبا أن أعضاء «الفئات الخمس السوداء» (ملاك الأراضي، والفلاحين الأثرياء، والمعادين للثورة، والعناصر الفاسدة، واليمينيين) قد عزلوا، حتى وإن لم يتعرضوا فعليا للإذلال والإساءة.
لمع نجم الحرس الأحمر خلال فترة قصيرة. وكان «أغسطس الأحمر» من عام 1966 هو أوج تألقهم، حينما وقع معظم أعمال العنف ضد المعلمين والمسئولين. وقد اقتصر تدمير المنشآت الثقافية والغارات على منازل الأثرياء على الأيام الأولى للثورة الثقافية. وبقدر شناعة أعمال العنف، فقد خبت جذوة هذه الهجمة الاستهلالية العنيفة للثورة الثقافية سريعا؛ إذ جاهدت السلطات الماوية بقوة لتحجيم هذه الهجمات العلنية. ومن ثم لا يجب أن نتخيل أن هذا العقد كان عقد اغتيالات واعتداءات بالضرب. وعلى الرغم من أن معظم الحرس الأحمر لم يكن يعتدي على الناس بالضرب، فإن هؤلاء الذين اتسموا بالعنف وجهوا غضبهم بعد ذلك ضد فصائل الحرس الأحمر المعادية. فكان الحرس الأحمر يصنع الأسلحة، أو يستولي على البنادق من الجيش ، بما في ذلك الأسلحة الروسية أثناء عبورها إلى فيتنام. وبحلول عام 1968، انتهت هذه المرحلة من الثورة الثقافية. وتم إرسال سكان المدن من الشباب إلى الريف «للتعلم من الفقراء وفلاحي الطبقة الدنيا».
لم يكن التمرد قاصرا على الحرس الأحمر؛ فقد انضم صغار المسئولين إلى ركب المتمردين بأعداد كبيرة، إلى جانب الكثير ممن كان لهم عداوات مع سياسات السنوات السبع عشرة. واستخدم ناشطون من طبقات العاملين المؤقتين، الذين حرموا من الامتيازات الكاملة للعاملين الدائمين، الثورة الثقافية للمطالبة بتعويضهم. وعلى الرغم من إخفاقهم، فقد انزعجت السلطات من إمكانية حدوث اضطرابات على مستوى المصانع. وفيما بعد، عندما يئس القادة الماويون من حلفائهم من الطلاب، قاموا بزرع مجموعة من المتمردين من الطبقة العاملة الذين سيكونون متزنين سياسيا.
Shafi da ba'a sani ba
ولا ينبغي أن ننبذ رغبة هؤلاء المتمردين تفضيلا للديمقراطية الراديكالية، فهم لم يسعوا للديمقراطية الإجرائية على الطريقة الغربية، بما تحويه من نظم تصويت دقيقة وضمانات لحقوق الإنسان. لقد كانت حركة مضادة للاستبداد والفاشية، وربما كانت أعظم تجارب الصين في الديمقراطية التشاركية، وتطلعت لديمقراطية نتائج، لا إجراءات. (4) التهذيب
يسهم شعار «السياسة تتولى زمام السيطرة» في تهذيب وضبط التمرد، وكذلك إلهامه. لقد فوجئ ماو بمدى عنف الحرس الأحمر، فقد كان الحرس الأحمر أداة سياسية خرقاء: فهم حديثو السن، وجامحون، ومن الصعب توزيعهم بأي قدر من الدقة.
ظهر نموذج متميز للاستيلاء على السلطة في يناير من عام 1967، بتأسيس «كوميون شنغهاي». كان واضحا أن هذا المشروع الذي استمر لمدة شهر لتجميع البروليتاريين في شنغهاي قد استوحي من كوميون باريس الذي أنشئ عام 1871. وقد صنع قاعدة سياسية لثلاثة سياسيين راديكاليين: مسئول الدعاية تشانج تشون شياو، والناقد الأدبي ياو ون يوان، ومسئول الأمن الصناعي وانج هونج ون، الذين أدينوا فيما بعد مع جيانج تشينج ضمن عصابة الأربعة.
وبشكل سريع نوعا ما، استبدل نموذج كوميون شنغهاي بنموذج ثان شمل جميع أنحاء البلاد، وهو «اللجنة الثورية». أولت اللجان الثورية أهمية حقيقية لمشكلة الوحدة؛ فقد كانوا منظمين في «تحالف ثلاثي» مكون من المنظمات الجماهيرية، وممثلي الجيش، والمسئولين المحنكين الذين يدينون بالولاء للثورة الثقافية. وكان الجيش هو المنوط بمهمة التنفيذ في التفاوض حول هذه الصفقات، وعمل بصبر لإيجاد مجموعات ملائمة من المتمردين الراديكاليين وكوادر محنكة مقبولة لتشكيل حكومة محلية ماوية جديدة. وحتى مع مشاركة الجيش، كانت المهمة شاقة للغاية؛ إذ كانت الثورة الثقافية قد أطلقت قوى اجتماعية ثبت أن من الصعب احتواءها. وقد شملت هذه القوى المنافسات المحلية، أو الطموح الجامح، أو الغرور السياسي. ففي إحدى مناطق التبت، واجه أحد التحالفات متاعب بسبب راهبة غير متزنة تعرضت لزيارات من إحدى الآلهة وأمرت الأتباع المسلحين الذين قاموا بدورهم بتقطيع أذرع وأرجل أعدائهم المتعصبين.
