فقال علي السيد: لا فرق في الحب بين جادة وعابثة؛ الجدية دعوة إلى الاهتمام العملي بالشئون العامة أسوة بالشئون الخاصة.
فغمز خالد بعينيه ناحية سمارة وتساءل: بأي الناحيتين تراها مهتمة الآن؟
وارتفع الضحك، ثم عاد خالد يتساءل: هل ثمة أمل في تطويرها نحو الاهتمامات العامة؟ - إن آمالها متعلقة بالجيل الجديد.
فنظر خالد نحو رجب قائلا: الظاهر أن جيل الأربعين لم يعد يصلح إلا للحب. - هذا إذا كان يصلح له حقا.
فقال أحمد نصر: الجيل الجديد خير منا.
فتساءل مصطفى راشد: أليس ثمة أمل في أن نتغير نحن؟
فأجاب خالد: نحن نتغير عادة في المسرحيات والأفلام، وهذا هو سر ضعفها.
فقال علي السيد: هذا هو سر نجاح الهزليات التي تصورنا على حقيقتنا. - لماذا لا تعترف بذلك في مقالاتك؟ - لأنني منافق، وقد عنيت بقولي السابق الهزليات الغربية، أما هزلياتنا المحلية فتنتهي عادة بتغير مفاجئ للمثل الهزلي في شكل موعظة سخيفة؛ ولذلك فالفصل الثالث يكون عادة أضعف فصول المسرحية وهو يكتب في الواقع للرقابة. والتفت خالد نحو سمارة وقال: إذا فكرت يوما أن تكتبي مسرحية عن أناس مثلنا، فأنصحك كزميل في الفن أن تختاري الشكل الهزلي؛ أعني المهزلة أو اللامعقول، وكلاهما شيء واحد.
فقالت متجاهلة نظرات رجب: فكرة تستحق الدراسة! - تجنبي الأبطال الهادفين الذين لا يبتسمون ولا ينطقون إلا عن المثل الأعلى، ويدعون إلى كيت وكيت، ويحبون بصدق، يضحون، ويرددون الشعارات، ثم يقتلون في النهاية النظارة بثقل دمهم. - سأعمل بنصيحتك وأكتب عن الآخرين الذين يقتلون النظارة بخفة دمهم! - ولكن لهؤلاء أيضا مشكلتهم الفنية؛ إنهم يعيشون بلا عقيدة، يقضون أوقاتهم في العبث لينسوا أنهم سيتحولون بعد قليل إلى رماد وعظام وبرادة حديد وأزوت ونيتروجين وماء، ويرهقهم في ذات الوقت أن الحياة اليومية تفرض عليهم ألوفا من الجدية الحادة التي لا معنى لها، وأن مجانين من حولهم يهددونهم بالنسف في أي لحظة، أمثال هؤلاء لا يعلمون ولا يتطورون، فكيف تصنعين بهم في مسرحية ترجين لها النجاح؟ - هذه هي المسألة! - وثمة مشكلة أخرى؛ أن أحدهم لا يختلف عن الآخر إلا في القشور؛ ذلك أن أحدهم لا يكون شخصية، ولكنه يتكون من عناصر متحللة كبناء متهدم، ونحن قد نفرق بين بيت وبيت، ولكن كيف نفرق بين كومين من الأحجار والأخشاب والزجاج والخرسانة والملاط والتراب والطلاء ؟ إنهم كلوحات الفن الحديث، الواحد كالآخرين، فكيف تبررين تعدد الشخصيات فوق المسرح؟ - إنك توشك أن تنصحني بالعدول عن الأدب! - كلا، ولكني أقول لك إنه كما أن الطيبات للطيبين والخبيثات للخبيثين، فإن مسرح العبث للعبثيين، لن يحاسبك الأخ علي السيد على انعدام الحدث أو الشخصية أو الحوار، ولن يحرجك أحد بالسؤال عن معنى هذا أو ذاك. ولما كان لا يوجد أساس للتقييم، فلن يهزك من يخفضك، وستجدين من يرفعك ومن يقول يحق إنك عبرت بمسرح فوضوي عن عالم ماهيته الفوضى. - ولكننا لا نعيش في عالم ماهيته الفوضى!
فقال وهو يتنهد: هذا فراق بيني وبينك، ويمكنك الآن أن تعودي إلى نظرات الأخ رجب.
Shafi da ba'a sani ba