Maza Uku da Mace Daya
ثلاثة رجال وامرأة
Nau'ikan
لم ألبث لأسمع، فقد رماني بنظرة تشك كذبابة السيف.
فقال نسيم: إني مع إعجابي بقوة حنجرته، وبراعته في بعثرة الأشياء، وعلو لسانه في التقريع، لا يسعني إلا أن آخذ علما رسميا بما أبلغتني، فإن محاسن فتاة حساسة رقيقة الشعور، ولست أقبل أن يتلف لها صاحبنا راتب أعصابها على هذا النحو، وسأنظر في الأمر، وسأسأل محاسن، ولن أتهور أو أطيش، فإذا وجدت أن لصاحبنا راتب عذرا في انفجار بركانه الآدمي، فإنه سينجو من العقاب، أما إذا تبينت أنه أساء إلى محاسن بلا موجب، فإني أكون مضطرا إلى إنصافها منه.
وكانت محاسن، لما دخل نسيم، مذهولة، ولم يكن يخفى عليها أنها أخطأت خطأ فاحشا، في كتابة ما وكل إليها، وزادت في خطئها ووضعت بعضا مكان بعض، وعنونتها إلى جهات غير جهاتها، فدق الذين تلقوها التليفون للمدير مستغربين، ولكنها كانت قد قضت ليلة سوداء لم يغمض لها فيها جفن، فقد انتاب أمها مغص كلوي شديد، وقد تركتها تتلوى، فكان ما كان من الخطأ والتخليط.
واطمأنت على أمها في المساء، فلما كان اليوم التالي، وجاءت إلى المكتب وراجعت صور الرسائل، فطنت إلى ما وقعت فيه من أخطاء شتى، وهمت أن تطلع المدير على الحقيقة، ولكنه سبقها فدعاها إليه، وكان أكبر ظنها أن يلفت نظرها ويسألها عن علة هذا الخطأ، حتى إذا عرف عذر، والأمر على كل حال هين، وليس من شأنه أن يضر الشركة أو يجر عليها خسارة. ولكن الذي لم تكن تتوقع هو أن تتلقى كل هذا التوبيخ الأليم واللعن الوجيع، وفوقه الطرد من الشركة، على ذرى أمواج كالجبال المتقلعة من البذاءة.
وماذا تصنع الآن؟ أي عمل آخر يمكن أن تظفر به؟ وما العمل إذا لم توفق إلى وظيفة وقد بالغ أبوها في التقتير في النفقة لما علم أن لها مرتبا؟
أدارت كل هذا في نفسها وهي حائرة واجمة، وطحنت بأضراسها نصف القلم الذي كان في يدها وهي لا تدري، وإذا بنسيم يدخل ويقول بلا تمهيد: اتصل بي أن صاحبنا راتب كان يمتحن أمامك مقدرته الخطابية أو مبلغ ذلاقة لسانه وقوة بيانه، فهل أقنعك بفصاحته وبلاغته؟
فوثبت إلى قدميها، وقد خطر لها أن نسيما هو الرجل الذي يسعها أن تعوذ به في محنتها.
وقالت بسرعة: اسمع يا نسيم - وأهملت هي أيضا البيكوية؛ (كل امرئ يهملها اليوم) - إني في مأزق، وقد تستطيع أن تشير علي كيف أصنع، فهل لك أن ترافقني إلى مكان أشرب فيه فنجانا من القهوة؟
قال: اقتراح سديد، ولا شك أن الشركة ستفتقدني، وتبحث عني فلا تجدني، ولكن صاحبنا عزت كفء لتصريف الأعمال في فترة غيابي، وأنا أثق به، ففي وسع الشركة أن تطمئن، فلنذهب إذن لتشربي قهوتك، ثم تقصي علي القصة بالحرف الواحد، يعني من غير أن تنسي براعات صاحبنا راتب، فإنه - كما تعلمين بالتجربة، وأعلم بالسماع - من فحول البلغاء، وقد اتصل بي اليوم من مصادر شتى لا يرتقي إليها الشك أنه كما يقول الفرنجة: قد فاق نفسه.
قال بعد أن سمع القصة: هذه الحدة المباغتة من أجل غلطة يسيرة تبدو لي غريبة، وقد درسنا - أنا وأنت - الطبيعة الإنسانية درسا عميقا، وغصنا في بحرها اللجي طويلا، فنحن لا نستطيع أن نسلم بأن خطأ ما، من آنسة رقيقة مهذبة، يمكن أن يهدم سدود الأدب كلها ويطلق كل هذا السيل المتدفق من السلاطة، ولا شك أن صاحبنا راتب غليظ الطبع، وقد أتعبني ترقيقه، ولولا ما تعرفين من طول أناتي وحلمي وحبي لخيره لقنطت، ولكن آل نسيم براحهم بطيء، ولكنا نتحدث عنك لا عن آل نسيم، وإن كان الكلام فيهم يطيب ويحلو، ويعز علي أن أحرمك لذة الاستماع إلى وصف ما وهبهم الله من السؤدد والنجابة وآتاهم من العزم والحزم، ولكنه ما كل ما يتمنى المرء يدركه يا صديقتي، فاصبري وتجلدي، وحسبك عزاء عن هذا الحرمان أن فرعا من هذه الدوحة الكريمة الأصول، يجلس معك ويؤنسك ويطربك، ويطيب خاطرك، كلا، لا داعي للشكر، والآن نعود إلى مولانا راتب، فهل تظنين أن الأصوب أن أدخل في هذا الأمر أو أخرج؟
Shafi da ba'a sani ba