بدأ الجيش استعادة النظام بالتفاوض على إقامة سلام محلى في كل إقليم. فضل الجيش في البداية التزام الحياد، ولكن استمرار العنف والفوضى استدرجه في النهاية بشكل أعمق للتدخل في الإدارة المحلية. ولعل من إحدى اللحظات الحاسمة الأزمة التي وقعت في صيف عام 1967 في ووهان، حيث اندلعت حرب شبه أهلية، وعندما حاول قائد بكين التفاوض، تم اختطافه مما استوجب إنقاذه بواسطة قوات محمولة جوا. ووقعت معارك مسلحة أخرى بين آلاف المدنيين الشباب، كان من شأنها كسر حاجز التردد لدى الجيش. وأصبح لمعظم الأقاليم لجان ثورية جديدة بحلول صيف عام 1968.
شارك الجيش في الثورة الثقافية بحذر شديد من خلال توفير حرس مسلح للمنشآت النووية وغيرها من منشآت الأبحاث العسكرية، وكذلك للمعالم الأثرية الثقافية المهددة من قبل المخربين التابعين للحرس الأحمر. وعندما شرع الحرس الأحمر في تسليح أنفسهم بأسلحة تم الاستيلاء عليها من قطارات متجهة إلى فيتنام، تبدد تردد الجيش. وبحلول صيف عام 1968، تحول صبر الجيش إلى شراسة، حين قام بسحق مجموعات الحرس الأحمر غير الراغبة في الانصياع لقيادتها.
لم تأت أشد أشكال العنف للثورة الثقافية من وحشية الحرس الأحمر، ولكن من القمع الماوي للمنظمات الجماهيرية التي وجدت بشكل عفوي. ففي نهاية عام 1967، نظمت مجموعة الثورة الثقافية تحقيقا في مؤامرة مزيفة أطلق عليها «مؤامرة 16 مايو»، وقد أدى هذا إلى اعتقال كبار الساسة الراديكاليين بتهمة مؤامرة لم يكن لها وجود مطلقا. ومع انتقال الحملة إلى المستوى الإقليمي، خضع ملايين للتحقيق وقتل عشرات الآلاف. وانطلقت حملة مشابهة ل «تطهير المناصب العليا» قتلت المزيد؛ إذ تم تمحيص التاريخ السياسي والعائلي بحثا عن الخطايا السياسية. كان ضربا من العذاب أن يكون لك علاقات بالصينيين المغتربين بالخارج، أو شقيقة متزوجة من عائلة رأسمالية سابقا. وتعكس هذه الوحشية بشكل جزئي السيطرة الهزيلة من قبل قادة الصين الجدد المقترنة باندفاعهم في القضاء على خصومهم المحتملين من أجل مناصبهم الجديدة. وعززت اللجان الثورية الجديدة نفوذها بتفكيك منظمات السياسة الجماهيرية، مبتدئة بالمنظمات التي قاومت شرعيتها. ووقعت الكثير من أعمال العنف في المقاطعات الريفية، حيث كان العنف أقل وضوحا عن عنف الحرس الأحمر في بدايته. فقد لاحظ مواطنو هونج كونج، على سبيل المثال، جثثا طافية على المجرى المائي في اتجاه مصب نهر اللؤلؤ. غير أن العنف ضد الراديكاليين، في رأي كثير من المراقبين، ربما بدا أقل أهمية مقارنة بالعنف الذي مورس ضد المثقفين والمسئولين.
وقد اتخذ التهذيب أشكالا أقل عنفا بالنسبة لغالبية الناس؛ فقد أصبحت دراسة السياسة ذات طابع رسمي إلى حد كبير، إذ أصبح الجميع مطالبين بحفظ النصوص، وعقد مناقشات جماعية مصغرة، وتأليف مفكرات عامة عما يحرزونه من تقدم أيديولوجي. وقد قامت مثل هذه الممارسات على ثقافة قديمة من النقد والنقد الذاتي كان يتوقع فيها من الناس أن يقدموا اعترافا طقسيا بمثالبهم ونقائصهم السياسية. وقد أصبح هذا فنا أدائيا أيضا، ولكن كان له أصول كونفوشية من حيث عدم الاهتمام بالروح الداخلية والتركيز على السلوك الفعلي.
شكل 2-3: عند حل حركة الحرس الأحمر التي أنهكها الشقاق والعصبية، جسد هذا الملصق نموذجا مثاليا لاثنين من العمال يحضان على الوحدة بصمود وإخلاص من خلال دراسة أعمال ماو تسي تونج: «انبذوا الفرقة، قطعوا الأيادي السوداء! وحدوا الثورات البروليتارية!»
1 (5) اللجوء للعلاقات الشخصية
Shafi da ba'a sani ba
كان كل فصيل من فصائل الثورة الثقافية يرفع راية ماو تسي تونج، مما أوحى بوجود وحدة على السطح على الرغم من واقع تمزق إلى نزاعات متعصبة يسودها قدر هائل من الشك وعدم اليقين. وظهرت الأخطار عندما راح الانتهازيون يبحثون عن الفرصة المثلى لحصد المكاسب، وبات المواطنون يضطهدون لخلفياتهم المشكوك فيها سياسيا.
ومع تمزق المؤسسات الطبيعية، اتجه المواطنون من جميع المستويات بشكل متزايد إلى العلاقات الشخصية بحثا عن الأمان. وقد كانت العلاقات القائمة على النسب، أو الموطن الأصلي المشترك، أو التعليم، أو الخبرة المهنية موجودة بالفعل في جميع السياسات، وقد لعبت هذه العلاقات دورا استثنائيا في الصين لفترة طويلة، على الرغم من جهود الدولة في أن تستبدل بها معايير «موضوعية» ونزيهة. فقد قوض الخطاب البلاغي للثورة الثقافية بفعل انعدام ثقتها في المؤسسات العادية، وهو ربما ما مثل ضمانة لفكرة أن العلاقات الشخصية قد جاءت لتسيطر.
