صاح رجب في انبساط: ليلتنا فل يا جدعان! - من يصدق أنك أنيس الصامت؟! - لعله يجتر كتابا عن تدهور الحضارة.
ما تزال في جوفي قنبلة أدخرها للمدير العام. ليهدأ الضحك المتفجر في باطني حتى أرى الأشياء. هل تحطمت السلاسل التي تشد عوامتنا إلى الشاطئ؟ والبدر يتوثب لاقتحام باب شرفتنا الهش. أما الهاموش فقد أدرك آخر الأمر سر افتتانه المدمر بضوء المصباح.
وقال رجب لسمارة: لست في أحسن أحوالك!
فقالت دون أن تنظر إلى سنية، ولكنها نظرت إليها في الواقع بفتور نبرتها: ذاك حال الغريب! - لا، سنية امرأة الحنان، وهي أم رءوم حتى في عشقها.
فقالت سنية في سماحة: أشكرك، أنت خير من يعتذر عني للأخت سمارة.
فقال خالد عزوز: لا تبالغوا في توطيد السلام وإلا حل بنا الملل.
وساد صوت القرقرة وحده، وانداحت موجاته في شعاع القمر. قال له دمه المتدفق: إن النوم عسير في هذه الليلة الهائجة. وإنه سيسهد سهاد العاشقين بلا عشق. وراح يتذكر ما تيسر من أشعار المجانين. واختفى الحاضرون فلبث وحده مع الليل المضيء. ورأى فارسا يركض جواده في الهواء قريبا من سطح الماء، فسأله عن هويته فقال: إنه الخيام، وإنه نجح أخيرا الهروب من الموت. واستيقظ على منظر ساقه المطروحة لصق الصينية؛ طويلة بارزة العظام، باهتة اللون في الضوء الأزرق، كثيفة الشعر، كبيرة الأصابع، مقوسة الأظافر من طول إهمالها بلا قص؛ فكان ينكرها. وعجب لعضو من جسده كيف يبدو كالغريب، ثم انتبه إلى مصطفى راشد وهو يتساءل: أنحن حقا كما وصفنا ولي الأمر؟
فقال خالد عزوز: لا هروب ولا خلافة، ولكننا نفهم حقيقتنا كما ينبغي لنا.
وقال علي السيد: عوامتنا هي الملاذ الأخير للحكمة البشرية. - هل الاستغراق في الأحلام هروب؟ - أحلام اليوم هي حقائق الغد. - هل التطلع إلى المطلق هروب؟ - أف! وهل علينا من عمل سواه؟! - وهل الجنس هروب؟ - اخص! إنه الخلق نفسه. - وهل الجوزة هروب؟ - هروب من البوليس إذا شئت! - أهي هروب من الحياة؟ - إنها الحياة نفسها! - فلماذا هاجمنا ولي الأمر ؟ - إنه لم يهرج من عشرة أعوام، فأراد أن يخزي عين الحسود.
وهتف رجب القاضي: ليلتنا فل يا جدعان!
Shafi da ba'a sani ba