عندما تبدأ سهرة جديدة يتكاثف الإحساس بالحضور، ويطمئن الوجود، وتتوارى فكرة النهاية، فتتهيأ فرصة نادرة لممارسة الشعور بالخلود، ولأن الليلة قمراء فقد أطفئ مصباح النيون اكتفاء بمصباح أزرق خافت الضوء مثبت فوق الباب الخارجي. وبدا الصحاب شاحبي الوجوه. ومن خارج الشرفة أضفى القمر المرتفع عن مجال البصر على هلال المجلس بساطا فضيا متوازي الأضلاع . - قرأتم بلا شك مقال سمارة عن الفلم الجديد؟ - قل عن رجب القاضي فهو الأصح!
كلا. إنه لا يقرأ الجرائد ولا المجلات. ومثل لويس السادس عشر لا يدري شيئا عما يدور في الخارج.
وقالت ليلى زيدان مراعاة لشعور سناء: الجدية! أجل! ولكني لم أكترث لذلك. كنت أعلم من أول الأمر أنها جاءت لهدف محدد من نوع آخر.
وقالت سناء لرجب: قم لنرقص.
فأجابها بهدوء بغيض: لا توجد موسيقى. - طالما رقصنا بغير موسيقى. - صبرك يا عزيزتي وإلا فلن تدور الجوزة.
يظن نفسه مركز الكون وأن الجوزة تدور من أجله، والحق أن الجوزة تدور لأن كل شيء يدور، ولو كانت الأفلاك تسير في خط مستقيم لتغير نظام الغرزة. وليلة أمس اقتنعت تماما بالخلود، ولكني نسيت الأسباب وأنا ذاهب للأرشيف.
وقال خالد عزوز ساخرا: والمقال يعتبر من الأدب الهادف فيما أعتقد، ما رأيك يا رجب؟
أجاب رجب وكأن سناء غير موجودة: اعتبرته خطوة وتحية من جانبها! - ومما يؤكد أنها منقطعة عنا منذ أيام!
التربيع الأول المختفي يضفي على الظلمة ضياء مسطولا كعين البنفسج الناعسة. أتذكر كيف كان البدر مرهقا في ليالي الغارات؟ ها هو البارع يتوثب لغزوة جديدة، وكجميع الغزاة يتحلى بقسوة حادة كالدرع.
وقال رجب مستزيدا من النسيان القاسي لصاحبته: شكرت بالتليفون، قلت إنني أود أن أزورها لولا إشفاقي من إحراجها. فقالت باستغراب: أي إحراج هناك؟! - دعوة صريحة! - وفي دقائق معدودة أو معدودات كما يقول علماء النحو كنت أستأذن لدخول حجرتها، ولكني وجدت في الخرابة عفريتا، وكان العفريت هو صديقنا علي السيد.
Shafi da ba'a sani ba