وقد قويت التحالفات الشخصية بين أهل النخبة بعد صدمتي قضية لين بياو وتدهور صحة ماو. حتى إذا كانت الصلات الشخصية ليس لها دور فعلي، فإن معظم الصينيين يسلمون بأن لها دورا، وسوف يفسرون أبسط التطورات المحلية أو القومية بسرد الصلات بين الأشخاص ومن يعرف من. على سبيل المثال، جاءت جيانج تشينج ومسئول الأمن بالحزب كانج شينج من نفس المقاطعة بإقليم شاندونج. فهل كان محل الميلاد المشترك هذا أهم من أي منصب سياسي مشترك؟ كثير من الصينيين يعتقدون ذلك، ويذهبون إلى أن ذلك قد جعل تحالفهما الأيديولوجي على الأقل قائما على أساس أكثر صلابة.
كان البحث عن الأمان الشخصي على نفس الدرجة من القوة بين المواطنين العاديين، خاصة في ظل حالة التشاؤم والاستخفاف الجديدة التي سادت في أعقاب وفاة لين بياو. فقد أصبحت الهدايا والرشاوى وليس التعصب السياسي (أو بجانب إعلان الحماس السياسي) وسيلة لتأمين الحصول على ميزة ما من «باب خلفي»، من الحصول على مسكن أفضل إلى الرعاية الطبية المتخصصة، أو من أجل نقل طفل من أطفال المدن من العمل بالزراعة وإعادته إلى المدينة.
اتخذت السياسة منحى بذيئا وكريها حتى بالنسبة للماويين الملتزمين؛ فقد جعلت القلاقل والاضطرابات فكرة الانتقام تطفو على السطح، مما منح رواية ألكسندر دوماس «كونت دي مونت كريستو» الصادرة عام 1844، والتي تدور حول الانتقام، قاعدة عريضة من القراء في حقبة لم يحظ فيها الفن الغربي بالكثير من الاستحسان والقبول. والحق أن العنوان الصيني للرواية (سجل العرفان والثأر لمونت كريستو) يزيد من جاذبيتها لدى جمهور ينشد الأمان في عالم فاسد وغير موثوق. فالكونت، الذي يدعى إدموند دانتس، يستعيد حقه، ساخرا من الافتراض المسبق بأن القوانين الغربية تتفوق أخلاقيا على شبكة العلاقات الشخصية في الشرق.
ربما كانت جيانج تشينج طموحة وصعبة المراس، ولكن ماو اعتمد عليها لأنه لم يكن يثق ثقة كاملة في أي شخص خارج نطاقه الشخصي. وعلى كل أخطائها، فقد كانت وفية. وكما قالت أثناء محاكمتها: «كل شيء فعلته كان بناء على توجيه من الزعيم ماو. لقد كنت كلبه الوفي؛ أيما شيء يأمرني بعضه، عضضته.» وفي السبعينيات لجأ ماو أيضا لابن أخ له، هو ماو يوان شين، الذي أصبح مسئولا بارزا في الإقليم الصناعي الحيوي لياونينج.
في نهاية الثورة الثقافية، وعقب الضربات المتتالية التي وجهت ضد المؤسسات السياسية التقليدية، عمل قادة انقلاب ما بعد ماو في الأساس انطلاقا من رغبتهم في التخلص من منافسيهم، ولكنهم عملوا أيضا انطلاقا من رغبتهم في التخلص من القلق. فعلى الرغم من أنهم كانوا يحوزون الأغلبية في المكتب السياسي، فقد كانوا يخشون احتمالية توجيه الأغلبية في اللجنة المركزية دعمها لجيانج تشينج وحلفائها في أية مواجهة حاسمة قد تحدث. وفي خضم دفاعهم عن تصرفهم، أسس المتآمرون شبكة علاقات شخصية، هي «عصابة الأربعة»، والتي كان أساسها مقلقلا نوعا ما على أرض الواقع. لم تكن تلك عصابة بالمعنى المفهوم؛ إذ كان ثلاثة من أفرادها الأربعة لا يدعمون حتى وانج هونج ون أمام هوا جوفينج ليكون خليفة ماو، ولكن البعض حزنوا لرؤية جيانج تشينج المستبدة تزاح، فيما أصبح الأربعة، إلى جانب جنرالات لين بياو، كباش الفداء العلنية للثورة الثقافية.
هوامش
الفصل الثالث
الثقافة: تدمير القديم وبناء الحديث
Shafi da ba'a sani ba
لماذا اعتقد الماويون في ضرورة قيام ثورة ثقافية في الفنون؟ إن ما حدث في عام 1949 من استيلاء على السلطة السياسية، وما تبعه من سيطرة على الاقتصاد، لم يحقق تمكينا حقيقيا للطبقة العاملة ؛ فمن كانوا يوما ما ثوارا محاربين بواسل لانوا بفعل الثقافة الجذابة والمفسدة في الوقت ذاته الآتية من ماضي الصين الإقطاعي أو من الأمم البرجوازية الأجنبية. وكانت الوصفة الطبية الماوية لعلاج ذلك تتمثل في الحد من هذه «الطلقات المغلفة بالسكر»، مع تشجيع فن جديد وقوي ذي شكل ومضمون بروليتاري بحق.
قبيل الثورة الثقافية، شكا ماو من أن وزارة الثقافة قد أصبحت «وزارة المومياوات الميتة»، ومن ثم أصبحت المومياوات الميتة الباقية من التراث الصيني هدفا رئيسيا للحرس الأحمر. فراحوا يفتشون المنازل الخاصة بحثا عن دلالات لأي أثر إقطاعي أو برجوازي. لقد كان هناك حاجز فصل بين فترة الازدهار الأولى للحرس الأحمر وبين فترة السيطرة وتعزيز النفوذ التي امتدت لأمد أطول. عملت السياسة التي اعتمدت فيما بعد على تحجيم دور الفن التقليدي أو الأجنبي، ولكنها حققت نجاحا أقل بكثير في استبدال أعمال جديدة به. فقد قادت جيانج تشينج، قرينة ماو، حركة لصنع أعمال مسرحية نموذجية معبرة عن الثورة، لاقت بالفعل جمهورا عريضا من خلال تركيبة جمعت بين تحديث موسيقى أوبرا بكين، والمساواة بين الجنسين، وإضفاء الطابع العسكري. (1) تدمير القدماء الأربعة
كان الحرس الأحمر القائم الأوحد تقريبا على تدمير المعالم الثقافية، وقد وقعت موجة التحطيم الجنوني التي قادها فيما بين منتصف أغسطس ونهاية سبتمبر من عام 1966. فكان الشباب يتنافسون فيما بينهم في التصدي ل «القدماء الأربعة» (الأعراف، والثقافة، والعادات، والأفكار القديمة). كان القدماء الأربعة يشمل رموز المجتمع الصيني التقليدي فيما قبل الحداثة، مثل الأعمال الفنية التي تحتفي بالنخبوية الكونفوشية. وقد كان يندد بهذه الرموز صراحة لكونها «إقطاعية» في وقت كان فيه المجتمع القديم لا يزال ذكرى حاضرة في أذهان الكثيرين، ولم يكن تراثه الظاهر يشمل اللوحات الكلاسيكية، والكتب ذات الخيوط فحسب، بل شمل أيضا السيدات العجائز ذوات الأقدام المربوطة. ولعل أفضل تفسير لهمجية هذه الاستجابة الجمالية لدعوة ماو للثورة الثقافية هو كونها جهلا وطيشا شبابيا، امتزجا بقلق معمم من رغبة المناهضين للثورة في إعادة المجتمع القديم.
قام الحرس الأحمر بتفتيش منازل أعداء الثورة المشتبه بهم، كان من بينها ما يزيد على 100 ألف منزل في بكين. وعندما انتشرت أخبار هذه الغارات، قام العديد من المواطنين - على سبيل الاحتياط - بتدمير بعض من مقتنياتهم التي قد تمثل إدانة لهم. ولم يكن الحرس الأحمر يسرقون؛ لأنهم كانوا مدفوعين بحماس ثوري خالص؛ فإذا عثر على شيء قيم بشكل واضح، كان الحرس يسلمونه للدولة. ولكنهم أيضا لم يكونوا نقادا فنيين، وعندما يكونون في ريبة من أمرهم، كانوا غالبا ما يختارون تمزيق أو حرق أي شيء؛ وكانت الكتب التي تحمل شبهة سياسية تمزق إربا. من الصعب حصر كم الدمار الذي لحق بالثروات القومية على يد شباب الثوار، ولكن الكثير من المتعلقات الشخصية، بما في ذلك سجلات الأنساب، واللوحات، والكتب، وأسطوانات الفونوغراف، والصور الدينية، كانت تضيع للأبد أيضا.
لم يوافق الكثير من أفراد الحرس الأحمر على الغارات على منازل «الفئات الخمس السوداء» (انظر الفصل
الثاني ) أو المشاركة فيها، وكذلك استاء الكثيرون من العنف ضد المعلمين ومسئولي المدارس. وفي كثير من الحالات كانت الدولة تتدخل لحماية معالمها الأثرية الكبرى. فقام رئيس الوزراء شو إن لاي بوضع قوة من الحرس العسكري في المواقع الثقافية المهمة؛ حتى القادة اليساريين، أمثال تشن بودا وتشي بنيو، ساعدوا في الحد من الدمار. وفي بعض الحالات كان السكان المحليون يتدخلون لحماية الكنوز التاريخية، مثل مواقع الأسرة الكونفوشية في كوفو بإقليم شاندونج. وقام الطلاب وهيئة التدريس بإخفاء مكتبة التسجيلات لمعهد الموسيقى العالي، ووجدت الكثير من العائلات طرقا مبتكرة لإخفاء المقتنيات القيمة.
جانج هوا «تقرير عن تدمير الكتب»
فوجو وانباو (18 أبريل، 1989)
أنا مدرس تستطيع القول بأنه مدمن للكتب، ومع ذلك فقد اشتركت يوما في تدميرها. ليس لدي تفسير منطقي لهذا الخطأ الفادح. الزمان: ذروة صيف عام 1966. المكان: مصنع الورق حيث كنت أعمل. كنت قد أخرجت من المدرسة، وأمرت باجتياز فترة عمل، وجاء يوم عصيب ترك بداخلي شعورا مضطربا. عندما دخلت المصنع، لم أسمع الأصوات المعتادة للشاحنات التي تقوم بنقل المخلفات. كان المصنع بأكمله الذي كانت مساحته مائة متر مربع يعج بتل رهيب من الكتب: كتب على الطراز الأجنبي مجلدة بأغلفة صلبة، وكتب ذات خيوط على الطراز القديم، وكتب ذات أغلفة ورقية. اقتربت من كومة الكتب وألقيت نظرة على المجلدات الممتدة أمامي. وانتابني الغضب حين وجدت الكتاب الذي يعتلي القمة هو كتاب «أعمال دو شاولينج» الذي طالما أعجبت به. وبالتنقيب داخل الكومة، وجدت «كتاب القصائد الغنائية»، و«شاو مينج وين شوان» و«قصائد جديدة من جايد تراس»، و«سو دونج بو يوفو».
دعا رئيس العمال لاجتماع قبل بدء العمل، وراح يقرأ بعض مقولات الزعيم ماو وتلا علينا مهام عملنا. «لقد قالت السلطات إن هذه الكتب من القدماء الأربعة؛ فالمجموعة بأكملها إما إقطاعية، أو رأسمالية، أو تعديلية. وقد تم إرسالها إلى هنا بعد حملات تفتيش للمنازل من أجل تمزيقها ... والكتب التي لا يتم الانتهاء منها سوف تترك لنوبة العمل التالية.»
Shafi da ba'a sani ba
لم يكن لي أي رد فعل للحظة، بعدها وكزني السيد شاو قائلا: «اذهب إلى الحوض رقم واحد ومزق هذه الكتب السميكة.» ترددت قليلا ثم توجهت إلى فوهة الحوض رقم واحد وجلست القرفصاء، لأرى أمامي كتبا ضخمة مثل «قاموس الإنجليزية إلى الصينية»، و«قاموس الروسية إلى الصينية»، و«الرياضيات المتقدمة»، وكتب أخرى بلغات أجنبية لا أتذكر أسماءها. تجولت عبر عدة صفحات من الكتب ثم توقفت دون وعي مني. رفعت رأسي فرأيت السيد دنج والسيد جيانج يمزقان الكتب برشاقة وخفة يد، مقطعين أربطة أغلفة الكتب بسكاكين صغيرة، وأخذوا يبعثرون الصفحات على فوهة الحوض بشكل تلقائي كما لو كانت الشاحنة قد سلمت كومة من الأوراق المهملة. وعندما شاهداني أتسكع وأضيع الوقت، نادياني بحدة قائلين: «ماذا تظن أنك فاعل؟ لتبدأ العمل!» وبيدين مرتعشتين، رحت أنتزع صفحات من الكتب، ولكنني شعرت بطعنة ألم كما لو كنت أمزق قلبي. فكرت لوهلة في إخفاء كتاب «أعمال دو شاولينج»، ولكن انتابني الخوف من احتمال قيام الحرس الأحمر بهجمة مفاجئة، ولم أكن أريد أي متاعب. ولم يمر وقت طويل حتى كنت أمزق الكتب إربا دون أية مبالاة ، واضعا الصفحات الممزقة داخل فوهة الحوض. ورأيت بأم عيني ما يقرب من طنين من الكتب يتحول إلى عجينة ورقية صفراء تقلب جيئة وذهابا خلال عملية صناعة عجينة الورق.
منذ بداية حملة تدمير القدماء الأربعة، سمعت أن مصنعنا وحده ألقى حوالي عشرين عربة ورق في المرجل. وبغض النظر عن كونها بيضاء أم حمراء، فقد ابتلعها المرجل جميعا!
إن التاريخ الصيني والأجنبي يزخران بسوابق مماثلة في تدمير الكتب بما يكفي، لكن تشين شي هوانج دي لم يحرق كتبا عن الزراعة والطب، ولم يحرق هتلر سوى الكتب ذات «الأيديولوجية المعادية للألمان»، وكتب الجنس (لو شون، «مقارنة بين حرق الكتب لدى الصينيين والألمان»): فكلاهما كان ينتقي ما يحرقه. لقد كان نمط وروح هذه الحرائق مختلفا اختلافا واضحا عن تدميرنا للكتب؛ ففيما عدا مجموعة معينة من الكتب الحمراء، كان بالإمكان إدراج جميع الكتب ضمن فئة القدماء الأربعة وتدميرها. علاوة على ذلك، كانت وصفتنا لتدمير الكتب - استخدامها كمخلفات - تتفوق تفوقا هائلا على نهج تشين شي هوانج دي وهتلر. من يمكنه أن يدعي أنهما كانا أكثر همجية منا؟
وقع في نفس المصيدة مع القدماء الأربعة رموز الفن البرجوازي، بما في ذلك الكتب والموسيقى الواردة من الخارج، وكذلك المنتجات الصينية الحديثة في الفترة من 1911 إلى 1949. فقد انتقدت الأعمال المرتبطة بالكتلة السوفييتية انتقادا عنيفا باعتبارها منتمية للتيار التعديلي. فقد كانت مرحلة التعبئة الجماهيرية للثورة الثقافية، والتي اتخذت نبرة قومية من البداية، تظهر توجها قوميا متعصبا للهوية الوطنية كان واضحا كل الوضوح في المجتمع الصيني. وقام الحرس الأحمر في مدينة هاربن الشمالية الشرقية بشكل مستبد وعنيد بهدم كنيسة أرثوذكسية خشبية بأكملها، وكانت من أطلال التأثير الروسي.
كان الحرس الأحمر يتعرضون لمواطنيهم ممن كانوا يصففون شعرهم بطرق لا تتسم بالبساطة بما يتفق مع التقاليد، ومن ثم كان يفترض أنهم «برجوازيون»، وأحيانا ما يهذبون لهم شعرهم على قارعة الطريق دون طلب. وكانوا يرفضون الأحذية المستدقة، والبنطلونات الضيقة، والعطور، والحيوانات المنزلية، والقمار، والمجوهرات، والدعابات البذيئة، وألعاب المقامرة. وحلت المعاطف الثقيلة الضخمة لأفراد جيش التحرير الشعبي محل طراز هونج كونج لجعل الشكل الجديد هو الموضة السائدة. كذلك قام الحرس الأحمر بتغيير أسماء الشوارع، تاركين السفارة السوفييتية في شارع أنتي ريفيجونيست (بمعنى المعادي للتعديلية)، إلى جانب إعادة تسمية شارع وزارة الخارجية ليصبح شارع أنتي إمبرياليست (بمعنى المعادي للإمبريالية). وكان على رئيس الوزراء شو إن لاي الاعتماد على كل مهاراته الدبلوماسية لمنع إشارات المرور الحمراء من التحول إلى إشارة ثورية «للانطلاق» بدلا من التوقف. كذلك قام الأفراد بتغيير أسمائهم، كتطهير من رائحة الإقطاع العفنة. وأطلق على الأطفال أسماء تفوح منها رائحة الفضائل الثورية والمادية، كأن يسمى الطفل «ريد هيرو» (البطل الأحمر) بدلا من «بريشيوس جايد» (اليشم الثمين).
وبقدر قصر مرحلة تدمير القدماء الأربعة، فقد ارتبطت ببعض من أحط أشكال العنف، وهو ما دفع بعد ذلك إلى إدانة الحرس الأحمر ليس فقط لأفعالهم الشائنة، ولكن أيضا لأفعالهم التخريبية السابقة ضد تاريخ الصين، بما في ذلك ناشطي الكومنتانج المنتمين لحقبة العشرينيات، ولصوص الفن الشرقي المنتمين للحقبة الإمبريالية. فعلى سبيل المثال، أحيانا ما يلقي السائحون الأجانب باللائمة - خطأ - على الحرس الأحمر في حادث التدمير الشهير الذي حل بحديقة الإشراق المثالي (يانج مين يوان) الإمبراطورية ببكين، والتي تم حرقها - في الحقيقة - على يد جيش بريطاني فرنسي في عام 1860.
تزامن مع الهجوم ضد القدماء الأربعة انطلاقة لصناعة الفن الثوري، خاصة من قبل الطلاب المنتمين للحرس الأحمر من المعاهد الموسيقية وأكاديميات الفنون الجميلة. كان الحماس أهم من الجودة، على الرغم من أن الطلاب الأكثر تفوقا في الخط غالبا ما كانوا يجندون لكتابة الملصقات ذات الأحرف الكبيرة، التي كانت وسيلة أفضل لجذب القراء.
عندما ساور السلطات المركزية القلق بشأن كيفية السيطرة على الحرس الأحمر، حاولوا تحجيم عروض الشارع الارتجالية، والتي لم تنجح سوى في إثارة الحشود. وبحلول الرابع من ديسمبر من عام 1966، التقى شو إن لاي بالمتمردين من مؤسسات فنية عديدة، زاعما أن ماو تسي تونج قد أخبره أن الدعاية التي تمارس في الشوارع ليس من السهل القيام بها على نحو جيد، بل وقد تكون غير آمنة وسط حشود بكين الضخمة. وأكد شو إن لاي للحرس الأحمر أنه سيكون من الأفضل للجميع أن تقوم المدينة بتنظيم العروض الدعائية الكبيرة. وبحلول فبراير من عام 1967، سعت السلطات المركزية لإحكام السيطرة بالتصريح بأن الفنانين الشبان «لا بد أن يمتنعوا تماما عن الخروج لتبادل الخبرات.» وكان على الفنانين العودة في الحال إلى مدارسهم وأماكن عملهم الأصلية لإعداد الفن الثوري من أجل العمال، والفلاحين، والجنود.
لم يكن ماو تسي تونج وقادة الثورة الثقافية الآخرون راضين عن الصخب القومي بشأن القدماء الأربعة والهجمات على المنازل، لكونها قد صرفت الانتباه عن هدفهم الأساسي، ألا وهو «ممثلو البرجوازية» القابعون في مواقع السلطة. وفي الواقع، كان لأعضاء النخبة السياسية في الصين أذواق ثقافية كانت لتحبط آمال الكثير من أفراد الحرس الأحمر. فكان ماو عاشقا للأوبرا والروايات القديمة، ويستمتع بممارسة فن الخط لبعض الوقت، ويتبادل القصائد الشعرية مع الثوار القدماء الآخرين. وكان أحد منافسيه، وهو تشين يون مسئول الاقتصاد، راعيا أساسيا لغناء القصص الشعرية في منطقة يانجتسي السفلى «بينجتان». كذلك كان كانج شينج، المسئول عن أعمال الأمن بالحزب، رساما رائعا للوحات أزهار الأقحوان.
أراد ماو إعادة توجيه أكثر جدية للثورة الثقافية تتجاوز الانتفاض ضد ارتداء الأحذية المستدقة والعزف على آلات الكمان. واشتكى في عام 1963 من أن الإنجازات في مجال الفن الثوري كانت قليلة للغاية، على الرغم من الجهد الكبير المبذول: «أليس من السخف أن يكون الكثير من الشيوعيين متحمسين للترويج للفن الإقطاعي والرأسمالي، وليس للفن الاشتراكي؟» (2) جيانج تشينج والأعمال المسرحية النموذجية
Shafi da ba'a sani ba
وضع ماو مهمة الترويج للفن الاشتراكي بين يدي زوجته، الممثلة السابقة جيانج تشينج، التي قامت بتنظيم سلسلة من الأعمال المسرحية النموذجية. ولعل النظر إلى جيانج تشينج كمنتجة تعمل مع مجموعة من المطربين، والراقصين، والملحنين المحترفين، من ضمنهم وزير الثقافة يو هوي يونج، هو أفضل منظور يمكن النظر منه إليها. وقد انضمت تلك الأعمال إلى تيار قديم لتحديث الفن من خلال دمج عناصر غربية بشكل انتقائي، مثل الأوركسترا والباليه، ولكنها هنا من أجل خدمة الثورة وليس للترفيه. وكانت جيانج تشينج فخورة بأعمالها الإنتاجية الجديدة، ولكنها لم تكن تحتمل المنافسة. وعلى الرغم من أنها قد بدأت نشاطها قبل الثورة الثقافية، فإنه لم يهيمن حتى وقوع حركة تطهير اليسار المدني وانتهاء التعبئة الجماهيرية. وقد قدمت جيانج تشينج مجموعة من ثمانية أعمال نموذجية للأمة في مايو من عام 1967، حين كانت الثورة الثقافية تعمل على تفكيك حرسها الأحمر بالقوة.
كانت هناك مسرحيات أخرى، عرض بعضها كمسرح شارع، ولكن عرضت مسرحيات أخرى بطموحات أكبر، مثل مسرحية غنائية عرضت في ووهان بعنوان «اقصفوا وانج كوانج، أحد أهل السلطة يتخذ الطريق الرأسمالي». ثمة عمل آخر أكثر شهرة بعنوان «مجنون العصر الحديث»، وهي مسرحية عرضت في تانجين. كان بطل المسرحية هو تشين لينينج، الذي أودع أحد مستشفيات الأمراض العصبية قبل الثورة الثقافية لاحتفاظه بمذكرات نقدية عن كتابات ليو شاوشي. وعندما أطيح بليو من السلطة، أفرج عن تشين واحتفي به كأسير سياسي محرر. وقد دعم المسرحية وانج لي وتشي بنيو من مجموعة الثورة الثقافية. ولكن تشين لينينج كان يحتفظ بمذكرات نقدية لماو، والتي اكتشفت، بينما كانت حركة التطهير ضد يساريي الثورة الثقافية تكتسب زخما. وقد أعلنت جيانج تشينج أن تشين لينينج ليس بطلا، ولا حتى مجنونا، ولكنه معاد للثورة. وقد وصمت هذه المسرحية بصلات مزعومة لها بمؤامرة 16 مايو، وهي مؤامرة ضد الماويين لم يكن لها وجود، ولكنها اختلقت للإطاحة بالسياسيين اليساريين الصاعدين أمثال وانج وتشي.
كانت جيانج تشينج تغار من أية منافسة لمشروعاتها الفنية ذات التخطيط الدقيق، وكانت شديدة الحساسية تجاه ابتكارات الحرس الأحمر التلقائية. واستغلت انتهاء حركة الحرس الأحمر لإيقاف تمسكهم البالغ التطرف بالهوية الثقافية. ومن ثم تدخلت جيانج تشينج لحماية شكلين مستوردين من الفن، هاجمهما الحرس الأحمر باعتبارهما من الفنون البرجوازية، وهما: الرسم بالزيت وموسيقى البيانو. فقد رأت جيانج تشينج كلا الفنين كفرص لتغيير الفن الصيني. وعلى الرغم من سعادتها برؤية فن الفنانين الفرديين والمتعصبين يعاني، فلم تكن راغبة في السماح لأعضاء الحرس الأحمر السذج بحرمانها من الألوان العميقة والبراقة للرسم الزيتي، أو من لوحة الألوان الصوتية الغنية للموسيقى الغربية. وقد أشادت حملتان مزدوجتان دشنتا في عام 1968 بلوحة «الزعيم ماو في أنيوان»، ونسخة البيانو من الأوبرا النموذجية «المصباح الأحمر» بوصفهما إنجازات ثورية جديدة؛ إذ أبرز كلاهما فنانا شابا جديدا. فقد صور الرسام ليو جون هوا الشاب ماو بملامح القديسين وهو في طريقه إلى إضراب لعمال التعدين وقع في عام 1924؛ وقد تم توزيع تسعمائة مليون نسخة من هذه اللوحة في جميع أنحاء البلاد. أما عازف البيانو يين تشينج تسونج، الحائز على جائزة في مسابقة تشايكوفسكي بموسكو، فقد صنع مقطوعة مصاحبة بالبيانو لواحد من أشهر أعمال جيانج تشينج النموذجية. وظل الرسم والموسيقى الفعليان المستوردان من الغرب محل جدل على مدار حقبة الثورة الثقافية، غير أنه لا أحد كان سيتساءل عن تعديل وسائلهما وموادهما الأساسية، والتي كانت تنقى في ذلك الوقت من أجل الثورة.
كانت أوبرا «المصباح الأحمر» واحدة من المجموعة المبدئية من «الأعمال المسرحية النموذجية» الثمانية، التي كان خمسة منها عبارة عن عروض أوبرالية بأوبرا بكين تناولت موضوعات ثورية، تم تحديثها ليس فقط في القصة، وإنما أيضا في التوزيع الموسيقي وطريقة العرض، فيما كان اثنان منها عبارة عن عروض باليه وواحد عبارة عن مقطوعة سيمفونية، وكلاهما كان شكلا ورد حديثا للصين، على الرغم من أن جيانج تشينج قد قللت من أهمية أصولهما الأجنبية.
كانت لهذه الأعمال المسرحية النموذجية شعبية بالغة، وتم عرضها في جميع أنحاء البلاد. على سبيل المثال، يدور باليه «الفتاة ذات الشعر الأبيض» عن فلاحة شابة أجبرت على الاختباء في الجبال بسبب إقطاعي حاقد حتى اشتعل رأسها شيبا، وظنها الفلاحون شبحا. ولكنها تعود إلى موطنها بعد أن قضت الثورة على الإقطاعي. فكرة العرض ثورية، ولكنها أيضا تتعلق بالمرأة والمساواة (على الرغم من أن الثورة الثقافية لم توظف هذا المصطلح). وعلى الرغم من أن الموسيقى صينية بشكل واضح، فإن النوتة الموسيقية مؤلفة لتناسب آلات أوركسترا سيمفونية غربية.
وعلى عكس الأوبرا الصينية التقليدية، أصبحت الموسيقى أعلى، لتنفصل بذلك عن المجموعات الصغيرة من الآلات الوترية التقليدية. ولكن ثمة اختلاف أكبر تمثل في محتوى الأعمال الجديدة؛ فبينما كانت الأوبرا التقليدية تركز على قصص الوعظ الأخلاقي المستقاة من أساطير الأسر المالكة القديمة، كانت الأعمال المسرحية النموذجية تجسد في الحاضر، مشتقة دروسا من الحقبة الثورية.
وقع اختيار الراديكاليين على الفنون الأدائية لما تحويه من تجديدات؛ لأن الأدب، ذلك الفن الذي كان الأقرب تاريخيا للسلطة في الصين، كان يخضع لسيطرة صارمة من قبل خصومهم. ولم يكن الاستيلاء على السلطة في المسرح أسهل فحسب، ولكن خلفية جيانج تشينج كممثلة منحتها ثقة بالنفس إزاء المسرح، افتقدتها مع الفنون الأخرى. كذلك تتسم الأوبرا الصينية كشكل فني بشعبية أوسع من الأدب، مما جعلها أكثر ملاءمة للإصلاحات الشعبية. وأخيرا، كانت الأوبرا ملائمة للعروض النموذجية، بما في ذلك عروض الهواة والنسخ الفيلمية، بطريقة لم تتح للروايات أو القصائد. وهذه الاختيارات منحت فنون الثورة الثقافية حيوية فورية واتجاها سياسيا.
بعض اختيارات جيانج الفنية الأخرى كانت شخصية إلى حد كبير؛ فقد كانت تكره الأغاني الفولكلورية، ورفضت فرصة لدمج ألحان لها شعبية مثبتة في أعمالها. كذلك كانت تراجع الآلات المستخدمة في اللحن السيمفوني بشكل منتظم، وقررت أن آلة التوبا قبيحة ومن ثم لم تجد مكانا لها في برنامجها. لقد مزج الفن المركب الذي أنتجته بين الفن غير الراقي والفن الرفيع، وهو يناسب نهج حركة الرابع من مايو في تحديث الصين من خلال ثقافتها. (3) جماليات الثورة الثقافية
الأهم من نزعات جيانج تشينج الشخصية أن الثورة الثقافية قد استفادت من بعض التقاليد القديمة على الرغم من أنها كانت تنادي بفن راديكالي جديد. لم يسبق لمصطلح الفن لأجل الفن أن ساد في الصين مطلقا، فغالبا ما يعتقد الغرب أن الفن لا بد أن يسمو بالروح، وأن قراءة رواية «الحرب والسلام» لتولستوي، أو التحديق في تمثال فينوس دي ميلو يساعد في تكوين إنسان أكثر تحضرا ورهافة. وتلك أمنية إنسانية بحتة: أن تمكننا الفنون من فهم الحقائق الأساسية عن الطبيعة البشرية. كذلك يقل لدى الغرب التقاليد الفنية الموجهة للإقناع، مثل لوحات فرانسيسكو جويا المريعة عن الحروب النابليونية، أو أفلام سيرجي أيزنشتاين عن الثورة الروسية. والفن ذو الرسالة في الصين تقليد أساسي؛ فالفنانون الصينيون على اختلاف قناعاتهم السياسية يسلمون بديهيا بأن فنهم لا بد أن يكون بمثابة تعليق على الحياة العامة، إما كموظفي دعاية مدفوعي الأجر أو كنقاد منشقين عن النظام. إن الفن ليس بحاجة لامتلاك قناعة سياسية، ولكن معظم الفنانين يتفقون في الرأي على أن الفن لا بد أن يثقف ويوعي. والحق أن البعض يعتبرونه عملا سياسيا حين يتجه الفنانون إلى الداخل لأفكار شخصية تأملية.
ويتوافق هجوم الثورة الثقافية على التجارة تماما مع فكرة أن النشاط التجاري قد لوث الفن. والواقع أن جزءا كبيرا من عالم فنون ما قبل الحداثة في الصين ارتبط بالتجارة. ولكن الأنشطة التجارية غالبا ما كانت تتخفى في شكل هدايا أو لا تسجل، حتى يتسنى للجميع الإبقاء على ذلك الوهم الأرستقراطي الأنيق بأن الفن يسمو فوق المال. وقد شجعت الثورة الثقافية تقديس الهواة، للتحقير من نخبوية الفنانين المحترفين. فقد خيل للراديكاليين أن العمال، والفلاحين، والجنود يمكنهم أن يصبحوا فنانين ومؤدين من شأن مشاركتهم أن تحدث ثورة ثقافية جديدة. والحقيقة أن إصرار جيانج تشينج على المعايير العالية قد أدى إلى الاستغلال غير المعلن للمحترفين كمعلمين للفنانين الهواة، وهو الأمر الذي تم إخفاؤه بحرص عن أنظار الرأي العام.
Shafi da ba'a sani ba